دخلت الاحتجاجات في بنغلاديش أسبوعها الثالث بعدما فجرتها مظاهرات طلابية تحولت لاحقاً إلى احتجاجات عنيفة بسبب أزمة حصص التوظيف في الإدارات العامة الحكومية٬ للتحول هذه المظاهرات إلى "أسوأ" موجة أعمال عنف منذ وصول رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى السلطة قبل 15 عاماً.
وحتى صباح الأربعاء 24 يونيو/تموز 2024 ارتفع عدد قتلى الاحتجاجات إلى 187 شخصاً بعضهم أفراد شرطة وجرح الآلاف واعتقل نحو 2500 متظاهر. فيما مددت حكومة بنغلاديش حظر التجول مع الانتشار العسكري في البلاد.
مظاهرات طلابية غاضبة.. ماذا يحصل في بنغلاديش؟
- بدأت الاحتجاجات الطلابية في بنغلاديش مطلع يوليو/تموز الجاري بسبب نظام الحصص في الوظائف العامة٬ قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى اشتباكات مع قوات الأمن التي ردت بعنف على المتظاهرين٬ مما خلّف مئات القتلى والجرحى.
- واندلعت الاحتجاجات على خلفية إعادة المحكمة العليا في يونيو/ حزيران الماضي العمل بنظام المحاصصة الذي يخصص 56٪ من الوظائف الحكومية لفئات ديموغرافية معينة بينها عائلات قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال عام 1971 التي انفصلت بموجبها البلاد عن باكستان، وتصل حصة هذه الفئة من الوظائف الحكومية إلى 30٪.
- في 1 يوليو/تموز، بدأ طلاب في بنغلاديش إغلاق الطرق العامة والطرق السريعة وخطوط السكك الحديد بشكل يومي، مما أدى إلى اضطرابات في عمل وسائل النقل، وذلك تنديداً بنظام الحصص في الوظائف العامة. ويُتهم هذا النظام بتفضيل المقربين من السلطة على حساب مرشحين عاطلين عن العمل أكثر استحقاقاً لها.
- وكانت نقطة التحول في الاحتجاجات لدى الطلاب٬ في 7 يوليو/تموز، وذلك عندما قالت رئيسة الحكومة الشيخة حسينة إن "الطلاب يضيّعون وقتهم" إذ لا "مبرر" للمطالبة بإصلاح نظام حصص الوظائف.
- في 11 يوليو/تموز، بدأت الشرطة التصدي للتظاهرات بعنف بعدما اتسعت رقعتها٬ وأطلقت الرصاص المطاطي والغاز المدمع في مدينة كوميلا في شرق البلاد لتفريق 150 شخصاً كانوا يحاولون وقف حركة المرور على طريق سريع رئيسي. لكنها لم تتمكن من السيطرة على آلاف المتظاهرين الشباب في العاصمة داكا. حيث صعدت الحشود إلى سيارات للشرطة وفككت حاجزاً للقوات الأمنية.
- اتسعت رقعة الاحتجاجات يوماً بعد يوم٬ وفي 15 يوليو/تموز، أصيب أكثر من 400 شخص في اشتباكات بين متظاهرين وأعضاء الجناح الطلابي لحزب رابطة عوامي الحاكم في جامعة داكا، أرقى مؤسسات التعليم العالي في بنغلاديش٬ واستمرت المواجهات بين الجانبين ساعات تراشقوا خلالها الحجارة.
- في 16 يوليو/تموز، قُتل 6 أشخاص في الاشتباكات في 3 مدن بعدما فاقمت أحداث اليوم السابق التوترات. وبناء عليه٬ أصدرت الحكومة أمرا بإغلاق كل المدارس والجامعات٬ ونُشرت القوات شبه العسكرية لحرس الحدود البنغلاديشي في 5 مدن رئيسية. فيما أمضى طلاب من جامعة داكا المساء في تمشيط مهاجع الجامعة لاستبعاد رفاقهم الموالين للسلطة.
- في 19 يوليو/ تموز الجاري، أضرم طلاب في بنغلاديش النار بمبنى التلفزيون الرسمي "BTV" خلال الاحتجاجات٬ فيما اتسعت أعمال العنف بعدما قال الطلاب إن الشرطة ورجال حزب رابطة "عوامي" الحاكم فتحوا النار على المتظاهرين.
- في اليوم التالي مُنعت التجمعات العامة في داكا "لضمان الأمن العام" لكن العنف تواصل٬ حيث اقتحم آلاف الأشخاص سجناً في منطقة نارسينغدي في وسط البلاد، وأطلقوا سراح أكثر من 800 سجين قبل إضرام النار في جزء من المنشأة. جاء ذلك وسط استمرار حظر التجول وانقطاع الإنترنت والدوريات العسكرية لقمع الاضطرابات.
ما هو نظام الحصص في الوظائف العامة الذي أثار كل هذه الاحتجاجات؟
- بعد احتجاجات طلابية حاشدة في عام 2018، ألغت حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة نظام المحاصصة، لكن المحكمة العليا أعادته الشهر الماضي.
- ويوم الأحد 21 تموز/يونيو 2024، أصدرت المحكمة العليا أمراً إلى الحكومة بتخفيض حصة وظائف الحكومة إلى 7٪ والمخصصة لفئات ديموغرافية معينة بينها عائلات قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال.
