في اللحظات التاريخية الكبرى، لكل فعلٍ مهما اعتبره البعض بسيطاً، نتيجة مؤثرة. وفي ليلة الانقلاب التركي الفاشل 15 يوليو/تموز 2016، كان الضابط عمر خالص دمير على موعدٍ مع التاريخ، حين ساهم في إفشال الانقلاب برفضه الأوامر العسكرية الصادرة من الجنرال سميح الترزي، ودفع حياته ثمناً لذلك.
الرقيب أول يرفض أمر جنراله ويقتله!
في تلك الأجواء الانقلابية بتركيا في تلك الليلة، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمته الشهيرة عبر تطبيق FaceTime، طالباً من الشعب النزول إلى الشوارع؛ للحفاظ على الديمقراطية وإفشال محاولة الانقلاب.
وبينما كانت إحدى الطائرات تقصف الفندق الذي يقضي فيه الرئيس إجازته في منتجع مرمريس على البحر المتوسط (جنوب غربي تركيا)، وكانت الدبابات تغلق مضيق البوسفور بإسطنبول، اتجهت وحدةٌ من القوات الانقلابية إلى مقر القوات الخاصة في العاصمة أنقرة، لتسيطر عليها.
الرقيب عمر خالص دمير هو سكرتير قائد القوات الخاصة. وصلت القوة الانقلابية بقيادة قائده السابق سميح الترزي، وأمره أن يسلم مقر القوات الخاصة إلى قوات الانقلابيين. اتصل دمير بقائده يسأله ماذا يفعل، فطلب منه قائده عدم تسليم المقر والدفاع عنه مهما كان الثمن.
وللصدفة، كان قائد القوة الانقلابية مشرفاً على دمير نفسه حين خدم بصفوف القوات التركية المشاركة في حفظ السلام بأفغانستان، لكن ذلك لم يمنعه من اتخاذ قراره الجريء: فقد أخرج مسدسه وأطلق عدة رصاصات قاتلاً الجنرال الانقلابي وسط قواته. وقد قُتل عمر خالص دمير على يد قوات الانقلابي سميح الترزي بـ30 رصاصة.
وفق بعض المواقع التركية، فإن سيطرة الانقلابيين على مقر القوات الخاصة كان من شأنها المساهمة بقوة في إنجاح الانقلاب. فقد كان ذلك المقر سيُستخدم في عمليات القنص واغتيالات كبار مسؤولي الدولة، كما كانت سيطرتهم على المقر ستعيق تحرُّك القوات الخاصة نفسها التي لعبت دوراً كبيراً في دحر الانقلاب.
انتهى الانقلاب في ليلته بعدما استطاع الرئيس التركي أن يخرج للشعب مرتين، مطالباً الجموع بأن تخرج إلى الشوارع لحماية الديمقراطية، وخرجت الأحزاب والوجوه السياسية رافضةً الانقلاب، بعدها وصل الرئيس التركي إلى مطار إسطنبول وفي انتظاره الآلاف لاستقباله، وفي الصباح كانت قوات الانقلاب قد استسلمت أو تم القبض عليها.
نشأة بسيطة وترقيات في الجيش التركي
عاش عمر خالص دمير حياةً بسيطة، فقد وُلد عام 1974 لأسرةٍ بسيطة في قرية شكركويو بمحافظة نايدة وسط تركيا. كان عمر ولداً ضمن 9 أطفال، عاش في قريته البسيطة والتحق بالقوات التركية عام 1999، برتبة جندي، وخدم خارج تركيا بشمال العراق وفي القوات التركية بأفغانستان، ثم رُقِّي إلى رتبة "رقيب أول" في القوات الخاصة التركية لاحقاً.
كان لعمر خالص دمير طفلان من زوجته خديجة خالص دمير، هما: إليف نور، ودوغان أرطغرل. وقد أضحى دمير رمزاً وطنياً من الرموز التي قاومت انقلاب 15 يوليو/تموز 2016. وبعد يومين من ليلة الانقلاب، نُقل جثمانه إلى مسقط رأسه في قريته، وشيَّعه من أمام بلدته أكثر من 5 آلاف مواطن. ولُفَّ جثمانه بالعلم التركي محمولاً على أكتاف الجنود في جنازةٍ عسكريةٍ تشريفية كبيرة.
وصارت صوره تُرفع في فعاليات "صون الديمقراطية" وفي كل ذكرى سنوية تمر على الانقلاب، وأصبح اسمه أيضاً يتردد في خطب السياسيين الأتراك أحياناً، وأطلِقَ اسمه على عديد من المنشآت التربوية وحتى الأمنية. فقد أطلِقَ اسمه على جامعة مدينته نايدة، وعلى عدة مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية بأنحاء تركيا.
وقد حكم القضاء التركي بالسجن المؤبد المشدد على 18 متهماً بقتل دمير.