أنشأ الإسكندر الثالث المقدوني (356-323 ق.م)، المعروف باسم الإسكندر الأكبر، واحدة من كبرى الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، في مدة تزيد على 10 سنوات بقليل. لكن ما الذي تعرفه عن القائد العسكري؟
مجلة History Extra نشرت 6 حقائق مفاجئة عن الإسكندر الأكبر، لم تكن معروفة كثيراً من قبل.
فأسطورة الإسكندر الأكبر لا تزال تتردد بالمدح أو بالذم في كل لغات الأرض وبالأديان السماوية وغيرها.
نعرف أنه وُلد في بيلا، العاصمة القديمة لمقدونيا، في عام 356 قبل الميلاد، وخلف والده فيليب الثاني على العرش في سن 20 عاماً، إثر اغتيال أبيه، وأنه تتلمذ على يد الفيلسوف والعالم الشهير أرسطو.
بلغت قوته وعبقريته العسكرية مبالغ أسطورية، فبعد 10 سنوات فقط من خلافته أنشأ واحدة من كبرى الإمبراطوريات بالعالم القديم، والتي تمتد في القارات الثلاث، ومساحتها نحو مليوني ميل مربع (نحو 3 ملايين و200 ألف كم)، من اليونان وحتى الهند.
لم يُهزم في أي معركة، ويعتبر أحد أنجح القادة العسكريين على مر التاريخ.
مات الإسكندر الأكبر قبل يوم مولده الـ33 بقليل، في شهر يونيو/حزيران من عام 323 قبل الميلاد، لأسباب غير معروفة.
6 أشياء غير مشهورة عن الإسكندر الأكبر
1- كان يلعب رياضة البولو
تقول الأسطورة إنه عندما كان الإسكندر الأكبر على وشك غزو بلاد فارس في عام 334 قبل الميلاد، أرسل إليه الملك الفارسي داريوس الثالث مطرقة بولو وكُرة.
يُعتقد أن هذه الحركة كانت إما لدعوة القائد المقدوني إلى مباراة، وإما إشارة إلى أنه يجب أن "يلتزم اللعب ويدع الحرب".
أياً ما كانت النية من وراء هذا، يُقال إن الإسكندر ردَّ قائلاً: "أنا المطرقة، والأرض هي الكرة"، قبل أن يذهب لإخضاع بلاد فارس.
وعلى الرغم من أن أصول اللعبة ليست واضحة، يوجد عديد من الأدلة على وجود اللعبة في تاريخ آسيا: انتقلت اللعبة مع انتقال البدو إلى فارس في وقت ما، بين 600 قبل الميلاد إلى 100 ميلادياً، وتبنَّى الفرس البولو باعتبارها الرياضة القومية لهم، كان يلعبها النبلاء والجنود على حد سواء.
تقول بعض القصص إن الإسكندر الأكبر قضى وقتاً مع العائلة الملكية الفارسية عندما كان صغيراً، بصحبة والده في البعثات الدبلوماسية. وغالباً رأى ألعاب البولو في غزواته العديدة بفارس.
2- ربما يكون غطس تحت الماء في ناقوس زجاجي غواص
بعد موته مباشرة تقريباً في عام 323 قبل الميلاد، بدأت الأساطير تنتشر عن مآثر الإسكندر الأكبر وحياته، التي ازدادت روعة وخيالاً على مر القرون.
يسمى هذا التراث إجمالاً رومانسية الإسكندر، وترِد في هذه القصص حلقات يصعد فيها الإسكندر عبر الهواء إلى الجنة، ويغوص بقاع البحر في فقاعة زجاجية، ويسافر بـ "أرض الظلام" بحثاً عن "نافورة الشباب".
هناك كتابات تُنسب إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو تشير إلى ناقوس غوص، وتصفه بأنه مرجل يدفع به داخل الماء؛ ومن ثم يحفظ الهواء داخله.
في الحقيقة قد يكون الإسكندر الأكبر قد رأى أو كان داخل ناقوس زجاجي. فهناك قصص عن زيارته لقاع المحيط بكرة زجاجية في أثناء حصاره الشهير للبنان القديم، وتحديداً مدينة صور وقلعتها البحرية، حيث يقال إن الإسكندر استخدم غواصين لإزالة الحواجز الموجودة تحت الماء من الميناء، باستخدام نواقيس زجاجية بدائية.
