تحالف سني جديد في العراق.. أهداف بينها تشكيل كتلة برلمانية سنية موحدة، والحلبوسي خارجها

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/29 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/29 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
يستهدف تحالف سني جديد بالعراق تشكيل كتلة برلمانية سنية موحدة/ رويترز

أعلن عدد من الشخصيات السياسية السُنّية البارزة، في وقت مبكر من يناير/كانون الثاني 2025، تشكيل تحالف سني جديد بالعراق باسم "ائتلاف القيادة السُنّية الموحدة"، الذي يشار إليه باسم "الإطار التنسيقي السُنّي" أيضاً على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، ما يثير تساؤلات عن أهداف هذا التحالف الجديد، وكواليس تشكيله وتوقيته.

شكل التحالف السني الجديد بالعراق، مجموعة من النخب السياسية السُنّية، منها رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني، وزعيم تحالف العزم مثنى السامرائي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وأحمد الجبوري زعيم حزب الجماهير الوطنية، بالإضافة إلى رئيس كتلة المبادرة زياد الجنابي، التي كانت قد انفصلت عن حزب تقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي السابق.

تحالف سني جديد بالعراق وسط الانقسامات

تأسس التحالف السُنّي الجديد، أو القيادة السُنّية الموحدة، بعد الانقسامات العديدة التي شهدتها الساحة السياسية السُنّية العراقية في الآونة الاخيرة، لا سيما بعد أن وصلت التحالفات السياسية السُنّية في عام 2021 التي خاضت الانتخابات البرلمانية في العام ذاته إلى 12 تحالفاً، بحسب بيانات المفوضية المستقلة العليا للانتخابات العراقية.

وتعرضت هذه التحالفات إلى الانشقاقات والانقسامات والصراعات الداخلية، فبعد أن تحالف خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة مع محمد الحلبوسي زعيم حزب تقدم في عام 2021، انفصل الرجلان، ودخلا في خصومة صريحة بعد الانتخابات البرلمانية.

حاول كلا منهما أن يجذب حلفاء بعضهما البعض، فانشق زياد الجنابي عن حزب تقدم وأسس كتلة جديدة باسم المبادرة، وانشق مصطفى عياش عن حزب السيادة وأسس حزب الصرح الوطني، بالتعاون مع الحلبوسي في مواجهة الخنجر.

إلى أن قرر محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي الحالي، إلى وضع حد لهذه الانقسامات، وإعلان تحالف سُنّي موحد بدون محمد الحلبوسي، الذي لديه خصومة بشكل صريح مع كل أطيافه، خاصة بعد أن تحالف في الفترة الأخيرة مع الإطار التنسيقي الشيعي.

واجتمع الحلبوسي مرات عدة بقيس الخزعلي رئيس عصائب أهل الحق، الحليف الرئيسي للحكومة الحالية ورئيس وزرائها محمد شياع السوداني، الذي تصالح بدوره مع الحلبوسي، بعد خصومة سياسية وشخصية امتدت لعامين.

تعليقا عن الإعلان على التحالف السُنّي الموحد، يقول سياسي سُنّي بارز من التحالف الجديد، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه للتحدث بحرية أكبر، وفق قوله: "وجد الزعماء السُنّة أنهم يخسرون كل شيء بسبب هذه الانقسامات والخصومات، كما أنهم قلقون من محاولات الحلبوسي للسيطرة على المشهد السياسي السُنّي".

وأضاف متحدثاً عن دوافع تشكيل التحالف السني الجديد: "كما أن الإطار التنسيقي الشيعي يستفيد من هذا التشرذم السُنّي بالتأكيد، فكان الحل الوحيد أمامنا هو الاتحاد لتشكيل أغلبية برلمانية سُنّية".

جدير بالذكر أن محمد الحلبوسي حاول في عام 2023 تأسيس "الإطار التنسيقي السُنّي" على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، لكنه فشل بسبب رغبته في الزعامة وإقصاء جميع السياسيين السُنّة المعارضين لمحاولاته بسط نفوذه بشكل كامل على المجتمع السُنّي في العراق.

بهذا الخصوص، قال السياسي السني ذاته: "لا يمكن لأحد من السياسيين السُنّة الآن التحالف مع الحلبوسي، فإنهم ينظرون إليه على أنه يريد السيطرة واحتكار المشهد السني، وأنه لا يسمح لأحد بمشاركته النفوذ، وأنه يعتقد أنه الزعيم السُنّي الوحيد في العراق، الذي يحق له التحدث باسم السُنّة، لذلك هو نفسه لا يريد أي تحالفات مع باقي النخب السُنيّة".

التحالف السني الجديد بالعراق يستثني الحلبوسي/ حسابه على فيسبوك
التحالف السني الجديد بالعراق يستثني الحلبوسي/ حسابه على فيسبوك

أهداف التحالف السُنّي الجديد

عن الأهداف من وراء تشكيل تحالف سُنّي جديد، قال مصدر سياسي سُنّي آخر من التحالف الجديد لـ"عربي بوست": "حالة الانقسام التي يمر بها المكون السُنّي تهدد مصالح السُنّة في العراق بشكل خطير، وكان لابد من توحيد الصفوف، خاصة وسط توسع سيطرة ونفوذ الإطار التنسيقي الشيعي".

وقال: "لدينا قوانين تخص المجتمع السُنّي لابد من تمريرها في البرلمان ومواجهة الإطار الشيعي الذي يسعى إلى تعطيلها، ولدينا مطالب لسكان المحافظات الشمالية السُنّية لم يتم تحقيق أي منها إلى الآن بسبب الصراعات الداخلية بين النخب السياسية السُنّية".

جدير بالذكر أن أهم مشروع قانون تطمح النخب السياسية السُنّية إلى تمريرها في البرلمان هو مشروع قانون العفو العام، وقوانين مكافحة الإرهاب، والارتباط بحزب البعث السابق، التي يقول عنها السياسيون السُنّة أنها صُممت لاستهداف السُنّة العراقيين وخاصة السياسيين المعارضين.

أشار سياسي سُنّي آخر مؤيد لهذا التحالف، إلى أن من أهم أهداف تأسيس القيادة السُنّية الموحدة، هو تشكيل كتلة برلمانية سُنّية قوية في مواجهة الحلبوسي، والإطار التنسيقي الشيعي، بحسب تقديره.

وقال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر هويته: "من الصعب تحقيق الأجندات السياسية الخاصة بالمجتمع السُنّي وسط حالة الانقسام الرهيبة التي يعيشها السياسيون السُنّة في العراق في الوقت الحالي، لذلك، فإن هذا التحالف الجديد مهم للغاية لمواجهة طموحات الحلبوسي، خاصة بعد أن عاد إلى التحالف مع الإطار الشيعي والسوداني، ورغبته المستمرة في الزعامة والسيطرة".

وأضاف أنه "من ناحية أخرى، يمكن من خلال هذا التحالف مواجهة سيطرة الإطار التنسيقي الشيعي على المشهد السياسي في العراق وما تشكله هذه السيطرة من خطر".

هدف آخر وراء تشكيل التحالف السني الجديد بالعراق، أوضحه المصدر "هو الانتخابات البرلمانية القادمة، إذ يسعى هذا التحالف إلى تشكيل قاعدة جماهيرية من خلال الالتزام بتمرير القوانين التي تصب في صالح المجتمع السُنّي، لأنه سيكون من الصعب تمرير هذه القوانين وسط كيانات سياسية منفصلة داخل البرلمان".

الباحث السياسي المقيم في العراق، صهيب ضياء، قال لـ"عربي بوست"، إن النخب السياسية السُنّية تشعر بالخطر الحقيقي، موضحاً: "الزعماء السياسيون السُنّة وجدوا أنفسهم وسط حالة من التشرذم ومحاولات احتكار السلطة من الإطار الشيعي، وخصومات لا تنتهي مع الحلبوسي، كما أنهم ظلوا غارقين في صراعات شخصية كلفتهم الكثير من فقدان النفوذ، فكان لابد من خلق كيان سياسي سُنّي يستطيع جذب الأصوات السُنّية الانتخابية الغاضبة من كل ذلك".

لكنه أضاف: "الأهم من ذلك، هو نجاح هذا التحالف الجديد في الصمود في وجه الانقسامات، ومحاولات تفتيته، والخلافات الشخصية بين مكوناته".

وأضاف ضياء: "الإطار الشيعي وافق على تولي المشهداني رئاسة البرلمان بعد ضمانهم التوافق معه، لكن الآن بعد أن قام بالإعلان عن هذا التحالف، سيشعر بعضهم بأنه يحاول التمرد على سيطرتهم، كما أن الحلبوسي لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحالف، وسيحاول تفتيته بشتى الطرق"، بحسب رأيه.

رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني متحالف مع قيادات التحالف الجديد/ رويترز
رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني متحالف مع قيادات التحالف الجديد/ رويترز

انقسام الإطار التنسيقي بشأن التحالف السُنّي الجديد

لم يكن الإعلان عن التحالف السُنّي الجديد مفاجأة بالنسبة للإطار التنسيقي الشيعي، فبحسب مصادر سياسية شيعية، فإن قادة الإطار التنسيقي كانوا على علم بالاجتماعات بين الزعماء السُنّة التي سبقت الإعلان عن القيادة السُنّية الموحدة الجديدة.

لكن فيما بموقف الإطار التنسيقي الشيعي من هذا التحالف السُنّي الجديد، يقول سياسي بارز من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "هناك انقسام بين قادة الإطار بشأن التحالف السُنّي الجديد، بين مرحب وآخر معارض".

وأوضح أن "بعضهم مؤيد، لأنهم يرون ضرورة في الوقت الحالي، بعد ما حدث في سوريا، في محاولة لتعلم الدروس من أخطاء الآخرين، بعدم إقصاء المكونات السياسية والطائفية الأخرى، والبعض الآخر رافض، ويخشى أن يدخل هذا التحالف في صدام مع الإطار التنسيقي الشيعي".

بحسب المصادر السياسية الشيعية العراقية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن المشهداني والخنجر تواصلا مع بعض قادة الإطار التنسيقي الشيعي قبل الإعلان عن التحالف السُنّي الجديد، وناقشا الأمر معهم، وأن من تواصلا معهم من قادة الإطار التنسيقي الشيعي، أيدوا رغبة الزعماء السياسيين السُنّة في توحيد مواقفهم، وإنهاء الصراعات السياسية فيما بينهم".

سياسي شيعي مقرب من رئيس الوزراء العراقي السابق، ورئيس ائتلاف دولة القانون في البرلمان، نوري المالكي، قال لـ"عربي بوست"، إن "المالكي والعبادي باركا هذا التحالف السُنّي الجديد، على اعتبار أنه يظهر للعالم أن العراق مستقر سياسياً، ولن يتعرض لمثل ما تعرض له نظام بشار الأسد، ومن ناحية أخرى يمكن الاستفادة من التحالف السُنّي الجديد في مواجهة أي تحالف محتمل بين الحلبوسي والسوداني وقيس الخزعلي في الانتخابات المقبلة".

جدير بالذكر أن نوري المالكي وحيدر العبادي زعيم منظمة بدر، ليسا على وفاق مع رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني وحليفه قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق.

كما أن المالكي -بحسب المصادر السياسية العراقية- "يحاول تفكيك هذا التحالف بين السوداني والخزعلي، لمنع السوداني من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعرقلة الطموح السياسي لرئيس الوزراء".

وقالت لـ"عربي بوست"، إن "المالكي والعبادي يخشيان أن يقوم الحلبوسي والسوداني بالتحالف مع مقتدى الصدر في الانتخابات المقبلة، لذلك، فإن دعم تحالف سُنّي من خصوم الحلبوسي سيكون مفيداً للإطار التنسيقي الشيعي".

لذلك، اعتبرت أنه "كان من المنطقي أن يكون السوداني والخزعلي من بين الرافضين أو غير المتحمسين للتحالف السُنّي الجديد".

يقول المصدر السياسي الشيعي المقرب من نوري المالكي، لـ"عربي بوست": "لم يجتمع السوداني ولا الخزعلي مع المشهداني بعد الإعلان عن التحالف السُنّي الجديد، ولم يعلّقا على الأمر بجدية، لأنهما قلقين من احتمالية تحالف القيادة السُنّية الجديدة مع المالكي والعبادي، لمواجهة النفوذ المتنامي للخزعلي".

على الجهة المقابلة، قال مسؤول حكومي مقرب من قيس الخزعلي، تعليقاً على التحالف السُنّي الجديد، لـ"عربي بوست": "ليس هناك اعتراض على تأسيس مرجعية سياسية سُنّية بالتأكيد، نحن نرحب بهذا الامر، ولكن نأمل ألا يتم استخدام التحالف السُنّي الجديد لتصفية الخلافات السياسية، كما نأمل أن يكون القادة في التحالف السُنّي الجديد واعيين لهذا الأمر، ولا يقبلون بأن يكونوا أداة في يد إحدى لتحقيق أجنداتهم الخاصة من خلال التحالف الجديد".

موقف طهران من التحالف السني الجديد

ربطت بعض المصادر في العراق بين الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، الجنرال اسماعيل قاآني إلى بغداد قبل يوم واحد من الإعلان عن تأسيس التحالف السُنّي الجديد، وبين ما إذا كان هذا التحالف قد حظي بتأييد من إيران.

خاصة أن النفوذ الإيراني في العراق لا ينحصر فقط على السياسيين الشيعة، بل قامت طهران بتقوية علاقاتها ببعض الأحزاب السُنّية والكردية، وفق قولها.

الجدير بالذكر أن محمد الحلبوسي بدأ مساره السياسي ووصل إلى أعلى منصب للسُنّة في العراق (رئاسة البرلمان)، بعد دعم قوي من طهران ومن القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني في عام 2018، قبل اغتياله في يناير/كانون الثاني 2020.

في هذا الصدد، قال سياسي شيعي عراقي مقرب من طهران لـ"عربي بوست": "لم تتناول زيارة قاآني أي حديث عن التحالف السُنّي بالتحديد، فقاآني كان في بغداد بالأساس لمناقشة مسألة أزمة الحشد الشعبي، وما يدور حول احتمالية حل الحشد، لكنه في الوقت ذاته، ناقش مع زعماء الإطار التنسيقي الشيعي، أهمية مراجعة الأخطاء السياسية، وأهمية إظهار العراق كبلد مستقر سياسياً، لعدم التعرض لمصير بشار الأسد".

وأضاف: "كما ناقش قاآني مع الزعماء السياسيين الشيعية، ضرورة إظهار مشاركة السُنّة في العملية السياسية، والدخول في تحالفات مع النواب السُنّة في البرلمان لتأسيس جبهة برلمانية قوية من الممكن استخدامها في مسألة حل الحشد الشعبي إذا ساءت الأمور".

لم يعلق الحلبوسي على تشكيل تحالف سني جديد بالعراق/ رويترز
لم يعلق الحلبوسي على تشكيل تحالف سني جديد بالعراق/ رويترز

في الجهة المقابلة، وتعليقاً على التحالف السُنّي الجديد، قال دبلوماسي إيراني عمل في العراق لفترات طويلة، لـ"عربي بوست": "لا تعارض طهران تأسيس تحالف سُنّي جديد قوي، بل بالعكس، ستدعمه بقوة، وسنعمل على تعزيز علاقاتنا بقادة هذا التحالف طالما أنه يصب في مصلحة الاستقرار السياسي في العراق".

وأضاف: "صحيح أن بعض قادة التحالف السُنّي الجديد (مثل الخنجر والنجيفي)، ليسوا على تواصل جيد مع طهران، ولكننا لا نمانع بناء علاقات مع كافة القادة السياسيين السُنّة، وهذا سيكون محور اهتمام طهران في الفترة المقبلة في العراق"، وفق قوله. 

وتابع بأنه "في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، والخسارات الكبرى التي تعرضت لها المؤسسة السياسية في طهران، فإن إيران ستكون حريصة على دعم الاستقرار السياسي في العراق، ومن المؤكد أن تأسيس جبهة سياسية سُنّية قوية سيكون من مصلحة الجميع خاصة مع الانتخابات المقبلة".

الباحث السياسي العراقي صهيب ضياء، يرى من جانبه، أن مستقبل التحالف السُنّي الجديد مرهون بأمرين وفق تقديره، هما: "الأول يتمثل برغبة القادة في هذا التحالف على بناء الثقة فيما بينهم، ونبذ الخلافات الشخصية والسياسية، والثاني يتعلق بضرورة وضع استراتيجية عمل واضحة لهذا التحالف".

وأوضح أن "ذلك يستدعي تماسك التحالف، وليس الانهيار عقب الفوز في الانتخابات وتوزيع المناصب، فلابد من العمل على استمرارية هذا التحالف دون محاولة أي طرف فيه للسيطرة على الزعامة داخله".

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد