تحتفل تركيا في 18 مارس/آذار من كل عام بذكرى انتصار الجيش العثماني على قوات الحلفاء في حملة غاليبولي، والتي دارت رحاها في الحرب العالمية الأولى على ضفتي مضيق الدردنيل في مدينة جناق قلعة.
بدأت معركة جناق قلعة – أو كما يسميها البريطانيون "حملة غاليبولي" – في العام 1915، حين أرسلت قوات الحلفاء حملةً تضم فرقاً عسكريةً بريطانية وفرنسية ونيوزيلاندية وأسترالية، للسيطرة على مضيق الدردنيل، والانطلاق منه إلى إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية آنذاك.
محاولات قوات الحلفاء باءت بالفشل، في الحملة التي امتدت بين فبراير/شباط 1915 ويناير/كانون الثاني 1916، مخلفةً نحو 302 ألف قتيلاً من جانب الحلفاء، مقابل 250 ألفاً على الجانب العثماني.
ومن المعروف أن صمود القوات العثمانية في وجه الحملة الشرسة صنع أبطالاً كثر، على رأسهم الزعيم التركي مصطفى كمال باشا، الذي عُرف لاحقاً بلقب "آتاتورك".
"كوجا سعيد" يوقف عبور البريطانيين للدردنيل
ومن الأبطال الذين يحتفي الأتراك بهم، جنديٌ اسمه سعيد علي تشابوك، يُعرف شعبياً بـ "العريف سعيد" أو "كوجا سعيد".
تقول الروايات التركية أن للعريف سعيد فضلاً كبيراً في انتصار الجيش العثماني في المعركة، إذ كان يحمل على ظهره قذائف يصل وزنها إلى ما يقارب 276 كيلوغرام، للمدافع التي كانت أطلقت على السفن الحربية البريطانية التي حاولت إقتحام مدينة جناق قلعة.
من هو الجندي العثماني سعيد علي تشابوك؟
ولد سعيد في العام 1889 في إحدى قرى منطقة بالك أسير التركية، والتي سميت لاحقاً باسمه تقديراً لبطولاته.
التحق "كوجا سعيد" بالجيش العثماني في العام 1909، ومع بداية الحرب العالمية الأولى توجه إلى العمل كمدافع عن جبهة جناق قلعة غرب تركيا.
في يوم 18 مارس/آذار 1915، بدأت سفنٌ بريطانية محاولة اقتحام مدينة جناق قلعة المطلة على مضيق الدردنيل.
كان العريف سعيد حينها مسؤولاً عن الثكنة المجيدية في غرب المدينة، فأمر قواته باستهداف السفن البريطانية بالنيران العنيفة والقذائف المدفعية.
تقول الرواية التركية لما حدث في غاليبولي، إن العريف سعيد علي تشابوك، كان يحمل القذائف الكبيرة التي يصل وزن الواحدة منها إلى 215 كيلوغراماً، لمساندة المدفعية ومواصلة ضرب السفن البريطانية بالقذائف لمنعها من التقدم.
وبالفعل، تسببت القذائف العثمانية بإغراق جزءٍ كبيرٍ من الأسطول البريطاني الذي كان يحاول عبور الدردنيل، بينما أصيب بعضها بالألغام التي سبق زراعتها في المنطقة ما أدى إلى غرقها في بحر إيجه.
وبعد فشل البريطانيين في عبور المضيق إلى بحر مرمرة، بدأت قوات الحلفاء بالانسحاب بالنظر إلى فشل حملة غاليبولي في تحقيق أهدافها.
تكريم سعيد تشابوك ومنحه لقب "عريف"
تقول الرواية التركية، إن قادة الجيش العثماني طلبوا من العريف سعيد أن يحمل إحدى القذائف على ظهره ليتم تصويره بها في اليوم التالي للمعركة، لكنه لم يستطع رفعها لثقلها.
حينها قال الجندي العثماني، "إذا خضنا حرباً أخرى، فسأتمكن بالتأكيد من رفعها مجدداً" – بحسب صحيفة Sabah التركية -.
ومع نهاية الحرب في العام 1918، عاد سعيد تشابوك إلى قريته، حيث عمل في الغابات واستخراج الفحم من المناجم، وفي العام 1939 توفي مصاباً بمرض السل.
مدينة جناق قلعة تخلّد بطولات سعيد تشابوك
وعند زيارتك لمدينة جناق قلعة (غرب تركيا)، يمكنك زيارة حصن روملي والثكنة المجيدية اللذان يعدان من أبرز الأماكن السياحية في المدينة.
وغير بعيدٍ عن الثكنة، ستجد تمثالاً كبيراً لمقاتل عثماني يحمل قذيفة مدفعية يمثّل "العريف سعيد" أو "كوجا سعيد" الذي يحتفي به الأتراك.
فخر الأتراك بهذا الجندي بلغ إلى حد تسمية قريته باسمه، وإنشاء تمثالٍ آخر له وهو يحمل القذيفة بجانب قبره.
بل إن مطار مدينة بالك أسير يحمل اسم "كوجا سعيد".