شهدت لبنان خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، 17 و19 سبتمبر/أيلول 2024، تفجيرات لأجهزة نداء و لاسلكية من نوع "أيكوم" و"بيجر"، أدت إلى مقتل 32 شخصاً وإصابة أكثر من 3250 آخرين، بينهم 300 حالة حرجة.
تلك الهجمات التي استهدفت هذه الأجهزة، التي يستخدمها "حزب الله" في اتصالاته، أثارت موجة من القلق في العالم حول استخدام سلاسل التوريد كسلاح في الصراعات الدولية وتأثير ذلك على الأسواق والشركات العالمية.
و قد نقل موقع "والا" العبري عن مسؤولين إسرائيليين أن العملية هدفت إلى توجيه ضربة استباقية قبل أن يتمكن "حزب الله" من اكتشاف الاختراق الأمني. فشملت الهجمات تفجير أجهزة "بيجر" يوم الثلاثاء، تلاها يوم الأربعاء تفجير أجهزة "أيكوم"، ما أدى إلى خسائر كبيرة في أرواح المدنيين وإصابات واسعة النطاق.
ويرى العديد من الخبراء، أن التفجير قد يمثل نقطة تحول في كيفية استغلال سلاسل التوريد والعلاقات الاقتصادية المتشابكة في الحروب و النزاعات الدولية، مما أثار قلقاً عميقاً بشأن تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي الذي يعتمد بشكل كبير على شبكات التوريد العالمية.
كيف اعترضت "إسرائيل" شحنة (البيجر) وفي أي مرحلة في سلاسل التوريد فخختها؟
بحسب ما ذكرت صحيفة بوليتيكو، فإن بعض النظريات المطروحة من قبل مطلعين على عمليات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن أجهزة النداء قد تكون قد تم اختراقها في أي مكان على طول سلسلة التوريد.
فقد صرح العميد الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي، مؤسس ورئيس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي المتشدد، بأن "الاختراق يمكن أن يحدث على متن سفينة أو في مصنع، ولا يتطلب بالضرورة أن يكون في المصنع نفسه."
وقد وصف مسؤول استخباراتي أميركي كبير سابق الانفجارات في لبنان بأنها الأحدث والأكثر دراماتيكية من بين عدد من هجمات سلسلة التوريد الجارية في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي.
وقال المسؤول، إن هذه الهجمات تستغرق غالبًا سنوات للتحضير وتميل إلى أن تكون محددة بدقة للحد من الأضرار الجانبية. وقال المسؤول السابق إن عمليات المنع – حيث يتم اعتراض البضائع والتلاعب بها قبل تسليمها إلى المتلقي النهائي – منتشرة.
يُعتقد أن أجهزة النداء المفخخة قد صُممت بآلية معينة تتسبب في اهتزازها عند تلقيها رسالة خاطئة، مما دفع المستخدمين إلى محاولة إسكاتها بالضغط على الأزرار، ما أدى دون قصد إلى تفجير المتفجرات المخفية، وفقاً لإيليجاه جيه ماجنييه، محلل المخاطر السياسية الذي قد تواصل مع حزب الله.
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز كشف أن شركة "BAC Consulting" المجرية، هي شركة وهمية أسستها إسرائيل لإخفاء هويات ضباط المخابرات المسؤولين عن إنتاج هذه الأجهزة، وأنه تم إنشاء شركتين وهميتين أخريين لنفس الغرض.
وقد نجحت الشركة في كسب الثقة من خلال مبيعات حقيقية لأجهزة النداء لعملاء آخرين، مما لعب دوراً محورياً في تأمين طلبات لحزب الله.
وبالرغم من نفي زولتان كوفاكس، المتحدث باسم الحكومة المجرية، وجود أي مواقع تصنيع أو تشغيل لهذه الشركة في المجر، زعمت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنها تمكنت من التحكم في عملية التصنيع وتعديل الشحنات الموجهة إلى حزب الله.
لماذا أثارت التفجيرات ذعر الولايات المتحدة؟
على الرغم من الصمت الرسمي للولايات المتحدة حيال التفجيرات التي نفذتها إسرائيل، فإن الخبراء الأمريكيين لم يتمكنوا من كتمان قلقهم حيال ما ارتكبته إسرائيل وتداعياته المستقبلية، التي يرون أنها قد تمسهم أيضًا، إذ قال النائب الأمريكي سيث مولتون: "إذا كانت إسرائيل قادرة على القيام بذلك، فيمكن للصين أن تفعل ذلك أيضًا. إن سلاسل التوريد الطويلة غير الشفافة تترك فجوات يمكن استغلالها بسهولة شديدة، ونحن بحاجة إلى استراتيجية لإغلاقها بالتعاون الوثيق مع حلفائنا".
في هذا السياق، ومنذ فترة طويلة، قد أقر المسؤولون الأمريكيون بأن الولايات المتحدة تعتمد بشكل مفرط على الصين في مجموعة متنوعة من السلع والخدمات، وبناءً على ما ذكرته صحيفة بلومبرغ، شرعت الحكومة الأمريكية في السنوات الأخيرة بمبادرات لنقل بعض سلاسل التوريد الحيوية، خاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي، إلى داخل الولايات المتحدة أو إلى دول حليفة في إطار ما يُعرف بـ "نقل المنتجات إلى الداخل" أو "نقل المنتجات إلى الدول الصديقة".
وقال العديد من خبراء الأمن ومحللي سلسلة التوريد في الولايات المتحدة إن هذه الهجمات قد تمثل نموذجًا للخصوم واشنطن في المستقبل حول كيفية استغلال سلاسل التوريد المعقدة والغامضة، والتي تشمل السلع اليومية التي تمر عبر مجموعة متنوعة من النماذج والبلدان قبل وصولها إلى المستهلكين.
كيف ستؤثر تفجيرات لبنان على العالم؟
أعرب العديد من الخبراء، عن أن تفجيرات لبنان قد تعمل كعامل محفز لتغييرات جذرية في السياسات العالمية المتعلقة بالتكنولوجيا والأمن الصناعي. فهذه الأحداث قد تشجع الحكومات على فرض قيود أشد على تدفق التكنولوجيا الحساسة ودفع الشركات نحو نقل المزيد من التصنيع إلى الداخل أو إلى دول صديقة، في محاولة لتأمين سلاسل التوريد وتقليل المخاطر المرتبطة بالتعرض للهجمات.
فوفقاً لبيل رينش، المسؤول السابق في وزارة التجارة الأمريكية والذي يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أشار إلى أن هذه الهجمات من المحتمل أن تخلق درجة من الذعر في القطاع الخاص، مما قد يدفع الشركات في قطاعات مختلفة إلى إعادة تقييم وتعزيز إجراءات الأمان الخاصة بها.
أما في الكونجرس الأمريكي، أكد النائب جيم هايمز، العضو بارز في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، على ضرورة أن تعيد الشركات تقييم أمان عملياتها العالمية، مشيراً إلى أن الهجمات تسلط الضوء على المخاطر المتزايدة المرتبطة بسلاسل التوريد.
وفوقاً لصحيفة بوليتيكو، وصف دميتري ألبيروفيتش رئيس مركز أبحاث جيوسياسية مقره واشنطن ومؤسس مشارك لشركة كراود سترايك للأمن السيبراني: أن"هذا هو الهجوم الأكثر شمولاً وشهرة على سلسلة التوريد المادية الذي شهدناه على الإطلاق، وربما نشهده لفترة من الوقت."
وزعم دانييل باردنشتاين، كبير مسؤولي التكنولوجيا والمؤسس المشارك لشركة مانيفست لأمن سلسلة توريد البرمجيات، أن الهجوم يُظهِر أن المشترين، سواء كانوا حكومات أو كيانات خاصة، يجب أن يكون لديهم فهم أوضح لما يشترونه بالضبط ومن هم. وقال باردنشتاين، الذي عمل سابقًا كرئيس لاستراتيجية التكنولوجيا في وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية: "نحن بحاجة حقًا إلى تغيير هذا النموذج العالمي بشأن شفافية التكنولوجيا".
يرى العديد من المحللين، أن تفجيرات لبنان الأخيرة، ستؤدي إلى تغيرات محتملة في السياسات والإجراءات والتي بدورها قد تؤدي إلى إعادة تشكيل كيفية إدارة الأمن العالمي والتجارة الدولية في العقود القادمة.