هاتف مفخخ، وضحية نرويجية فضحت خلايا «غضب الله».. هكذا ردّت إسرائيل على مقتل رياضييها في أولمبياد 72

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/10 الساعة 17:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/10 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش
تسلل المنفذين إلى مقر إقامة الرياضيين الإسرائيليين

صباح 5 سبتمبر/أيلول 1972، عاشت ألمانيا حالة استنفار؛ فالعالم كله يوجه أنظاره صوب الحدث الأبرز، أول محفل رياضي في البلاد بعد انهيار الحكم النازي، ميونخ تستضيف دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية.

وكانت "أيلول الأسود" تستنفر أيضاً؛ فساعة الصفر حانت للرد على اغتيال جهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد" للأديب الفلسطيني غسّان كنفاني، وبدا أن الحدث الرياضي المكان الأنسب للرد، حيث وسائل الإعلام العالمية كلها في مكان واحد. 

حينها كانت المنظمة المنبثقة من منظمة التحرير الفلسطينية بلغت ذروة الصراع مع إسرائيل، وبدأت تنفيذ عمليات نوعية تسعى للفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، وفي اليوم العاشر من المنافسات، اقتحم أفرادٌ من منظمة "أيلول الأسود" مقر البعثة الرياضية الإسرائيلية، وهناك، احتجزوا 11 رياضياً للضغط على إسرائيل في مقابل إطلاق سراح 232 معتقلاً فلسطينياً.

كانت العملية من تخطيط فخري العمري "أبو محمد" ويوسف نزّال "تشي" ومحمد مصالحة، وشارك في تنفيذها إلى جانب "تشي" ومصالحة 6 فلسطينيين من أبناء مخيمات لبنان تلقوا تدريباً عسكرياً مكثفاً في ليبيا، حسبما جاء في كتاب "فلسطين من القدس إلى ميونخ" لكاتبه محمد داوود عودة "أبو داوود" أحد المشاركين في العملية.

احتُجز الرياضيون، وبينما كان الجميع يتجهز لحلّ الأزمة دون خسائر، قررت الشرطة الألمانية التدخل بإطلاق النار لتحرير الرياضيين الإسرائيليين في المطار، لكن العملية فشلت فشلاً ذريعاً وانتهت بمقتل المختطَفين و5 من الخاطفين.

عملية "غضب الله"

حينها، قررت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير الانتقام من منظمة "أيلول الأسود"، ولا سيما أن "عملية ميونخ" جاءت رداً على اغتيال كنفاني من جهة، وعلى رفض اللجنة الأولمبية إشراك الرياضيين الفلسطينيين في أولمبياد "ميونخ 1972" من جهةٍ أخرى.

سرعان ما تشكّلت لجنة إسرائيلية برئاسة مائير، وعضوية وزير الدفاع موشيه دايان، للرد على مقتل الرياضيين الإسرائيليين الـ 11، سيفتحون نيرانهم على كل مَن له علاقة بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة بمنظمة "أيلول الأسود" وفق موسوعة Britannica البريطانية.

شكلوا فريق الاغتيال" وأطلقوا عليه "غضب الله" أو "غضب الرب"، وضموا إليه عتاولة وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية "الموساد"، مدعومين بفرق العمليات الخاصة، وقرروا تعقّب وقتل المشتبه في تخطيطهم لـ"مذبحة ميونخ" أو المشاركين فيها.

طويلة كانت قائمة المطلوبين، تصدرها 3 وهم الناجون من فريق المنفذين الـ 8؛ إذ مات 5 في تبادل إطلاق نار مع قوات الشرطة أثناء محاولة فاشلة لإنقاذ الرهائن، وأطلقت حكومة ألمانيا الغربية سراح الباقين بعد أسابيع من احتجازهم مقابل تحرير طاقم الطائرة المختطفة التابعة للخطوط الجوية الألمانية "لوفتهانزا".

تصفيات "أيلول الأسود" 

في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1972 بدأت الاغتيالات؛ سلسلة كان أول ضحاياها ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في روما وائل زعيتر، وأمام مدخل شقته أطلق عليه عملاء "الموساد" 16 رصاصة أردوه في الحال قتيلاً.

كان مقتل زعيتر إنذار ببدء عمليات "غضب الله"، 3 أشهر وكان الاستهداف الثاني، في التاسعة من صباح الثامن من يناير/كانون الثاني اغتيل السياسي البارز محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، وبعملية دراماتيكية تسلل خبراء متفجرات إلى منزله وزرعوا قنبلة يُتحكم فيها عن بعد، تحت الأرضية الخشبية الواقعة أسفل طاولة الهاتف

بعدها تنكَّر أحد أعضاء العملية في هيئة صحفيٍ إيطالي، ورتَّب إجراء مقابلةٍ مع الهمشري عبر الهاتف، وما إن استقبل المكالمة في موعد المقابلة المُتفق عليه، وحين عرّف نفسه، جرى تفعيل القنبلة، ومات متأثراً بجراحه بعد يوم من الانفجار.

توالت الاغتيالات، وقتل قادة آخرون في جميع أنحاء أوروبا، من بينهم هم باسل الكبيسي، وحسين عباد الشير، وزياد مونشاسي، ومحمد بودية. 

الرقم الصعب في عملية "غضب الله"

وفي أبريل/نيسان من العام 1973 كانت المهمة الصعبة، أخذ الموساد شكلاً جديداً في الرد وآلية القتل، ونفذ واحدة من أصعب عمليات الاغتيالات آنذاك، بعدما قرر اقتحام مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العاصمة اللبنانية بيروت وقتل كل من فيه.

وضع قائد وحدة النخبة سايريت ماتكال التابعة للجيش الإسرائيلي إيهود باراك، خطة الاستهداف وأطلق عليها "ربيع الشباب"، وكانت تتمثل في عمليات إنزال برمائية لفرق من وحدة الكوماندوز الإسرائيلية داخل العاصمة اللبنانية. 

وبمجرد وصولهم إلى الشاطئ، نسّقوا جهودهم مع عملاء الموساد الموجودين داخل المدينة، وهاجم فريقٌ من جنود المظلات الإسرائيليين مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واغتالوا قادة في المنظمة من بينهم يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر.

قتل بالخطأ 

لم تتوقف سلسلة الاغتيالات إلا بقتل عن طريق الخطأ.. عملية كنت بمثابة الرادع لفرق الموت، بعدما أخفق فريق "غضب الله" في العام 1973، في تحديد واحد من أهدافه.

في النرويج كان من المقرر أن يُغتال القيادي البارز في حركة فتح علي حسن سلامة، وهو قائد عملية منظمة "أيلول الأسود" في ميونخ، والملقب لدى الموساد بـ"الأمير الأحمر".

وبدلاً من استهدافه، قتل رجل آخر في مدينة ليلهامر بالنرويج، وأفضى التحقيق، الذي أجرته السلطات النرويجية إلى إدانة 5 من عملاء الموساد واعتقالهم، فضلاً عن كشف شبكةٍ واسعة من عملاء الموساد والمخابئ السرية والملاذات الآمنة في جميع أنحاء أوروبا. 

ضغطت الدول الأوروبية على غولدا مائير، أن توقف برنامجها السري، وبعد تصعيد صاحب عملية النرويج، رضخت للضغوطات، لكن النيل من سلامة ظل هدفاً أمام أعين الموساد.

تجمد نشاط خليّة "غضب الله" لـ6 سنوات، وفي العام 1979 عادوا بعملية أسدلت الستار على ميونخ وما تبعها، اغتيل سلامة في بيروت بسيارة مفخّخة وضعت في طريقٍ كان يتردد عليه، ومع كل الاغتيالات هذه، لم يتمكن الموساد في النهاية من قتل الـ3 المشاركين في العملية ذاتها إذ فشلت محاولات اغتيال محمد داوود عودة، وصلاح خلف "أبو إياد"، وعاطف بسيسو.

وأنتجت العديد من الأفلام حول عملية ميونخ، لكن أبرزها كان Munich المنتج عام 2005، للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ، والذي قام بأداء أدوار البطولة فيه إيريك بانا ودانيال كريغ وسياران هيندز.

هذا الموضوع يأتي ضمن سلسلة يستعرض "عربي بوست" من خلالها أحداث أشهر العمليات الاستخباراتية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم.