خلال الحرب الأخيرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قامت العديد من الشركات الأمريكية بدعم الاحتلال بملايين الدولارات منذ بداية الحرب، ما ترتب عليه مقاطعة عالمية لمنتجاتها.
إلا أن أكبر عملية للتبرع جاءت من شركة التكنولوجيا "إنفيديا" NVIDIA المختصة في صناعة الرقائق الإلكترونية ومنتجات تكنولوجية أخرى، إذ تبرعت مع موظفيها بمبلغ 15 مليون دولار لمنظمات إسرائيلية وأجنبية غير ربحية لدعم إسرائيل في حربها على غزة.
حسب وكالة رويترز فإن هذا المبلغ مقدم إلى منظمات إسرائيلية وأجنبية غير ربحية تدعم مدنيين متضررين من الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس".
فيما أكدت الشركة أن الآلاف من موظفيها في أكثر من 30 دولة تبرعوا بما مجموعه 5 ملايين دولار، فيما أضافت إليها الشركة 10 ملايين أخرى في إطار برنامج خاص أطلق لمساعدة المتضررين من الحرب، فيما ذكرت الشركة أن هذا يشكل أكبر حملة لجمع التبرعات الإنسانية في تاريخ الشركة البالغ 30 عاماً.
وحسب نائب المستشار العام للشركة جدعون روزنبرج: "نحن فخورون برؤية هذا الدعم الواسع من عائلات إنفيديا في إسرائيل وحول العالم، ونشعر بالامتنان لصلواتهم وأملهم في عودة زميلنا أفيناتان أور والرهائن الآخرين من أسر حماس".
فيما أضاف قائلاً: "إننا حقاً نستمد الإلهام من الاهتمام المخلص الذي يقدمه موظفونا حول العالم".
ويعمل أور البالغ من العمر 30 عاماً مهندساً في شركة إنفيديا بإسرائيل، منذ أبريل/نيسان سنة 2022، وفقاً لصفحته على موقع لينكدإن. احتجزته حماس في أثناء مشاركته مع صديقته في مهرجان نوفا الموسيقي في 7 أكتوبر/تشرين الأول بين نحو 240 محتجزاً. وأطلق سراح بعضهم منذ ذلك الحين.
وقالت إنفيديا إنها تبرعت بمئات أجهزة الكمبيوتر للعائلات التي أجليت من شمال وجنوب إسرائيل، وقدمت آلاف الوجبات الساخنة من مقصف مكتبها في يوكنعام.
ما هي شركة إنفيديا "NVIDIA"؟
في قلب ولاية كاليفورنيا الأمريكية، تقع شركة إنفيديا NVIDIA، وهي واحدة من أكبر الشركات إنتاجاً للمعالجات وبطاقات العرض المرئي. تأسست الشركة في 5 من أبريل/نيسان 1993، على يد ثلاثة مؤسسين رئيسيين، وهم كل من "جين-سون هوانغ وكريس مالاتشوسكي وكورتيس بريم".
إنفيديا "NVIDIA" لا يقتصر نشاطها على تصنيع وحدات معالجة الرسومات، بل تتيح إمكانيات معالجة متوازية يستخدمها الباحثون والعلماء في مجالات متعددة، من تشغيل تطبيقات عالية الأداء إلى الاستفادة من قدرات الحوسبة الفائقة حول العالم.
من بين منتجات إنفيديا البارزة تجد (إكس بوكس "XBOX، سيجا ساترن "Sega Saturn"، بلايستيشن 3 "PS3)، وهي متخصصة أيضاً في تصنيع معالجات تيجرا للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، بالإضافة إلى أنظمة الملاحة والترفيه في السيارات.
تعتبر إنفيديا رائدة في مجال الحوسبة الرسومية، حيث رأى مؤسسوها في البداية أن مستقبل الحوسبة يعتمد على التسارع في هذا المجال. وبمرور الوقت، انتقلت الشركة إلى سوق الحوسبة المحمولة، ما جعلها منافساً قوياً لشركات مثل إي إم دي، إنتل، وكوالكوم.
يعتبر تأسيس إنفيديا نموذجاً خاصاً في عالم التكنولوجيا، حيث استطاعت تحقيق تقدم هائل والتوسع في مجالات متعددة، بدءاً من ألعاب الفيديو إلى الحوسبة المحمولة. فيما يعتبرها العديد عنواناً للابتكار والتطور التكنولوجي.
أصبحت ألعاب الفيديو هي هدف الشركة للوصول إلى الأسواق الكبيرة وتمويل البحث والتطوير الضخم لحل المشكلات الحاسوبية الضخمة، إلا أنها كانت تواجه مشكلة مادية؛ إذ كان لديهم فقط 40 ألف دولار في البنك.
إلا أن إنفيديا تلقت بعد ذلك 20 مليون دولار من تمويل رأس المال الاستثماري من سيكويا كابيتال وغيرها. لم يكن لدى إنفيديا اسم في البداية وقام المؤسسون بتسمية جميع ملفاتهم NV. كما دفعت الحاجة إلى دمج الشركة المؤسسين المشاركين لمراجعة جميع الكلمات بهاتين الحرفين، تم الإعلان عن إنفيديا رسمياً في 22 يناير/كانون الثاني سنة 1999.
أبرز اختراعات شركة إنفيديا
خلال سنة 1998 ارتفعت سمعة شركة إنفيديا بعد إصدارها لريفا تي إن تي، وهي عبارة عن بطاقة مصورات "graphics card"، والتي أعطت قفزة نوعية في تطوير محولات الرسومات القوية، أما في أواخر سنة 1999 قامت الشركة بإطلاق جيفورس 256 (NV10)، وهي لوحة للأجهزة ثلاثية الأبعاد.
هذا الاختراع أدخل مفهوم التحول والإضاءة على لوحة الأجهزة ثلاثية الأبعاد للمستهلك. بأدائها المتميز وتقنياتها المبتكرة، وتفوقت إنفيديا على المنافسين بوضوح.
نتيجة للنجاح الكبير، حصلت إنفيديا على عقد تطوير لوحدة تحكم إكس بوكس من مايكروسوفت مقابل 200 مليون دولار. ورغم نجاح المشروع، إلا أنه أدى إلى استنزاف موارد الشركة وابتعاد عدد من المهندسين عن مشاريع أخرى.
في ديسمبر/كانون الأول 2000، نجحت إنفيديا في استحواذ أصول ثري دي إف إكس، وفي أبريل/نيسان 2002 اكتملت عملية الاستحواذ.
تواصلت النجاحات مع استحواذ إنفيديا على إكسلونا في يوليو/تموز 2002 وميديا كيو في أغسطس/آب 2003. في ديسمبر/كانون الثاني 2004، ساهم الاستحواذ على إي ريدي في تعزيز مكانة إنفيديا في صناعة الرسومات. وفي مارس/آذار 2006، أضافت إنفيديا هيبرد جرافيك إلى محفظتها.
بعد تحديد أسواق الألعاب والسيارات والأجهزة المحمولة في عام 2014، انتقلت إنفيديا نحو تركيز أكبر على الذكاء الاصطناعي. وفي 2017، أصدرت سلسلة جيفورس 10 القوية، ما زاد من شهرتها.
تجدر الإشارة إلى أن NVIDIA لم تكتف بنجاحاتها في مجال الرسومات، بل قادت مشاريع مثل Cambridge-1، أقوى كمبيوتر في المملكة المتحدة، لدعم أبحاث الرعاية الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
منتجات NVIDIA
تُعد شركة NVidia أكثر من مجرد مصنع للشرائح الرسومية، حيث تشكل جزءاً لامعاً في عالم التكنولوجيا بفضل فروعها المتعددة، التي تتضمن إنتاج الشرائح الرسومية، ومعالجات الاتصال اللاسلكية، ومنصات الحواسيب الشخصية، وشرائح اللوحات الأم. يبرز من بين تلك الفروع خط إنتاج Geforce الذي حقق شهرة واسعة بين المستخدمين.
تستخدم هذه الشركة خبرتها في تصنيع البطاقات الرسومية المنفصلة والمدمجة، وتتشابه في ذلك مع منافستها التقليدية ATi. يركز كل من الشركتين على سوق الحواسيب الشخصية، ثم يتوسعون إلى نشاطات غير متعلقة بالحواسيب. يتبنى كل منهما نهجاً يتضمن صناعة التصاميم المرجعية وتحويلها إلى شركائها المصنعين.
تركز الشركة أيضاً على تطوير وحدات معالجة الرسوميات "GPU"، حيث تتعاون مع شركات إنتاج شبيهة بالموصلات، مثل TSMC في تايوان، لتصنيع شرائحها.
في ديسمبر/كانون الأول سنة 2004، أعلنت NVIDIA اتفاقاً مع شركة Sony الرائدة في صناعة الهواتف والحواسيب وأجهزة البلايستيشن لتصميم معالج رسومي لجهاز ألعاب الفيديو PlayStation3.
على الرغم من بعض التحديات، مثل تفاصيل اتفاق مع Microsoft لتصميم GPU لـXbox 360 الذي اختارت فيه Microsoft ATi، استمرت إنفيديا في التطور والابتكار. وفي سنة 2008، اندمجت مع شركة Ageia، الرائدة في مجال محركات الـPshyx.
أطلقت الشركة خط إنتاج جديداً يُعرف باسم Tegra في يونيو/حزيران 2008، والذي يمثل نظاماً كاملاً على شريحة واحدة "SOC"، يتكامل Tegra بمعالج من نوع ARM ومعالج رسومي، ويشمل جسراً شمالياً وجسراً جنوبياً، ما جعلها خياراً مثيراً للاهتمام في هواتف المحمول المتقدمة.
إنفيديا وحرب الذكاء الاصطناعي
تتطلب نماذج اللغة الكبيرة، مثل "GPT-4″، خدمات سحابية قوية تعتمد على أجهزة ضخمة في مراكز البيانات لتدريبها على البيانات الهائلة. في هذا السياق، تبرز وحدات معالجة الرسوميات التي تقدمها NVIDIA كالحل الأمثل لتسريع العمليات الحسابية المعقدة داخل مراكز البيانات.
أدرك مطورو الذكاء الاصطناعي أن معالجات إنفيديا الرسومية تلعب دوراً فعّالاً وقوياً في دعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة، حيث تتفوق وحدات معالجة الرسوميات (GPU) في إجراء العمليات الحسابية بفاعلية أكبر من وحدات المعالجة المركزية (CPU).
يشبه هذا الاكتشاف الذي استخدمته العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم، حيث أظهرت وحدات المعالجة الرسومية قدرتها على تسريع عمليات التعدين، وهي عملية تتطلب حسابات معقدة للحصول على العملات المشفرة.
شركة "أوبن إيه آي"، على سبيل المثال، تعتمد على خدمات مايكروسوفت السحابية في تطوير نماذجها اللغوية، ما يجعل معالجات إنفيديا ضرورية لتوفير القوة الحاسوبية الهائلة. يعد هذا السيناريو جزءاً من المنافسة الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي بين شركات كبيرة مثل مايكروسوفت وجوجل.
وفي سياق الصراع القائم بين الشركات العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي، تعتبر إنفيديا الرابح الأكبر، حيث وصف جنسن هونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، الوضع الحالي بأنه "لحظة الآيفون" في مجال الحوسبة.
ترتفع أسهم إنفيديا بفعل الطلب الهائل على وحدات المعالجة الرسومية، حيث وصلت بعض تلك الوحدات إلى أسعار تجاوزت 33 ألف دولار. يثير ارتفاع الطلب في الأسواق، بالإضافة إلى تدفق الأموال نحو شركات مثل إنفيديا، تساؤلات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي.