هل انتهى “شهر العسل” بين سعيد والجيش التونسي؟ تفاصيل العلاقة “المتوترة” بين الرئيس والعسكر قبل الانتخابات

عربي بوست
تم النشر: 2024/09/02 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/09/02 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
قيس سعيّد مع قيادات الجيش التونسي/ صفحة رئاسة الجمهورية التونسية على فيسبوك

في شهر يوليو/تموز 2021، استعان الرئيس التونسي قيس سعيد بالجيش التونسي من أجل منع أعضاء مجلس النواب المنحل من دخول مبنى البرلمان، بعد قرارات الرئيس الاستثنائية بإقالة الحكومة وحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، في إجراءات لقيت انتقادات داخلية وخارجية للرئيس التونسي.

تحرك الجيش التونسي لتنفيذ تعليمات قيس سعيد اعتبر وقتها "دعماً صريحاً" من المؤسسة العسكرية للرئيس، بعد أن ظلت منذ الثورة التونسية عام 2011 بعيدة عن الحياة السياسية في البلاد، قبل أن يتغير الأمر بدخولها لشغل مناصب سياسية وتعيين عسكريين لتسيير شؤون بعض الوزارات بقرار من سعيد.

لكن يبدو أن "شهر العسل" بين سعيد والجيش التونسي قارب على الانتهاء في ظل تواتر تقارير عن "خلافات عميقة" بين قصر قرطاج والمؤسسة العسكرية، برزت بشكل كبير خلال إدارة الرئيس لملف الانتخابات الرئاسية المنتظرة شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إضافة إلى خلافات بشأن قضايا استراتيجية.

كيف دعم الجيش التونسي قيس سعيد؟

طالما أشاد التونسيون بجيشهم على اعتبار أنه من المؤسسات العسكرية القليلة في العالم العربي التي لم تتدخل في السياسة، وكان ذلك واضحاً خلال ثورة الربيع العربي عام 2011 عندما اختار الجيش الاصطفاف إلى جانب الشعب، وتمثلت مهمته في الحفاظ على النظام وحماية ممتلكات الدولة.

وظل الجيش التونسي فعلاً بعيداً عن السياسة واختار أن يضع حدوداً بينه وبين جميع الرؤساء والحكومات التي تعاقبت على حكم تونس خلال عشر سنوات، إلى أن جاء الرئيس قيس سعيد إلى السلطة وبدأ في التقرب أكثر من قيادات الجيش التونسي بل ومنحهم مناصب سياسية وإدارية لتسيير بعض القطاعات الحيوية في البلاد.

في محاولة منه للتقرب من الجيش، في نهاية عام 2019، وبعد فترة قصيرة من تنصيبه، زار قيس سعيد ثكنات "منزل جميل" في شمال تونس، حيث زار القوات العسكرية الخاصة وزرع شجرة زيتون بنفسه. وفي يوليو/تموز 2020، عاد إلى نفس الثكنة ليحث الجنود على الاستعداد "لمواجهة من يهدد الدولة أو الشرعية".

فيما كان دعم الجيش التونسي للرئيس جلياً عقب قرارات سعيد الاستثنائية عندما أمر بحل الحكومة والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء في شهر يوليو/تموز 2021، وأوكل للجيش تنفيذ مهمة منع أعضاء مجلس النواب ورئيسه المسجون حالياً راشد الغنوشي من دخول مبنى البرلمان بتعليمات من سعيد.

حيث كتبت صحيفة "Foreign Policy" الأمريكية وقتها مقالاً بعنوان: "إبعاد الجيش التونسي عن السياسة.. الرئيس قيس سعيّد كسر تابو استمر 65 عامًا"، وقال كاتب المقال، رضوان المصمودي، إن القوات المسلحة التونسية هي "الجيش الوحيد في العالم العربي الذي لم يشارك قط في الشؤون السياسية أو الاقتصادية المحلية".

وحدات من الجيش أغلقت أبواب البرلمان بعدقرارات الرئيس الاستثنائية عام 2021/ رويترز
وحدات من الجيش أغلقت أبواب البرلمان بعدقرارات الرئيس الاستثنائية عام 2021/ رويترز

وقتها كتب المصمودي إنه بعد مرور عشر سنوات، لا يزال من الممكن عكس مسار محاولة الانقلاب التي شنها قيس سعيد ، "ولكن فقط من خلال التمسك بالتقاليد التونسية المتمثلة في إبعاد الجيش التونسي عن السياسة"، لكن الجيش اختار الذوبان في خطة الرئيس ودفع بوجوه عسكرية نحو الاستوزار لأول مرة منذ الثورة.

