إذا كنت تجلس أمام ألعاب الفيديو التفاعلية لفترات طويلة أو أولادك، فاحذر لأن هذا الفعل قد تكون له آثار سلبية على الدماغ ويضرّ بالمخ. إذ تُشير دراسة علمية إلى أن بعض ألعاب الفيديو قد تضر بالمخ، عبر تقليل كمية المادة الرمادية في الحُصين، بينما تفيده ألعاب أخرى.
والحصين هو جزء من الدماغ يرتبط بالإدراك والذاكرة.
وأكدت الدراسة أنه يجب على المتخصصين توخي الحذر في تقديم النصيحة بممارسة ألعاب الفيديو لتحسين الإدراك.
الضرر يتوقف على نوع اللعبة ومكان اللاعب
كثيراً ما تمت دراسة ومناقشة تأثير ألعاب الفيديو على صحتنا ورفاهيتنا، وهو ما زال موضوعاً مثيراً للجدل.
فخلال دراسة أجراها باحثون أستراليون وصينيون في عام 2015، توصلوا فيها إلى بعض النتائج الإيجابية لممارسة ألعاب الفيديو، مثل زيادة كمية المادة الرمادية في دماغ الشخص.
والمادة الرمادية هي الجزء المسؤول عن التحكم في العضلات ومهارات الإدراك الحسي مثل الرؤية والسمع، ووظيفة الذاكرة، والعاطفة، والكلام، واتخاذ القرار، كما أنه يعزز اتصال أفضل في بعض المناطق من الدماغ المرتبطة بهذه الوظائف.
للوصول إلى النتائج السابقة استخدم العلماء بقيادة باحثين من جامعة العلوم الإلكترونية والتكنولوجيا في الصين وجامعة ماكواري في سيدني فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية، لتحليل أدمغة 27 لاعباً حققوا مستويات احترافية في ألعاب الفيديو.
بينما تكشف الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها، والتي أجراها باحثون من قسم علم النفس بجامعة مونتريال ومعهد دوغلاس في كيبك، وكلاهما في كندا، أن ألعاب الفيديو التفاعلية، على وجه التحديد، لها تأثير سلبي مباشر على الدماغ.
نشر مؤلف الدراسة الرئيسي الدكتور جريجوري ويست، أستاذ مساعد في جامعة مونتريال، نتائج الفريق في مجلة Nature في أغسطس/آب عام 2017.
وكان ملخص الدراسة: يُعتبر الحُصين أمراً مهماً للإدراك السليم، إلا أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة تُشير إلى أن مشغلات ألعاب فيديو الحركة قلّلت من المادة الرمادية داخل الحُصين.
وأظهرت تجربة تدريب طولية عشوائية أن ألعاب الرماية تُقلل من المادة الرمادية داخل الحُصين لدى المشاركين الذين يستخدمون استراتيجيات الذاكرة غير المكانية، على العكس من ذلك أظهر المشاركون الذين يستخدمون استراتيجيات الذاكرة المكانية، التي تعتمد على الحُصين زيادة في المادة الرمادية في الحُصين بعد التدريب.
توضح هذه النتائج أن ألعاب الفيديو يمكن أن تكون مفيدة أو ضارة بنظام الحصين، اعتماداً على استراتيجية التنقل التي يستخدمها الشخص ونوع اللعبة.
تأثير ألعاب الفيديو على الدماغ
دراسة دكتور ويست تنبع من اعتبارين:
أولاً: لاحظ الباحثون أن ألعاب فيديو الحركة والتي تُعرف باسم "ألعاب إطلاق النار"، يُنصح بها المتخصصون أحياناً لزيادة الاهتمام البصري للأطفال والكبار.
ثانياً: وفقاً للدراسة التي أجراها الدكتور ويست، يستخدم لاعبو ألعاب الفيديو المثيرة نوعاً معيناً من ردود الفعل أثناء اللعب تُسمى "الاستجابة"، تؤدي إلى انخفاض في المادة الرمادية للحُصين، ويرتبط هذا الانخفاض بمرض الزهايمر، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.
شملت الدراسة أيضاً فحص "النواة الذيلية"، التي تلعب دوراً مهماً في تكوين العادات والذاكرة الإجرائية، وهو نوع الذاكرة الذي نعتمد عليه لمعرفة كيفية المشي أو السباحة أو ركوب الدراجة، ووفقاً للأبحاث، يلاحظ الدكتور ويست وزملاؤه أن النواة الذيلية تشترك في علاقة عكسية مع الحُصين.
هذا يعني أننا إذا اعتمدنا كثيراً على العادة والذاكرة الإجرائية، فسينتهي بنا الأمر إلى إهمال قدرات التعلم النشطة التي تخص الحُصين، وهذا قد يتسبب في ضمور الحُصين، مما يؤدي إلى بنية دماغية غير صحية بشكل عام.
يقول الدكتور جريجوري ويست "لهذا السبب قرَّرنا إجراء دراسة تصوير عصبي كاملة، وما رأيناه كان مادة رمادية أقل في الحُصين. ثم تابعنا ذلك مع دراستين طوليتين لإثبات العلاقة السببية، ووجدنا أنه بالفعل الألعاب هي التي أدت إلى حدوث تغييرات في الدماغ".
ووفقاً لدراسة سابقة أُجريت عام 2007 فإن اختلافات المواد الرمادية ترتبط مع الاستراتيجيات التلقائية في مهمة التنقل المكاني الظاهري للإنسان، حيث أكد التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن الأشخاص الذين استخدموا استراتيجيات الذاكرة المكانية أظهروا نشاطاً متزايداً في الحُصين، بينما ارتبطت استراتيجيات "الاستجابة" بالنشاط في النواة الذيلية.
خطوات الدراسة: اللاعب متعلم استجابي أو مكاني؟
تم تحديد عدد من اللاعبين وتكليفهم بلعب ألعاب الفيديو المثيرة، والتي كانت ألعاب إطلاق نار مثل Call of Duty أو ألعاب فيديو ثلاثية الأبعاد مثل سلسلة سوبر ماريو.
تم اختبار المشاركين أولاً لمعرفة ما إذا كانوا "متعلمين مكانيين"، أي يعتمدون على أدلة بصرية ومعالم كي يشقوا طريقهم عبر بيئة معينة، أو "متعلمين استجابيين"، أي يعتمدون على العادات المكتسبة للتنقل، يكون لدى المتعلمين المكانيين حُصين أكثر نشاطاً، بينما يميل متعلمو الاستجابة إلى النشاط في النواة الذيلية.
بعد تصنيف اللاعبين، طلب منهم الباحثون ممارسة ألعاب الفيديو وألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد.
وتبين أن نفس مقدار الوقت (90 ساعة) المخصص للألعاب كانت له تأثيرات مختلفة اعتماداًعلى نوع اللعبة التي تمت المشاركة فيها.
أي بمعنى آخر، أدت ألعاب الحركة إلى ضمور الحُصين، بينما زادت ألعاب المنصات، والتي تتطلب من اللاعب الانتقال من منصة إلى الأخرى، من حجم المادة الرمادية.
توصيات الباحثين
يعتقد الباحثون أن المتعلمين الاستجابيين قد يكونون قادرين على زيادة حجم المادة الرمادية من خلال تشجيعهم على استخدام الاستراتيجيات المكانية.
ويقترح الدكتور ويست وزملاؤه أيضاً أن مطوري الألعاب قد يكونون قادرين على منع ألعاب الحركة من أن تؤدي إلى ضمور الحُصين عن طريق تغيير تصميمها.
فألعاب الحركة تشتمل غالباً على نظام GPS داخل اللعبة، وهو نظام تحديد المواقع العالمي، لتوجيه اللاعبين إلى موقعهم أو حدثهم التالي.
يقول الباحثون إنه من دون هذا النظام، يمكن تجنب التأثير السلبي للألعاب على الدماغ.
ينصح الدكتور ويست وزملاؤه بالحذر في وصف ألعاب الفيديو للاعبين الشباب، لأنها قد تؤدي في النهاية إلى إلحاق ضرر أكبر من النفع.
كما يُشير إلى أنه يجب عدم تعريض المرضى المصابين بمرض الشلل الرعاش، وكذلك الأشخاص الذين يعانون أيضاً من الخرف ومرضى الزهايمر والفصام والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة لألعاب الفيديو التفاعلية، حيث إن لديهم أحجاماً أقل بالفعل من المادة الرمادية.