مارتن لوثر الذي لا تعرفه.. أحرق رسالة البابا وحارب الكنيسة الكاثوليكية ليؤسّسَ ثاني أكبر مذهب مسيحي

مارتن لوثر الألماني سبق الناشط الأمريكي الشهير بعقود. نضاله الطويل كان مع الكنيسة الكاثوليكية التي ظل يحاربها حتى مماته. أسس ثاني أكبر مذهب مسيحي وهذه قصته

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/22 الساعة 16:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/22 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
Monument of Martin Luther in Wittenberg, Germany. It was the first public monument of the great reformer, designed 1821 by Johann Gottfried Schadow. Martin Luther (1483-1546) was a German monk, theologian, and church reformer and the translator of the bible into German. He is also considered to be the founder of Protestantism. He lived and worked many years in Wittenberg.

يحتفل الأمريكيون في 21 من يناير/كانون الثاني من كُل عام بيوم مارتن لوثر كينغ، ذلك المناضل الأسود الذي نادى من أجل تحقيق المساواة في الحقوق المدنية لكل المواطنين. ولكن ما قد لا يعرفه الكثير؛ هو وجود مارتن لوثر الألماني والذي سبق الأمريكي الشهير بقرون.

كان له نضال من نوع آخر في النصف الآخر من الكرة الأرضية، وتحديداً في قلب ألمانيا في القرون الوسطى. نضال لاهوتي أدى لتأسيس ثاني أكبر كنيسة في العالم يتبعها نحو 900 مليون مسيحي.

مارتن لوثر الألماني .. ابن تاجر النحاس الذي درس اللاتينية والفنون

Martin Luther مارتن لوثر هو راهب مسيحي ومفكر لاهوت -علم الدين- إصلاحي ألماني، عُرف بتأسيس المذهب البروتستانتي المسيحي.

ولد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1483، وعاش في ألمانيا بين القرنين الـ15 و الـ16، وشهدت حياته جدلاً، وخلافاً كبيراً بينه وبين سلطة الكنيسة الكاثوليكية الأكثر انتشاراً آنذاك.

أظهر مارتن لوثر براعة في التعليم، فدَرَس اللاتينية وبعض الدراسات الدينية البسيطة والفنون الحرة، وفق ما نشرت موسوعة Britannica.

أراد والده الذي عَمل في تجارة النحاس أن يدرس ابنه مارتن القانون، وهو ما امتثل له الابن النابه، ولكنه سرعان ما وجد شغفاً آخر، وترك دراسة القانون عام 1505.

اتجه إلى سلك الرهبنة في أبرشية إيرفوت Erfurt في ألمانيا، وكان سبب ذلك حادثاً شهيراً، وغير عادي.

عاصفة رعدية غيرت مجرى حياته

في العام 1505 – وقبل أن يقرر أن يسلك الرهبنة – تعرض لوثر إلى عاصفة رعدية شديدة ومُخيفة أثناء مروره بقرية صغيرة.

خاف بشدّة ونذَر في قَلبه أنه لو كُتبت له النجاة من تلك العاصفة فسوف يصير راهباً، وهو ما حدث بالفعل.

غضب والده من قراره لأنه لم يقتنع بهذا السبب بعدما أراد لابنه مساراً مهنياً في عالم القانون.

أعلن لوثر انضمامه للمنهج الأوغسطيني الكاثوليكي، الذي كان يشهد انقساماً بين أتباعه؛ فمنهم شِق متزمّت يرفض أي تجديد وتعديل على الديانة، والآخر مؤيد للتعديل والاندماج مع العصر ونبذ التشدّد.

ولكن لوثر انضم للجانب المُتشدد من المنهج الأوغسطيني؛ ليكون هذا بداية اختلافه مع العقيدة الكاثوليكية بأكملها، وبداية ما نُسب إليه باسم "لاهوت التحرير".

الخلاف الكبير والصدام مع السلطة الكنسية

بعد عامين، في عام 1507 حصل مارتن لوثر على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت Theology، وانتقل بين الأبرشيات كراهب ورجل دين، مُدرساً للعقيدة.

شهدت حياته الرهبانية جدالاً واسعاً بينه وبين تلاميذه وزملائه مُدةِ 10 أعوام.

