نقطة تحول تاريخية: العلماء يصوتون على أول تغيير في الكيلوغرام خلال قرن من الزمان

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/11 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/12 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
أول تغيير في الكيلوغرام

هذه هي اللحظة الأهم منذ قرن كامل بالنسبة لمجموعة من المتخصصين في علم القياس، الذي كثيراً ما يتعرض للإهمال. فمنذ عام 1889، جرى تعريف أحد ركائز علم القياس وهو الكيلوغرام، بواسطة كتلة معدنية حُفِظت داخل خزانة ثلاثية الأقفال في مختبر بضواحي باريس، إنه الكيلوغرام الحقيقي الوحيد في العالم، صحيفة The Guardian البريطانية.

ولكن هذا لن يستمر

تجتمع الشخصيات البارزة في هذا المجال الأسبوع القادم ليغيروا التاريخ. ففي المؤتمر العام للأوزان والمقاييس المنعقد في مدينة فرساي، سوف يصوِّت ممثلون من 57 دولة على التغيير. ومن ثم، فإن الكيلوغرام، وحدة القياس المترية الوحيدة التي ما زالت تعتمد على جسم منفرد سوف يولد من جديد. ومن الآن فصاعداً سوف يجري تعريف الكيلوغرام بواسطة رقم أساسي ثابت محفوظ في نسيج الكون.

نتيجة التصويت محسومة بالأساس

فقد جرت المناقشات مسبقاً وتم الاتفاق على حلول، ولكن حتى التغييرات الجذرية المتفق عليها قد تشهد توترات. قال ستيفان شلامنغر، الفيزيائي بالمعهد الوطني الأميركي للمعايير والتقنية، الذي سيتوجه إلى فرساي لحضور التصويت: "سيكون الأمر مثيراً للأعصاب، كنت أفكر في هذا، أو أعمل عليه طوال فترة عملي كعالم. أحياناً ما تنتابني حالة من عدم التصديق، هل سيحدث هذا حقاً؟ أم هل سأستيقظ لأجد أن كل هذا كان حلماً"  

سيخصص جزء كبير من اجتماع الأسبوع لأمور روتينية، مثل الميزانيات وما شابه، وسيجرى التصويب يوم الجمعة. قال ستيوارت دافيدسون رئيس علم قياس الكتلة بالمختبر الفيزيائي الوطني في تيدنغتون "من الجيد معرفة أن المشكلة برمتها قد جرى حلها. سنعرف، على الأقل، ألا أحد قال إن هذا هراء، ولا يمكننا الموافقة عليه".

توحيد وحدات القياس

تعود جذور علم القياس الحديث إلى منتصف القرن الثامن عشر، حينما اتضح أنه ربما يصب الأمر في مصلحة جميع الدول إذا كانت وحدات القياس بينها مشتركة. فمع زيادة أهمية التجارة العالمية لم يكن من المنطقي تثمين لفائف الأقمشة، على سبيل المثال، وفقاً لقياس حذاء الدوق المحلي. في أواخر القرن الثامن عشر، كلّف الملك لويس السادس عشر العلماء بإيجاد نهج أكثر عقلانية.

نظام لجميع العصور والبشر

اقترحت المجموعة المجتمعة نظاماً مستوحى من العالم الطبيعي، نظاماً أُعِدّ "لجميع العصور، ولكل البشر". تم تعريف المتر على أنه جزء من عشرة ملايين جزء من المسافة بين القطب الشمالي وخط الاستواء. وكان الكيلوغرام هو كتلة لتر من الماء.

ولجعل هاتين الوحدتين عمليتين بشكل أكبر، جرى الاحتفاظ بكل منهما على هيئة مادية، قضيب معدني للتعبير عن المتر، ووزن ما للتعبير عن الكيلوغرام. ومع الوقت، تطور هذا النهج إلى النظام الدولي للوحدات (SI) الذي يشمل سبع وحدات أساسية: المتر لقياس المسافة، والثانية لقياس الوقت، والكيلوغرام لقياس الكتلة، والمول لقياس كمية المادة، والأمبير لقياس التيار الكهربي، والكلفن لقياس الحرارة، والشمعة لقياس شدة الإضاءة.

ما هو معيار الكيلوغرام الحالي؟

على مدار الـ129 عاماً الماضية، كانت الوحدة الرسمية لقياس الكتلة في العالم هي النموذج الدولي للكيلوغرام أو IPK وهي أسطوانة لامعة مصنوعة من البلاتين والإيرديوم، موضوعة  تحت ثلاث حاويات زجاجية مغلقة على شكل جرس، داخل المكتب الدولي للأوزان والقياسات في سيفرز غربي باريس. تحتفظ المختبرات الوطنية للقياس بنسخ من النموذج الدولي للكيلوغرام لمعايرة القياسات في بلادها. وتعود النسخ إلى باريس كل 40 عاماً أو ما إلى ذلك، لمعايرتها مقابل النموذج الدولي للكيلوغرام، الذي اشتهر باسم "الكيلوغرام الكبير أو Le Grand K".

إنه ليس نظاماً سيئاً

لأن الكيلوغرام الكبير Le Grand K يحدد الكيلوغرام، ولا تكون كتلته أبداً محل جدال. إنه دائماً يساوي كيلوغراماً واحداً بدقة تصل إلى 100%. ومع ذلك فإن وزنه يزداد وينقص. عند الحفظ، يلتقط البلاتين ملوثات من الهواء وتصبح الأسطوانة أثقل بقدر طفيف للغاية. وعند تنظيفه يفقد الكيلوغرام وزناً بسبب التخلص من مقادير الشوائب الضئيلة، يصعب قياس الأثر النهائي، ولكن يمكن للنسخ أن تكتسب وزناً يقدر بعشرات الميكروغرامات على مدار قرن من الزمان. ويعلم جميع العلماء على وجه اليقين أن الكيلوغرام الذي يعاير جميع الكيلوغرامات الأخرى لم يعد كما كان.

يعد هذا كافياً لإزعاج علماء القياس

قال شلامنغر: "إذا زار الغرباء الأرض في يوم ما، فما هي الأمور التي سنتحدث عنها غير الفيزياء. إذا أردنا التحدث عن الفيزياء يجب علينا الاتفاق على مجموعة من الوحدات، ولكن إذا قلنا إن وحدة قياس الكتلة لدينا تعتمد على قطعة معدنية محفوظة في باريس، فسنكون مثاراً للسخرية أمام الكون".

إذا سار التصويت على النحو المتوقع، فإن الأرض سوف تتجنب هذا العار الكوني.

منذ عام 1983، تم اشتقاق المتر من سرعة الضوء في الفراغ. أما التغيير الكامل الذي سيطرأ على الكيلوغرام فسيتم عن طريق اشتقاق الكتلة من ثابت بلانك Planck constant، وهو رقم متجذر بعمق في العالم الكمّي، ويصف مقدار حزم الطاقة -المعروفة بالكوانتا أي الكميّات- التي تنبعث من فرن ساخن على سبيل المثال.

إن عملية إعادة التعريف أسهل نظرياً منها عند التطبيق العملي.

يستخدم العلماء أولاً قطعة حساسة للغاية من المعدات تسمى ميزان كيبل Kibble balance لقياس ثابت بلانك من كتلة مرجعية تساوي كيلوغراماً واحداً. تشبه هذه الأداة كفتي الميزان، ولكنها -بدلاً من معادلة وزنين مع بعضهما البعض- تعادل بين وزن الجسم المراد وزنه مع قوى إلكترومغناطيسية. يتناسب ثابت بلانك مع الطاقة المطلوبة لموازنة الكتلة. ومن ثم، إذا توصل الباحثون إلى قيمة دقيقة لثابت بلانك، يمكنهم القيام بالعكس، واستخدام الميزان في قياس كتل غير معروفة.

نظام الوحدات الجديد رقم أساسي ثابت محفوظ في نسيج الكون

إذا كان التصويت إيجابياً، فسيبدأ سريان نظام الوحدات الجديد يوم 20 مايو/أيار 2019، بما في ذلك تعديلات المول والكلفن والأمبير. لن يشعر أحد خارج عالم القياس تقريباً بهذه الثورة. فلن يزن أحد ما اشتراه من جزر على نحو مختلف في المتجر. ولكن وراء الكواليس، سيبدأ تطبيق نظام أكثر ابتكاراً في العمل.

كما صرح شلامينغر قائلاً: "إن أكثر ما يرضيني هو إتمام العمل التاريخي الذي بدأ مع الثورة الفرنسية. كانت الفكرة هي التوصل إلى نظام قياس لجميع العصور ولكل البشر. وقد أخفقوا فيما يتعلق بالكيلوغرام، فقد عانى من مشكلات تتعلق بالاستقرار، لذا فهو لا يناسب جميع العصور، كما أنه محفوظ داخل خزانة، ومن ثم فهو ليس لكل البشر. إن ثابت بلانك لا يتغير على الإطلاق، وبالتالي فهو ثابت في كل العصور، وتتشابك قيمته مع نسيج الكون، وبالتالي فهو لكل البشر".