لم تعد فكرة التحول لمجتمع غير نقدي خال من النقود ضرباً من الخيال، فكثير من دول العالم تتجه نحو تحقيق ذلك بالفعل بدعم من الحكومات وشركات الخدمات المالية الكبيرة.
في المجتمع غير النقدي لا تستعمل النقود الورقية والمعدنية، بل يتم الاعتماد بشكل كامل على المدفوعات الإلكترونية مثل بطاقات الائتمان، بطاقات الخصم، تطبيقات الدفع الإلكتروني مثل "باي بال"، خدمات الدفع عبر الجوال ومحافظ الجوال مثل خدمة آبل باي وغيرها.
يرى المؤيدون لفكرة المجتمع غير النقدي بأن سرقة الأموال تسهل حين تكون نقوداً، كما أن المعاملات غير القانونية مثل تجارة المخدرات تتم عادة باستخدام النقود، لكن المدفوعات الإلكترونية ستجعل عمليات غسل الأموال أكثر صعوبة لأن مصدر الأموال سيكون معروفاً.
وسيكون من الأسهل على الحكومة مراقبة ضريبة الدخل التي يدفعها الأفراد، كما ستوفر الحكومة تكلفة عملية طباعة الفواتير والنقود المعدنية.
لكن المعارضين للفكرة يشعرون بالقلق لأن التعامل غير النقدي سيقلل من خصوصية الناس، فالمؤسسات التي تقوم بعملية التحويل قد تتحكم في البيانات الشخصية للعملاء.
ويمكن أن تتسبب بعض المشكلات التقنية في عدم قدرة العملاء على شراء السلع التي يحتاجون إليها، وسوف يواجه الفقراء وغير المسجلين في الأنظمة المصرفية صعوبات بالغة في المجتمع غير النقدي، فهم لا يمتلكون أجهزة ذكية من الأساس لتمكنهم من الدفع الإلكتروني ولا يزال الطريق طويلاً أمام القضاء على هذه المشكلة.
وبحسب دراسة أجرتها Forex Bounses لتوضيح الدول الأقل استعمالاً للعملات الورقية في تعاملاتها، أخذ التقييم في الاعتبار عوامل مثل عدد بطاقات (الخصم والائتمان) لكل فرد من السكان، والنمو في شعبية المدفوعات غير النقدية، والوعي العام بتكنولوجيا الدفع بواسطة الهاتف النقال.
تتصدر كندا القائمة، حيث يملك كل شخص يعيش بها أكثر من بطاقة ائتمانية. التالية في القائمة هي السويد حيث أن 59٪ من المعاملات فيها غير نقدية، وهي النسبة الأعلى في القائمة.
تأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة حيث أن 47% من السكان على دراية تامة بالطرق المختلفة للدفع الإلكتروني، تليها فرنسا في المرتبة الرابعة حيث 39% من البطاقات الائتمانية هناك مزودة بتقنية الدفع بدون لمس.
تقنية الدفع دون لمس هي خدمة مبتكرة وتسمح بدفع ثمن المشتريات المنخفضة القيمة من خلال تمرير البطاقة فوق أجهزة نقاط البيع لدى المحلات التجارية دون الحاجة إلى إدخال البطاقة في الجهاز.
تأتي الولايات المتحدة في المركز الخامس حيث يمتلك كل مواطن 3 بطاقات إلكترونية تقريباً، تليها الصين التي تميزت بأعلى نمو في المدفوعات الإلكترونية في الخمس سنوات الأخيرة.
أما أستراليا فجاءت في المركز السابع، فقد حظرت عمليات الشراء بالنقود في المعاملات التي تفوق قيمتها عشرة آلاف دولار أسترالي (7500 دولار أمريكي)، كما أطلقت الحكومة منصة للمدفوعات الجديدة تتيح التحويلات الفورية لتكون بديلاً عن المدفوعات النقدية.
