مثّلت الطائفة العلوية على مدار عقود، دعامة اجتماعية لرئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد، وكان لها المناصب السياسية والرتب العسكرية داخل قواته، ما يزيد من الاهتمام الآن عن مصيرها، ودورها السياسي اليوم، وارتباطه بتاريخها ومواقفها من الثورة السورية.
والطائفة العلوية، رغم أنها حكمت البلاد، ويعد الأسد ينتمي إلى أحد العشائر الرئيسية فيها، إلا أنها تعد أقلية في سوريا.
أين يتواجد العلويون اليوم؟
يعتبر العلويون السوريون جزءاً من فئة العلويين العرب الذين يبلغ تعدادهم حوالي 4 ملايين نسمة، يعيش أغلبهم في منطقة تمتد بشكل هلالي على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من شمال لبنان إلى سهول كيليكيا في تركيا.
والعلويون السوريون هم أكبر فئة بين العلويين العرب، لكنهم يشكلون حوالي 12% إلى 15% من سكان سوريا، أي حوالي 3 ملايين نسمة، بحسب أرقام سابقة للنظام السوري في عام 2016، ولا تتوفر معلومات حديثة بهذا الخصوص.
يتمركز العلويون في سوريا بشكل رئيس على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وهناك تجمعات علوية في دمشق والريف المحيط بمدينتي حمص وحماة.
لكن أغلبهم يعيشون في قرى صغيرة عديدة في منطقة الجبال الساحلية.
تتوزع الطائفة العلوية إلى 4 عشائر رئيسية، هي: الخياطين، والمتاورة، والحدادين، والكلبية التي تنتمي لها عائلة الأسد، وتتضمن كل من هذه العشائر فئات صغيرة عدة متحالفة.
العقيدة العلوية
يرى بعض المختصين في تاريخ الحركات الإسلامية، أن التاريخ العلوي يبدأ بمحمد بن نُصير، الذي ولد في عام 833 م أو 873 م في العراق، في منتصف القرن التاسع الميلادي والثالث الهجري، حين أصبح ابن نصير جزءا من حركة غلاة الشيعة التي نشأت في القرن الثامن الميلادي في مدينة الكوفة بالعراق.
لكن، بحسب ما تنشره منصات شيعية اثنا عشرية، فالعلوية، شيعة إمامية جعفرية، يعتقدون بـ"الأئمة المعصومين الاثني عشر"، كما في المذهب الجعفري.
وتعني كلمة علوي، أي تابع لعلي ابن عم الرسول، لكن ما جعلهم منعزلين عن المجتمعات الشيعية، هو مطاردتهم من حكام دول الخلافة الإسلامية.
كيف توزّع العلويون بعد سقوط نظام الأسد؟
في السابق، كان يمكن الحديث عن غالبية سنية تقطن سوريا وتنتشر بصورة أساس في حلب ودمشق وحمص ودرعا والقنيطرة والرقة ودير الزور وحماة وغيرها، وفي قرى ضخمة في الأرياف.
ويرى باحثون متخصصون، أن تعداد السنة قبيل الحرب في سوريا 2011، كان يصل إلى نسبة تتراوح ما بين %80 إلى 85%.
لكن الخريطة الديموغرافية السكانية للسوريين تغيرت خلال الحرب، فحتى عام 2020، لم يعد يمثل السنة سوى نصف سكان البلاد، ويعود ذلك لهجرة ولجوء أكثر من 7 ملايين سوري خلال أعوام الحرب الماضية نحو المنافي البعيدة.
تشكل الطائفة العلوية الأقلية الكبرى في سوريا، إذ لا يتخطى عددها 9% بحسب مركز الإحصاء المركزي عام 2011، أي ما يعادل أكثر من مليونين بقليل، إلا أن الوضع تغير كثيراً بعد 14 عاماً من الحرب السورية.
وكان موقع "إندبندنت"، نشر تقريراً فيه أرقام صادمة، تحدثت عن نجاح النظام السوري في أن يجعل المكون العلوي يستحوذ على مساحة ديموغرافية بين 40 إلى 50% من مجمل السكان قبل سقوطه.
إلا أن رجعة اللاجئين والمهجرين من خارج سوريا إلى البلاد، بعد سقوط النظام السوري، سيقلل من توسع الطائفة العلوية، أو رجعتها إلى مناطقها والاكتفاء بها، خوفاً من عمليات الانتقام.
