5 معارك هامة لا تُذكر كثيراً.. إحداها شهد انتصار المسلمين على البيزنطيين، وأخرى إيقافهم لزحف المغول

يمكن للمعارك العسكرية أن تُغيِّر مصير أمم إلى الأبد وأن تشكّل لحظات فاصلة في تاريخ الدول وبالفعل؛ هناك معارك غيرت مجرى التاريخ حرفياً ولكنها رغم ذلك لم تنل حظها من الشهرة مثل أخرى لم تكن فيصلية بالدرجة ذاتها.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/26 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/26 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية - الشبكات الاجتماعية

يمكن للمعارك العسكرية أن تُغيِّر مصير أمم إلى الأبد وأن تشكّل لحظات فاصلة في تاريخ الدول وبالفعل؛ هناك معارك غيرت مجرى التاريخ حرفياً ولكنها رغم ذلك لم تنل حظها من الشهرة مثل أخرى لم تكن فيصلية بالدرجة ذاتها.

ومن بين مئات المعارك التي شهدها العالم على مدار الخمسة آلاف سنة الماضية من الحروب المُسجَّلة تاريخياً، سلطت مجلة The National Interest الأمريكية الضوء على أكبر 5 معارك غيرت مجرى التاريخ لكن حقها من الشهرة بُخس أمام المعارك والحروب الأحدث والأقرب لعصرنا.

1- معارك غيرت مجرى التاريخ: معركة جسر ميلفيان وانتشار المسيحية (عام 313)

كان من المفترض أن تكون هذه المناوشات التي تبدو عشوائية مجرد معركة أخرى في سلسلة من المناوشات التي نُسيَت طويلاً في الحروب الأهلية التي استنزفت الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الثالث الميلادي. لكن انتصار قسطنطين العظيم في معركة الوصول إلى عرش الإمبراطورية الرومانية، كان حدثاً كبيراً في تاريخ العالم.

قسطنطين، الذي كان يقاتل ليصبح إمبراطوراً، دخل معركة جسر ميلفيان قرب روما، حيث قاتل جيشاً ضعف حجم جيشه وكانت هذه المعركة حاسمة بالنسبة للإمبراطورية الرومانية وانتشار المسيحية. في الليلة السابقة للمعركة، زعَم أنَّه رأى صليباً في السماء مع عبارة "ستنتصر بهذا الرمز"، ليأمر جنوده برسم الصليب على دروعهم، وفاز بالمعركة بعدها، وأصبح إمبراطوراً. 

ثُمَّ بدأ يرعى المسيحية، ما أدى إلى انتشارها من مجرد طائفة صغيرة مضطهدة لتصبح الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية بحلول عام 380. وقادت أعماله إلى تأسيس شكل مُنظَّم من المسيحية، والذي سيلعب بعد ذلك دوراً مهماً في التطور اللاحق للعالم الغربي. 

2- معركة ملاذكرد – انهيار الإمبراطورية البيزنطية ثم انطلاق الحروب الصليبية (عام 1071)

مع أنَّها ليست بشهرة معركة فتح  القسطنطينية الذي قادها السلطان العثماني محمد الفاتح في عام 1453، فإن  معركة ملاذكرد كانت هي المعركة التي مهدت إلى الانهيار الحتمي للإمبراطورية البيزنطية، وساهمت في صعود الدولة العثمانية في الأناضول (شبه الجزيرة التي تُشكِّل معظم ما يُعرَف اليوم بـ "تركيا").

كانت قاعدة القوة البيزنطية هي الأناضول، وليست اليونان نفسها – فقط قارنوا عدد سكان اليونان اليوم (قرابة 11 مليون نسمة) بتركيا (قرابة 75 مليون نسمة) – وكانت الأناضول قاعدة القوة البيزنطية في فرض السيطرة على البلقان وأجزاء من إيطاليا والشرق الأوسط. 

وبحلول عام 900، لم يعد لخلفاء الدولة العباسية في بغداد سلطة فعلية على كل الدول الإسلامية، إذ ظهرت عدد من الدول الإسلامية المستقلة على حدود البيزنطيين، وفي محاولة لتصحيح هذا الوضع، استدعى الخلفاء العباسيون المحاربون الترك لاستعادة عروشهم، لكنَّ هذا لم يُفلِح وقاد بدلاً من ذلك إلى إنشاء قوى جديدة، أبرزها الإمبراطورية السلجوقية، التي امتدت من آسيا الوسطى حتى تركيا. 

ثم بدأ السلاجقة تحت حكم السلطان ألب أرسلان دخول الأراضي البيزنطية، ما أدى إلى رد فعل من الإمبراطور رومانوس الرابع ديوجينيس. تقابل الجيشان في شرق الأناضول عام 1071، ولم يقاتل نصف الجيش البيزنطي حتى بسبب الأوضاع السياسية البيزنطية الداخلية التي أدَّت إلى الخيانة وضعف القوات. 

كما تعرَّض الإمبراطور البيزنطي للأسر، وسقطت الإمبراطورية في حرب أهلية على الرغم من إطلاق سراحه. وفي غضون عقد من الزمن، فقدت الإمبراطورية معظم قلبها النابض واضطرت لتوجيه طلب مساعدة للبابا، وهو ما أدَّى إلى الحملات الصليبية. وفي هذه الأثناء، سيطر السلاجقة كذلك على القدس من الدولة الفاطمية الشيعية في مصر عام 1073، ما جعل الأحوال أسوأ بالنسبة للكل هناك.

3- معركة تارين الثانية وقيام دول إسلامية في جنوب آسيا (عام 1192)

كانت معركة تارين الثانية المغمورة نسبياً في النهاية هي أهم معركة في تاريخ شبه القارة الهندية، لأنَّها جعلتها على ما هي عليه اليوم. فمن الناحية الجيوسياسية، أدَّت المعركة إلى تحول جنوب آسيا سياسياً إلى جزء من العالم الإسلامي الأكبر الكائن إلى الغرب منها.

حتى القرن الثاني عشر، كان معظم الهند، التي تُعَد واحدة من أغنى مناطق العالم، يخضع لحكم الممالك الهندوسية والبوذية المحلية، رغم أن الدول الإسلامية حققت بعض التقدمات في شمال غربي الهند (أجزاء مما يعرَف اليوم  بـ"باكستان"). لكن في أواخر القرن الثاني عشر، قرَّر محمد الغوري، وكان حاكماً محلياً في ما تُعرَف اليوم بأفغانستان، بعمل ما هو أكثر من مجرد الإغارة على الهند لجلب الغنائم، إذ أراد تأسيس إمبراطورية إسلامية دائمة في شبه القارة.

وبعد غزو معظم ما تُعرف اليوم بباكستان، تواجه وجهاً لوجه مع تحالف من الراجبوت (وهي طبقة هندوسية محاربة) بقيادة القائد بريثفيراج تشوهان في منطقة تارين (قرب دلهي) عام 1191، وانهزم هناك. لكنَّه عاد في العام التالي بـ120 ألف رجل مقابل 300 ألف من مقاتلي الراجبوت (الرقم مُبالَغ فيه على الأرجح). وفي معركة تارين الثانية، استخدم الغوري سلاح الفرسان السريع لكسر القوات الهندوسية من خلال مهاجمة قلب جيش الراجبوت وإخافة أفيالهم، فحقق فوزاً حاسماً وقتل تشوهان.

وبعد إزاحة التحالف الرئيسي ضد حكمه في القلب النابض لشمال الهند الخصب، اجتاحت جيوش الغوري كامل شمال الهند، وبلغت البنغال بحلول عام 1200، وقضت على البوذية الهندية إلى حد كبير في طريقها. 

خضع معظم الهند في النهاية للحكم الإسلامي، وتأسست لاحقاً سلطنة دلهي (عام 1206) وإمبراطورية المغول (عام 1526). وقد وضع هذا الأساس لدولتي باكستان وبنغلاديش المستقبلتين، إلى جانب إمبراطوريات قوية مثل المغول الذين تمكَّنوا من توحيد معظم جنوب آسيا. ويوجد أكبر تجمُّع للمسلمين في العالم اليوم في جنوب آسيا.

وفي هذه الأثناء، جاء رد فعل الهندوس، الذين يُشكِّلون الأغلبية في المنطقة، متبايناً تجاه الحاكم المسلم: المقاومة، والتعاون، والعداء، والتحالف. ولم يكن حدوث أي من هذا حتمياً أو مُرجَّحاً لولا انتصار المسلمين في تارين.

4- معركة عين جالوت وهزيمة المغول (عام 1260)

كانت هذه هي المعركة التي أوقفت القوة الهائلة التي لم يكن بالإمكان إيقافها قبل ذلك للمغول، ومنعتهم من التقدم أكثر في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا. اصطدمت جيوش المغول بالقوة المملوكية عام 1260، بعدما دمَّرت بغداد عاصمة الدولة العباسية عام 1258. 

كان المماليك طبقة عسكرية من الجنود المسلمين ينحدرون من العبيد وكانت قاعدتهم في مصر. وكان المغول تحت قيادة قائد مساعد لأنَّ قائدهم، هولاكو خان حفيد جنكيز خان، كان قد عاد إلى الديار بسبب نزاع على خلافة الحكم. وكان يهدف لغزو الشام ومصر.

كان لدى كلا القوتين 200 ألف رجل. لكنَّ المماليك هزموا المغول باستخدام تكتيك مغولي قديم وقادوهم إلى كمين. إذ خبَّأ قائد المماليك سيف الدين قطز – الذي كان في الواقع قد أُسِر من جانب المغول وبِيِع كعبد – معظم فرسانه في التلال المحيطة بالسهل، وأَمَرَ قوة صغيرة بالتقدم لاستفزاز المغول ودفعهم للهجوم. وتسبَّب هذا في اندفاع المغول إلى فخ المماليك. ومثَّلت المعركة أول هزيمة للمغول في معركة مفتوحة.

يتمثل إرث عين جالوت في حقيقة أنَّها حافظت على معظم العالم الإسلامي وأوروبا من المزيد من الانقضاض المغولي من خلال منع المغول من التقدم نحو الغرب، وإثبات أنَّ بالإمكان هزيمتهم. وبعد فترة قصيرة من ذلك، تمزَّقت جبهة المغول الموحدة لغزو العالم وبدأ المغول يتقاتلون في ما بينهم.

5- معركة كاخاماركا والسيطرة على إمبراطورية الإنكا (عام 1532)

وقعت معركة كاخاماركا في جبال الأنديز الواقعة في شمال ما يُعرَف اليوم بدولة بيرو بين الإسبان بقيادة فرانثيسكو بيثارو وشعب الإنكا بقيادة الإمبراطور أتاوالبا. وكانت واحدة من أغرب المعارك في التاريخ بسبب التفاوت في الأعداد بين الجانبين.

عام 1532، توغَّل بيثارو عميقاً داخل قلب إمبراطورية الإنكا بـ162 رجلاً فقط وهو عدد صغير جداً يتحدى المنطق، لاسيما أنَّ خطة بيثارو منذ البداية كانت على ما يبدو هي الغزو. درس بيثارو الغزوات السابقة لإرنان كورتيس في المكسيك، حيث هزم ذلك الفاتح الإسباني إمبراطورية الأزتيك الأكثر عدداً بكثير باستخدام ألف رجل فقط.

ولهزيمة الإنكا، لجأ بيثارو إلى الخداع والاستفادة من جميع المميزات التي يتمتع بها. إذ تظاهر بحسن نواياه، ورتَّب للقاءٍ مع أتاوالبا، الذي أحضر 80 ألف محارب إلى اللقاء في ساحة بلدة كاخاماركا (كان معظمهم مُعسكِراً خارج البلدة). وفي خطوة جريئة، أَسَرَ بيثارو أتاوالبا وقتل معظم قادته الكبار دون أي خسارة في رجاله باستخدام الأحصنة والبنادق والحديد، التي تسبَّبت بصدمة للإنكا، الذين لم يكونوا يتوقعون نشوب معركة وفقدوا أكثر من ألفين من رجالهم. انهزم الجيش الرئيسي للإنكا وتشتت.

أدَّت سيطرة بيثارو على إمبراطور الإنكا إلى سيطرته على إمبراطوريته، أولاً من خلال شخصيات دُمى في يده، ثُمَّ بعد ذلك بصورة مباشرة. وكُتِب على معظم القارة أن يظل مستعمرة إسبانية على مدار الثلاثمائة سنة التالية. وأغرقت الفضة المُستخرَجة من بيرو السوق العالمية، وأدَّت إلى زيادة عملية سك العملة في الاقتصاد العالمي، وصلت حتى مناطق بعيدة جداً مثل أوروبا والصين.

علامات:
تحميل المزيد