- ووفقا للقادة الطلاب بالحركة المناهضة للحصص المستمرة، يتعين على الحكومة أن تصدر أمراً عقب توجيهات المحكمة العليا يقضي بتخفيض الحصة في الوظائف العامة إلى 7٪ بما في ذلك 5٪ لعائلات قدامى المحاربين.
- وخفضت المحكمة العليا حصة المحاربين القدامى إلى 5٪ مع تخصيص 93٪ من الوظائف على أساس الجدارة، فيما سيتم تخصيص نسبة 2٪ المتبقية لأفراد الأقليات العرقية والنساء والمعاقين، وفق وكالة "أسوشيتد برس". وجاء الحكم بعد أن توجهت حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى المحكمة العليا وسط مظاهرات طلابية عنيفة.
من هي الشيخة حسينة رئيسة الحكومة في بنغلاديش؟
- هي سياسية بنغلاديشية تبلغ من العمر (77 عاماً) ورئيسة وزراء بنغلاديش من يونيو/تموز 1996 وحتى الآن (تخللها انقطاع لفترة انتخابية) واعتباراً من 23 يوليو/حزيران 2024 أصبحت رئيسة الحكومة الأطول في العالم. وهي ابنة الشيخ مجيب الرحمن الأب المؤسس وأول رئيس لبنغلاديش.
- بمرور الوقت، أصبحت أكثر استبداداً، وتميز حكمها الطويل بالاعتقالات الجماعية للمعارضين السياسيين والناشطين، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء.
- كانت حسينة تعرف سابقاً بـ"أيقونة الديمقراطية"٬ لكنها تحولت للمرأة الأكثر استبدادية في البلاد. فمع انتهاء النظام الاستبدادي لحسين محمد إرشاد خسرت حسينة زعيمة رابطة عوامي انتخابات عام 1991 أمام خالدة ضياء التي تعاونت معها ضد إرشاد. وبصفتها زعيمة للمعارضة اتهمت حسينة حزب ضياء الوطني البنجلاديشي بعدم الأمانة الانتخابية وقاطعت البرلمان وهو ما أعقبه مظاهرات عنيفة واضطرابات سياسية. استقالت ضياء لتولي حكومة تصريف الأعمال ثم أصبحت حسينة رئيسة للوزراء بعد انتخابات يونيو 1996.
- وبينما بدأت البلاد تشهد نمواً اقتصادياً وانخفاضاً في معدلات الفقر إلا أنها ظلت تعاني من الاضطرابات السياسية خلال فترة ولايتها الأولى والتي انتهت في يوليو 2001 بعد هزيمة انتخابية أمام ضياء. كانت هذه أول فترة ولاية كاملة مدتها خمس سنوات لرئيس وزراء بنجلاديش منذ أن أصبحت دولة مستقلة.
- خلال الأزمة السياسية 2006-2008 تم اعتقال حسينة بتهمة الابتزاز. وبعد إطلاق سراحها من السجن فازت في انتخابات عام 2008. وفي عام 2014 أعيد انتخابها لولاية ثالثة في انتخابات قاطعها الحزب الوطني البنغلاديشي وانتقدها المراقبون الدوليون. في عام 2017 بعد دخول ما يقرب من مليون من الروهينغيا إلى البلاد هرباً من الإبادة الجماعية في ميانمار تلقت حسينة الثناء لمنحهم اللجوء والمساعدة. فازت بولايتها الرابعة بعد انتخابات 2018 التي شابتها أعمال عنف وانتقدت على نطاق واسع باعتبارها مزورة.
- في عهدها كرئيسة للوزراء شهدت بنجلاديش تراجعاً ديمقراطياً. وقد وثقت "هيومن رايتس ووتش" حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء على نطاق واسع في ظل حكومتها. وتمت معاقبة العديد من السياسيين والصحفيين بشكل منهجي وقضائي بسبب تحدي آرائها.
- في عام 2021 أعطت منظمة "مراسلون بلا حدود" تقييماً سلبياً لسياسة حسينة الإعلامية للحد من حرية الصحافة في بنغلاديش منذ عام 2014.
- كان والدها الزعيم القومي البنغالي الشيخ مجيب الرحمن٬ الذي أصبح وزيرا في الحكومة عام 1954. الذي تحول لاحقاً إلى سجين سياسي من قبل الحكومة الباكستانية.
- وباستثناء زوجها وأطفالها وشقيقتها الشيخة ريحانة٬ قُتلت عائلة حسينة بأكملها خلال الانقلاب البنغلاديشي في 15 أغسطس 1975 والذي شهد اغتيال والدها الشيخ مجيب الرحمن. وكانت حسينة واجد وريحانة في زيارة لأوروبا وقت الاغتيال.
- خلال واقعة الاغتيال لجأوا إلى منزل السفير البنغلاديشي في ألمانيا الغربية. وقبل قبول عرض اللجوء السياسي من رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي. عاش أفراد الأسرة الذين بقوا على قيد الحياة في المنفى في نيودلهي بالهند لمدة ست سنوات. ومُنعت حسينة من دخول بنجلاديش من قبل حكومة ضياء الرحمن العسكرية. بعد انتخابها رئيسة لرابطة عوامي في 16 فبراير 1981 عادت حسينة إلى وطنها في 17 مايو 1981 واستقبلت ترحيباً من الآلاف من أنصار رابطة عوامي التي تحولت لحزب سياسي حاكم.