كان رأي مارتن لوثر الشخصي يطغى على التدريس النمطي المُحافظ للاهوت الكاثوليكي؛ وبدأت لهجته الاعتراضية على التشدد الكاثوليكي في الظهور عام 1517.

من أبرز مواقفه التي تسببت في صِدامه مع الكنيسة الكاثوليكية وأقطابها رفضه للسيطرة الشديدة لآباء الكنيسة على الديانة حصرياً، والفساد المستشري بين رجالها.

ومن بين أبرز القضايا ما عُرفت بـ"صكوك الغفران" أو Indulgences.

حارب الكهنوت ومبدأ بيع المغفرة والجنة مقابل المال

تمثلت فكرة صكوك الغفران في منح المغفرة الإلهية الكاملة للمسيحيين -عن طريق البابا، الذي يعد أعلى مناصب الديانة المسيحية- في مقابل مبالغ مالية بعينها.

استغل العديد من رجال الدين داخل الكنيسة هذه الصكوك للتربح وجمع الثروات للإنفاق على البنية الأساسية للكنائس والكاتدرائيات.

بعدها قاد لوثر حركة إصلاحية ضد رؤوس الكنيسة الكاثوليكية آنذاك، ولكنها قوبلت برفض شديد وهجوم حاد عليه.

وكان من بين مواقفه التي سببت الهجوم عليه ترجمته للأناجيل اللاتينية -التي تُدَرَّس لرجال الدين وحدهم- إلى الألمانية وجعلها متاحة لجميع المسيحيين.

بخلاف موقفه الفكري الشهير الذي يقوم على أن (الإيمان وحده كافٍ للخلاص) بدون وساطة رجال الكنيسة، أو الغفران الكهنوتي، وهو ما أسمته الكنيسة الكاثوليكية بالهرطقة؛ أي البدعة.

الحرق مقابل الحرق.. لوثر يؤسس البروتستانتية

في العام 1521 كان غضب الكنيسة الكاثوليكية قد بلغ أوجه، فأرسل البابا (ليو العاشر) بابا الكنيسة الكاثوليكية آنذاك تحذيراً شديد اللهجة إلى لوثر.

أمر بحرق أعماله الكتابية الإصلاحية التي بلغت 95 رسالة عظة، وفق ما نشر موقع Biography.

رد لوثر بأن أحرق رسالة البابا ليو العاشر، فصدر الأمر فوراً بحرمانه كنسياً؛ أي طرده من العمل الكنسي.

أسس بعدها مارتن لوثر الكنيسة البروتستانتية التي تختلف مع مثيلتها الكاثوليكية في عِدة نِقاط محوَرية تتلخص في:

  •    لا تعترف بأي نص يفرض سُلطة على المسيحي سواه
  •    ترفض الصلوات على القديسين
  •    تنكر الخلافة الرسولية وأعمال الرُسل
  •    لا تعترف بمنصب البابا
  •    تسمح بزواج الكهنة، تزوج لوثر نفسه براهبة سابقة هي كاترينا فون بورا
  •    تنكر أسرار الكنيسة الكاثوليكية السبعة –ومنها طقس الاعتراف وطقوس الزواج- ماعدا طَقسي التناول والتَعميد، فقط هما المعُترف بهما بشكل أساسّ في البروتستانتية. وترى كذلك أن تلك الأمور -أي الأسرار والطقوس- ليست حكراً على رجال الدين ولا يوجد ما يجعلها سراً.

درس اللاهوت وحارب الكنيسة حتى آخر أيامه

بعدما صعد نجم الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا بفضل دعم النبلاء والأمراء لها –على خلفية توتر العلاقات بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية- ظل مارتن لوثر بعيداً عن الكنيسة الكاثوليكية فترة قاربت العام.

كان يساهم في تأسيس الكنائس والأبرشيات البروتستانتية. وبرغم الهجوم عليه وحِرمانه كُنسياً؛ إلا أنه ظل يبشّر ويحاضر في كُتب العهد القديم في كنيسته القديمة.

لكن سُخط العامة عليه تسبب في شن هجوم عليه مع تقدمه في السن، وحتى الاعتداء عليه جسدياً من قبل بعض معارضي أفكاره من الكاثوليك.

انعزل في إحدى القلاع بمعاونة أحد الأمراء الألمان؛ وتوفيّ في 18 فبراير/شباط عام 1546 متأثراً بالشيخوخة والمرض.

تحميل المزيد