بعد تقارير من سفارات إسرائيل تؤكد تدهور صورتها.. “الهاسباراه”: هيئة جديدة لتلميع صورة تل أبيب حول العالم عبر تجنيد مؤثرين وخبراء

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/16 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/16 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تعبيرية - عربي بوست

فيما تقترب حرب الإبادة في غزة من اختتام عامها الثاني، تتزايد الانتقادات الدولية للاحتلال، وتواصل سفاراته المنتشرة حول العالم إرسال تقاريرها المتشائمة لوازرة الخارجية في تل أبيب، حول تدهور صورتها، وتراجع شعبيتها، وانتكاس روايتها، حتى بين الدول والعواصم التي كانت تصنف إلى وقت قريب على أنها صديقة لها.

هذا ما دفع وزير الخارجية، غدعون ساعر، للتقدم للحكومة بمشروع لإنشاء قسم جديد فيها لمواجهة هذه الانتقادات بمُسمَّى "قسم الدبلوماسية العامة"، المعروفة باسم "الهسباراه" لدمج الحملة السياسية والإعلامية في الساحة الدولية، ورغم حصول الوزارة على نصف مليار شيكل في ميزانية 2025 لتعزيز الجهد الإعلامي، لكن دون جدوى.

إخماد الحرائق.. سياسة فاشلة في ملاحقة تدهور صورة إسرائيل الدولية

يأتي هذا التوجه الاسرائيلي بهدف تحسين صورة دولة الاحتلال، ومواجهة تحديات الدعاية المعادية لها، مستعيناً بتوظيف المدوّنين، والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وخبراء التكنولوجيا الرقمية والاجتماعية، ومجال الاتصالات، من خلال تنسيق أنشطة الوزارة داخل إسرائيل وبعثاتها الخارجية، بزعم مكافحة انتشار خطاب الكراهية ضدها على منصات التواصل الاجتماعي، وتعزيز التأثير على الرأي العام العالمي، وصانعي القرار على الساحة الدولية، وتعزيز شرعيتها وسياساتها العدوانية.

أمنون يوسيف، الرئيس السابق لجمعية المتحدثين باسم السلطات المحلية في إسرائيل، طالب في مقال نشرته صحيفة معاريف، على وجه السرعة بإنشاء مركز أكاديمي قومي للمناصرة الدعائية، لأنه بدونها ستستمر الدولة في الخسارة على الساحة الدولية، بعيدا عن محاولات "إخماد الحرائق" بوسائل مرتجلة، دون استراتيجية، ودون كوادر مهنية، ودون منهجية.

وأضاف أن النتيجة معروفة وتتمثل في نجاح إسرائيل بتحقيق إنجازات في ساحة المعركة، لكنها تخسر مرارًا وتكرارًا في حملة التوعية والإعلام، بسبب عدم إدراكها أن هذه الساحة أصبحت منذ زمن طويل جبهة مركزية في الحروب الحديثة، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بقوله إن إسرائيل قد تكسب الحرب، لكنها لا تكسب حرب العلاقات العامة".

عديدة هي أسباب فشل التواصل والحملات الدعائية الإسرائيلية: 

أولها اتباع نهج رد الفعل بدلًا من المبادرة، وانشغالها في معظم الأوقات بدحض الادعاءات والتفسيرات الاعتذارية، بدلًا من قيادة خطاب وبناء سردية.

ثانيها غياب الاحترافية، فغالبًا ما يفتقر المتحدثون الإسرائيليون للأدوات الأساسية للوقوف أمام الكاميرا، أو إجراء مقابلة، أو فهم الرموز الثقافية للجمهور المستهدف، وفهم اللغة الرقمية، وإنشاء محتوى فيروسي.

ثالثها ازدراء الميزانية، رغم أن الحملات الدعائية والعلاقات العامة تعتبر خط دفاع أساسي للدولة.

وذكرت آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة معاريف أن المشروع الإسرائيلي أحاطت به جملة تحفظات سريعة، أولها أن هذا القسم موجود أصلا في الوزارة منذ سنوات، لكنه غير فاعل، أو أن العدوان الدموي في غزة لم يعد يبرره قسم أو هيئة، أو وزارة بأسرها، وثانيها أن خلافا نشب بين ساعر ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول مرجعية القسم، وإصرار الأخير على أن يتم تعيين رئيسه بالتنسيق معه، مما دفع ساعر للرفض.

