نستخدم وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة باستمرار: فيسبوك، واتساب، ماسنجر، إنستغرام، Tik Tok.. بالطبع زاد استخدامنا لها مع الحجر الصحي، لكن هل تلاحظ شيئاً ما؟ استخدام Tik Tok فاق استخدام أي تطبيق آخر!
نجد الجميع يقلد لقطات أفلامه ومسلسلاته وأغانيه المفضلة بل وبعض البرامج التلفزيونية ومقاطع الفيديو الشهيرة على الشبكات الاجتماعية بأدائه الخاص وصوت الشخصيات الحقيقي، فيما يشارك آخرون في التحديات المختلفة المنتشرة عالمياً. وهذه ليس ملاحظتك فقط، بل تثبتها الأرقام أيضاً.
Tik Tok ينتشر مع الحجر الصحي
في نهاية أبريل/نيسان 2020، تجاوزت تحميلات التطبيق 2 مليار تحميل على مستوى العالم، 351 مليوناً منها في الربع الأول من العام الحالي (الأشهر الثلاثة الأولى)، وهي الفترة التي شهدنا فيها حجراً صحياً بمعظم دول العالم مع جائحة كورونا، أي أن زيادة تحميل التطبيق جاءت مع انتشار كوفيد-19، وفق موقع The Verge التكنولوجي.
ولمثال أكثر دقة، نجد أن التطبيق شهد زيادة كبيرة في التحميل في الولايات المتحدة خلال شهر مارس/آذار، بالتزامن مع فرض حجر صحي بأغلب الولايات، إذ حُمل في الثلاثة أسابيع الأولى 6.2 مليون مرة بزيادة 27% عن عدد تحميلات الفترة نفسها من شهر فبراير/شباط التي بلغت 4.9 مليون مرة، ومحققاً أرباحاً بلغت 2.9 مليون دولار، وهي نسبة أكبر 21%من الأرباح التي جناها في فبراير/شباط.
وإذا نظرنا إلى تفاصيل الأرقام نجد أن فرص تحميل التطبيق تزيد مع طول فترة الحجر الصحي، ففي الأسبوع الثاني من شهر مارس/آذار حمل التطبيق 1.7 مليون مرة، وفي الأسبوع الثالث زادت الأعداد إلى 2 مليون تحميل، وفي هذا الأسبوع زادت إيرادات التطبيق في أمريكا وحدها 34% عن الأسبوع الذي يسبقه، محققاً 1.1 مليون دولار أرباح، مقارنةً بـ880 ألف دولار في الأسبوع الثاني، وفق موقع Music Business الأمريكي.
أيضاً في إيطاليا التي كانت من أكثر الدول انتشاراً للفيروس في مارس/آذار وفرضت حظراً شبه كامل للتجول والخروج في أغلب المناطق، نجد أن إجمالي تنزيلات التطبيق ارتفع 14% في الثلاثة أسابيع الأولى بوصوله لـ630 ألف تحميل.
من هم مستخدمو التطبيق؟
لكن ألا يلفتك شيء آخر في التطبيق المنتشر في 150 دولة حول العالم؟ نعم، مستخدموه. أغلبهم من المراهقين والشباب بين 13: 30 عاماً، كما أن أغلبهم نشط جداً في استخدام التطبيق، إذ ينشر 83% من مستخدميه مقاطع فيديو، ويفتحون التطبيق بمتوسط 8 مرات يومياً، ويقضون عليه ما إجماليه 52 دقيقة يومياً، إذ إنه يملك التطبيق الصيني 800 مليون مستخدم شهرياً (في أواخر 2019)، وفق موقع الإحصاءات Wallaroo Media.
وعلى عكس التطبيقات الأخرى حيث تشتهر فيها حسابات مشاهير الغناء والسينما والكرة، نجد أن مشاهير هذا التطبيق شباب صغير السن من جيل الألفية (Generation Z) وهم الجيل من مواليد منتصف عقد التسعينيات إلى مواليد أواخر عقد الألفين (1995: 2010)، وفق مجلة WIRED الأمريكية.
Tik Tok يتجاوز فيسبوك
الأرقام ضخمة، وستدرك ذلك عندما تقارنها بأرقام مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي الأخرى. Tik Tok كان ثاني أكثر التطبيقات تحميلاً في العام 2019 بعد واتساب المملوك لفيسبوك، وقد تجاوز TiK Tok تطبيقات فيسبوك نفسها وماسنجر خلال العام الماضي، بعد أن كان في المرتبة الرابعة بالعام 2018.
لكن هذه القائمة أجريت بينما كان عدد تحميلات Tik Tok قد وصل لـ700 مليون تحميل في 2019 (قبل الطفرة الأخيرة في تحميله مع الحجر الصحي) فيما كانت الأعداد أقل بالنسبة لتحميلات فيسبوك، ووصلت 850 مليون تحميل لواتساب الذي تصدر القائمة، وفقاً لشركة البيانات Sensor Tower.
صفقة حولت مالك التطبيق لأحد أثرياء الصين
Tik Tok هو تطبيق صيني وظل محلياً في سنته الأولى. في سبتمبر/أيلول 2016، أطلقت شركة صينية ناشئة في مجال التطبيقات (تملك تطبيقات متنوعة؛ إخبارية وترفيهية وذكاء اصطناعياً) تسمى ByteDance التطبيق باسم Douyin، وقد حقق انتشاراً داخل الصين وأصبح عدد مستخدميه 100 مليون في غضون عام، لذلك قررت الشركة المصممة أن تطلقه باسم Tik Tok في السوق العالمية بحلول ذكرى إطلاقه السنوية، وتحديداً في سبتمبر/أيلول 2017.
بالتزامن مع هذا الإطلاق قرر صاحب الشركة تشانغ يى مينغ شراء تطبيق Musical.ly (أطلق في أبريل/نيسان 2014 وبيع في نهاية 2017) الذي كان يعمل بنفس الفكرة تقريباً أن تحرك شفتيك بينما تعمل الأغنية في الخلفية الصوتية للفيديو، واستحوذ عليه في صفقة بمليار دولار أمريكي مكنته بعدها من أن يصبح تاسع أغنى شخص في الصين في العام 2019، بثروة بلغت 16 مليار دولار وهو لا يزال بعمر الـ35 عاماً، حسب مجلة Forbes.
دمج التطبيقين في تطبيق واحد أطلق في أغسطس/آب 2018، ودمجت حسابات Musical.ly في Tik Tok وزاد عدد مستخدميه وانتشاره. فرغم أنه بدأ في الصين لكن 40% من المستخدمين أصبحوا من خارج الصين بعد انتشاره في أكثر من 150 دولة وأصبح متوفراً بـ75 لغة.
بماذا يتميز Tik Tok؟
الذي يميز هذا التطبيق أن الشهرة عليه للجميع، وبطريق بسيط. وستلاحظ بنفسك أن شباباً ومراهقين يصنعون مقاطع فيديو بإمكانيات بسيطة ويحصلون على الشهرة على التطبيق الذي لا يكاد يوجد عليه مشاهير العالم الحقيقي بكثرة، لذلك نجح التطبيق في جذب المراهقين والشباب تحديداً، أو "الهواة" كما أسماهم موقع The Verge التكنولوجي.
إنتاج المحتوى على التطبيق سهل أيضاً، فهو بالأساس قائم على التدوير وهواية الطفولة "التمثيل". ففيه تزامن حركة الشفاه مع الصوت وتلتقط الفيديو في ثوانٍ أو دقائق معدودة وتنشره، ويفعل آخرون الشيء نفسه بحركات إضافية تميز مقاطعهم، ويتنشر المحتوى المعاد تدويره ليس لهدف سوى التسلية.
التطبيق ذكي، لهذا يسبب المخاوف
يستخدم التطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تحدد اهتماماتك وميولك وترشح لك مقاطع فيديو مناسبة لها وتثير إعجابك لتقضي مزيداً من الوقت في استخدامه بشكل مفرط قد يتحول لإدمان. كما تنشر المحتوى بترتيب زمني عكسي باطلاعك على الأحدث ثم الأقدم، ما يجعل المستخدم يرغب في تكرار دخوله عليه ليتابع كل جديد.
إذ تستخدم شركة ByteDance تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تعلم الآلة وتحليل اللغة وتنفق مليارات الدولارات على تطويرها ليصبح التطبيق ذكياً كفاية ليكون أقرب للآلة، وهي خطة ذكية مكنتها من النجاح في جني مليارات الدولارات من مجرد نشر فيديوهات الرقص والغناء والتقليد دون الحاجة إلى دس إعلانات أو أخبار لتحقيق الأرباح عكس التطبيقات الأخرى.
وبفضل أو بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي (له وجهان إيجابي وسلبي) هذه، أصبح محتوى التطبيق مجرد محتوى ينتشر تلو المحتوى يشد متابع التطبيق لمشاهدته، دون علاقة شخصية بين مستخدمي التطبيق مثل التطبيقات الأخرى التي يلمع فيها صيت المؤثرين والمشاهير، فالعلاقة في Tik Tok بين المستخدم والمحتوى وليس المستخدمين الآخرين، وفق تقارير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ومنصة Quartz التي وصفت هذه التقنية بأنها "ترشح للمستخدم ما سيعجبه قبل أن يعرف هو نفسه بأنه سيعجبه".
في النهاية، هذا التطبيق صيني، لذلك ليس من المستغرب أن يسبب أزمات سياسية، فبدأت مخاوف أمريكية من أن يستغل التطبيق الصيني الذي تجمعه علاقات بالحكومة الصينية ضمن الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا مع انتشاره الكبير على أراضيها، أو في توجيه الرأي العام في الانتخابات، كما استغلت روسيا فيسبوك في انتخابات 2016. وهو ما جعل الجيش الأمريكي والاستخبارات الأمريكية يحذران جنوده وموظفيه من استخدام التطبيق، وتصنيفه على أنه تهديد أمني.
كما سبب حذف التطبيق لمقاطع فيديو تتحدث عن اضطهاد الحكومة الصينية لأقلية الإيغور المسلمة نقاشاً آخر عن مراقبة التطبيق للمحتوى وممارسته التمييز. فضلاً عن نقاشات تتعلق بالخصوصية، وعدم مناسبة المحتوى للأطفال وتشجيعه على التنمر، التي أفردت لها الصحف نقاشات أخرى.