في الآونة الأخيرة، عاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتحدث مجددًا عن ما يُسمى بـ"خطة الجنرالات" المتعلقة بغزة، والتي تهدف إلى تهجير سكان شمال وادي غزة وإجبار المقاومة الفلسطينية في المنطقة على الاستسلام عبر وسائل وتكتيكات قاسية، تشمل إعادة تكرار سيناريو التجويع.
فخلال اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، صرح رئيس وزراءالاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حكومته تدرس ما يُعرف بـ"خطة الجنرالات"، وذلك وفقًا لما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية.
في تلك التصريحات التي أدلى بها يوم 22 سبتمبر/ أيلول، أبدى نتنياهو موقفًا متناقضًا؛ إذ أكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يسعى لإقامة حكم عسكري دائم في قطاع غزة.
ومع ذلك، اعترف بأن تجربة "حكم العشائر"، التي طُبقت في السابق، لم تحقق النجاح المرجو، ورغم ذلك، شدد نتنياهو على ضرورة السيطرة على توزيع المساعدات في القطاع، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال هو من يجب أن يتولى هذه المهمة. ويثير هذا التناقض تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لنتنياهو وحكومته؟
ما هي خطة الجنرالات لتجويع شمال غزة؟
حسب الخطة التي قدمها عسكريون سابقون، على رأسهم الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند، والتي تحدث رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يدرسها، يجب القضاء بشكل كامل على حركة حماس شمالي القطاع من خلال إفراغه تماما من سكانه، بعد إعطائهم فرصة لمدة أسبوعين، ثم إعلان كل مناطق الشمال، مناطق عسكرية مغلقة.
تتحدث الخطة عن إخلاء شمال قطاع غزة من سكانه، وتحويله إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، بحيث يصبح تحت السيطرة العسكرية.
كما تنص على إجلاء أكثر من 300 ألف غزي وفرض حصار على من تعتقد إسرائيل أنهم مسلحون تابعون لحركة حماس يتحصنون في هذه المنطقة، وقطع جميع المساعدات الإنسانية الواصلة إلى الشمال، ما يجعل هؤلاء المسلحين أمام خيارين إما الاستسلام أو الموت جوعا، حسبما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.
ورفعت وثيقة هذه الخطة في بداية هذا الشهر إلى الوزراء وأعضاء الكابينت؛ سعيا لمناقشتها وإقرارها، ولإصدار الأوامر للجيش الاحتلال بتطبيقها ميدانيا ومن دون تردد، بحسب الصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التي ذكرت أن الخطة جاءت بعد مقتل الأسرى الستة في رفح، وفشل الاحتلال بتحقيق أهداف الحرب.
وذكرت الوثيقة، أنه "بالرغم من الضربات التي تلقتها حماس من العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإنها لا تزال قادرة على ترميم ذاتها وتجنيد مقاتلين، كما أنها قادرة على توفير الوسائل القتالية، وتسيطر فعليا على توزيع الغذاء للسكان. كما تعود وتسيطر على كل موقع يخرج منه الجيش".
وتزعم الخطة، من أجل القضاء على المقاومة يتطلب الأمر الخطوات الأربع التالية:
- منع الأموال.
- تدمير قدرة حماس على تجنيد عناصر جديدة.
- ضرب الإمدادات.
- القضاء على الحوافز لمواصلة القتال والحكم.
إذ تنطلق الخطة من أنه "ما دامت حركة حماس تسيطر على المساعدات الإنسانية، فلن يكون بالإمكان القضاء عليها".
وبحسب الجنرال غيورا أيلاند الذي شغل سابقًا منصب رئيس قسم العمليات ورئيس مجلس الأمن القومي للاحتلال، والذي صاغ الوثيقة، فإن "كل السكان الغزيين المتبقين في المنطقة شمالا من محور نتساريم بما فيه غزة المدينة، والبالغ عددهم نحو 300 ألف بعد تهجير الغالبية العظمى من السكان نحو الجنوب، سوف يتم إصدار الأوامر لهم بالنزوح فورا، عن طريق ممرات يوفرها الجيش وتحت حراسته".
وبينت الوثيقة، أنه "بعد أسبوع من أوامر الإخلاء، يتم فرض الحصار العسكري الذي لا يتيح لمن يتركون أي مقومات للعيش، بل يترك لكل من يبقى، باعتبارهم وفقا للوثيقة من عناصر حماس، خيارا واحدا، وهو إما الاستسلام أو الموت".
وفقا للجنرال أيلاند، "فإن التجويع حتى الموت هو سيد الموقف، حيث يؤكد أن الصفقة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 تكللت بالنجاح، وذلك "لأن إسرائيل أدخلت للقطاع فقط حافلتي مساعدات اثنتين يوميا".
يرى معدو "خطة الجنرالات" أن حركة حماس تخشى أكثر ما تخشاه من وجود "حكم بديل وجماهير غاضبة نتيجة للتجويع"، حيث يعتمد المخطط على خلق ظروف قاسية تؤدي إلى إثارة الغضب الشعبي ضد حماس، وهو ما يُعتبر أحد أهم أهداف هذه الخطة.