وفي المركز الثامن تأتي ألمانيا ففي هذا البلد تقدر نسبة المعاملات غير النقدية بـ 30% ويعتمد بشكل كبير على تقنية الدفع بدون لمس واستعمال الهواتف الذكية.
السويد
ينخفض الاستخدام النقدي بسرعة في السويد، والتي قد تصبح قريباً أول مجتمع غير نقدي في العالم!
يمكن للبلاد التخلي عن النقود الورقية في غضون خمس سنوات، وفقاً لعلماء في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم.
إذا قمت بزيارة السويد، تأكد من أخذ بطاقة الائتمان الخاصة بك أو الهاتف المحمول معك، نظراً لأن 13٪ فقط من المدفوعات تتضمن معاملات نقدية، ومن النادر أن تضطر للدفع النقدي!
في السويد أيضاً يُسمح للمحلات التجارية والشركات قانوناً برفض الدفعات النقدية، ولم يعد سائقو الحافلات السويدية أو حتى البائعون في الشوارع يقبلون العملات المعدنية أو الأوراق النقدية.
تسعى الحكومة لتوفير خدمة أكثر سرعة وخلق بيئة أكثر أماناً، ويعتقد أصحاب المحال التجارية أن إزالة النقود تقلل مخاطر السرقة وتوفر لهم وقتاً ثميناً في التعامل مع النقود التي توقفت العديد من البنوك عن قبولها، كما توقفت البنوك أيضاً عن صرف المبالغ النقدية وإزالة أجهزة الصراف الآلي الخاصة بها.
أفاد تقرير لصحيفة الغارديان أن حوالي 900 من فروع البنوك في السويد البالغ عددها 1600 فرع لا تتعامل بأي أموال نقدية، وكثير منها، بالأخص في المناطق الريفية، لم تعد تمتلك أجهزة صرافة آلية.
يستخدم نصف سكان البلد البالغ عددهم 10 ملايين نسمة تطبيق سويش الشهير للدفع عبر الجوّال
وقال نيكولاس أرفيدسون، الأستاذ المشارك والمتخصص في ابتكار أنظمة الدفع في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم: "إن بداية تحول البلاد نحو مجتمع غير نقدي كانت في العام 1960، عندما أقنعت البنوك العاملين لديها باستخدام التحويلات المصرفية الرقمية لتلقي الأجور كجزء من هذا المسار. وأخذ التعامل ببطاقات الدفع والسحب الذكية دفعة قوية سنة 1990، عندما بدأت البنوك تفرض رسوماً على الشيكات. وأصبحت البطاقات الذكية الآن هي وسيلة التعامل المالي الرئيسة، حيث يستخدمها السويديون أكثر بـ 3 مرات من المتوسط الأوروبي لاستخدام البطاقات"
مع تراجع استخدام النقد في السويد انخفض مستوى الجريمة في البلاد بشكل ملحوظ، وباتت عملية التحصيل الضريبي في السويد أكثر كفاءة، فمع اعتماد التعاملات الرقمية التي يمكن تتبع أثرها، اختفت مشكلة التهرب الضريبي بشكل ملحوظ.
لكن على الرغم من أن هذا النظام يسعد معظم المستهلكين، إلا أن الفقراء وكبار السن لا يزالون يواجهون صعوبات في التعامل مع العالم الإلكتروني.
وهناك قلق بشأن مدى تكييف 1.8 مليون شخص متقاعد من أصل عشرة ملايين نسمة في السويد، نتيجة اعتماد البطاقات أو الهواتف الذكية لاستخدام الحافلات أو حتى المراحيض العامة، خصوصاً أن 50% من أعضاء المنظمة السويدية للمتقاعدين يستخدمون النقود في تعاملاتهم مقابل 7% منهم فقط يلجؤون للتعاملات الرقمية.
الصين ورمز الاستجابة السريعة (كيو آر)
خلافاً للدول الاسكندنافية، فإن المشهد الصيني تسيطر عليه رموز الاستجابة السريعة كيو آر، فقد تخلى الصينيون بشكل كبير عن اعتماد بطاقات الائتمان وبدلاً من ذلك تبنوا رموز كيو آر.