نتنياهو يهاجم سفراءه حول العالم

يعتبر الإسرائيليون إقامة هذه الهيئة الدعائية خطوة متأخرة ومتعثرة للتعامل مع تقارير السفارات الواردة من الخارج إلى تل أبيب، وشكلت حلقة أخرى في سلسلة إخفاقات الدعاية الإسرائيلية، بعد جفاف الموارد، وابتلاع الميزانيات، وتشتت الصلاحيات على هيئات مختلفة، وتوزيع الأدوار على أوساط دون مراعاة للمؤهلات، مما يعني أن إسرائيل لا تعرف ما تريد، ولذلك تجد صعوبة في تبرير موقفها، الأمر الذي يكشف بدوره عن عمق الفشل الدبلوماسي والإعلامي، وهو ما ذكره يوفال كارني محرر الشئون السياسية بصحيفة يديعوت أحرونوت.

من جهتها كشفت شيرا كريبس مراسلة القناة 14 للشئون السياسية أن دوافع اسرائيل لإنشاء النظام الجديد الخاصة بالدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، تتمثل بمواجهة تحديات الدعاية الدولية، ونشر المعلومات المعادية لها، والردّ على حملة إعلامية واسعة النطاق شنّها خصومها وأعداؤها، بما فيها نشر خطاب كراهية على منصات التواصل الاجتماعي والرقمية.

الغريب أن الخلاف الذي نشب بين ساعر ونتنياهو حول مرجعية القسم الجديد، دفع الأخير لتوجيه انتقادات لاذعة لسفراء إسرائيل حول العالم، واصفاً إياهم بـ"سفراء القرن التاسع عشر"، بل إن الأمر بتعيين طياري طائرات إف35 وفقًا لمعايير سلاح الفرسان في القرون الوسطى، بزعم أنهم يفشلون في التصدّي للحملات الإعلامية والدبلوماسية ضد اسرائيل حول العالم، وأنهم ينقلون تقارير مبالغ فيها حول تزايد معاداتها في العواصم الكبرى، وفقا لما كشفه نداف إليمالك محلل الشئون الحزبية للقناة i24NEWS.

ويعود الفشل الإعلامي والدعائي لإسرائيل منذ اليوم الأول من حرب الإبادة الجارية في السابع من أكتوبر 2023، حين اختفى نتنياهو، واستمر بمقاطعة القنوات التلفزيونية، وتأخر المتحدثين باسم الجيش والشرطة في الساعات التي تلت هجوم الطوفان، واستمرت وزارة الإعلام بالتوقف عن العمل، وبات الإسرائيليون يتلقون التقارير الميدانية عما يحدث في مستوطنات غلاف غزة من إعلان حماس.

حينها لم يظهر نتنياهو على القنوات التلفزيونية إلا الساعة العاشرة مساء، أي بعد مرور قرابة 16 ساعة من اندلاع القتال في الجنوب، دون تقديم تفسير لحالة الشلل التي أصابت المنظومة الإعلامية، بما فيها حسابات نتنياهو على مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائل المتحدثين باسمه على تطبيق واتساب، وهو ما ذكره شابي غيتينيو الكاتب في موقع العين السابعة لشئون الصحافة.

أما الفضيحة الكبرى، فتمثلت بأداء وزيرة الإعلام المستقيلة غاليت ديستل-إتبريان، المقربة من نتنياهو، التي شكلت "أضحوكة" للصحفيين، حيث يضم حساب الوزارة على منصة إكس 1338 متابعًا فقط، ومع الأيام الأولى للحرب، نشرت 11 تغريدة، معظمها إعادة تغريدات للمتحدث باسم الجيش، رغم أننا أمام وزارة حكومية خُصصت لها ميزانية تُقارب 100 مليون شيكل.

 وبعد أن أعلنت تشكيل "فريق عمل طوارئ" لنشر محتوى الدعاية الإسرائيلية، وتطلب من المؤثرين على الشبكات من إسرائيل وحول العالم التواصل معها، وتجنيد مؤثرين إلكترونيين لصالح نظام الإعلام القومي، وفقا لما ذكرته آنة براسكي مراسلة صحيفة معاريف.

15  أزمة إعلامية تورّطت بها إسرائيل

أكد أريئيل كهانا المراسل السياسي لصحيفة إسرائيل اليوم أن إسرائيل تعاني منذ بداية الحرب على غزة من فشل إعلامي ذريع، وهو ما تجلّى في 15 أزمة إعلامية منذ اندلاع الحرب، حيث تعرضت لهجوم إعلامي غربي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مما يكشف عن نتائج قاتمة للغاية.

وهو ما كشفته دراسة نشرتها وزارة الشتات لفحص نتائج الحملات الإعلامية الاسرائيلية، وتأثيرها على صورة إسرائيل في العالم، وتضمنت تقييم العديد من الوسائل والأساليب المستخدمة، ومنها: البيانات الصحفية، الظهور الإعلامي، الوفود الخارجية، جولات كبار المسؤولين والمشاهير، وأنشطة المتحدثين الرسميين وغير الرسميين.

وخرجت الدراسة ذات الـ136 صفحة، وأشرف عليها وزير الشتات عميحاي شيكلي، بتقييمات متشائمة لأداء وتأثير: مكتب رئيس الوزراء، وزارة الخارجية، المتحدث العسكري، إضافة لعشرين شخصية، رسمية وغير رسمية، مثّلت إسرائيل في الأزمات التي شملتها، ومنها: 

  • قصف المستشفى المعمداني في غزة، 
  • مهاجمة عمال المطبخ العالمي المركزي، 
  • اجتياح مدينة رفح جنوب القطاع، 
  • "إعدام" المسعفين جنوب القطاع، 
  • استشهاد تسعة أطفال دون سن الثانية عشرة من أبناء الطبيبة آلاء النجار،
  • صور سياسة التجويع في غزة، ومنع توزيع المساعدات الإنسانية، وغيرها.

في جميع هذه الأحداث هوجمت إسرائيل في وسائل الإعلام الغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الجهات المشار إليها آنفاً كانت تتأخر في التعامل مع التبعات الإعلامية لهذه الأحداث، بمتوسط ​​قدره 19 ساعة، أي ما يقرب من يوم واحد بعد الحدث، فيما ظهر لافتا أن توصي الدراسة بتقليص عدد وفود عائلات المختطفين في الخارج، لأن تأثير هذه الزيارات، الذي كان ملحوظًا في بداية الحرب، أصبح أقل فعاليةً اليوم. 

أكد درور إيدار خبير شئون الدعاية في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، أن اعترافا يسود الأوساط السياسية والإعلامية مفاده بوجود نقص كبير في جهود العلاقات العامة لمواقف الدولة في معركة الوعي العالمي أمام الملايين الذين يتصرفون ضدها على الشبكات الاجتماعية، ووسائل الإعلام، والحرم الجامعي، والبرلمانات المختلفة.

بالإضافة إلى داخل الحكومات التي لا تكف عن التحريض ضدها بشدة غير مسبوقة، وفيما لا تُكرّس إسرائيل أيّ جهد يُذكر في هذه المعركة، فإن الرأي العام العالمي يشهد اتساعا للقناعة السائدة التي تُصوّرها بؤرة الشرّ العالمي، والسبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

الفلسطينيون يكسبون الرواية الإعلامية

كشف منصة آي سي إيه" أن وزارة الشتات، التي اعترفت بالفشل الإعلامي، وجهت نداء لليهود حول العالم والشركات التي تُدير حملات العلاقات العامة للانضمام إليها في معركة اكتساب الرأي العام العالمي، من خلال شركة "أصوات إسرائيل"، وبالتعاون مع وزارة الخارجية، ومديرية منظمة الشعب اليهودي، ومنظمة "غيشر"، بزعم أنها تواجه شبكة من المنظمات المؤيدة لحماس على كافة المنصات الإعلامية.

كما أنها نجحت في إخراج موجة احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين حول العالم، عبر تخصيص عشرة ملايين شيكل لصالح جهود مناصرة الاحتلال خلال الحرب، وتشمل تكثيف زيارات عائلات المختطفين والقتلى في هجوم الطوفان، وسرد قصصهم الشخصية حول العالم، خاصة في العواصم الأوروبية والأمريكية، وتعزيز دعم المجتمع الدولي لإسرائيل، عبر لقاءات بأعضاء البرلمانات والجاليات اليهودية وقادة الرأي العام ووسائل الإعلام الدولية.

يوسي يهوشاع محرر الشئون العسكرية بصحيفة يديعوت أحرونوت، شن هجوما كاسحا على الحكومة بسبب فشلها على جبهة الدعاية، متسائلا "كيف أن دولة تعرف ما يأكله كل جنرال إيراني، وأين ينام، لا تستطيع إدارة حملة دعائية معقولة"، مستدلّا على ذلك بالأغلفة "الصادمة" لكبرى الصحف العالمية، تحديدا البريطانية والأمريكية، غير المعادية لإسرائيل.

وعقب بعض الهجمات التي يشنها الجيش في غزة، لاسيما قرب كنيسة العائلة المقدسة، الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة، وعلى الفور لم تتأخر الإدانات، من رؤساء الدول إلى البابا، حتى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي نادرًا ما يتطرق لمعاناة المدنيين في غزة، اتصل بنتنياهو، وطالبه بإصدار اعتذار رسمي على الحادثة، ولكن بعد فوات الأوان، فقد حُسمت الرواية لصالح الفلسطينيين.

وبينما تزعم دولة الاحتلال أنها تخوض حربا على سبع جبهات، فإن الحرب الإعلامية والدعائية هي أشدها تعقيدا على الإطلاق، لأن جبهتها القتالية هي الساحة الدولية، وتتألف من عنصرين أساسيين مترابطين: الدبلوماسية والدعاية، الضروريين لمنحها الشرعية اللازمة لمواصلة عدوانها.

وقرابة عامين بات واضحاً أنها لم تعد تحظى بذات التأييد الذي حصلت عليه بداية الحرب من الحكومات الغربية، وفي الوقت ذاته تواصل دفع ثمن باهظ في الرأي العام العالمي، الذي يُعطي تأييده بشكل واضح للفلسطينيين، والنتيجة المباشرة لذلك هي تصاعد معاداة الاسرائيليين حول العالم، مما سيزيد تلقائيًا من المخاطر التي يتعرضون لها، وفقا لما ذكره يوآف ليمور محرر الشئون العسكرية بصحيفة إسرائيل اليوم.

تدهور سمعة إسرائيل في العواصم الصديقة

الجنرال تامير هايمان الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، اعترف في ورقة بحثية نشرها معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، الذي يترأسه، بما اعتبرها هزيمة إسرائيل على الساحة الدولية، حيث بات وضعها أصعب من أي وقت مضى، مما أثار موجات غير مسبوقة من انتقادها، بما فيها من دول صديقة، وبات اتهامها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتجويع الفلسطينيين عمدًا، وتنفيذ مخططات التطهير العرقي ضدهم، مفردات حاضرة في الخطاب العالمي، دون تحرك إسرائيلي مُعاكس.

كل ذلك يُرجِّح أن يترسَّخ هذا الوصف لسنوات طويلة قادمة لدى الرأي العام وبين قادة العالم، والنتيجة أنه في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وصل دعم إسرائيل لأدنى مستوياته، وينتقد العديد من الجمهوريين الشباب الانحياز إليها، وفي أوروبا، تعترف الدول الواحدة تلو الأخرى بدولة فلسطينية، ويدعو بعضها لفرض حظر على توريد الأسلحة على إسرائيل، وهذه أضرار دبلوماسية جسيمة، لا يمكن إصلاحها بالتأكيد.

الموقع الرسمي للكنيست كشف أن اللجنة البرلمانية للسياسة الخارجية والدعاية برئاسة موشيه تور-باز،  اجتمعت مؤخرا لمناقشة المتابعة الإعلامية للحرب الدائرة في غزة، وقدمت معطيات إحصائية حديثة من بينها أن هناك أكثر من 361 مليون مشاهدة على المنصات الرقمية الدولية لوزارة الخارجية، و858 مليون مشاهدة باللغة العربية.

