ابن زعيم سياسي اختُطف مع أخته وبِيع كعبد.. ماذا تعرف عن أولودا إكويانو الذي أنهى تجارة الرقّ في العالم؟

في مكانٍ ما على ساحل دولة نيجيريا، كان أولودا إكويانو البالغ من العمر 11 عاماً حينها يرتجف رُعباً أثناء الزج به على متن سفينة للرقيق، وذلك في العام 1756م.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/16 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/16 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
من هو أولودا إكويانو؟

في مكانٍ ما على ساحل دولة نيجيريا، كان أولودا إكويانو البالغ من العمر 11 عاماً حينها يرتجف رُعباً أثناء الزج به على متن سفينة للرقيق، وذلك في العام 1756م.

كدّس تجار العبيد السفينة بكثير من الرجال والنساء والأطفال من كافّة أنحاء إفريقيا، وكان إكويانو يجلس في الطابق السفلي للسفينة إلى جانب الأشخاص المقيدين بالأصفاد.

من هو أولودا إكويانو؟

ولِد إكويانو في إساكا في العام 1745، وهي مقاطعة صغيرة في مملكة بنين الواقعة في غينيا، وكان الأخ الأصغر بين سبعة أطفال. ولا يُعرف سوى القليل عن حياته المبكرة، ولكن طفولة إكويانو في إساكا كانت على الأرجح بسيطة وسعيدة، ويشار إلى أنه من مجتمع الإيبو وكانت عائلته ذات نفوذ إذ كان والده زعيماً سياسياً، وفق ما ذكرته مجلّة History Extra البريطانية.

في عام 1789، نشر هذا الرجل الأسود كتاباً عن تجارب حصلت معه بداية من الاختطاف وبيعه وتعرضه لشتى أنواع الانتهاكات مؤسساً بقصته نوعاً جديداً من الأدب، وطرقاً جديدة لفهم تجارب العبيد من منظورهم الشخصي ولأول مرة.

هذه القصة كانت سيرة ذاتية في 12 فصلاً، حملت اسم "،The Interesting Narrative of the Life of Olaudah Equiano, Or Gustavus Vassa, The African،" ونُشرت لأوّل مرّة في عام 1789، وسرد تفاصيل رحلة حياته من إفريقيا إلى العبودية في الأطلسي إلى الحرية البريطانية.

قدَّم فيهاً مجموعة أدلة ساعدت في دعم وتعزيز إلغاء ونهاية الرقيق عبر المحيط الأطلسي من قِبل بريطانيا وغيرها، ولكن بعد وفاته.

قصة حياة أولودا إكويانو.. لم أكن أعرف البيض أبداً!

يقول إكويانو في سيرته الذاتية إنه لم يسمع قطّ بالرجال البيض أو الأوروبيين، أو البحر، وأضاف أنه وأطفال قريته كانوا يقضون أوقات الظهيرة يُراقبون الخاطفين الذين اعتادوا اختطاف الأطفال الذين ليسوا بصحبة أحد من أجل بيعهم كرقيق.

وخلال إحدى تلك الغارات، اختُطف إكويانو واخته وأُبِعدا عن قريتهما.

بعد بضعة أيّام، فُصل الشقيقان، وبيع إكويانو لشخص جديد وقال: "لاحقاً انفصلت عن أختي بينما كُنا مُستلقيين، وكانت توسّلاتنا ألا يفرّقونا دون جدوى، لقد انتُزِعت بعيداً عني وحملوها بعيداً، وبينما تركوني في حالة لا يمكن وصفها من التشتيت، بكيت وحزنت دون انقطاع".

شأنه شأن معظم الرقيق، بِيع إكويانو مراراً وتكراراً عدّة مرّات خلال الأسابيع الأولى من أسره، ولكنّه في نهاية المطاف وجد نفسه في بلدة تدعى تينماه في نيجيريا، التي قال عنها "أجمل بلدٍ رأيته حتّى وقتنا هذا في إفريقيا".

وهناك، ابتاعوه مقابل 172 صدفة بيضاء صغيرة من الأصداف التي تمثّل عُملة المدينة.

وكانت سيّدته الجديدة امرأة إفريقية ثريّة لها ابن، وعامل كلاهما إكويانو كأحد أفراد الأسرة.

ولكن سعادته النسبية لم تستمر سوى شهرين قصيرين، إذ حُمِل إكويانو مُجدداً على متن سفينة رقيق، وهذه المرّة اتّجهت به إلى بربادوس.

