كانت أغورا اليونان، أو الساحة، مركزاً لكل شيء، تخيَّل أن روح الدولة بأكملها تجتمع في شارع واحد، يلتقي فيه الفلاسفة مع الفلاحين، والأباطرة مع العمال، وكل من له حاجة في ذاك المركز الديني التجاري الذي تُتَّخذ فيه القرارات التي تدير المجتمع الإغريقي القديم.
حسب موقع Ancient البريطاني، ارتبطت Agogoras القديمة ارتباطاً وثيقاً بالملاذات الدينية والأنشطة الترفيهية، مثل الحفلات والألعاب والمسرح. وكلمة أغورا في الأصل كلمة يونانية تعني "مكاناً مفتوحاً للتجمع".
في وقتٍ مُبكّر من تاريخ اليونان، كانت الأغورا منطقةً مُخصّصةً للمواطنين الأحرار، من أجل التجمُّع لسماع الإعلانات المدنية، أو الاحتشاد للحملات العسكرية، أو مناقشة السياسات.
وفي وقتٍ لاحق، كانت أغورا تُعرَف بسوق المدينة المُغطّى في الهواء الطلق (وهو معناها الحالي في اللغة اليونانية)، حيث يمتلك التجار متاجرهم، ويصنع الحرفيون البضائع لبيعها. وكانت الأغورا الأصلية لدى سكان أثينا تقع أسفل الأكروبوليس بالقرب من المبنى الذي يُعرف اليوم باسم معبد هيفيستوس، وما تزال أسواق الهواء الطلق موجودةً في موقعها نفسه حتى يومنا هذا.
ميلاد الديمقراطية في اليونان
يمكننا القول إن الأغورا كان محل ميلاد الديمقراطية، فلأول مرة في تاريخ الدولة الإغريقية كانت تعقد المناقشات التي تخص الدولة في ذلك السوق، ورغم صغر المكان إلا أن الإغريق يعتبرون أن المفاهيم السياسية والإجتماعية والثقافية و الفلسفية التي يؤمنون بها حتى الآن، انطلقت من الأغورا و استمرت معهم حتى اليوم، لذلك فإن له لديهم مكانة ورمزية كبيرة جداً.
اجتمع في الأغورا كل مواطن أثيني، ومنه تشاركوا في إدارة أعمالهم ، وفي إدارة مدينتهم ، وتحديد المسائل القضائية ، والتعبير عن آرائهم لأولي الأمر سواء الأباطرة أو معاونيهم وانتخاب مسؤولي مدينتهم.
تجار أغورا
كان تجار التجزئة يُؤدّون دور الوسطاء بين الحرفيين والمستهلكين، وكان تجار التجزئة من الميتيك (ليسوا من الأحرار المولودين بالمدينة، والذين يُعرفون اليوم في القانون بالأجانب). في حين أن الحرفيين أو المواطنين أو العبيد المُحرَّرين، الذين صاروا حرفيين مهرة، يمكن أن يكونوا من الميتيك أيضاً.
وفي أغورا أثينا، كان هناك عمال يصنعون المعجنات والحلويات، وتجار عبيد، وبائعو سمك، والخمّارون، وتجار الملابس، وصانعو الأحذية والفساتين، وصاغة المجوهرات.
وجرى تخصيص "سوق خزّافين" لبيع وشراء أواني الطهي، لأن هذه المنتجات كانت محصورةً على النساء، ولأن من يتردّدون عليها عادةً كانوا من العبيد النساء المُكلّفات من قِبل سيداتهن أو الزوجات والبنات الفقيرات في أثينا.
الفلاسفة والأغورا
الأغورا في أثينا هو المكان الذي سأل في داخله الفيلسوفُ العظيم سقراط زوّارَ السوق سؤاله الفلسفي الشهير "ما معنى الحياة والوجود؟"، وجذب حشوداً من شباب أثينا الذين كانوا يستمتعون بكلامه وحِكَمه.
وفي يومٍ من الأيام داخل هذا السوق، استمع أرستوكليس بن أرستون إلى سقراط وهو يتحدث، وأرستون هو الاسم الأصلي للفيلسوف الشهير أفلاطون، ثم ذهب وأحرق كل أعماله؛ لاعتراضه عليها.
وبعدها أدّت حواراته الفلسفية، وتأسيسه للأكاديمية (أول جامعة في التاريخ)، ودوره بوصفه مُعلّم أرسطو الذي كان يُدرّس الإسكندر الأكبر، إلى تغيير الفلسفة الغربية.
كان ديوجانس الكلبي من سينوب، أحد مُعاصري أفلاطون، يعيش داخل حوضٍ في أغورا، ويتبع نموذج سقراط في طرح الأسئلة على سكان أثينا حول فهمهم للجوانب الأكثر أهمية في الحياة. ويشتهر ديوجانس بالشعلة أو الفانوس الذي كان يحمله أمام وجوه الناس في أغورا، والتي كان يقول إنه يحملها بحثاً عن إنسان أمين.
الأغورا الرومانية
أدَّى المنتدى الروماني دور الأغورا نفسه تقريباً في دول المدن اليونانية مثل أثينا، وعلى غرار اليونان: تردَّدت النساء على السوق الخارجي من أجل التسوّق، في حين التقى الرجال هناك؛ لمناقشة سياسات العصر وأحداثه.
وكان الحرير من أكثر السلع انتشاراً في السوق الروماني، خلال عصر الجمهورية الرومانية والإمبراطورية الرومانية على حدٍّ سواء. وكان شائعاً لدرجة أنَّ القوانين سُنَّت لتشجيع النساء في روما على التواضع، إذ كُنَّ يرتدين القماش الناعم يومياً في المناسبات العامة. وبمرور الوقت، طُبِّقت هذه القوانين أيضاً على الرجال الذين بدأوا يرتدون الحرير بقدر النساء. واعتاد الكُتاب اللاتينيين السخرية من مواطنيهم وسلوكياتهم داخل السوق.
في حين استمد الساخر الروماني جوفينال والشاعر هوراس، وغيرهما من المُؤلّفين، إلهامهم من مشاهدة -والاستماع إلى- أولئك الذين اجتمعوا من أجل التسوّق في الهواء الطلق.