3- هيئته وشكله معروفان بدقة
تمثال أزارا هو نسخة رومانية من تمثال النصف الأعلى للإسكندر الأكبر، صنعها النحات اليوناني ليسيبوس.
وفقاً للكاتب اليوناني فلوطرخس، جعل الإسكندر الأكبر ليسيبوس رسامه الرسمي في أثناء فترة حكمه.
وبفضل نقوشه الأصلية، أصبحت هذه الشخصية تُعرف باسم الإسكندر الأكبر بن فيليب الثاني المقدوني.
لأن تمثال أزارا نسخة رومانية صُنعت بعد قرون من وفاة الإسكندر، فعلى الأغلب لم يكن دقيقاً مثل الأصلي.
اكتُشف التمثال النصفي في عام 1779، في أثناء التنقيب بمدينة تيفولي الإيطالية، والذي كان من تنظيم جوزيف نيكولاس أزارا (1730 – 1804)، السفير الإسباني للفاتيكان، ثم إلى فرنسا.
قدَّم أزارا التمثال إلى نابليون بونابرت باعتباره هدية دبلوماسية. والآن يقبع التمثال في متحف اللوفر.
في أحد العصور، كان هذا هو التصوير الشخصي الوحيد للإسكندر الأكبر، ويعتبر عامةً أشبه التصويرات الناجية به.
4- كتابات بلوتارخ عن الإسكندر الأكبر خيال
كتب المؤلف بلوتارخ كتاب "حيوات موازية"، سلسلته في السير الذاتية لليونانيين والرومان المشاهير في ثنائيات، مثل السيرة الذاتية الشهيرة التي كتبها عن حياة الإسكندر مع يوليوس قيصر.
لكن هناك شك في صحة تأريخ بلوتارخ. فقد عاش بعد 400 عام من عصر الإسكندر الأكبر، والكتابات المعاصرة كانت شحيحة في هذه الفترة.
وكان بلوتارخ أيضاً يونانياً، واليونانيون كانوا يرون أن الإسكندر كان "همجياً مغروراً" أولاً، بسبب العجرفة التاريخية.
ومع ذلك، تحتوي سيرة بلوتارخ على بعض المعلومات الطريفة الرائعة، مثل ادعائه أن معركة غوغميلا التي كانت المعركة الحاسمة التي خاضها الإسكندر أمام الفرس في عام 331 قبل الميلاد، كانت تدور في أثناء الكسوف.
ويصف أيضاً كيف قضى الإسكندر الأكبر الليلة السابقة للمعركة في خيمته مع عرافته أريستاندر، وأدى شعائر محددة غامضة وضحَّى لإله الخوف.
5- التشكيلة السلامية هي التشكيلة العسكرية المفضلة لإسكندر
التشكيلة السلامية هي تشكيل عسكري مستطيل مكون من جنود متراصين، وكان ماكينة قتالية لا يمكن وقفها.
كانت الرماح المستخدمة في هذا التشكيل طويلة، تصل إلى 5 أمتار في بعض الأحيان، ومصنوعة من الأخشاب المسنونة أو الأخشاب ذات الأنصال المعدنية.
كان هذا التشكيل يتقنه والد الإسكندر، فيليب الذي كان أول من تعلَّمه بعد مشاهدة الجيوش اليونانية.
وفقاً لكتاب المؤرخ اليوناني أريان "Anabasis"، الذي كتبه في القرن الثاني الميلادي: "رسم الإسكندر جيشه بطريقة تجعل بداخل التشكيل السلامي 120 رجلاً، وأمرهم بالصمت حتى يتمكنوا من تلقي الأوامر بسرعة".
من المثير للاهتمام، أن المؤلف المقدوني بولياينوس يقول في كتابه Stratagemata الذي ألفه بالقرن الثاني ميلادياً أيضاً، إن الإسكندر نفَّذ فكرة شريرة، وأمر رجاله الذين لم يحاربوا بشجاعة في إحدى المعارك، بارتداء نصف بدلة حرب تغطي النصف الأمامي فقط من الجندي.
كانت هذه التجربة العقابية، من أجل أن يتأكد أن الجنود لن يديروا ظهورهم إلى العدو أبداً.
لكن في الحقيقة، في التشكيل السلامي كان الجنود لا يحتاجون مزيداً من الصدريات المدرعة، فالحركة السريعة المتناسقة كانت تجعل هذا التشكيل فعالاً للغاية.
لكن في حين قاد الإسكندر الأكبر واحداً من أكثر الجيوش نجاحاً بالتاريخ، من المدهش أننا لم نفهم سوى القليل عن النوع الأساسي من دروع الجسد التي كان يرتديها هو وكثير من رجاله، لأنه لا توجد قطع وصلت إلينا.
كانت الصدرية نوعاً من دروع الجسد المصنوعة من طبقات رقيقة متراكمة من الكتان. تلتف حول الجذع، وتُربط عند الكتف بطبقتين. أشهر صورة لهذا النوع من الدروع فسيفساء الإسكندر، وهي فسيفساء قديمة وشهيرة موجودة بالمنزل الأكبر في بومباي، بمنزل فون، وتصوّر الإسكندر الأكبر وهو يهزم الملك الفارسي داريوس.
6- عندما مات صديقه هيفاستيون، أقام الإسكندر جنازة باهظة
كان هيفاستيون فرداً من حرسه الشخصي، وأحد قادة جيشه، وكان أيضاً الصديق المقرب للإسكندر، ويده اليمنى، ويقول البعض إنه كان عشيقه أيضاً.
عندما مات فجأة في إكباتان لأسباب غير معروفة، كتب الإسكندر إلى الكاهن في سيوة بمصر، وسأله ما إذا كان يجب تكريم هيفاستيون باعتباره إلهاً أم بطلاً. وردَّ الكاهن بأنه يجب تكريمه مثل الأبطال؛ ومن ثم انتقل الإسكندر كل هذه المسافة إلى المحرقة أو صلاة الجنازة المقامة؛ احتراماً له.
يضم كتاب Library of History، الذي ألفه ديودور الصقلي، عدة شهادات من مشاهد الجنازة، التي كانت مكونة من 7 طوابق، وكل طابق مزخرف ببذخٍ أكثر من السابق.
يقول الصقلي إن الطبقة السفلى كانت مكونة من 240 سارياً ذهبياً من السفن، وتثبتها جذوع النخل، وكان يوجد على قمة هذه الطبقة "مشاعل بارتفاع 15 ذراعاً، وحول مقابضها أكاليل ذهبية. وعند النهاية المشتعلة كانت هناك نسور مفرودة الأجنحة وتنظر إلى الأسفل، في حين كانت قواعد هذه المشاعل عبارة عن ثعابين تنظر إلى الأعلى باتجاه النسور، وعديد من الحيوانات البرية التي كان يطاردها الصيادون، وقنطور مغطى بالذهب، في حين كان بالدور الخامس أسود وثيران بالتبادل، وأيضاً من الذهب، وكان الدور الأعلى مغطى بالأسلحة المقدونية والفارسية، في إشارة إلى تفوق أحد الشعبين وهزائم الآخر. وعلى القمة كانت تقف حوريات البحر مجوفة، لتسمح لأشخاص بالاختفاء داخلها، والتغني بالمراثي حزناً على الميت. كان ارتفاع هذه المحرقة أكثر من 130 ذراعاً".
محرقة الجثث هذه مثلما وُصفت هنا، من الممكن أن ارتفاعها كان أكثر من 50 متراً. وسلب الإسكندر الأكبر خزائن كل مدنه، ليدفع تكاليف هذا النصب التذكاري، الذي تُقدَّر تكلفته بمقاييس العصر الحالي بنحو ملياري دولار.
صنع الإسكندر الأكبر مجلسه بالحكومة في مدينة بابل عاصمة بلاد بابل، التي كانت تقع في السهل الطيني بين دجلة والفرات، وأراد إقامة مراسم جنائزية داخل جدران المدينة.
لكن النصب التذكاري كان كبيراً جداً لدرجة أن الإسكندر اضطر إلى تحطيم أحد جدران المدينة ليدخله إليها. بعد ذلك أشعل النار في النصب التذكاري، وأحرق جثة الجنرال مع محرقة الجثث العظيمة.
وبعد حكمٍ استمر 12 عاماً و8 أشهر، مرض الإسكندر الأكبر في يونيو/حزيران من عام 323 قبل الميلاد.
مات في عمر 33 عاماً، وأنشأ أكثر من 70 مدينة، وإمبراطورية تمتد في ثلاث قارات، ونشر الثقافة واللغة اليونانية في مناطق جديدة.