و تتوافق "خطة الجنرالات" بشكل كبير مع رؤية عدد من قادة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين دعوا منذ بداية الحرب إلى اتخاذ إجراءات متطرفة وضد القانونين الدولية في غزة.
وقد رحب عضو الكنيست عن حزب الليكود، عميت حليفي، وهو عضو في اللجنة، بخطة إيلاند، قائلاً إنها تمثل "الاتجاه الصحيح" للسياسة الإسرائيلية في غزة.
ويذكر أن هؤلاء الساسة المتطرفون لطالما طالبوا بتبني سياسات صارمة تهدف إلى تهجير السكان وتجويعهم، بهدف إضعاف المقاومة الفلسطينية في القطاع.
هل تنجح خطة الجنرالات؟
ووفقاً لتقرير أعدته BBC، يقول أمير بار شالوم، المحلل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن رئيس الوزراء تحدث عن الخطة في الكنيست، ولكن ليس واضحا حتى الآن في أي مرحلة وعلى أي مستوى سيتم تنفيذها.
ويضيف المحلل العسكري الإسرائيلي أنه يعتقد، أن جيش الاحتلال سيبدأ – حال التصديق على هذه الخطة – في السيطرة على جميع المساعدات التي تدخل إلى شمال قطاع غزة، ومن ثم توزيع تلك الإمدادات الإنسانية على الفلسطينيين.
ولكنه أشار إلى أن "خطة الجنرالات" لم تحظ بعد بالموافقة من قبل المجلس الوزاري المُصغر للشؤون الأمنية والسياسية في إسرائيل.
بينما يستبعد المحلل السياسي لصحيفة هاًرتس عاموس هارئيل، أن يطبق الجيش "خطة الجنرالات"، واعتبر أنها تتضمن إجراءات ترقى إلى ما وصفه بمرتبة "جرائم الحرب" في نظر القانون الدولي.
وقد أشارات عدة تقارير، إلى أن التكتيك القائم على تجويع وحصار منطقة بعينها، وصولاً إلى الإنهاك ودفع الناس إلى النزوح الجبري والمقاومين إلى الاستسلام، طبّقه جيش الاحتلال حرفياً طوال الأشهر الستة الأولى من الحرب، إذ حُرم شمال القطاع من دخول أي نوع من البضائع والوقود والسلع، لإجبار السكان على النزوح إلى مناطق وسط وجنوب غزة، والتي سُمح بإدخال البضائع وغاز الطهو والوقود إليها بشكل شبه منتظم.
وفي ذروة التجويع الذي شهده شهر مارس/آذار الماضي، بقي من قرّر البقاء في شمال القطاع صامداً، على رغم وصول الناس هناك إلى مرحلة أكلوا فيها علف الدواب وأوراق الشجر. وعلى طريق خطة إخلاء شمال القطاع التي فشلت فعلاً، سقطت الكثير من المخطّطات، ومنها "حكم العشائر" و"الميناء العائم" و"الفقاعات الإنسانية" و"روابط القرى".
لماذا يعاود نتنياهو طرح خطة الجنرالات الآن؟
يرى العديد من المحللين أن إعادة طرح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"خطة الجنرالات" يعكس حالة من فراغ الخيارات الاستراتيجية وانعدام رؤية واضحة لمرحلة "اليوم التالي" للحرب.
فنتنياهو لا يريد حكم القطاع عسكرياً، ولا يرغب في احتلالها مدنيًا، ولا تسليمها للسلطة الفلسطينية، ولا السماح لحركة حماس بمواصلة إدارتها. في ظل هذه التناقض، يحاول نتنياهو الإجابة عن الأسئلة المتكررة من الجيش والشارع حول سبب استمرار التواجد الإسرائيلي في غزة، بينما تخوض إسرائيل حرباً على عدة جبهات وأهمها لبنان.
وبدورها، قالت صحيفة "هآرتس"؛ إن خطة الجنرالات تمثل ورقة ضغط على حكومة الاحتلال، وبالأخص على المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية-الأمنية (الكابنيت)، إذ يبدو أنها بإيحاء من نتنياهو و وتتماشى تمامًا مع رؤيته، وتمنحه مصداقية إسرائيلية أمنية في مساعيه لإقصاء قادة الجيش والشاباك ووزير الحرب، يوآف غالانت.
إذ يبدو أن الخطة تنبثق من توجيهات نتنياهو وتتماشى تمامًا مع رؤيته، مما يمنحه دعمًا سياسيًا وأمنيًا في إطار محاولاته لإقصاء بعض قادة الجيش والشاباك ووزير الحرب، الذين قد يعارضون هذه الاستراتيجية.
فقد، انتقدت الوثيقة وزير الحرب غالانت وقائد الأركان هليفي، مشيرة إلى تردد كل منهما، "إن من لا يستطيع تطبيق المخطط، يخون وظيفته، ولن يكون بمقدوره قيادة الجيش والدولة إلى الانتصار على حماس".