هل كان كسيحاً لا يمشي أم لديه عجز جنسي؟ هكذا اكتسب محارب الفايكنغ الشهير لقب “إيفار الكسيح”

يُعد إيفار الكسيح إحدى الشخصيات البارزة التي ظهرت في مسلسل الفايكنغ التلفزيوني الشهير، لكن هل كان إيفار قائداً قوياً وعنيفاً ولكنه لا يستطيع المشي؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/21 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/21 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
إيفار الكسيح، لقطة من مسلسل Vikings

يُعد إيفار الكسيح إحدى الشخصيات البارزة التي ظهرت في مسلسل فايكنغ التلفزيوني الدرامي الذي أنتجته قناة History وتنتهي مواسمه الستة خلال عام 2020. وقد لعب أليكس هوج أندرسن دور إيفار الكسيح في المسلسل، وهو شخصيةٌ رئيسية لطالما فضل المشاهدون أن يبغضوه بشدة، بسبب دمويته وعنفه تجاه الجميع حتى أُسرته. فقد صوَّر المسلسل إيفار على أنه قائد بارع، وقاتل لا يرحم قتل أخيه حين عارضه، وخصمٌ يصعُب قهره في أي معركة.  

بالطبع كل هذا مُبهر للغاية بالنسبة لقائد فايكنغ لا يستطيع أن يسير. فقد عانت شخصية إيفار من حالةٍ مَرَضِيَةٍ دائمة جعلت ساقيه عديمتَي الفائدة. وهكذا فقد حاول والده أن يقتله عندما وُلد، بسبب كونه كسيحاً.

كان والد إيفار- كما ظهر في المسلسل- هو راغنار لوثبروك، القائد الأسطوري للفايكنغ، وقد وُلد له إيفار بعد 3 من إخوته الكاملين والأصحاء جسدياً. اضطر إيفار لاحقاً إلى الزحف بدلاً من المشي، وركوب العربات بدلاً من الركض، وعندما كبر قليلاً كان يعرج على عكَّازين يحملانه.

ولكن على الرغم من ذلك، قاد إيفار الكسيح ما سماه البريطانيون المسيحيون "الجيش الوثني العظيم" في الموسمين الرابع والخامس من المسلسل، ليغزو الممالك الأربع للجزيرة البريطانية؛ انتقاماً لقتل والده على يد الملك "إيلا".

قد يظن البعض أن صنّاع المسلسل هم الذين صنعوا شخصية إيفار الكسيح الأسطورية. لكنه كان شخصاً حقيقياً فعلاً. لكن ماذا عن هذا اللقب الرائع والغامض؟

ظهر هذا اللقب قديماً في نصوصٍ كُتبت بعد قرونٍ تلت وفاته. ولكن لا أحد يعلم سبب إطلاق العامة عليه لقب "إيفار الكسيح".

فربما كان قعيداً، وربما لم يكن. فمثل كثيرٍ من الأعمال الدرامية التاريخية، أظهر مسلسل "الفايكنغ" استخداماتٍ للافتراض والخيال؛ لسد الفجوات في معرفتنا التاريخية. وفي هذا الموضوع سنبحث مع موقع How Stuff Works الأمريكي عن شخصية إيفار الكسيح ومن أين جاءه هذا اللقب.

الفايكنغ الدمويون: بين الحقيقة والخيال

يذكر تيفا فيدال لموقع How Stuff Works، وهو مؤرخٌ متخصِّص في دراسات العصور الوسطى وعالم الفايكنغ، أنه لا بأس في الاستمتاع بالقصة في المسلسل، ولكن من الضروري جداً أن نتذكَّر أن البرامج التلفزيونية الشائعة ليست بحثاً علمياً دقيقاً.

نميل دوماً إلى الخطأ في سرد قصة وتاريخ الفايكنغ بأنهم كانوا مهووسين بسفك الدماء والقتل ببشاعة. لكن هذه المعلومات مُضللة للغاية. ويمكنك قراءة هذا الموضوع للتعرُّف أكثر على الفايكنغ، من هنا.

كانت ذروة الفايكنغ في نهاية القرن السابع، عندما بدأوا أولى غاراتهم الشهيرة. فقد كانت حركة الاسكندنافيين (الفايكنغ) التوسعية دموية بالفعل. بدأت بالأساس في أوروبا الغربية وما وراءها، خلال القرن الثامن وأصبحت أكثر قوةً في القرن التاسع.

الفايكنغ
تصوراتنا عن الفايكنغ غالباً ما تكون خاطئة / Istock

وقد حدثت غاراتٌ دموية، وسُرقت أشياء قيِّمة، وحُرقت ودمِّرت مبانٍ دينية وغير دينية، إضافة إلى قتل كثير من الناس. فلا يمكننا أن ننكر أن الفايكنغ قد امتلكوا بالفعل قدرةً مميَّزةً على إلحاق الضرر أثناء غارات الكر والفر، على الأقل في البداية، حتى تأقلم الأشخاص الذين هُوجموا وردُّوا بالمثل.

لكن تيفا فيدال يذكر لنا حقيقةً أكثر واقعية بخصوص الفايكنغ، إذ يقول: مثلما ترى، كان الفايكنغ دمويين، نعم. لكنهم لم يكونوا أكثر دموية من الآخرين الذين عاشوا في الحقبة نفسها. لقد كانوا نتاج العصور الوسطى القديمة، وليس أكثر، ولا أقل عنفاً من أي شخص آخرٍ واجهوه.

ولنضرب على ذلك مثالاً واضحاً. فقد أمر شارلمان

الإمبراطور شارلمان

هو أشهر ملوك الإمبراطورية الرومانية المقدسة. حكم بين سنتي 768  و 814. وكان شارلمان أحد أبرز الملوك الأوروبيين الذين أعطوا للبابا سلطةً عليهم، وبهذا فقد قوَّى مؤسسة البابوية والأساقفة إذ جعل السلطة المدنية مستمدة من الهبة الكنسية.

وقد ضمّت إمبراطوريته معظم الأراضي المسيحية في أوروبا الغربيّة، باستثناء: الجزيرة البريطانية، وجنوب إيطاليا والأندلس التابعة للدولة الأموية.

، وهو إمبراطورٌ مسيحي لا ينتمي إلى الفايكنغ، بقطع رأس 4.500 من الساكسونين في أحد الأيام المشؤومة عام 782 ميلادياً، وذلك وفقاً لتدوين السجل الفرنسي الملكي.

لكن الفارق بين شارلمان والفايكنغ، أن هؤلاء الـ4.500 ساكسوني الذين قُتلوا لم يعيشوا ليكتبوا لنا أية روايات من وجهة نظرهم، عكس الأوروبيين الذين كانوا ضحايا الفايكنغ، فقد عاشوا ليكتبوا لنا روايتهم للأحداث.

وهكذا، فقد ثُبِّتت صورة الفايكنغ بأنَّهم برابرةٌ ملحدون من بعض أوائل ضحايا غاراتهم، من الرهبان المسيحيين غير المحصنين، الذين على الأرجح لم ينظروا إلى الفايكنغ بشكلٍ شامل من منظورٍ ثقافي وموضوعي.

وهكذا، علينا ونحن نقرأ عن الفايكنغ بغرض معرفة الحقيقة، أن نعتمد على تلك الروايات، وعلينا ألا نصدِّق فقط صورة سهلة ومريحة عامة من جانبٍ واحد، كان هو جانب الضحايا المتدينين فقط.

ماذا عن الجيش الوثني العظيم الذي قاده إيفار؟

في أواخر القرن التاسع، ظهرت "الوثائق الأنجلوساكسونية"، وهي عبارة عن مجموعة من السجلات عن التاريخ الإنجليزي، وخضع هذا النص المهم لمراجعة العلماء اللاحقين وتحديثاتهم لأكثر من 200 عام.

وفيها نجد وصفاً لما قد يُسمى أحياناً "الجيش الوثني العظيم". هبطت هذه القوة الغاشمة من الفايكنغ، المكوَّنة من الغزاة الاسكندنافيين، على الجزر البريطانية عام 865م. وغزت ثلاث ممالك في إنجلترا قبل أن يغلبهم ألفريد العظيم، ملك مملكة ويسيكس، في معركة إدينغتون عام 878.

بعد هذه الهزيمة، وافق الاسكندنافيون على معاهدة سلام واستقروا في أجزاء من الريف الإنجليزي. وتؤكد وثائق أخرى وجود ذلك الجيش الوثني العظيم؛ بل هناك أدلة أثرية أيضاً، هي: مواقع مدافن الفايكنغ.

تستشهد المؤرخة بجامعة ليفربول، كلير داونهام، بالوثائق الأنجلوساكسونية، لتوضِّح لنا أن إحدى الوثائق تتحدث عن وصول الجيش وتحركاته وأجزائه المختلفة، فقد كان عبارة عن اتحاد جيوش، بدأ معاركه عام 865 وحتى 878. وتضيف أن الوثيقة تذكر أيضاً أخا إيفار، في قيادة ذلك الجيش.

أسطورة إيفار الكسيح

عُرف إيفار الكسيح بصفته قائداً ذا مكانة كبيرة في الجيش الوثني العظيم ذلك. ولكن تصوراتنا عن هذا الرجل عبارة عن صورة مركبة ومُشتقَّة من عدة مصادر، يسمح لنا بعضها، مثل السجلات التاريخية سابقة الذكر، بأن نتأكد بموثوقية عالية، على وجود أحد قادة الجيش الوثني العظيم والذي كان يدعى إيفار.

إيفار الكسيح
تمثال لمقاتل من الفايكنج

تقول الروايات المكتوبة أيضاً، إن قائدين اثنين شاركاه القيادة، هما أوبا وهالفدان، وكانا إخوةً لإيفار. ولكن هذه المعلومات عكس ما جاء في المسلسل، الذي أظهر هالفدان عدواً لإيفار، وليس أخاه.

لكن هذا ليس كل شيء أيضاً، إذ تكشف بعض السجلات المكتوبة الأيرلندية، أن أحد قادة الفايكنغ المعروف بإيفار أو إيمار، صار ملكاً لجماعة من  النورثمن (الفايكنغ) في كلٍّ من بريطانيا وأيرلندا قبل وفاته عام 873 ميلادياً، أي إنه استوطن الجزيرة البريطانية.

لكن هل كان هذا هو الرجل نفسه؟ ينبِّهنا المؤرخ تيفا فيدال إلى أنه لا يمكن أن نكون متأكدين بنسبة 100% من أنه هو إيفار الكسيح. فلا يوجد دليل إيجابي مؤكد تماماً على أنه هو الشخص نفسه. لكن لا يوجد ما ينفي أيضاً أنهما الشخص نفسه أيضاً.

إيفار الكسيح.. قائد بلا عظام أم قائد خائب الأمل فقط؟

لا يفسر أي من هذا من أين جاء لقب "بلا عظام". لا يجد الخبراء أي مرجعٍ للاسم في السجلات والوثائق التاريخية المكتوبة في حياة إيفار.

تخبرنا كلير بأن المصادر المعاصرة لم تمنح إيفار هذا الاسم المستعار، لكنها المصادر الاسكندنافية اللاحقة التي ربما تعكس تطوُّر الأساطير حوله بمرور الزمن. فهناك هذه الملحمات الآيسلندية التي تتكون من نثر ملحمي دُوِّن في القرنين الثالث والرابع عشر. ورغم ذلك لا يمكننا بالطبع الاعتماد على الأساطير في التحقيق التاريخي.

وتحدد تلك الملحمات إيفار وهالفدان وأوبا بصفتهم أبناء لراغنار لوثبروك

راغنار لوثبروك

هو قائد وبطل أسطوري من الفايكنغ، جاء ذكره في الأشعار النوردية القديمة. ووفق الأسطورة فقد قاد أوّل غزوات الفايكنغ لبلاد فرنسا وإنجلترا الساكسونيّة الغنيّة خلال القرن التاسع الميلادي. وقد تناول مسلسل Vikings قصته هو وأولاده من بعده. لكن هناك الكثير من الأساطير والحكايات التي تدور حوله ما يجعل استخلاص الحقيقة في قصته صعباً.

، الحاكم الأسطوري من الفايكنغ. إن مثل تلك النصوص الأدبية هي سبب ذكر إيفار بأنه "بلا عظام".

وليس ثمة ما يخبرنا كيف حصل على هذا اللقب الغريب!

لكن الكلمة الاسكندنافية القديمة ben أو bein يمكن أن تعني إما عظاماً وإما ساقاً؛ ومن ثم يمكن أن يعني الاسم المستعار لإيفار "بلا عظام" أو "بلا ساق". وهذا يستحضر بالتأكيد صورة شخص يعاني مرضاً يتعلق بالعظام، وليس شخصاً كسيحاً لا يستطيع المشي.

ومن المشكوك فيه أن فايكنغ معاقاً بدرجة شديدة أو يعاني علة في الهيكل العظمي، يمكن أن يرتقي ليصبح عسكرياً بارزاً مثلما كان إيفار، فنظام القيادة العسكرية في الفايكنغ يعتمد على القوة والصلابة والعنف أيضاً. وعلى أقل تقدير، لا يوجد دليل مُقنع، لدعم ما تصوَّره المسلسل.

لكن هناك تفسيرات أخرى للعمل عليها. فبعض كُتاب العصور الوسطى ربما خلطوا بين الكلمة اللاتينية "exos" التي تعني "بلا عظام"، وكلمة "exosus" التي تعني "مكروه".

لذا ربما كان إيفار مجرد فايكنغ مرعب ذي سمعة تتوافق مع الكلمة. كما أن هناك احتمالية أخرى تتمثل في أن لقب "بلا عظام" كلمة مجازية تشير إلى العجز الجنسي!

تحميل المزيد