الطائفة العلوية في عهد بشار الأسد
في عام 2000 توفي حافظ الأسد، وأدّى بشار الأسد اليمين الدستورية أمام البرلمان في صيف عام 2000، واستمر استقرار حكمه حتى عام 2011، بعد قدم تنفيذه وعوده بالقيام بإصلاحات سياسية ورفع القيود عن الحريات.
مع بداية الربيع العربي 2010 – 2011، لم تمض بضعة أشهر حتى تحول الحراك السلمي إلى السلاح، بعد اضطهاد المتظاهرين وقتلهم وقمعهم.
لم يرفع المعارضون للأسد شعارات طائفية، لكنها اتهمت الحكومة بموالاة العلويين على حساب الأغلبية من السنة، بينما تبنت حكومة الأسد بدورها خطاباً يصف المعارضين بالإرهابيين.
وكان موقف العلويين من الثورة السورية بانحيازهم إلى بشار الأسد طوال 13 عاماً.
معارضة من العلويين
قبل الثورة، اعتقد كثيرون أنه من غير الممكن أن يصطف العلويون إلى جانب الثورة السورية، لمخاوف من أن يفقدوا امتيازاتهم التي حصدوها في عهد الأسد، الأمر الذي يجعلهم يقاتلون دفاعاً عن نظامه.
ينطبق هذا على الكثير من العلويين إلا أنه يختزل حقيقة بسيطة، مفادها أن رئاسة عائلة الأسد للطائفة لم تكن ترضي جميع أطيافها من خياطين وحدادين وسواهم وحتى من الكلبيين الذي انتمى الأسد إليهم.
فضلاً عن ذلك، أفصحت الثورة مع الوقت عن معارضة علمانية من الطائفة العلوية كانت مختبئة.
في عام 2011، شهدت المناطق الساحلية انطلاق مظاهرات شعبية معارضة، بدأت في مدينة بانياس أواخر آذار/مارس، ثم امتدت إلى حي الصليبة وحي الرمل الجنوبي في اللاذقية، وصولاً إلى ريفها الشمالي.
كما شهدت مدينة طرطوس مظاهرات رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام.
ورغم أنّ هذه التحركات تركزت في المناطق ذات الأغلبية السنية، إلا أنّ عشرات من العلويين شاركوا فيها أيضاً"، بحسب ناشطين.
حاول العديد من المعارضين السابقين للنظام من الطائفة العلوية كسر حالة الجمود التي سادت الأوساط العلوية، وبذلوا جهوداً متكررة لتأسيس حركات ثورية في الساحل السوري.
قوبلت المحاولات بقمع من نظام الأسد وأجهزته الأمنية. من بين هذه المبادرات، برزت حركة "نحل الساحل"، التي واجه بعض أفرادها الموت تحت التعذيب، بينما اضطر آخرون إلى الفرار.
في عام 2013، انعقد في القاهرة مؤتمر تحت شعار "كلنا سوريون معاً.. نحو وطن للجميع"، جمع نحو 250 شخصية علوية معارضة للنظام السوري.
هدف المؤتمر، وفقاً للمشاركين، إلى نزع الشرعية عن النظام الذي ادّعى حماية الأقليات، خاصة العلوية والمسيحية، والتأكيد على أنّ المكان الطبيعي للعلويين هو إلى جانب الثورة.
في عام 2014، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط تنظيم مظاهرات في الأحياء العلوية على طول الساحل السوري، حيث تم توزيع منشورات تدعو الناس إلى "الإفصاح" عن استيائهم.
جاء ذلك في ظل تزايد أعداد ضحايا الحرب، وتوجيه اتهامات للنظام بالتخلي عن جنوده الذين أُعدموا على يد متطرفين، فضلاً عن الغضب من اعتقال الرجال الرافضين للخدمة العسكرية الإلزامية.
في عام 2015، تم تأسس تيار "غد سوريا" في العاصمة التركية إسطنبول، بحضور أبرز قيادات المعارضة السورية ورموز من مختلف مكونات الشعب السوري، وهو أول تنظيم سياسي يجمع العلويين السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد وحكمه، يرفض ربط مصلحة الطائفة العلوية ببقاء الأسد في السلطة.
في عام 2023، ومع تصاعد الاحتجاجات في السويداء ودرعا، أفادت وسائل الإعلام بامتداد التحركات الاحتجاجية إلى مدن الساحل السوري.
