قالت شركة جوجل، الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إنها حققت "فتحاً جديداً" في أبحاث الكمبيوتر، باستخدام حاسوب كمومي استطاع أن يحل في دقائق مسألة معقدة، حيث يستغرق حلها في أقوى حاسوب خارق متوافر حالياً بالعالم آلاف السنين.
ويتوقع الباحثون في جوجل أن تقود الحواسيب الكمومية خلال سنوات قليلة، إلى تقدم في حقول مثل الذكاء الصناعي، وعلوم المواد والكيمياء.
وتتمتع الحواسيب الكمومية بقدرة كامنة على إجراء حسابات محددة، وبسرعة أكبر بكثير من سرعة أي حاسوب ذي أساس سيليكوني.
منافسة شرسة
وتخوض الشركة سباقاً مع منافسين مثل آي بي إم، ومايكروسوفت، على الاستغلال التجاري للتكنولوجيا وبيعها من خلال وحدات للحوسبة السحابية.
وقال جون مارتينيس، كبير علماء أجهزة "ميكانيكا الكم" في الشركة، متحدثاً للصحفيين: "نأمل عندما يبدأ الناس استخدامها وتفقُّد استقرار الأداء والواجهة السحابية، أن يتحمسوا لما نقدمه في جوجل".
وجاء التأكيد الرسمي للإنجاز في بحث نشرته دورية نيتشر العلمية، بعد جدل دامَ أسابيع، عقب تسرب مسودة للبحث، بخصوص ما إذا كان "التفوق الكمومي" الذي أعلنته جوجل حقيقياً.
ويسعى علماء الكمبيوتر منذ عقود، لاستغلال مبادئ ميكانيكا الكم، التي تحكم سلوك الجسيمات دون الذرية، والتي يمكن أن توجد في حالات مختلفة على نحو متزامن، بخلاف عالَم الحياة اليومية الذي يدركه الناس.
لذا، وفي حين تعتمد الحوسبة التقليدية على وحدات البِت، أو الآحاد والأصفار، فإن الحوسبة الكمومية تستخدم وحدات البِت الكمومي، أو الكيوبِت، التي يمكن أن تكون واحداً أو صفراً في الوقت ذاته.
مشكلة التبريد
وتتضاعف هذه الخاصية، المسماة بالتراكب، أضعافاً مضاعفة مع تشابك وحدات الكيوبِت بعضها مع بعض. وكلما زاد عدد وحدات الكيوبِت التي يمكن نظمها معاً، أصبحت قدرة الحواسب الكمومية أكبر بكثير.
لكن ثمة معضلة هنا، فالباحثون في ميكانيكا الكم بحاجة إلى تبريد الكيوبِت إلى ما يقرب من الصفر المطلق، من أجل الحد من التذبذب، أو الضوضاء، التي تتسبب في تسرب الأخطاء إلى حساباتهم.
وفي هذه المهمة بالغة الصعوبة استطاعت جوجل، بمساعدة الهيليوم السائل من أجل التبريد، أن تحرز تقدماً كبيراً.
وقارن الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي الإنجاز، ببناء أول صاروخ يغادر المجال الجوي للأرض ويلامس أطراف الفضاء، وهو التقدم الذي جعل السفر إلى الفضاء الخارجي ممكناً.
وكتب بيتشاي في مدونة: "بالنسبة لمن يعملون في العلوم والتكنولوجيا مثلنا، إنها لحظة أول تطبيق ناجح التي كنا ننتظرها، أهم إنجاز حتى الآن في مهمة جعل الحوسبة الكمومية حقيقة واقعة".
مهمة عشوائية
وابتكرت جوجل معالجاً دقيقاً، اسمه سيكامور، يحوي 54 وحدة كيوبِت، ويبلغ سُمك المعالج الجديد نحو عشرة ملليمترات، وهو مصنوع من أجزاء من الألومنيوم والإنديوم بين شريحتين من السيليكون.
واستطاع الباحثون بتجربتهم جعل 53 وحدة كيوبِت -متصلة بعضها مع بعض على شكل شبكة متداخلة- تتفاعل في وضع كمومي.
وأعطوا الحاسوب الكمومي مهمة معقدة تتمثل في التعرف على الأنماط المتكررة في سلسلة من الأرقام التي تبدو عشوائية.
وقد حلّ الكمبيوتر المشكلة في ثلاث دقائق و20 ثانية، وتفيد تقديراتهم بأن المسألة ذاتها ستستغرق عشرة آلاف سنة لكي يحلها الكمبيوتر الخارق "ساميت"، وهو الأقوى من نوعه في العالم اليوم.
وكتب فريق الباحثين، بقيادة فرانك أروت من قسم الذكاء الصناعي في جوجل: "هذه الزيادة الجذرية في السرعة مقارنة مع جميع الخوارزميات التقليدية المعروفة هي تحقُّق اختباريٌّ للتفوق الكمومي لهذه المهمة الحوسبية المحددة، وهو ما يبشر بإطلاق نموذج حوسبي ترقَّبناه بشدة".
دعوة للتريث
وفي حين لاقى البحث الخاضع لمراجعة النظراء استحساناً، مع مقارنة وليام د. أوليفر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نتائجه المنشورة في "نيتشر" برحلة الطيران الأولى التي قام بها الأخوان رايت، فإن مشككين يقولون إن جوجل تضخّم من شأن الإنجاز.
وقال الباحثون في آي بي إم، منافس جوجل الرئيسي في مجال الحوسبة الكمومية، إن حاسوباً خارقاً مزوداً بقرص تخزين إضافي يمكنه حل مشكلة الأعداد العشوائية في نحو يومين ونصف اليوم، وبدقة أعلى.
وأضافوا أن جوجل ربما تجازف بتضليل الرأي العام بالتلميح إلى أن أجهزة الكمبيوتر الجديدة ستحل محل القائمة حالياً.
وقال داريو جل، مدير الأبحاث لدى آي بي إم: "الحواسيب الكمومية لن تسود على التقليدية، بل ستعمل معها، لأن لكلٍّ مزاياه الخاصة".
وقال تورستن سيبيرت، مدير برنامج أبحاث الحوسبة الكمومية في جميعة فراونهوفر للأبحاث التطبيقية بألمانيا، إن جوجل حققت دقة مثيرة للإعجاب في تجربتها التي حوت عدداً ضخماً من وحدات الكيوبِت.
وتابع أنه في نهاية المطاف ستعمل الحواسيب الكمومية جنباً إلى جنب مع أجهزة الكمبيوتر التقليدية، مع استفادة كل منها بنقاط قوته.
وأضاف: "نتفق بلا ريب مع بواعث قلق آي بي إم بشأن المفهوم العام للتفوق الكمومي فيما يتعلق بتقدم في هذا الحقل يكون موجَّهاً نحو التطبيقات العملية حقاً"، مضيفاً أن من المرجح أن يتحقق التقدم من خلال مثل هذا المزج الهجين.