شهدت الصين أعلى نمو في المدفوعات غير النقدية على مدى السنوات الخمس الماضية. والغالبية العظمى من الناس يستخدمون تطبيقات مخصصة للدفع الإلكتروني تقوم بمسح الرمز ودفع الأموال.
أصدرت "تينسنت" الصينية تطبيق المراسلة الإلكترونية "وي شات" في عام 2011، وتضمن التطبيق رموزاً للاستجابة السريعة يمكن استخدامها لتبادل معلومات الاتصال بين المستخدمين، وأيضاً محفظة إلكترونية يمكن أن تستخدم لإجراء عمليات الدفع.
مع مرور الوقت انتشر إرسال الأموال من خلال تطبيق "وي شات" الذي لا يتطلب وجود بطاقة ائتمان، كما أن تكلفة المعاملات من خلاله منخفضة جداً مقارنة بخدمات الدفع الأخرى.
في كل مكان تذهب إليه في الصين، سترى رموز الاستجابة السريعة كيو آر: محلات السوبر ماركت، ومدن الملاهي، وبائعي السوق أيضاً، كلهم يطلبون الدفع بهذه الطريقة.
بل إن الأمر وصل لدرجة أن التسول أصبح يتم بواسطة رموز الاستجابة السريعة في مدينة جينان في مقاطعة شاندونج الصينية المزدحمة بالسيّاح، إذ يحمل المتسولون عبوات فارغة تحمل رموز استجابة سريعة مطبوعة عليها.
وفي سبتمبر 2018 تم تطبيق خدمة الدفع عن طريق رمز الاستجابة السريعة لتطبيق ويتشات في أكثر من 5000 حافلة في منطقة الضواحي بالمدينة، وتتم عملية مسح رمز الاستجابة السريعة في غضون 0.2 ثانية، أسرع من استخدام بطاقة الحافلة التي تستغرق 0.3 ثانية.
بريطانيا وتقنية الدفع بدون لمس
يستخدم البريطانيون بطاقاتهم الذكية لأي شيء ممكن، بما في ذلك المدفوعات الصغيرة مثل القهوة، كما أصبح الدفع عبر الهاتف المحمول شائعاً بشكل متزايد، ومن المثير للدهشة أنه يتم استخدامه في كثير من الأحيان في الحانات والبارات.
أحد المميزات التي طرأت مؤخراً على بطاقات الصرف الآلي هي ميزة الشراء بدون لمس، إذ تكون عن طريق الشراء عبر أجهزة البيع المزودة بتقنية الاستشعار.
تقوم هذه البطاقات بتسهيل العملية الشرائية، إذ أخذت طابع السلاسة غير المسبوقة، حتى زاد انتشارها بين العملاء وارتفع عدد عمليات الشراء من خلالها، وهذا ما أكدته الأرقام الصادرة عن جمعية البطاقات البريطانية أن 3.9 مليار جنيه إسترليني تم إنفاقها في المملكة المتحدة في أبريل/نيسان 2017، باستخدام بطاقات الائتمان والخصم التي تعمل بتقنية دون لمس.
بالرغم من المعدل المرتفع لاستخدام هذه التقنية في بريطانيا، فإنه لا يزال هناك معدل خطورة، لأن البطاقة معرضة للسرقة أو للفقد في أي وقت ويمكن استخدامها بدون رقم سري، فمن خلال إجراء استطلاع رأي تم في بريطانيا على 1066 شخصاً في أغسطس/آب لعام 2016 حول وجهات نظرهم حول هذه البطاقات، فقد وجد أن %69 كانوا قلقين بشأن سرقة البطاقة الخاصة بهم وإمكانية استخدامها بسهولة من قبل سارقها.
ومثل السويد، لم تعد النقود مقبولة في وسائل النقل العام بالمملكة المتحدة، وتوقف عدد كبير من أجهزة الصراف الآلي عن العمل.