بينما اعتبر المحلل السياسي التونسي، حاتم اليحياوي، أن ما قام به الجيش التونسي يدخل في إطار اختصاصاته الدستورية، وأشار في تصريح لـ"عربي بوست" أن رئيس الجمهورية حسب دستور 2014 هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

كما أضاف اليحياوي أنه بمقتضى أحكام الدستور المذكور و الذي تم تقريره بدستور 2022 المؤسسة الدستورية المكلفة بإدارة المؤسسة العسكرية، والرئيس بدوره هو من يترأس مجلس الأمن القومي فهو في علاقة عضوية ومباشرة بالمؤسسة العسكرية، "وفي إطار تنفيذ مهامه الدستورية فإنه مطالب بالعمل على مزيد توطيد العلاقة بين مؤسسات الدولة".

فيما قال مركز "Stratfor" الأمريكي للدراسات الاستخباراتية في شهر يونيو/حزيران 2024، إنه بعد أن قام سعيّد بتسييس الجيش بشكل متزايد، وترقية بعض المسؤولين العسكريين إلى مناصب في الشؤون المدنية، خرج الجيش التونسي عن حياده لدعم توطيد سعيّد للسلطة، واستخدام المحاكم العسكرية لقمع المعارضين.

بل وذهبت التقارير إلى أن الرئيس قيس سعيد كان ينسق مع الجيش التونسي من أجل فرض "ديكتاتورية دستورية"، قبل القرارات الاستثنائية التي سنها الرئيس التونسي والتي أدخلت البلاد في مرحلة جديدة وأعادت للأذهان فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

حيث نشر موقع "ميدل إيست آي" وثيقةً سرية زعم أنها مُسرَّبة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي السابقة، نادية عكاشة، مؤرخة في 13 مايو/أيار 2021.

ووفق الوثيقة، سيُنسِّق الرئيس قيس سعيد مع الجيش التونسي في فرض نوع من "الديكتاتورية الدستورية" تمنحه كل السلطات التنفيذية في إطار إجراءات إعلان الطوارئ في الوقت الذي سيُخضع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان للإقامة الجبرية داخل القصر الرئاسي.

فيما صدر تكذيب رسمي من ديوان رئيس الجمهورية ونقابة موظفي رئاسة الجمهورية لهذه الوثيقة التي وصفتها الأطراف المناوئة للرئيس قيس سعيد بأنها تدخلٌ في منطق التجاذبات السياسية الحادة التي تعرفها تونس، في إشارة ضمنية إلى علاقة حركة النهضة بها.

بينما شدد المحلل السياسي، نبيل الرياحي، أن الجيش التونسي ليست له تقاليد في السلطة السياسية، وقال لـ"عربي بوست" إن العلاقة بين السلطة التنفيذية والجيش ينظمها الدستور، وتقليدياً لم يكن هناك وزير للدفاع من الجيش، فهو دائما ما كان مدنياً، كما أن الاستعانة بهم في الوزارات لم يكن بالحجم الكبير الذي ينذر بالخطر.

وزراء الجيش في حكومات قيس سعيّد

منذ القرارات الاستثنائية التي سنها قيس سعيد صيف 2021 والتي اعتبرتها المعارضة "انقلاباً على الشرعية"، عين الرئيس التونسي ثلاث حكومات في 3 سنوات وهم كل من نجلاء بودن وأحمد الحشاني ثم في 7 أغسطس/آب الجاري عين كمال المدوري رئيساً للحكومة التونسية.

في الحكومة الأولى التي أشرفت عليها المهندسة المستقلة، نجلاء بودن، عين قيس سعيد العميد، علي مرابط، وزيراً للصحة وهو طبيب عسكري برتبة عميد، وظل يشغل المنصب بعد تعيين أحمد الحشاني رئيساً جديداً للحكومة، قبل أن يغادرها خلال التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه الرئيس التونسي في 25 أغسطس/آب 2024.

كما عين الرئيس قيس سعيد، المتفقد العام للقوات المسلحة، عبد المنعم بلعاتي، في شهر يناير/كانون الثاني 2023، وزيراً للفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، وظل يشغل ذات المنصب إلى غاية شهر أغسطس/آب الجاري، عندما تم تعويضه بالمهندس عز الدين بن الشيخ.

وفي التعديل الوزاري الأخير، برز اسم وزير الصحة الجديد، الفريق مصطفى الفرجاني، الذي كان ضمن مستشاري الرئيس التونسي قيس سعيّد، وكان قد أشرف على علاج الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي.

الرئيس قيس سعيّد و وزير الصحة الفريق مصطفى الفرجاني/ صفحة رئاسة الجمهورية
الرئيس قيس سعيّد و وزير الصحة الفريق مصطفى الفرجاني/ صفحة رئاسة الجمهورية

لكن بالنسبة للمحلل السياسي، حاتم اليحياوي، فإن استوزار بعض المسؤولين العسكريين أمر غير جديد في تقاليد إدارة الشأن العام بتونس، حيث يذكر التونسيون العديد من "الكفاءات العسكرية التي تقلدت مناصب سياسية و مدنية عليا في الدولة قبل ثورة 2011".

التعديلات الواسعة التي أجراها سعيّد على حكومة كمال المدوري مؤخراً، تزامنت مع تقارير عن "توتر العلاقة" بين الرئيس والمؤسسة العسكرية، وإن كانت في أغلبها تقارير غربية، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي في تونس عرفت انتشار أنباء عن وجود خلافات عميقة بين الطرفين.

وهو ما أكده الصحفي والمحلل السياسي التونسي، زياد الهاني، لـ"عربي بوست" وقال إن التعديل الوزاري الموسع الذي أدخله قيس سعيّد على حكومته، خلّف تساؤلات حول مستقبل علاقته بالمؤسسة العسكرية، التي تؤكد كل استطلاعات الرأي منذ 2011، أنها الأكثر شعبية وحظوة بثقة وتقدير عموم المواطنين.

بينما اعتبر نبيل الرياحي أن الجيش التونسي كان دائماً تحت قيادة السلطة التنفيذية ولكن دون أن تكون له طموحات سياسية، وزعم أنه ليس هناك تقارب لتقاسم الحكم بين قيس سعيّد والجيش، و"إنما هناك مؤسسة عسكرية خاضعة لقائدها الأعلى للقوات المسلحة".

التوتر بين سعيّد والجيش يهدد الاستقرار

وفقاً لموقع "Africa Intelligence" الاستخباراتي الفرنسي، فإنه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي حضره الرئيس التونسي إلى جانب كبار الضباط في الجيش التونسي، برزت "خلافات حادة" حول إدارة الحملة الانتخابية، خاصة فيما يتعلق بالاعتقالات والمتابعات بحق عدد من المرشحين المنافسين لسعيّد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

حسب تقرير للموقع نُشر في 21 أغسطس/آب 2024، فقد بذل سعيّد جهودًا كبيرة لدمج الضباط العسكريين في نظامه، مما عزز علاقته بالجيش الذي يُنظر إليه تقليديًا كحامي للشرعية. لكن، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يقول الموقع، بدأ هذا الانسجام يتعرض لاختبارات صعبة.

فقد أدى التسلط المتزايد للرئيس إلى استهداف شخصيات سياسية كانت تُعد، رغم اختلافاتهم السياسية، شركاء موثوقين للمؤسسة العسكرية. حيث رفضت الهيئة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات، التي يرأسها شخص مقرب من سعيّد، معظم الملفات المقدمة للترشح، باستثناء ثلاثة من أصل سبع عشرة.

بينما تساءلت مجلة "Jeune Afrique" في تقرير نشرته الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2024، إن كان يريد قيس سعيّد "إبعاد الجيش"، وأوضحت إقالة ثلاثة ضباط كانوا يشغلون مناصب وزارية تعتبر إحدى مفاجآت التعديل الوزاري الذي قرره الرئيس التونسي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية.

التوترات بين قيس سعيد والجيش التونسي لم تقتصر على الانتخابات، فقد كان سعيّد يسعى للسيطرة على تغييرات داخل المؤسسة العسكرية لتأمين نظامه، حسب ما زعم موقع ""Africa Intelligence".

الرئيس التونسي قيس سعيّد/ رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد/ رويترز

وقد خطا خطوة كبيرة في يناير/كانون الثاني 2023 بتعيين الجنرال عبد المنعم بلعاتي، وزيرًا للفلاحة والصيد، وهو شخصية كانت تعمل كمفتش عام للقوات المسلحة، لكن هذا التعيين أثار خلافات جديدة مع الرئاسة بعد أن تولى بلعاتي قضايا المياه، يقول الموقع.

كما أشار موقع "Africa Intelligence" إلى أن مصطفى فرجاني، المدير العام للصحة العسكرية ومستشار الرئيس برتبة وزير، قد تراجع عن دعم بعض الملفات الرئيسية مثل نقص الأدوية ومشاريع الاستثمار العقاري الإماراتي، "مما زاد من تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد".

حسب زياد الهاني فإن قيس سعيّد لم يخف غضبه في تلميح لوزير الفلاحة الجنرال بسلاح الجو، لما اعتبره "مخالفة منه لسياسة الدولة التي يحددها رئيس الجمهورية وحده".

وأوضح المحلل التونسي أنه خلافاً لما كان يردده الرئيس من أن أزمة شح المياه يقف خلفها متآمرون يسعون للتنكيل بالشعب والتأثير على مسار الانتخابات، كان الوزير يؤكد بأن الأزمة مرتبطة بالتغيرات المناخية والجفاف الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات عديدة.

وفي الوقت الذي عبر فيه المحلل السياسي حاتم اليحياوي، عن تفاؤله بخصوص العلاقة بين الرئيس قيس سعيّد والمؤسسة العسكرية وأن ذلك "يبشر بالخير" لتونس، فإن كواليس السياسة في البلاد تتحدث سراً وعلانية عن وجود "علاقة غير صحية" حالياً بين القائد الأعلى للجيش والمؤسسة العسكرية.

تحميل المزيد