تجدد الحديث حول العملات المشفرة في إيران بعدما أعلن نائب الرئيس الإيراني، إسحق جهانغيري، أن المعدنيّن في البلاد عليهم تسجيل معدات التعدين الخاصة بهم لدى الحكومة.
وفقاً للأمر التوجيهي، سيتعين على المعدنين الإفصاح عن هوياتهم، وأحجام مزارع التعدين ونوع المعدات المستخدمة لوزارة الصناعة والتعدين والتجارة.
وسيُتاح للمعدنين شهرٌ لتسجيل معداتهم، وفقاً للوزارة، وبعدها ستنشر الوزارة قائمة بمراكز التعدين الحاصلة على تراخيص.
إعلان جهانغيري هو الأخير في لعبة القط والفار بين الحكومة والمعدنين غير الشرعيين للعملات المشفرة، الذين يهربون الأجهزة ويتم القبض عليهم أحياناً.
وقال المسؤولون يوم الإثنين، 6 يوليو/تموز، إنهم يرغبون في "رفع الارتباك عن نشطاء العملات المشفرة" بهذا الأمر التوجيهي الجديد. لكن هذا الارتباك تسببت فيه بقدر كبير الحكومة نفسها: فسياسات التعدين والتعريفات والقوانين المتناقضة تركت المعدنين في منطقة رمادية لأعوام.
سيمنح الأمر التوجيهي في نهاية المطاف لإيران سيطرة أكثر إحكاماً على المعدنين الرسميين، لكن التزام مجتمع المعدنين غير الرسميين بهذا الأمر يظل في علم الغيب. وقد أسهم المعدنون الإيرانيون بنحو 4% من معدل الهاش لشبكة البتكوين (BTC) في أبريل/نيسان.
ولم يحدد الأمر التوجيهي عقوبة التخلف عن التسجيل. لكن المعدنين غير القانونيين للبتكوين سبق وأن تلقوا أحكاماً بالسجن والغرامات الباهظة.
لماذا كل هذا الحماس بشأن العملات المشفرة في إيران؟
باختصار، العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران في العامين الماضيين فعّالة للغاية، إذ أدت إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 10 إلى 20%. لكنها سرعت أيضاً من تبني العملات المشفرة في إيران، ومنها البتكوين (BTC)، التي تستخدمها الحكومة والشعب استخداماً متزايداً من أجل تفادي العوائق القانونية. وقد أدى هذا إلى محاولة من جانب الجهات التنظيمية الدولية لمحاصرة البتكوين، لكن مجال العملات المشفرة أثبت أنه أكثر خفة ومرونة من الدول الفارضة للعقوبات.
ولطالما اهتمت الحكومة الإيرانية باستعمال العملات المشفرة في إيران لدعم التجارة الدولية خارج النظام البنكي التقليدي. في يوليو/تموز 2018، أعلنت إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني اعتزامها إطلاق عملة مشفرة وطنية. وبعد شهر واحد، نشرت وكالة إخبارية لها علاقاتها بالبنك المركزي الإيراني تفاصيل خواص عدة ستتمتع بها العملة المشفرة الإيرانية، وصرّحت بأن العملة سيدعمها الريال الإيراني. وكشف البنك المركزي في مؤتمر للمدفوعات الرقمية العام الماضي عن عدة مشروعات بلوكتشين، تطور التكنولوجيا الأساسية للعملات المشفرة، ومنها مشروعٌ يجري اختباره بالفعل على يد 4 بنوك إيرانية (3 منها خاضعة للعقوبات).
ومعاملات العملات المشفرة رائجة بالفعل بين المواطنين الإيرانيين، وفقاً لتقارير عدة. في بعض اللقاءات الحوارية، وصف الناس البتكوين (BTC) بأنها الطريقة الوحيدة لإخراج الأموال من إيران. ونشاط تعدين العملات المشفرة، وهو عبارة عن عملية حسابية ثقيلة تولد، أو "تعدن" عملات مشفرة جديدة، منتشر بالفعل في إيران. فقد نصب عدد من معدني البتكوين عمليات تعدين في إيران في عام 2018، وأغرتهم التكلفة المنخفضة للكهرباء في البلاد وانخفاض قيمة الريال الإيراني. وفي 2019، وجد استطلاع رأي شارك فيه 1650 إيرانياً يستعملون البتكوين أن 25% منهم يجنون 500 دولار إلى 3 آلاف دولار في الشهر من العمل بالعملات المشفرة. ويبدو أن الحكومة الإيرانية أيضاً بدأت تعترف بقيمة التعدين قطاعاً اقتصادياً. في أغسطس/آب 2019، بعد شهر من محاصرة أنشطة التعدين بتهمة إساءة استخدام الكهرباء قليلة التكلفة، أصدر مجلس الوزراء قراراً تنظيمياً يعترف بالتعدين نشاطاً اقتصادياً قانونياً.
هل سينجح الأمر؟
لكن توجد العديد من العقبات قبل أن تتمكن إيران من تسخير القوة الكامنة في العملات المشفرة. فالمساحة المتاحة لإخفاء هوية معاملات العملات المشفرة تتقلص باستمرار، مع الالتزام المتزايد عالمياً بتحديد هوية العملاء رسمياً عن طريق سياسات معرفة العميل (KYC). وفي 2018، وضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة المالية الأمريكية فردين إيرانيين وعنواني محفظتي البتكوين الخاصة بهما على قائمة المواطنين المرصودين. ويذهب التحليل الجنائي الذي أجرته وزارة المالية إلى أن هذين المحفظتين قد عالجتا أكثر من 7 آلاف معاملة بتكوين بقيمة ملايين الدولارات.
وبعيداً عن استعمالها في الأنشطة الإجرامية مثل قضية سوق سيلك روود والعديد من عمليات الاحتيال بالعملات المشفرة، أدى الاستعمال المتزايد للعملات المشفرة من جانب أنظمة مثل فنزويلا وإيران إلى مساعٍ جادة لتنظيم القطاع دولياً.
يشمل ذلك لوائح تنظيمية خاصة بكل بلد تفرض الامتثال المالي، وكذلك المعايير التي وضعتها مجموعة العمل المالي في 2019 وصارت مفروضة الآن على 37 من الدول الأعضاء. تفرض هذه المعايير التزاماً كاملاً بسياسات معرفة العميل على مستوى مقدمي خدمات الأصول المشفرة، وكذلك "قاعدة السفر" التي تلزم مرسلي العملات المشفرة ومستقبليها على حدٍّ سواء بتحديد والإبلاغ عن المعلومات المثيرة للريبة. وهذه اللوائح التنظيمية تقصي إيران فعلياً من المنصات الكبرى لتداول العملات المشفرة.وقد وجّه هذا سوق العملات المشفرة بإيران إلى منصات التداول المحلية، التي تتداول العملات بأسعار أعلى. لذا فإن إيران تفقد تنافسيتها في مجال التعدين بالمقارنة بالمناطق الأخرى. وفي حين الطاقة الكهربية أقل تكلفة، فإن التكاليف الأخرى المرتبطة بالتعدين مثل شراء المعدات وإدارة العمليات أعلى بكثير في إيران. هذا ويظل الغموض التنظيمي يخيم على مستقبل العملات المشفرة داخل إيران.