كانت انطلاقة شركة شاومي الأولى في العام 2010، على يد مهندس البرمجيات الصيني لي جون، الذي كان قد تخرج في كلية علوم الحاسب في جامعة ووهان عام 1992، وعمل لسنوات في شركة Kingsoft الصينية الشهيرة للبرمجيات، قبل أن يستقيل منها عام 2007.
حاول لي جون استثمار أمواله في عدة شركات قبل أن يؤسّس، مع مجموعة من أصدقائه، شركة "شاومي"؛ الشركة المعجزة التي تحولت في سنوات قليلة إلى عملاق تقنية، يتوغل في كل المجالات تقريباً.
ولسنا نبالغ لو قلنا إن شاومي (Xiaomi) تنافس اليوم، لا بل تقترب من تجاوز شركات أخرى راسخة، مثل: "آبل"، و"سامسونج" اللتين لطالما تربعتا على عرش الصناعة التقنية في العالم، منذ عشرات السنين.
من الصين إلى كل العالم.. قصة نجاح شركة شاومي
في البداية، كان هدف الشركة التركيز على مجال البرمجيات، فعملت على تصميم واجهة المستخدم الشهيرة "MIUI"، التي اعتمد عليها نظام أندرويد، لكن "شاومي" لم تنتظر طويلاً حتى دخولها مجال التصنيع (الهاردوير).
فأطلقت أول هاتف ذكي لها (Xiaomi Mi 1) في أغسطس/آب 2011، وفي العام التالي أطلقت Xiaomi Mi 2 الذي حقق نجاحاً كبيراً، بسبب إمكانياته المتطورة وأسعاره المعقولة نسبةً إلى الهواتف الذكية الأخرى.
الحاجة إلى "منتجات ذات جودة معقولة بأسعارٍ عادلة" كان سبب نجاح هواتف شاومي الذكية، وهو الأمر الذي حقق لها انتشاراً سريعاً في السوق الصيني، قبل أن تتمكن من الانتشار في الهند والأسواق الآسيوية.
وفي وقتٍ قصير، نجحت شاومي في تحقيق الانتشار العالمي، حتى تم الإشادة بها "كأفضل شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا" عام 2014، كما نجحت في إثارة الجدل حول منتجاتها، وبنت قاعدة جماهيرية موالية لها في كل الأسواق التي دخلتها.
ومنذ دخولها إلى سنغافورة لأول مرة في الخارج عام 2014، توسّعت شركة شاومي كثيراً. وبحلول العام 2018، كانت قد دخلت أكثر من 80 سوقاً عالمياً. وفي العام 2019، كانت هواتف شاومي هي الأكثر شهرة في الهند.
تم طرح الشركة للاكتتاب العام في بورصة هونغ كونغ عام 2018، لتتمكن من جمع 4.7 مليار دولار، ما جعله أحد أكبر الاكتتابات العامة في مجال التقنية خلال السنوات الأخيرة.
وتُعدّ شاومي اليوم واحدة من أكبر الشركات المصنعة للهواتف الذكية حول العالم، حيث تتواجد منتجاتها في أكثر من 100 دولة. كما أنها عملت على توسيع قائمة منتجاتها، من أجهزة التلفزيون الذكية إلى أجهزة تنقية الهواء، وغيرها.
تستثمر الشركة كذلك بكثافة في مجال البحث والتطوير، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT). وقد أنشأت مساعداً افتراضياً خاصاً بمنتجاتها، يُدعى Xiao AI، يتيح للمستخدمين التحكم في أجهزتهم باستخدام الأوامر الصوتية.
كما نجحت شاومي في إطلاق خدمة Mi Home عام 2016، أحد تطبيقات "انترنت الأشياء"، التي أتاحت للمستخدمين التحكم في مجموعة واسعة من الأجهزة المنزلية الذكية -من مكيفات الهواء إلى المكانس الروبوتية- كل ذلك من خلال تطبيق واحد.
واعتباراً من العام 2019، بدأت شاومي كذلك في بيع الملحقات، مثل: القبعات، والحقائب، والنظارات، وحقائب الظهر، إضافةً إلى الوسائد، والأكواب، والمظلات؛ وذلك في إشارة أخرى إلى طموح الشركة، وسعيها إلى التوسع أفقياً وعمودياً في قائمة منتجاتها.
كيف صارت شاومي نسخة من آبل؟
منذ انطلاقتها قبل أكثر من 13 عاماً، لم تخفِ شاومي استلهامها لنموذج آبل في العديد من جوانب أعمالها، من تصميم منتجاتها إلى أساليب التسويق الخاصة بها، حتى صار يُطلق عليها لقب "آبل الصين" (Apple Of China)، فيما صار مؤسس الشركة لي جون يُشار إليه بلقب "ستيف جوبز الصيني" (Steve Jobs of China).
من أبرز أوجه التشابه بين الشركتين هو تصميم المنتجات. فالهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة الأخرى التي تنتجها الشركة الصينية تشبه إلى حدٍّ كبير منتجات "آبل".
جهاز Xiaomi Mi Notebook Air يتطابق تقريباً، من حيث التصميم، مع جهاز MacBook Air الذي تصنعه شركة آبل، فهيكل الجهازين نحيف ومصنوع من الألمنيوم. وبالمثل، وحدة الكاميرا في Xiaomi Mi 11 كانت تشبه تلك الموجودة في iPhone 12، والأمثلة كثيرة في هذا الإطار.
في أثناء تقديمه لنسخة الهاتف الذكي (Mi 4)، أقرَّ لي جون -الرئيس التنفيذي للشركة الصينية- بأنه ذهب بنفسه إلى المعامل التي تصنع "آيفون آبل" ذي الإطار المعدني، وسألهم عما يمكن أن يقدّموه لشركته ومنتجاته.
أشير إلى شاومي أيضاً بأصابع الاتهام في محاكاتها لأساليب التسويق الخاصة التي تتبعها شركة آبل، فنظام التسمية التي تتبعه الشركة الصينية لمنتجاتها -مثل Mi وRedmi- يذكرنا ببادئة "i" في منتجات آبل.
اشتهرت شاومي أيضاً باستخدام شعارات تسويقية تشبه شعارات آبل، حتى أن مؤسّسها لي جون يخرج في حفلات إطلاق منتجات الشركة الجديدة، مرتدياً قميصاً وبنطالاً وحذاءً عصرياً.
ويقدّم منتجات الشركة الصينية بطريقة ستيف جوبز نفسها مع منتجات آبل، ويستلهم عبارة جوبز الشهيرة "شيءٌ آخر" (One more thing) في نهاية عروضه التقديمية.
اتهامات أمريكية بارتباطها بالجيش الصيني
في العام 2021 نجحت شركة شاومي في التفوق على آبل بسوق الهواتف الذكية، عندما حلّت في المرتبة الثانية كأكبر شركة لتصنيع الهواتف الذكية، متجاوزةً آبل. فقد امتلكت الشركة الصينية 17% من شحنات الهواتف الذكية العالمية، متقدمة على آبل بنسبة 14%، لكن متأخرة عن سامسونج بـ19%.
ووفقاً لابن ستانتون، مدير أبحاث شركة "كاناليس" للتحليل، فإن "أعمال شركة شاومي تنمو في الخارج بسرعة"، مشيراً إلى زيادة شحناتها من الهواتف الذكية بنسبة 300%، على أساس سنوي في أمريكا اللاتينية و50% في أوروبا الغربية.
وسجلت الشركة المصنعة للهواتف الذكية الصينية نمواً في شحنات الهواتف الذكية، على أساس سنوي بنسبة 83%، مقابل 15% لشركة سامسونج و1% لشركة آبل.
وقد جاء هذا التفوق، بعد أشهر من اتهامات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لها، بارتباطها بالجيش الصيني. ففي يناير/كانون الثاني 2021 أضافت إدارة ترامب شركة شاومي إلى القائمة السوداء للشركات العسكرية الصينية المزعومة.
تعني هذه الخطوة أن الشركة الصينية خضعت لأمرٍ تنفيذي، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قيّد المستثمرين الأمريكيين من شراء الأسهم أو الأوراق المالية التابعة لأي شركة تحددها وزارة الدفاع على أنها شركة عسكرية صينية.
وعلى أثر إعلان ترامب، تقدمت شركة شاومي بشكوى في محكمة محلية بواشنطن ضدّ وزارتي الدفاع والخزانة الأمريكية، سعياً من الشركة الصينية لإزالة اسمها من قائمة الشركات المرتبطة بعلاقات مع الجيش الصيني.
في الشكوى الموجهة إلى وزير الدفاع الأمريكي ووزيرة الخزانة، وصفت الشركة الصينية القرار بأنه "غير قانوني وغير دستوري"، وقالت إنها لا تخضع لسيطرة جيش التحرير الشعبي. وأضافت أن قيود الاستثمار ستؤدي إلى "ضرر لا يمكن إصلاحه للشركة".
طموح لي جون يتجاوز الهواتف الذكية
لا تزال شاومي اليوم ثالث أكبر بائع للأجهزة الذكية في العالم، بعد آبل وسامسونج، لكن للي جون خطة طموحة من أجل تجاوز منافسيه.
ففي فبراير/شباط 2022، تعهد مؤسّس شاومي أن تتربع شركته على عرش المرتبة الأولى في الصين، وحدد لذلك إطاراً زمنياً مدته 3 سنوات، معتبرها معركة "حياة أو موت"، على حسب تعبيره.
كجزءٍ من استراتيجية التوسع هذه، تعهدت شركة شاومي بزيادة عدد متاجرها في الصين، من 10 آلاف موجودة بالفعل إلى أكثر من 30 ألف متجر، كما تعتزم استثمار نحو 16 مليار دولار في أعمال البحث والتطوير على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتركز استراتيجية الشركة، إلى جانب تطوير الهواتف الذكية، على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، بالإضافة إلى سعيها للمشاركة في إنتاج سيارات كهربائية.
سعي الشركة بالدخول إلى عالم السيارات الكهربائية، على غرابته بالنسبة للبعض، فإنه يعطي صورة عن الطموح الذي يتملكه لي جون، لتوسيع نشاط شركته إلى مساحات مختلفة.
فقد أعلن الرجل في مارس/آذار 2022 أن شركته استثمرت ما قيمته نصف مليار دولار، لإنتاج النموذج الأول من سيارة شاومي الكهربائية، وأنه يقضي نصف وقته تقريباً في العمل على هذا النموذج.
ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج الضخم لتلك السيارة، التي تحمل اسم MS11، خلال النصف الأول من عام 2024.
لدى الشركة نموذج نجاحٍ آخر طبّقته في الأسواق الهندية الضخمة، حيث حصدت شاومي ثقة وولاء الكثير من المستخدمين. وقد تمثل ذلك في خدمات الإنترنت الذي يشمل الإعلان على ألعاب الهاتف المحمول، ومقاطع الفيديو، والتكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية.
وقد مثلت تلك الخدمات نحو 9% من مبيعات الشركة خلال عام 2022، وهو نموذج نجاح تسعى شاومي إلى استثماره عن طريق تكراره في أسواق أخرى.