تزامن ذلك مع إعلان إضراب عام أُغلقت خلاله الطرق والمحال التجارية، وتعطلت الدوائر الحكومية، تعبيراً عن الاستياء من تردي الأوضاع الاقتصادية.
لاحقًا، شهدت الاحتجاجات انضماماً غير مسبوق من ناشطين من الطائفة العلوية، إذ ظهر مؤثرون علويون في مقاطع فيديو يدعون علناً إلى رحيل النظام، معبّرين عن إحباطهم العميق من السياسات الاقتصادية.
أبرز قادة العلويين الذين تسيّدوا في سوريا
مع سقوط نظام بشار الأسد، اختفت العديد من الشخصيات الرئيسية التي دعمت النظام السوري وأدارت مؤسساته الأمنية والعسكرية والاقتصادية لعقود. في حين أن بعضهم معرض للعقوبات والملاحقات الدولية، وأخرون لمحاكمات تتعلق بجرائم حرب.
عدد كبير من حلقة الأسد الضيقة هم الطائفة العلوية، مثل:
كفاح ملحم الذي يلقب بـ"مهندس معاناة السوريين"، وكان مدير الفرع 248 خلال الثورة السورية، وعرف عنه بأنه من أشد الفروع في استخدام التعذيب.
علي مملوك الذي كان مستشاراً أمنياً لبشار الأسد، وأحد أعمدة النظام ورأس المخابرات العسكرية سابقاً.
عبد الكريم محمود إبراهيم، الذي شغل مناصب عسكرية عدة، وشارك في الإشراف على العمليات العسكرية الكبرى، وشملته عقوبات دولية لتورطه في جرائم حرب.
حسام لوقا، الذي كان مدير إدارة المخابرات العامة، والمسؤول بحكم قراراته ومنصبه عن إدارة التعذيب والاعتقالات الجماعية في سجون الأسد.
سهيل الحسن، الذي اشتهر بلقب "النمر"، ويُعرف بوحشيته خلال المعارك وقيادته لعمليات عسكرية ضخمة ضد المعارضة والمدنيين في مناطقها.
ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة المدرعة، وهو شقيق بشار الأسد الأصغر، وإحدى أبرز الشخصيات التي اعتمد عليها النظام في قمع الثورة.
يُتهم بالسيطرة على تجارة المخدرات وتصنيع الكبتاغون، وهو متهم رئيس في استخدام الأسلحة الكيميائية.
سوريا تحت حكم حافظ الأسد
حكم حافظ الأسد سوريا بقبضة من حديد، على مدى 3 عقود حتى وفاته، في العاشر من حزيران/يونيو 2000.
عمد الأسد، بداية، إلى تأسيس منظومة حكم قائمة على الجيش والحزب، فقام بتعزيز قاعدته العسكرية في الجيش لضمان ولائه له، ولفصله عن حزب البعث، وضغوط الأيديولوجيا الراديكالية.
ثم اتجه إلى تعزيز ضباط علويين موثوقين في المناصب الحساسة، للتخلص من ضغوط المؤسسة العسكرية، الأمر الذي أعطاه قدرة أكبر على التحرك.
شرع الأسد الأب أيضاً، بتقوية سيطرته على دمشق بعد استيلائه على السلطة عبر الجيش والطائفة، فقام بتركيز عشرات الآلاف من القوّات، بالإضافة إلى مسؤولين علويين وعائلاتهم، في المدينة.
في حين كان هناك 300 علوي فقط يعيشون في دمشق في عام 1947، ارتفع هذا العدد ليصل إلى أكثر من 500,000 (من بين حوالي 5 ملايين نسمة) بحلول عام 2010، أي ربع المجتمع العلوي في سوريا. وبالتالي، فاق عدد العلويين في دمشق عددهم في أي مدينة سورية أخرى.
لا يزال مسؤولون في النظام يعيشون في حي "المالكي"، حول منزل الأسد الخاص، في حين أنّ موظفين مدنيين من رتب أدنى يعيشون في "مزة 86″، وهي منطقة واسعة تطلّ على الأحياء الغنية من المدينة.
منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، سمح النظام السوري أيضاً للأحياء العلوية والدرزية والمسيحية بالتوسع والاقتراب من المحاور الاستراتيجية التي تربط دمشق ببقية أنحاء البلاد ولبنان.
في شباط/فبراير 1982، تصدى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه، ذهب ضحيتها بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص.
جاء ذلك بعد قرابة 3 سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أدى إلى مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية.
توجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم، وتعد هذه الفترة مرحلة فاصلة من التوجّس السني – العلوي في سوريا.
في هكذا أجواء، أمر حافظ الأسد ببناء السجون السورية، وتوسعة مراكز الاعتقال.
بحسب ما وثقته العديد من المنظمات الحقوقية، فإن معظم مراكز الاعتقال في دمشق أو في مدن حماة وحلب وحمص، تم تشييدها خلال فترة الثمانينيات ضمن مربعات أمنية محمية، بعد أن اكتظت السجون التقليدية بنزلائها.
في حكم الأسد الأب ونظامه البوليسي أيضاً، تم بناء جهاز المخابرات الجوية، ويعدّ أشرس الأجهزة الأمنية السرية.
وكانت مهمة "المخابرات الجوية" حماية سلاح الجو السوري، إضافة إلى طائرة الرئيس، وأمنه خلال تواجده خارج سوريا.
نتيجة تطور المهام التي أوكلتها المخابرات الجوية لنفسها، تحول الجهاز إلى واحدة من أهم الإدارات التابعة لرئاسة الأركان في الجيش السوري.
بداية صعود العلويين قبل حكم حافظ الأسد
عندما نالت سوريا استقلالها عن الانتداب الفرنسي عام 1948، كان زعماء الدولة العلوية قد وافقوا على انضمام الدولة العلوية إلى سوريا الموحدة، وبدأوا لأول مرة منذ 10 قرون في النزول من الجبال الساحلية، جماعاتٍ، للبحث عن فرص جديدة وحياة أفضل.
ظهر شخص مهم للعلويين في تلك الفترة، وكان سنياً من حماة، وهو أكرم الحوراني، إذ لعب من خلال حزبه العربي الاشتراكي دوراً رئيساً في تحقيق الأهداف السياسية لطبقة الفلاحين من جميع الطوائف، ما أعطى فرصة الصعود الطبقي لجيل جديد من العلويين.
في تلك الفترة، برزت شخصية علوية مهمة هي "وهيب الغانم"، الذي كان طبيباً من اللاذقية، ويعود له الفضل في انضمام كثير من العلويين لحزب البعث.
في أواخر أربعينيات القرن العشرين كان للغانم تأثير سياسي على شاب علوي من القرداحة اسمه حافظ الأسد، الذي فضّل الانضمام لحزب البعث العربي على أن ينضم لحزب نشط في مناطق الساحل والجبال الساحلية ذي صبغة طائفية، عُرِف باسم حزب إصلاح الريف العلوي.
في عام 1954، مع إطاحة الحكومة العسكرية لأديب الشيشكلي، أصبح البعث ثاني أكبر حزب في البرلمان، وكان قادراً على تنظيم احتجاجات جماهيرية بين العمال.
بحلول نهاية عام 1957، صاغ حزب البعث مشروع قانون يدعو إلى الوحدة مع مصر، وهي خطوة لاقت ساهمت في زيادة شعبيته.
في عام 1958، اشترط جمال عبد الناصر حلّ الأحزاب وإلغاء النظام الديمقراطي كشرط للوحدة.
كان حزب البعث أحد الأحزاب التي تم حلها، ولجأ بعض أعضائه إلى مواصلة العمل بشكل سري، وشكلوا فيما بعد نواة عودة الحزب بعد فشل الوحدة.
في 8 مارس/آذار 1963، نفّذ مجموعة من الضباط البعثيين انقلاباً عسكرياً استحوذوا من خلاله على السلطة في سوريا بقيادة الرئيس ناظم القدسي والحكومة المنتخبة برئاسة خالد العظم.
ضمّ ذلك التنظيم أسماء بارزة مثل محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، وأحمد المير، وعبد الكريم الجندي، وسرعان ما تمكنوا من فرض سيطرتهم الكاملة على الدولة.
في النصف الثاني من عام 1965، انقسم الانقلابيون على أنفسهم بين كتلتين، رئيس البلاد ورئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع والداخلية أمين الحافظ ومن حوله الضباط السنة، ومعهم محمد عمران، في مواجهة صلاح جديد وحافظ الأسد العلوييْن، وهو صراع حسمه انقلاب 23 فبراير/شباط 1966، بقيادة جديد والأسد، ومعهما الدرزي سليم حاطوم، الذي تم تهميشه هو الآخر.
بعد أن تخلصت اللجنة العسكرية من الطوائف الأخرى، أصبحت الطائفة العلوية سيدة المشهد السوري.
لكن حافظ الأسد صفّى منافسيه في قيادة الطائفة، فقتل محمد عمران، وسجن صلاح جديد، وتم له ذلك بعد الحركة الانقلابية التي قام بها عام 1970، ثم اختزل حافظ الأسد الطائفة في أسرته، فأصبح هو وأقرباؤه حكام سوريا الفعليين.
تاريخ العلويين ما قبل الدولة السورية الحديثة
كان العصر الذهبي للعلويين في ظل الدولة الحمدانية، لكنهم استطاعوا بعد سقوطها التكيّف أيضاً مع مجيء البيزنطيين، الذين كونوا معهم علاقات جيدة.
لكن، عندما وصل الأتراك السلاجقة إلى شرق المتوسط عام 1070م، وحققوا انتصاراً ساحقاً على البيزنطيين في معركة ملاذكرد عام 1071م، اضطر العلويون للجوء إلى الجبال الساحلية، وشكل هذا الهروب حدثاً فارقاً في تاريخهم.
مع قدوم الغزو الصليبي الأول 1097م، تنفس العلويون الصعداء مجدداً، إذ اتجه الصليبيون إلى احتلال المناطق المحيطة بجبال العلويين، وعزل ذلك التطويق العلويين عن السنة، حيث طوّر العلويون طائفتهم ومجتمعهم الخاص.
انقلب هذا الوضع في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، بعدما اصطدم في الجبال الساحلية بأقلية دينية أخرى، وهي الطائفة الشيعية الإسماعيلية النزارية المعروفة تاريخيا بـ"الحشاشين".
ظل التنافس بين العلويين والإسماعيلية على الجبال ما يقارب قرنا ونصف القرن، حتى زالت دولة الإسماعيلية على يد المماليك.
أصبح العلويون هم القوة المسيطرة على جبال الساحل، لكنهم أصبحوا أكثر انعزالاً، خاصة بعدما سيطر المماليك على الشريط الساحلي في القرن الثالث عشر، ما قوى اعتمادهم على أنفسهم واستقلالهم، خاصة أنه لم يتبق أي قوة سياسية داعمة للعلويين في المنطقة.
أما الدولة العثمانية، فكانت تعتبر العلويين هراطقة، ولا تبقي عليهم إلا للضرائب التي يجمعونها فقط.
لكن مع نشوب حرب القرم بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية، بزغ نجم الزعيم العلوي إسماعيل بن عثمان، الذي بسط سيطرته في منطقة صافيتا على عشائر الحدادين والخياطين، وعندما عجز العثمانيون عن إيقافه، أصدروا قراراً بتعيينه "مشيراً" على كل الجبال الساحلية.
في عام 1922، حصل الفرنسيون على تفويض رسمي من عصبة الأمم للإشراف على التعليم والتطوير السياسي للولايات العثمانية السابقة في سوريا، وبموجبه أنشأوا للعلويين دولتهم الأولى، وشملت كامل الجبال الساحلية، وامتدت لتضم السهول الساحلية والمدن الرئيسة كاللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة.
عودة العلويين إلى الساحل
بالعودة إلى الزمان الحالي، يشعر العديد من العلويين في مدن الساحل السوري بخوف وقلق لم يتوقعوه، بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة المعارضة الكاملة على محافظتي طرطوس واللاذقية.
وغادرت عائلات علوية كثيرة من دمشق باتجاه الساحل، في حين عبرت آلاف العائلات العلوية والمسيحية الحدود السورية اللبنانية بصورة غير شرعية.
لكن، تشير تقارير إلى أن بعض العائلات تلقت تطمينات من قادة المعارضة في دمشق بعدم تعرضهم لأي مضايقات.
وشهد الساحل السوري أيضاً احتفالات عارمة بسقوط الأسد، بما في ذلك في اللاذقية مسقط رأس بشار.
وانتشر فيديو لإسقاط تمثال الأسد الأب في طرطوس.
في منطقة القرداحة، مسقط رأس الأسد، أصدر رجال دين ومشايخ علويون بيانات تعبر عن تأييدهم "للنهج الجديد" و"التعاون مع هيئة تحرير الشام والجيش الوطني الحر لبناء سوريا الجديدة".
تضمنت هذه البيانات دعوات لتسليم السلاح وإزالة التماثيل والصور المرتبطة بالنظام السابق من الأماكن العامة، وجاء ذلك بعد لقاءات جمعت مشايخ علويين مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام.