وجهُك هو كلمة المرور.. كيف سيُغير نظام التعرف على الوجه ملامح وجوهنا البشرية؟

"يعد وجهك، في الواقع، بمثابة جهاز العرض الخاص بك، وينبغي على حاسوبك الخاص قراءته، الأمر الذي يستوجب الاعتراف بوجهك وتعابيره الفريدة". ويعتبر التحدي التقني المتعلق بالتعرف على الوجه وتعبيراته صعباً. ومع ذلك، تعد عملية تنفيذه قابلة للتحقيق بدرجة كبيرة في بعض السياقات

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/30 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/30 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
Facial Recognition System concept.

بالعودة إلى سنة 1995، كتب الأميركي نيكولاس نيغروبونتي كتابه "Being Digital"، الذي كان يعد من أكثر الأعمال المؤثرة في الحياة التي تقودها التكنولوجيا. وعلى الرغم من أن تقنية التعرف على الوجه حينها لا تزال حلماً صعب المنال، فإنه شعر بأن هذه التقنية مقدر لها أن تصبح حقيقة ملموسة، حسب موقع Medium الأميركي.

وحيال هذا الشأن كتب نيغروبونتي "يعد وجهك، في الواقع، بمثابة جهاز العرض الخاص بك، وينبغي على حاسوبك  الخاص قراءته، الأمر الذي يستوجب الاعتراف بوجهك وتعابيره الفريدة". ويعتبر التحدي التقني المتعلق بالتعرف على الوجه وتعبيراته صعباً. ومع ذلك، تعد عملية تنفيذه قابلة للتحقيق بدرجة كبيرة في بعض السياقات، حسب كولين هورجان المحرر في الشؤون التقنية.

أما في التطبيقات التي تشترك فيها مع جهاز الكمبيوتر الخاص بك، فكل ما يحتاجه الأمر هو التعرف على ما إذا كنت فعلاً "أنت" بالمقارنة مع أي شخص آخر على هذا الكوكب.

هناك استخدامات جيدة للتقنية

خلال سنة 2018، يمكن قراءة ما كتبه نيغروبونتي على أنه نوع من التوقع. خلال العام الماضي، طرحت شركة آبل جهاز "IPhone X"، الذي يُمكّن المستخدمين من فتح قفل الهاتف عن طريق التعرف على وجهه من خلال كاميرا الهاتف الخاصة به؛ ليكون وجهك بمثابة كلمة المرور.

بالطبع، نحن على علم أيضاً بالكثير من حالات الاستخدام الأخرى لتقنية "التعرف على الوجه". فخلال السنوات الأخيرة، تم إدخال تقنية التعرف على الوجه في المطارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة كوسيلة للتأكد من هوية المسافرين. وقد تم استخدامها خلال الشهر الماضي للتعرف على رجل قتل خمسة أشخاص في أحد المكاتب الصحافية في ولاية ماريلاند.

وفي هذا الشهر، تم استخدام هذه التقنية كذلك لتحديد شخصين يشتبه في محاولتهما تسميم العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في المملكة المتحدة. وتعمل شركات التكنولوجيا على إنشاء برنامج تعرف على الوجه الذي يمكنه، من بين الأمور الأخرى، مساعدة المكفوف على التعرف على الشخص الموجود في الصورة، أو حتى الأشخاص المتواجدين معه في الغرفة. كما تأمل شركات بطاقات الائتمان أن تكون تقنية التعرف على الوجه الخطوة التالية في عملية توثيق الدفع.

ويمكن إساءة استخدامها من قبَل الحكومات المستبدة

لقد رأينا أيضاً كيف تتم إساءة استخدام تقنية التعرف على الوجه. وحيال هذا الشأن، كتب براد سميث، رئيس ومدير الشؤون القانونية في شركة Microsoft مؤخراً، في دعوة عامة موجهة للحكومة لتنظيم تكنولوجيا التعرف على الوجه: "تخيل أن تتعقبك الحكومة في كل مكان ذهبت إليه خلال الشهر الماضي دون إذن منك. وتخيّل امْتلاكهم لقاعدة بيانات لكل شخص حضر مسيرة سياسية، الأمر الذي يمثل جوهر حرية التعبير، وبدلاً من أن تتخيل ذلك، بإمكانك إلقاء نظرة على الصين"، حسب الموقع الأمريكي.

وفق ما ذكرته صحيفة  "New York Times"، توجد في بعض المدن هناك كاميرات تقوم بعمليات مسح لمحطات القطار بهدف البحث عن أكثر الأشخاص المطلوبين للعدالة في الصين. وتعمل شاشات العرض، بحجم لوحات الإعلانات، على عرض وجوه الأشخاص الذين يعبرون الطريق عشوائياً، فضلاً عن قائمة بالأشخاص الذين لم يقوموا بدفع ديونهم. كما تُستخدم تقنية التعرف على الوجه "لتعقب أعضاء الأقلية المسلمة الأويغورية ولتحْديد علاقاتهم مع الأصدقاء والعائلة".

يعد وجهك بالفعل كلمة المرور

من الواضح، أن نوع الأسئلة التي طرحها براد سميث العضو التابع لشركة Microsoft، والتي تتمثل في نوع القيود التي ينبغي وضعها على هذه التكنولوجيا ومن الذي يجب أن يتحكم بها، أمر حيوي للتوصل إلى فهم كيفية تأثير تقنية التعرف على الوجه على العالم من حولنا.

في المقابل، هناك سؤال لم يتطرق إليه سميث، وتطرق إليه نيغروبونتي، منذ أكثر من عقدين من الزمان، والمتمثل في ما المقصود بأن تكون أجهزة حواسيبنا قادرة على "التعرف" علينا عند رؤيتها لنا؟ أو بمعنى آخر:  ما الذي تفعله تقنية التعرف على الوجه لوجوهنا؟

خلال الصيف الماضي، ادعى الفنان الفرنسي رفائيل فابر، Raphaël Fabre، أنه نجح في تقديم طلب للحصول على بطاقة هوية وطنية في فرنسا باستخدام  بطاقة حاسوبية لوجهه. وكما أفادت مجلة Vice، قام فابر "بتصميم صورة له باستخدام البرامج والتقنيات المستخدمة للتأثيرات الخاصة في الأفلام والألعاب، على غرار Blender وTurboSquid، اللذان يعتبران أهم البرامج ثلاثية الأبعاد. وقد قام بنحت رأس بشري رقمياً من خلال استخدام شكل مكعب قبل أن يعيد تعديل الصورة إلى ثنائية أبعاد. وعند الفحص الدقيق، يتّضح أن الصورة التي قام فابر بتصميمها ليست صورة فوتوغرافية، لكنها، وبشكل مذهل، تكاد أن تكون كذلك.

 

علاقتنا بصور وجوهنا

كما أخبر فابر مجلة Vice بأنه يهدف إلى اكتشاف العلاقة التي تربطنا بالصورة، من ناحية "محدودية وظيفة العين، وقراءتها الشعرية، بالإضافة إلى تأثير كل من الخيال والتكنولوجيا. ففي حقيقة الأمر، لا يخلو محيطنا من الصور المعدلة رقمياً للأجساد، وكل ما هو من حولنا، بحيث أصبح عالمنا بمثابة صورة رقمية بشكل ما". كما بين فابر فيما سبق، دون التطرق إلى الموضوع بشكل مباشر، أن عالمنا ليس الوحيد الذي تحول إلى صورة رقمية، بل طالت هذه الظاهرة كلاً من أجسادنا وهويتنا.

فما الذي تراه كاميرا نظام التعرف على الوجه عندما تلمح وجوهنا وسط آخرين؟ وكيف يمكن أن تتعرف على من يقف أمامها؟ وكيف للشخص أن يعرف بدوره ما إن كانت تنظر إليه فعلًا؟ يتمثل الجواب عن هذه التساؤلات في كونها اتّبعت منهج فابر في تعاملها معنا. فهي تدرس ملامح وجوهنا، وبالتالي تتعامل معها على أنها بيانات مجردة. فأمام كاميرا التعرف على الوجه، نتجرد نحن من كينونتنا، ونتحول إلى مجرد نُسخ رقمية لا أكثر، حسب الموقع الأمريكي.

نسخ رقمية من الوجوه البشرية

خلال سنة 2012، كتب ديفيد ليون، مدير مركز دراسات المراقبة في جامعة كوينز، أنه في إطار نظم المراقبة الحديثة، "تتمثل المعلومات الخاصة بالأفراد في "بيانات شخصية" فقط نظرا لكونها استمدت من الأشخاص أنفسهم وقادرة على التأثير على  قراراتهم المصيرية وخياراتهم".

وتعد المعلومات المتعلقة بتسجيل الدخول، أو سجل التصفح، أو حتى بأصدقائنا على الفيسبوك، ومنشوراتنا على تويتر، وسجل أسفارنا تفاصيل خاصة بحياتنا الشخصية، إلا أنها ليست كذلك، حتى وإن حاولنا تجميعها لرسم صورة كاملة عنا.

مع ذلك، كتب ليون، قائلاً إنه "عادة ما نعطي تلك البيانات الجزئية ثقة أكبر من تلك التي نوليها للأشخاص بعينهم، أولئك ممن يفضلون التكفّل بإطلاعنا على حقيقتهم". وسواء أحببْنا أو كرهنا، نحن لسنا سوى تصيير وبيانات ضمن هذا العالم الذي نحن بصدد بنائه.

الوجوه أداة كشف الهوية

عموماً، دائماً ما استخدمت الوجوه كأداة لكشف الهوية. كما عرفت أجهزة تطبيق القانون والحكومات باعتمادها على ملامح الوجه لتصنيف الأشخاص بشكل ممنهج. ولكن حتى في تلك الحالات، لم يكن الحصول على مجرد صورة للوجوه فعالاً بقدر معرفة تفاصيل دقيقة حول الأشخاص. ولكن هذا ما يقوم به نظام التعرف على الوجوه، فهو يجعلنا نظن بأن النظر إلى وجه شخص ما كفيل بالتعرف عليه. وحالياً، يجري بناء هياكل مراقبة من شأنها أن تقوم بهذه التكهنات بشكل تلقائي. وبينما كان وجهك قناعاً يخفي أسرارك، لن يعود هذا ممكناً بعد الآن.

مع ذلك، ما يمكن اكتشافه من خلال نظم التعرف على الوجه، وهو تجريد قائم على البيانات لوجهنا، ليس إلا تصويراً سطحياً للأفراد. وهذا ما يشعرنا بالظلم والخوف عند السماع عن حالات المراقبة المتداولة في الصين، حيث تم عرض أسماء المذنبين بارتكاب جرائم صغيرة على غرار العبور العشوائي للطريق علنًا. وبما أننا نجهل جل تفاصيل الحادثة، لا نعلم قطعاً لما ارتكب هؤلاء هذا النوع من المخالفات.

التقنية تسلبنا التفاصيل الإنسانية

في نهاية المطاف، تسلبنا تقنية التعرف على الوجه التفاصيل، إذ تجعل وجوهنا تبدو ناعمة وعقيمة، دون عمق أو ماهية. وتصبح وجوهنا جوفاء وخالية من المعالم والألغاز، وبمعْزل عن الأشخاص والتجارب التي تمثلها. وعلى عكس أسمائنا، تمتلك وجوهنا، في الوقت الحالي، خصائص ثابتة، لا يمكننا أبداً تغييرها أو إخفاؤها عن أي شخص قد يرغب في استخدامها في أغراض جيدة كانت أم سيئة. باختصار، ستتحول وجوهنا من أداة بشرية، ومنافذ للإدراك والتجاوب، إلى الأشياء ذاتها التي تصورها نيغروبونتي، أدوات حاسوبية. في عالم تمضي بنا فيه تقنية التعرف على الوجه قدماً، سيصبح وجهك بمثابة واجهة وأداة للعرض.


واقرأ أيضاً..