العنف.. الرغبة في السلطة دائماً وأبداً.. جنون العظمة والتشكك في المحيطين والمُقربين جميعاً، رُبما كانت الصفات السابقة بعضاً من الصفات المُشتركة لدى أكثر الأباطرة الرومان الدمويين.
هنا يُمكنك التعرّف على بعض الأباطرة الرومان الذين نقلهم التاريخ لنا باعتبارهم أكثر الأباطرة الرومان دموية، لقد مرّ بعض الأباطرة، مثل نيرون أو دوميتيان، إلى التاريخ كنماذج للطغاة المُصابين بجنون العظمة.
في الواقع، كما يشير العديد من المؤرخين، فإن الأباطرة الذين ستقرأ عنهم في السطور التالية كانوا إداريين أكفاء، بل وموهوبين في الإدارة وشؤون الحكم؛ ولكن على جانب آخر استحقوا لقب إمبراطور بدرجة سفاح.
الإمبراطور تيبيروس – حكم ما بين عامي 14 إلى 37 بعد الميلاد
كان تيبيريوس خليفة أوغسطس، وهو قائد عسكري موهوب، لكن كانت لديه نظرة قاتمة شديدة السوداوية، جعلت لديه عدداً قليلاً من الأصدقاء وقادته إلى مجموعة من النزاعات اللامتناهية مع من حوله، فقد غرق تيبيريوس في شكوك مرضية حول كل من حوله، وقام بإعدام أي شخص يشتبه به.
على الرغم من أن السنوات الأولى من حكم تيبيريوس تبدو تقريباً نموذجاً للحكم الحكيم والمعتدل، إلا أنها لم تخل من مظاهر القوة والعنف، وإن كانت من النوع المحسوب لتأمين قوته وتثبيت حكمه.
فقد قام بقتل المتنافس المحتمل الوحيد على العرش، بوستوموس، كما أنه حاول السيطرة على التهديد الحقيقي الوحيد لسلطته والمُتمثل في مجلس الشيوخ الروماني، وذلك من خلال تركيز الحرس البريتوري أو الحرس الإمبراطوري، وهو الحرس الشخصي الذي كان مسؤولاً عن حماية الأباطرة الرومان في روما القديمة، والمُنتشر عادة في جميع أنحاء إيطاليا، على مسافة قريبة من روما.
كما كانت هناك بعض الحروب وأعمال قمع وحشية، إذ قامت قواته بإخماد تمرد إقليمي في روما بسفك الكثير من الدماء، واستند العديد من الملاحقات القضائية إلى شائعات أو أدلة مزيفة.
لكن وبصرف النظر عن أفعال مثل هذه، فقد كانت قوانين وسياسات تيبيروس حكيمة وبعيدة المدى، فهو لم يُحرك الجيوش لإجراء فتوحات جديدة، ولم يُغير حكام المقاطعات دون سبب، كما توقف عن إهدار أموال خزانة الإمبراطورية، لذلك عندما توفي ترك وراءه ثروة تفوق 20 مرة الثروة التي ورثها، وقد عزز البحرية الرومانية، ونهى عن تسمية شهر من التقويم باسم الحاكم من بعده، كما حدث مع يوليوس قيصر وأغسطس.
الإمبراطور جايوس – حكم ما بين عامي 37 إلى 41 بعد الميلاد
الإمبراطور جايوس والذي يُعرف باسم كاليجولا، وهو الاسم الذي أطلقه عليه جنود والده بدأت فترة حكمه بشكل واعد ومُبشر، ولكن بعد نوبة مرضية خطيرة، أصيب بجنون العظمة الذي أدى به إلى سلوك غير سويّ ومثير للقلق.
فقد أعاد مُحاكمات الخيانة العظمى، وأظهر قسوة كبيرة، وانخرط في حُكم استبدادي عنيف؛ فأعدم رئيس الحرس البريتوري، كما أعدم تيبيريوس جيميلوس حفيد تيبيريوس، الذي حل محله في الخلافة.
لقد شعر جايوس بسعادة خاصة في إذلال مجلس الشيوخ، مدعياً أنه يمكن أن يصنع من أي شخص عضواً بالمجلس، وبصفته نجل جنرال بارز، فقد كان جايوس حريصاً على دعم وتعزيز مؤهلاته العسكرية، على الرغم من أن حملته العسكرية في ألمانيا لم تحقق نجاحاً كبيراً.
وتحول غزوه الفاشل لبريطانيا إلى معركة خيالية مع إله البحر نبتون، فقد طلب من قواته مهاجمة الأمواج بسيوفهم وجمع الصدف كغنيمة. أعلن جايوس نفسه إلهاً، ورجح بعض الباحثين أنه رُبما كان يُعاني الصرع.
الإمبراطور نيرون – حكم ما بين عامي 54 إلى 68 بعد الميلاد
رغم ما اشتهر به الإمبراطور نيرون من استبداده ودمويته فإنه على الرغم من ذلك كان إدارياً كُفئاً وقد ساعده بعض الرجال الأكفاء، لكنه كان أيضاً قاتلاً، بدءاً من شقيق زوجته، الذي كان من المفترض أن يشاركه في السلطة، وصولاً إلى قتل والدته وزوجته أوكتافيا من أجل الزواج من حبيبته بوباي.
على نقيض الأسطورة الشائعة عنه، لم يبدأ نيرون حكمه بحريق روما، فهناك بعض أدلة غير مؤكدة أيضاً على أن من أحرق المدينة هو الإمبراطور كلوديوس، الذي كان سيئ السمعة بسبب غرائزه الشخصية وبذخه، وعلى العكس مما أشيع فقد قام نيرون بتنظيم أعمال الإغاثة لضحايا الحريق وخطط لإعادة الإعمار، وكان مولعاً بموسيقاه وشعره، ما جعله يجبر أعضاء مجلس الشيوخ على الجلوس في حفلاته التي لا نهاية لها.
في بدايات حكمه كان نيرون يتصرف بنبل وحكمة، فقد وضع حداً للمحاكمات السرية أمام الإمبراطور، ومنح المزيد من الاستقلال لمجلس الشيوخ، كما حظرت حكومته المسابقات في السيرك التي تنطوي على سفك الدماء، وحظرت كذلك عقوبة الإعدام، ومنح الإذن للعبيد لتقديم شكاوى مدنية ضد الأسياد الظالمين، كما أعفى نفسه عن الكُتاب الذين كتبوا كتابات ضده وحتى أولئك الذين تآمروا ضده.
لكن كل هذا تحول بمجرد أن تركه مستشاروه وتوجهوا لتسيير الحكومة بأنفسهم، وهو ما سمح له باستخدام منصبه لإرضاء ملذاته الشخصية في ليالي العربدة والمجون، كما كانت له أعمال شغب ليلية في الشوارع، كان يتنكر أثناءها في زي العبيد ويقوم بالسرقة وقطع الطرق على سبيل الإثارة، وفي العام 59 ظهرت وحشية نيرون الحقيقية بعدما قتل والدته، التي نُقلت له شائعات حولها أنها تُهدد بالانقلاب عليه بسبب أفعاله السابقة.
كما قتل أيضاً زوجته أوكتافيا، لخوفه من أن تثير أوكتافيا السخط عليه في المحكمة وبين الشعب.
وامتدت اغتيالات نيرون بعد ذلك ليقتل أقرب المقربين منه، وبدأ بقائد جيشه المُقرب له، ثم قتل أصدقاءه وأقاربه وضباطه، وكان السمّ هو الوسيلة السهلة التي دائماً ما كان يستخدمها، إلى أن تم إسقاط نيرون من قبل تمرّد الجيش.
الإمبراطور دوميتيان – حكم ما بين عامي 81 إلى 96 ميلادي
كان دوميتيان الابن الأصغر لفيسباسيان، الجنرال الذي أخرج روما من الفوضى بعد سقوط نيرون وأعاد الاستقرار والحياة الطبيعية في الحياة العامة الرومانية، لم يرث دوميتيان أياً من سحر والده، ومثله مثل الأباطرة السابقين فقد عانى من شكوك عميقة في كل من حوله، وقد كان يشك بشكل خاص في مجلس الشيوخ وقم بإعدام عدد كبير من المواطنين بتهمة التآمر ضده، بما في ذلك اثنان من أبناء عمومته.
أصبح حكم دوميتيان أكثر استبداداً بعد أن طالب بمعاملته كإله، لقد انقلب ضد الفلاسفة، وأرسل العديد منهم إلى المنفى، وبسبب القسوة وجنون العظمة لم يكن دوميتيان يتمتع بأي شعبية، وكانت لديه سيطرة صارمة على القضاة في روما والمحافظات، وأُسقط حكم دوميتيان في النهاية من خلال مؤامرة رتبتها زوجته.