في البداية، كان الصبي يخشى "الرجال البيض ذوي النظرات الفظيعة، والوجوه الحمراء، والشعر المنسدل"، وكتب لاحقاً عن الرعب الذي شعر به بينما تأخذه السفينة بعيدة أن أرضه، وإرغامه على التصالح مع مستقبل غامض. اختلطت الرحلة المتّجهة إلى باربادوس بالموت؛ إذ وصف أطفالاً كادوا يختنقون في "أحواض قضاء الحاجة"، وتكررت الوفيات الناجمة عن الضرب والجوع.

في هذه المرحلة، كان عمره نحو 11 عاماً، ويصف إكويانو كيف ملأته هذه التجربة بالخوف والارتباك من لونه وأصله الإفريقي، وكمّ القسوة وشدّة الانتهاكات التي كان يتعرض لها الأفارقة على متن السفينة.

بعد أن نجا من رحلة السفينة ووصل إلى باربادوس، تم بيعه في مستعمرة فرجينيا بأمريكا الشمالية، حيث اشتراه اللفتنانت باسكال، وكان ضابطاً في البحرية الملكية مقابل 30 إلى 40 جنيهاً إسترلينياً.

وبعد 13 أسبوعاً في البحر، وطأت قدماه الأراضي الإنجليزية لأوّل مرّة.

كيف كانت حياة إكويانو في إنجلترا؟

عند وصوله إلى كورنوال جنوب غرب إنجلترا، بدأ إكويانو -الذي سماه سيده الجديد كوستافوس فاسا، تيّمناً بالملك السويدي الذي حكم البلاد في القرن الـ16، في التكيّف مع حياته الجديدة، إذ راقب العادات الإنجليزية وتجلّى لديه اهتمام عميق بمحو الأمّية.

كانت الكتب مصدر فضولٍ بالنسبة للصبي؛ إذ كان يعتقد أنه بإمكانه التحدّث إلى الكتب، ووصف إكويانو ذلك لاحقاً حين قال: "كنت عادة أمسك بكتابٍ وأتحدّث إليه، ثم أضع أذني عليه، آملاً في إجابته".

ولكن حياة إكويانو الجديدة كانت قصيرة الأجل، فسرعان ما اندلعت الحرب بين بريطانيا وفرنسا في عام 1754، بسبب التنافس على المستعمرات والحقوق التجارية (تلك الحرب التي عرفت لاحقاً باسم حرب السنوات السبع)، واستدعاه سَيده لمساعدته على متن سفينته Roebuck.

سافر إكويانو على نطاق واسع مع باسكال، فأبحر لمدة ثماني سنوات رحل خلالها إلى هولندا، ونوفا سكوتيا، وبنسلفانيا، وإسكتلندا، ومنطقة البحر الكاريبي في خدمة سيده.

كما تعلَّم القراءة والكتابة، وهو ما ساعد على حدوث تغيير كبير في حياة إكويانو، لم يكن ليحدث لو كان بيع عبداً للعمل في إحدى المزارع.

وخلال تلك الفترة، اكتشف إكويانو المسيحية، وهي المعتقد الذي آمن به لبقيّة حياته، وجرى تعميده في فبراير/شباط من العام 1759.

كتب إكويانو لاحقاً: "لم أشعر بيُسر الحياة مع المواطنين الجُدد، ولكنني استمتعت بمجتمعهم وآدابهم، ولم أعد أنظر إليهم كأشباح، بل بشرٍ متفوقين علينا، ومن ثم، كانت لديّ رغبة عارمة في تقليدهم، استقاء معنوياتهم وتقليد أخلاقهم".

تكوّن لدى إكويانو اعتقادٌ راسخ بأن باسكال -السيد الذي أبدى معه هذه الطيبة- سيعتق رقبته في نهاية المطاف، وكان يدّخر المال استعداداً لذاك الحدث، ولكنّ أحلام إكويانو سُرعان ما تبددت.

بِيع مجدداً إلى جزر الهند الغربية حيث ذاق طعم العبودية الحقيقية

اتهمه باسكال بالتخطيط للهرب، وباعه لاحقاً لجيمس دوران، كابتن السفينة Charming Sally، المُتجهة إلى جزر الهند الغربية.

أُحبِط إكويانو إثر إجباره على المزيد من العبودية، وحينما رست السفينة في مونتسيرات في فبراير/شباط 1763، "تمنّى هذا الشاب الإفريقي الموت ليرتاح من الأهوال التي شعر بها وأرعبته".

هناك، تحت شمس جزر الهند الغربية الحارقة، ذاق إكويانو البؤس الحقيقي للعبودية؛ إذ سُرِقت مدخراته الثمينة، وكان جسده "مشوّهاً ومُمزّقاً" بينما يملأ السفن بالبضائع ويُفرغها من حمولتها.

بعد ثلاثة أشهر، انتهت محنة إكويانو الجسدية عندما بِيعَ مرة أخرى، وهذه المرة لتاجر بارز من جمعية الأصدقاء الدينية المسيحية يُدعى روبرت كينغ، وتحسنت أوضاعه في كنفه. حتى أن هذا السيّد كان يسمح لإيكيانو بالاحتفاظ ببعض أجره وكثيراً ما استخدمه ككاتب، بالإضافة إلى اعتباره خادمَه الخاص.

رغم أن حياته الجديدة أسدت إليه راحة نسبية، ظل إكويانو مذعوراً من الفظائع التي شاهد رفاقه الرقيق يذوقونها على أيدي أسيادهم؛ فقد كان الاغتصاب الذي عادة ما كان يطال أطفالاً لم يتجاوزوا عُمر العاشرة، والعنف، والإساءة أموراً شائعة.

إذ كتب: "رأيت رجلاً زنجياً مربوطاً على الأرض، وقد قُطِع جسده، ثم قُطعت أذناه شيئاً فشيئاً، ورأيت زنجياً يُضرب حتى كُسرت عظامه لأنه ترك إناءً يغلي أكثر من المطلوب". ظلّت هذه الصور تطارده طيلة حياته.

كما استمر إكويانو في كتابة مذكراته حول الرقيق، وهي المذكرات التي طُبعت ما لا يقل عن 17 طبعة، بالإضافة إلى عديد من الترجمات.

ويسرد إكويانو خلال سيرته الذاتية، مغامراته في أعالي البحار، والانتهاكات التي حدثت أمامه للأفارقة والسود، ويسرد قصة تحوُّله إلى المسيحية.

اشترى حريته وبدأ بالسفر حول العالم

عمل إكويانو على متن السفن، وخادماً، وحلاقاً لكينغ لمدّة ثلاث سنوات. وكسب بعض المال من التجارة إلى جانب مهامه، وفي عام 1766، حينما بلغ عمر 21 عاماً، كسب أخيراً ما يكفي من المال لشراء حريته.

حينما صار إكويانو رجلاً حُراً، قضى معظم السنوات العشرين التالية في السفر حول العالم، إذ قام بالعديد من الرحلات على متن السفن التجارية، وسافر إلى تركيا، والبرتغال، وإيطاليا، وجاميكا، وغرينادا، وأمريكا الشمالية، وحتى القطب الشمالي؛ وفي تلك الوجهة الأخيرة كان مُساعداً للعالم الطبيب تشارلز إيرفينغ.

نضاله ضد العبودية

وفي عام 1786، بلندن، شارك إكويانو في الحركة النضالية لإلغاء العبودية، فقد كان عضواً بارزاً بمجموعة "أبناء إفريقيا"، وهي مجموعة من عشرات الرجال السود الذين قاموا بحملة من أجل إلغاء العبودية.

في عام 1788، وجد العبد السابق نفسه واقفاً أمام الملكة شارلوت، زوجة الملك جورج الثالث. وقدم لها عريضةً بالنيابة عن إخوانه الأفارقة المستعبدين، مطالبين إياها بالالتفات إلى استبداد العبودية وقمعها في جزر الهند الغربية.

وثمّة فضل كبير للسيرة الذاتية لإكويانو، التي نُشرت في عام 1789، في فضح فظائع العبودية، وقد قضى أشهراً عديدة يسافر ويروّج لكتابه.

استقرّ إكويانو أخيراً وكوّن أسره في عام 1792، حينما تزوّج من سوزانا كولين، وهي امرأة إنجليزية من بلدة سوهام، كامبريدجشاير، وأنجب منها ابنتان.

وفاة إكويانو

توفي إكويانو في عام 1797، قبل أن تتخذ بريطانيا إجراءات إيجابية نحو إلغاء العبودية، ومع ذلك، فإن روايته ساعدت -بلا شك- في دفع الرأي العام البريطاني إلى إعادة التفكير في علاقتهم بالمتاجرة بالبشر والتزامها.

وبعد 10 أعوام فحسب من وفاته، مُرر قانون تجارة الرقيق الذي يلغي شرعية حمل السفن البريطانية أشخاصٍ مُستعبدين بين إفريقيا وجزر الهند الغربية وأمريكا.

وهو الأمر الذي ساهم في ازدياد شهرة سيرته الذاتية وأصبحت عملاً مؤثراً في إنشاء قالب أدبي جديد لكتابة حياة العبيد لاحقاً، ثم أصبحت أيضاً نصاً مهماً في تدريس الأدب الإفريقي.

وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، أثارت الوثائق المُكتشفة حديثاً والتي تُشير إلى أن إكويانو قد وُلد بأمريكا الشمالية أسئلة، لا تزال دون حل، حول ما إذا كانت رواياته عن إفريقيا والممر الأوسط تستند إلى الذاكرة أو القراءة أو مزيجاً من الاثنين.

تحميل المزيد