حين طلب مني مديري في العمل أن أقوم بتنزيل المعلومات الشخصية لدى فيسبوك عني، لأرى ما يحمله ملفي على هذه الشبكة الاجتماعية بعد فضيحة "كامبريدج أناليتكا"، لم أتوقع للحظة أن أرى ما رأيته.
فكان الأمر أشبه بشريط ذكريات محفوظ بالساعة والدقيقة، رغم أني محوْت الكثير منها من حسابي منذ سنوات.
فكيف ذلك؟ ولماذا؟
حاولت أن أفهم أكثر كيف تم تجميع بياناتي وتخزينها في وادي السيليكون ولماذا، أما السؤال الأهم، فهو معرفة إذا ما كنت أستطيع إزالتها.
عندما قمت بتنزيل نسخة من بياناتي الموجودة على فيسبوك، وجدت مجلداً يحتوي على ملفات فرعية. أهمها هو ملف اسمه "index" وهو فهرس عبارة عن مجموعة من البيانات الخام من حسابي على فيسبوك، حيث تصفحت من خلاله ملفي الشخصي، وقائمة الأصدقاء، وصفحة آخر الأخبار، والرسائل.
1- دليل هاتفي بالكامل
وداخل هذا الملف، كان أول ما فوجئت به، بأن فيسبوك لديه دليل هاتفي بالكامل، بما في ذلك رقم شخص كنت أنوي قبل 5 سنوات شراء سيارة منه، ورقم مصففة شعر وغيرها الكثير.
لكن الغريب أن فيسبوك احتفظ بهذه الأرقام، بل بسجل فيه أكثر من 150 شخصاً، مع أني قمت بحذفهم من قائمة أصدقائي خلال السنوات الماضية.
وبعد الفحص الدقيق، اتضح أنَّ فيسبوك خزَّن سجل الأرقام الخاص بي بالكامل لأنَّني قمت بتحميله عند إعداد تطبيق مسنجر.
كان الأمر مزعجاً، فلِمَ لَمْ يستخدم برنامج فيسبوك مسنجر قائمة جهات الاتصال الخاصة بي للعثور على آخرين ممن يستخدمون التطبيق نفسه فقط؟ لماذا احتفظ بالقائمة كلها، بما في ذلك أرقام هواتف طبيب أبي وهاتف منزل جدتي؟
وهنا قررت أن أحذف جميع بيانات دليل هاتفي.
2- قائمة الأصدقاء الذين حذفتهم
ما أزعجني أيضاً هو ما وجدته في ملف قائمة أصدقائي، حيث كان لدى فيسبوك سجل بـ"الأصدقاء الذين حُذفوا"، وهو ملف يضم 65 شخصاً أزلتهم من حسابي، مع التاريخ الذي حذفتهم به. ولكن لا أفهم لماذا يجب أن يتذكر فيسبوك الأشخاص الذين حذفتهم من حياتي؟
وعندما بحثت في الموضوع على الإنترنت، وجدت أن القائمين على فيسبوك يبررون ذلك بأنهم يستخدمون قائمة أصدقائي المحذوفين حتى لا يظهر هؤلاء الأشخاص في تحديثاتي على فيسبوك مع خاصية "في هذا اليوم"، التي تعيد عرض ذكريات من السنوات الماضية.
وهنا لم أستطع حذف قائمة الأصدقاء "المحذوفين" أساساً.
3- المعلنون لديهم كلّ بياناتي!
لكن أكثر ما أفزعني كان عدد المعلنين التجاريين الذين حصلوا على قواعد بياناتي كاملة من فيسبوك، لمجرد تصفحي لها على الشبكة الاجتماعية.
فحين دخلت إلى ملف الإعلانات في المجلد "index" اكتشفت وجود عشرات المعلنين الذين بحوزتهم بيانات الاتصال بي، مثل Modanisa و L'Oréal Paris و Nteflix وغيرها.
وأذكر في شهر مارس/آذار 2018 حين أعلنت فيسبوك أنها ستحد من ممارستها بالسماح للمعلنين باستهداف الإعلانات باستخدام معلومات من وسطاء بيانات طرف ثالث، مثل شركة Acxiom، المعروفة بأنها جمعت واحدة من أكبر قواعد البيانات التجارية في العالم عن المستهلكين. ويمكن أن تشتري العلامات التجارية أنواعاً مختلفة من مجموعات بيانات العملاء من مُقدم، مثل بيانات الاتصال الخاصة بالأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعة سكانية معينة، ويأخذون هذه المعلومات إلى فيسبوك لعرض الإعلانات المستهدفة.
ولكن حتى لو حاول فيسبوك الحد منها، فهناك طرق أخرى تمكن المعلنين التجاريين من الحصول على معلوماتك، وكل هذا التعدي على الخصوصية هدفه إبراز وتسويق ما قد يعجبك خلال تصفحك فيسبوك.
فمثلاً يمكنهم الحصول على معلوماتك بطرق بسيطة، حيث يمكن للشخص الذي شاركت معه معلومات أن يُشاركه مع كيان آخر.
4- صور حذفتها منذ سنوات
كشفت بيانات فيسبوك الخاصة بي أيضاً كيف لم تُمح الكثير من الصور التي أزلتها من حسابي قبل 9 سنوات، كتلك التي لم أكن فيها محجبة بعد خلال حضوري مع أصدقائي الألعاب الفرنكفونية السادسة التي استضافتها بيروت عام 2009.
فلماذا لم يحذفها فيسبوك كما فعلت أنا؟ لماذا قرر الاحتفاظ بها؟
وقبل أن أخرج من الملف، حذفتها مجدداً.
5- ممارسة معقولة
أما الشيء الوحيد الذي لم يزعجني ولم أفكر بحذفه، فكان احتفاظ فيسبوك بسجل بيانات دخولي إلى الشبكة الاجتماعية منذ لحظة أن أنشأت الحساب عام 2007، إلى جانب عدد المرات التي قمت فيها بإيقاف حسابي بالتاريخ والساعة.
ويحتفظ فيسبوك بسجل لهذه البيانات كإجراء أمني للإبلاغ عن عمليات تسجيل الدخول المشتبه بها من أجهزة أو مواقع غير معروفة. وبدت مثل هذه الممارسة طبيعية وفيها من المنطق ما يسمح لي بالاحتفاظ بها.
وأخيراً
ما النتيجة؟ بعد ما وجدته في ملفي على فيسبوك، من صور وفيديوهات وبياناتي الشخصية الموزعة على جهات تجارية بشكل جنوني، فأوصي كل شخص مهتم بمعرفة كيف يتم تخزين معلومات عنه، أن يقوم بهذا التنقيب والبحث.
نعم، قد يرجعك لذكريات تزعجك، ولكنك بالطبع ستعرف ما تفعله لاحقاً وأن تقرر ما ستزيله أو تحافظ عليه.