ومع ذلك فإن يوناتان باريل المسئول في الوزارة، اعترف محبَطا أن حجم التغطية الإعلامية السلبية ضد إسرائيل في العالم يزداد، حيث تحتل قضية الضحايا في غزة مكانةً مهمة، والعدد الذي يُرسّخ في وسائل الإعلام العالمية هو ما تُقدّمه حماس، سواءٌ أكان صحيحًا أم لا، لأن أعداء إسرائيل يستثمرون موارد هائلة في الوسائل التكنولوجية المتقدمة، وينجحون في التأثير على الرأي العام العالمي وصناع القرار.

إيتمار آيخنر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، نقل عن مسؤولين إسرائيليين أن الفشل الإعلامي تسبب بإلحاق أضرار بالوعي العالمي ضد إسرائيل لا رجعة فيها، لأنها ما زالت تفتقر لمنظومة علاقات عامة، بدليل العناوين المعادية في كبرى وسائل الإعلام العالمية، وانتشار الرواية الفلسطينية، وتردّد أصدائها في جميع الشبكات الرئيسية، في ظل حقيقة مُقلقة تتمثل بغياب السردية الإسرائيلية.

فقائد الجيش إيال زامير، لا يظهر في وسائل الإعلام، ولا يتواصل مع الجمهور، لا بالعبرية ولا الإنجليزية، والمتحدث باسمه إيفي دوفرين، يكاد يكون غائبًا، والوزراء أنفسهم، يتساءلون: أين الدعاية الإسرائيلية، مما دفع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت لمهاجمة الحكومة قائلا إن "إسرائيل لا تملك منظومة دعاية"، وهذه واحدة من أكبر إخفاقاتها في هذه الحرب، والنتيجة انهيار سياسي وحصار خطير.

الإخفاق ليس له أب

رون كريسي الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت حمّل مسئولية فشل جهود الدعاية لوزارة الخارجية، لأنه بحكم دورها، فهي تتولى مسؤولية تمثيل الدولة حول العالم، وشرح موقفها السياسي للحكومات والدول، مع صدور أصوات من داخلها في الآونة الأخيرة مفادها أن صوتها قد أُسكِت من قبل مكتب رئيس الحكومة، رغم أنها مُكلّفة بتمثيل الدولة في العالم عبر السفارات والبعثات، وتمنح سفراءها حول العالم دورات تدريبية في مجال العلاقات العامة وفي مجال التحدث الرسمي، والتنقل بين استوديوهات التلفزيونات والإذاعات، وإجراء إحاطات صحفية.

لكن الحاصل اليوم أن الصوت الإسرائيلي غائب عن الشاشات في الوقت الذي تشتد الحاجة إليه، وهذا الغياب الرسمي ليس فشلاً إعلامياً فحسب، بل ضرراً سياسياً جسيماً، ويُفاقم تآكل مكانة إسرائيل الدولية المهتزة أصلاً، لأنه يسرّع في إنهاء شرعية الحرب، واستمرارها سيؤدي لعزلة سياسية وعقوبات اقتصادية في المستقبل القريب.

في الوقت ذاته، وضع الإسرائيليون أيديهم على واحدة من إخفاقاتهم الدعائية، وتتمثل بمسارعة وكالات الأنباء العالمية: رويترز، سي إن إن، بي بي سي، واشنطن بوست، نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، إلى تبنّي الجهات الحكومية في غزة التي تديرها حماس، وتبقى هذه المعطيات تتصدّر عناوين مواقعها الإلكترونية حول العالم، بسبب تأخر صدور الموقف الرسمي الإسرائيلي.

يوسي أحيمائير الكاتب اليميني بصحيفة معاريف، أكد أن فشل الدعاية أصبح سلاحًا فتاكاً ضد إسرائيل، التي أخفقت في كل مرة في إعداد الردود المُسبقة للتخفيف من حدة الانتقادات المتوقعة ضدها، لأنه بدون دعاية فعّالة، وفي خضمّ فوضاها، أو غيابها، فإن الانتقادات لن تهدأ، مما يُؤجج نار الكراهية ضدها.

وهذا نا دفع مركز هرتزل لدراسة الصهيونية بجامعة حيفا لإصدار كتيب من مائة صفحة، أعدّه البروفيسور إيلي أبراهام، رئيس قسم الاتصال بالجامعة، وميخال هاتويل-رادوشيتسكي، خبيرة الجغرافيا السياسية والمنظمات الدولية والأمن القومي، حذّرا فيه من الميل العالمي الحاصل بتصديق الدعاية المعادية لإسرائيل، واستحضرا عشرات النماذج والأمثلة التي كشفت عن عمق إخفاقها الدعائي خلال الحرب. 

من جهتها اعترفت صحيفة إسرائيل اليوم بأن "التسونامي" الإعلامي المعادي تحول إلى انجراف سياسي، بسبب حالة الضعف التي تحيط بالدعاية الاسرائيلية، وأحد أسبابها اليوم هو نتنياهو نفسه، لأسباب لا يفهمها حتى أشد مؤيديه، فهو لم يلتقِ بأعضاء شبكة الدعاية القومية إلا مرة واحدة منذ اندلاع الحرب.

فقد منذ العاشرة من أكتوبر 2023،  لم يُطلعهم على أي شيء، كما أنه لم يتشاور مع الخبراء المهنيين الذين كانوا سيحذرونه من إجراء مقابلة مع "فتيان نيلك"، نجما اليوتيوب، اللذان وصفاه بـ"هتلر" بعد نشر البودكاست الشهير.

يوسف حداد، أحد أبرز نشطاء الدعاية الاسرائيلية، لم يتردد في منشور له على حسابه في الفيسبوك، من الاعتراف بأن الدولة هُزمت في الساحة الدعائية بسبب غياب الرواية الرسمية، والفشل السياسي الذريع، ورغم ما تحققه من إنجازات عسكرية في سبع ساحات، لكنها في الساحة الثامنة، ساحة الدعاية، ليست مهزومة فحسب، بل ببساطة هي ليست هناك! 

الفراغ الإعلامي والدعائي الإسرائيلي 

ظهر واضحا أن الحكومة الاسرائيلية لم تتعامل مع الدعاية في الأشهر الثمانية الأولى من الحرب، ولم تُناقش حيثياتها، حتى أن نتنياهو لم يُثِر مسألة صورة إسرائيل أمام العالم للنقاش في مجلس الوزراء، الذي لم يُعالج هذه المسألة تحديدًا، مما دفع مراقب الدولة متتياهو أنغلمان لتوزيع مسودة تقريره الرقابي حول هذا الموضوع على مسؤولي الدولة، بمن رئيس الحكومة وكبار وزرائه.

وتضمن إشارات سلبية مباشرة، وتعليقات نقدية على سلوكهم فيما يتعلق بالدعاية، لأن عموم الإسرائيليين انخرطوا في جهود شنّ حرب على الوعي، وحاولوا ملء الفراغ الذي خلّفته الدولة، وفقا لما كشفته غيلي كوهين مراسلة هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني- كان.

جوناثان س. توبين المحرر في وكالة الأنباء اليهودي JNS، انتقد في مقال نشرته صحيفة مكور ريشون اليمينية، تدهور صورة إسرائيل في كبرى وسائل الإعلام الدولية، ومنها صحيفة نيويورك تايمز التي اختارت صورةً صادمةً تمامًا لطفل فلسطيني على صفحتها الأولى، تدعم اتهام إسرائيل بتجويع سكان غزة عمدًا، رغم أنها إحدى الصحف اليومية القليلة في الولايات المتحدة التي تدعمها.

وهو أسلوب تحريري تنتهجه معظم وسائل الإعلام التقليدية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب، ويحمل تحيّزا وتصميماً على تبني رواية حماس، وتشويه سمعة إسرائيل، مما يرفع ضغط الدم لدى مؤيديها، الذين أدمنوا تقليدا عريقا في الثقافة الإسرائيلية يتمثل بتجاهل الرأي العام العالمي، وتفضيل خلق "حقائق صهيونية على الأرض"، ولم يحرك القادة الإسرائيليون ساكنًا لتحسين الوضع، رغم أن الحديث يدور عن مسألة وجودية، تتعلق بصورة إسرائيل التي تشهد جهودا عالمية للتشهير بها، وهي تتحمل بعض اللوم على فشل دعايتها، لأنها تحتقر الرأي العام العالمي، وتشكّك في فعالية الحملات الدعائية، وتتجاهل الإدانات الدولية لسلوكها العسكري في غزة. 

وبالتالي فإنه بغض النظر عمّا يُنشر عن غزة في وسائل الإعلام أو على الشبكات، سواءً كان صحيحًا أم خاطئًا، فإن حماس تسيطر على الرواية، وتتمتّع بانتصار إعلامي، ونجحت بإقناع الرأي العام العالمي بأنّ إسرائيل تُجوّع الفلسطينيين عمدًا، وترتكب "إبادة جماعية"، أما الأخيرة فقد خسرت حربها في جبهة الدعاية، مما يُكلّفها أثمانًا باهظة.

الصورة النمطية لدى العالم عن إسرائيل

الغريب أن إسرائيل التي تعرف كيف تشن الحروب، تظهر عاجزة في ساحة الدعاية، لأن كبرى وسائل الإعلام العالمية تواصل تقديمها على أنها القاتل، والفلسطينيين هم الضحايا الأبرياء، وفيما تلقت حماس ضربات قاسية على الأرض، لكنها تكسب في الرأي العام، مما زاد بتأجيج الكراهية تجاه اسرائيل، ومع مرور الوقت يظهر أن كبرى وسائل الإعلام الرئيسية تعمل فعليًا كمتحدثة باسم حماس.

ولذلك ففي الوضع الراهن، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن قياداتها أو بلاغة متحدثيها، تواجه "مهمة مستحيلة" في الساحة الإعلامية، لأن الصحافة الغربية عموما تتبنّى أفكار ونظريات العرق والتقاطعية والاستعمار، وترى اليهود "البيض" مضطهدِين، والفلسطينيين "الملونين" مضطهَدين.

كاترينا كونرات، مراسلة موقع زمان إسرائيل للشئون الدولية، ذكرت أنه رغم إنجازاتها العسكرية، لكن صراع إسرائيل على الرأي العام العالمي يدور في فوضى عارمة، مع رسائل متضاربة، ونقص في التنسيق، وتراجع حاد في الدعم العالمي، ورغم أن الإعلام أصبح ساحة معركة، لكن إسرائيل تواجه فشلا ذريعا في توفير "الذخيرة" الإعلامية اللازمة.

لقد تراجعت مكانة إسرائيل الدبلوماسية، والدعم العالمي لها بشكل كبير، مما يشير إلى فشل ومشكلة خطيرة في جهودها الإعلامية والدعائية واتصالاتها الاستراتيجية، ورغم امتلاكها ثروة من المعلومات والصور، لكنها تواجه صعوبة في إيصال رسالة موحدة وفعالة للعالم، وعندما تصل الرسالة، غالبًا ما تأتي متأخرة في دورة الأخبار، التي غالبًا ما تعتمد على مصادرها من داخل غزة.

منصة "آي سي إيه" الإسرائيلية، رصدت في تقرير نشرته جملة من التحديات التي تواجه صورة إسرائيل الدولية، ومنها أن العديد من دول العالم التي وقفت بجانبها في الأيام الأولى للحرب، وبشكل غير مسبوق، ومنحتها حرية العمل، تُغيّر مواقفها تدريجيًا، واليوم بعد مرور قرابة عامين على الحرب، يبدو أن أقلية في العالم تدعمها، ولم يعد من يدعمها سوى الولايات المتحدة، ودول صغيرة يجهلها معظم الإسرائيليين، مثل ميكرونيزيا وناورو وبابوا غينيا الجديدة، ولا تحمل أي أهمية عملية.

 مما يُظهر المزاج السائد في العالم، وإدراكًا بأن إسرائيل من الناحية الدعائية تفشل في مهمتها، بالتزامن مع تزايد الدعاية الفلسطينية والأفلام الوثائقية التي يتم إنتاجها من غزة، وتُمثل بوضوح خطرًا على صورة إسرائيل في الرأي العام العالمي، وهو ما تجلّى في مظاهرات الجامعات، ومقاطعة محاضراتٍ للمسئولين الإسرائيليين فيها، وتصويت أعضاءٍ في الكونغرس، مما يعني أن الدعم الأمريكي ذاته، ينفد تدريجيًا.

الفضاء الأزرق والساحات الرقمية

مع مرور الوقت، تظهر الساحة الرقمية غارقةٌ بالمحتوى المُعادي لإسرائيل، ووفقًا لبيانات شركة "ميغ للذكاء الاصطناعي"، المُتخصصة في رصد وتحليل المعلومات الإعلامية والاجتماعية من جميع أنحاء العالم، فمن بين 1.9 مليون منشور على وسائل التواصل حول حرب غزة، وتتضمن 500 إعجاب أو تعليق أو مشاركة، فإن 1.6 مليون منشور مُناهض لإسرائيل.

 أي أن 83% من مستخدميها يعارضونها، و8% محايدون، وما يزيد قليلاً عن 8% يدعمونها فقط، وهذا رقم واضح، يُثبت لأي مدى تعجّ الشبكات بالمحتوى المعادي لها، وهو محتوىً في الغالب دعاية فلسطينية، مما يُظهرها معركةً خاسرة لإسرائيل، لأنها تُدار بأموالٍ طائلةٍ وشبكاتٍ إلكترونيةٍ من دولٍ عديدة حول العالم.

إيتمار باز الكاتب في موقع العين السابعة للرصد الإعلامي والصحفي، لم يتردد كثيرا في الاعتراف بأن إسرائيل هُزمت في حرب الدعاية، لأنه مع إطلاقها للحرب على غزة، كان يفترض أن تُسيّر جيشًا سريًا من الاستراتيجيين والمحاربين النفسيين وصنّاع الوعي إلى ساحة المعركة، كي تحسم مصير معركة الوعي العالمي، لكن وزارة الشتات التي كلّفت بمهمة تحسين صورة إسرائيل حول العالم، وتسويق روايتها عن الحرب.

وتبين مع مرور الوقت أنها جهة غير كفؤة، مستواها المهني ضعيف، وغير ماهرة في الدعاية، واليوم، وبعد مرور عامين على الحرب، فلا خلاف كبير بين الإسرائيليين على أن رسالتهم تفقد بريقها، وانطلقت الحملة المؤيدة للفلسطينيين، مستعينين بتصريحات ساسة إسرائيليين أطلقوا النار على أقدامهم، وساهموا بتقويض فعالية الدعاية الاسرائيلية، باعتبارهم لجميع الفلسطينيين في غزة محكوم عليهم بالموت والفناء.

جزء أساسي من فشل الدعاية الاسرائيلية حول العالم، ما يرسله سفراؤها في عواصم صنع القرار الدولي من احتجاجات لوزارة الخارجية بسبب التصريحات التي يدلي بها وزراء الحكومة، بل رئيسهم حتى شبّه الغزيين بالعماليق الذين يجب إبادتهم، وأعلن شركاؤه أنه لن يكون نصرٌ دون طرد سكان القطاع، وتوطين اليهود فيه، واستنتج العالم أن إسرائيل ترتكب إبادةً جماعيةً كجزءٍ من خطةٍ مُحكمةٍ تهدف في جوهرها للتطهير العرقي، وفي ضوء هذه التصريحات الفجّة، فلن يتمكن أمهر خبراء العلاقات العامة من تبديد هذا الشعور.

ديفيد بن باست رئيس جمعية الاتصالات الإذاعية الإسرائيلية، أكد في مقال نشرته صحيفة معاريف، أن الدعاية الرائجة حول العالم عن إسرائيل تتمثل في الدبابة التي يستقلّها جنودها، وأمامها الفلسطيني المسكين الذي لا يملك إلا المقلاع، ولا يستطيع في أقصى تقدير أن يرمي حجراً، وصور من هذا النوع ترسل على الفور رسالة مفادها أن الاسرائيليين هم الأشرار.

كما أن العواصم الأوروبية الأكثر تأييدا للاحتلال، باتت تشهد مظاهرات معادية له، وعند السير في شوارعها تبرز رسومات الغرافيتي على جدران المباني، ومنها "تحرير فلسطين" مصحوبًا بالأعلام الفلسطينية، و"أوقفوا الاحتلال" و"أنهوا الإبادة الجماعية"، فيما يتخذ الشباب الأوروبيون مواقف معادية لإسرائيل بشكل أكثر صراحة، وتنتشر متاجر تحمل أسماء مثل "القدس"، وبات الإسرائيليون يخشون النظر لرسائل الهواتف في الشارع علناً خوفاً أن يراهم الناس يتحدثون اللغة العبرية، وعدم رغبتهم بجذب الانتباه.