يتوجه الناخبون، الجمعة 28 يونيو/حزيران 2024، للتصويت في انتخابات إيران التي فرضت وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي المفاجئة إقامتها قبل موعدها بعام كامل، فمن الأوفر حظاً للفوز؟
يخوض المنافسة الانتخابية في إيران مرشحون محسوبون على المعسكر المحافظ، الذي كان ينتمي إليه إبراهيم رئيسي، ومرشح واحد ينتمي لتيار الإصلاحيين، على الرغم من أن ما يقرب من 300 شخص كانوا قد تقدموا بأوراق ترشيحهم، وتم قبول أوراق 80 منهم بالفعل.
نرصد في هذا التقرير كل ما يتعلق بالانتخابات الإيرانية التي تأتي في وقت مشحون بالتوترات إقليمياً وعالمياً، وانقسامات على المستوى الداخلي أيضاً.
لماذا انتخابات إيران 2024 مهمة؟
تمنح هذه الانتخابات القيادة الإيرانية الفرصة لإظهار قدرتها على التعامل مع كارثة مثل الوفاة غير المتوقعة لرئيس دون زعزعة استقرار البلاد، حتى في الوقت الذي تعاني البلاد من الاحتجاجات الداخلية ومن التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
كما تسمح الانتخابات أيضاً للقيادة بتذكير الناس بأنه على الرغم من أن إيران دولة ثيوقراطية، إلا أنها تجري أيضاً انتخابات للمناصب الحكومية مثل الرئيس وأعضاء البرلمان والمجالس. لكن من يُسمح له بالترشح للرئاسة هو أمر يتم التحكم فيه بعناية. وإذا فاز، كما هو متوقع، أحد المرشحين المحافظين والمقرب من القيادة الدينية، فمن المرجح أن توظف الحكومة ذلك كانتصار سياسي لتوجهاتها.
في الوقت نفسه، تنبع أهمية هذه الانتخابات من التحولات اللافتة التي كان رئيسي قد أدخلها على ملفات السياسة الخارجية في إيران، سواء في التناول أو في النتائج. فقد أعطت طهران أولوية لإصلاح علاقاتها مع الدول العربية، وركزت على التموضع على رأس ما يوصف بأنه محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال السنوات الثلاث التي قضاها رئيسي في المنصب، وقعت إيران والسعودية اتفاقاً لتطبيع العلاقات الثنائية بوساطة صينية. كما شهدت إيران خلال السنوات الثلاث الماضية تحولاً لافتاً نحو الشرق، حيث تم التوسع في العلاقات الثنائية مع كل من الصين وروسيا. ووقَّعت طهران مع موسكو اتفاقيات ثنائية متعددة ليرتفع التبادل التجاري بينهما إلى مستويات غير مسبوقة.
ماذا يقول الدستور عن انتخاب الرئيس؟
يحمل الفصل السابع من الدستور الإيراني عنوان "السلطة التنفيذية"، وهو يعتبر الإطار الأساسي للقيام بجميع المراحل اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية. وفي الأحوال المعتادة، تبدأ الانتخابات قبل 3 أشهر من انتهاء الدورة الرئاسية التي تستمر 4 أعوام، على أن ينتخب الرئيس المقبل قبل شهر واحد من انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
وتنص المادة 113 من الدستور على أن "رئيس الجمهورية أعلى سلطة رسمية بعد منصب القائد الأعلى (المرشد)، وأن الرئيس هو المسؤول عن تنفيذ الدستور، كما أنه يرأس السلطة التنفيذية، ما عدا المجالات التي ترتبط مباشرة بمنصب القائد". وتوضح المادة 114 من الدستور الإيراني، أن "رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من قبل الشعب لمدة 4 سنوات، ولا يجوز له تولي المنصب لأكثر من دورتين متتاليتين".
أما في حالة خلو منصب الرئيس بصورة غير طبيعية، كما هو الحال في هذه الانتخابات التي تأتي قبل عام كامل من موعدها بسبب وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية كانت تقله، يوم 19 مايو/أيار الماضي، مع عدد من المسؤولين الآخرين منهم وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، فيتم إجراء الانتخابات في غضون 50 يوماً بحد أقصى، بحسب المادة 131 من الدستور.
ما شروط الترشح للرئاسة في إيران؟
تم الإعلان عن فتح باب الترشيح في انتخابات إيران 2024 يوم 30 مايو/أيار الماضي وأغلق باب الترشح يوم 3 يونيو/حزيران. وخلال الفترة من 4 حتى 10 يونيو/حزيران، قامت اللجنة المختصة بدراسة أهلية المرشحين المقبولة أوراقهم.
كان 287 شخصاً قد تقدموا بأوراق الترشح لخوض المعترك الانتخابي، بحسب ما أعلنته مفوضية الانتخابات الإيرانية في ختام مهلة التسجيل. ثم أعلن وزير الداخلية أحمد وحيدي عن موافقة الوزارة على تسلّم طلبات 80 مترشحاً فقط بعد استيفائهم الشروط اللازمة.
وتحدد المادة 35 من قانون الانتخابات الرئاسية في إيران الشروط العامة الواجب توفرها في المترشحين لخوض السباق الرئاسي خلال فترة التسجيل، وهذه الشروط هي:
· أن يكون المرشح من علماء الدين أو السياسة.
· أن ينحدر من أصول إيرانية.
· أن يحمل جنسية الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
· أن تتوفر فيه بعض الصفات مثل "مدير ومدبّر"، وحسن السيرة والأمانة والتقوى، والاعتقاد بأسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمذهب الرسمي للبلاد.
إضافة إلى تلك الشروط، كان مجلس صيانة الدستور الإيراني قد صادق، عام 2017، على قرار یشمل شروطاً خاصة لخوض الانتخابات الرئاسية، أبرزها:
· لا يقل عمر المترشح للانتخابات الرئاسية عن 40 عاماً ولا يزيد على 75 عاماً.
· حاصل على شهادة الماجستير على الأقل أو ما يعادلها.
· أن يكون المترشح قد شغل 4 أعوام على أقل تقدير في المناصب المهمة، منها مساعد رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والقضائية والتشريعية)، وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام.
· كما يمكن الترشح لرؤساء الحوزات العلمية والمنظمات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على المستوى الوطني، والقادة العسكريين برتبة لواء على الأقل، ورئيس جامعة آزاد الإسلامية، والمحافظين، ورؤساء بلديات المدن التي يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة.
· عدم وجود سجل إدانة جنائية للمرشح، وعدم حرمانه من الحقوق الاجتماعية، وعدم إدانته بجرائم اقتصادية، وخلو سجله من أي سابقة تدل على قيامه بالعمل ضد نظام الجمهورية الإسلامية، وعدم الانتماء إلى الجماعات الخارجة على القانون، وخلو سجله من أي ملفات أمنية؛ منها المشاركة في أحداث 2009 والانتماء إلى النظام السابق.
لماذا تقلص عدد المرشحين إلى 6 فقط؟
القرار النهائي في كل ما يتعلق بالانتخابات في إيران بيد مجلس صيانة الدستور، الذي يتكون من 12 عضواً، 6 منهم فقهاء دينيون يعيّنهم المرشد الأعلى للثورة، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين، ويعيّنهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، وتتبع للمجلس لجان مراقبة تشرف على تطبيق وتنفيذ صلاحياته.
يترأس آية الله أحمد جنتي مجلس صيانة الدستور منذ عام 1993، وكان عضواً به منذ تأسيسه 1980، وهو أحد فقهاء الحوزة العلمية بمدينة قم، وفضلاً عن كونه مرجعاً تقليدياً للشيعة الإمامية، فهو أيضاً خطيب الجمعة في طهران، وهو وجه من وجوه المحافظين المساندين لخط المرشد الأعلى علي خامنئي من أجل المحافظة على بقاء واستمرار نظام ولاية الفقيه.
ولمجلس صيانة الدستور كلمة الفصل في تأييد أهلية المرشحين النهائيين وإقصاء العديد من الأسماء المسجلة لدى وزارة الداخلية وفقاً للمادة 99 من الدستور الإيراني، بيد أن المجلس استغل المادة 98 من الدستور ذاته التي تمحنه "الحق في تفسير المواد الدستورية بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه" وأصدر عام 1991 قراراً تفسيرياً يعتبر أن رقابته على العملية الانتخابية إنما هي "استصوابية".
وفقاً للرقابة الاستصوابية لآلية الإشراف على جميع مراحل الانتخابات بما في ذلك دراسة أهلية المرشحين، يحق للمجلس إقصاء المرشحين المستوفين للشروط الأولية عند التسجيل، عندما يرى صواباً في رفضهم. وعليه يقوم المجلس بدراسة ماضي المرشحين وفقاً للمعايير المعتمدة لديه وإبلاغ الداخلية خلال فترة أقصاها 10 أيام بقائمة الأسماء المصادق عليها لبدء حملاتها الدعائية.
أما المعايير التي يتبعها مجلس صيانة الدستور في قبول أو رفض المرشحين ليست سوى الشروط التي لا بد من توفرها فيهم عند التسجيل علاوة على البنود الواردة في قراره الصادر عام 2017، بيد أن المجلس يقوم بتفسيرها أولاً ثم يقارنها مع سجل المرشح للوقوف على مدى استيفائه المتطلبات الأساسية للترشح.
فعلى سبيل المثال، يقوم مجلس صيانة الدستور بدراسة 10 معايير وفقاً للرقابة الاستصوابية تحت البند الأول من شروط التسجيل التي وردت في القانون الإيراني وهو "أن يكون المرشح من رجال الدين أو السياسة".
ونشرت وكالة أنباء مهر، تقريراً عن آلية عمل مجلس صيانة الدستور في دراسة أهلية المرشحين وعدّدت 10 معايير لازمة لاستيفاء المرشح معايير "رجال الدين والسياسة" وهي تشمل طيفاً واسعاً جداً من الصفات. وخلال عملية التصويت، ينشر مجلس صيانة الدستور من يمثلونه في جميع مراكز الاقتراع للإشراف على عملية الاقتراع وفرز الأصوات.
ما اتجاهات التصويت في الانتخابات؟
في حالة فشل أي من المرشحين في الفوز بأكثر من 50% من أصوات الناخبين في الجولة الأولى (يوم الجمعة 28 يونيو/حزيران)، تجري جولة الإعادة الجمعة التالية 5 يوليو/تموز بين المرشحين الأعلى حصولاً على الأصوات في الجولة الأولى.
ويمثل الإقبال على التصويت أحد المعطيات التي ستكون تحت منظار المراقبة، في ظل الحديث عن انقسام في الرأي. إذ نشرت رويترز تقريراً يرصد وجود معسكرين؛ الأول شارك في الاحتجاجات الغاضبة المناوئة لحكام إيران في عام 2022، أما الثاني فهو مؤيد للحكومة المحافظة. فبعد مرور عامين على احتجاجات "النقاب"، لا تزال وجهات النظر السياسية للفريقين متناقضة بشكل يعكس صدعاً سيرسم ملامح نتيجة الانتخابات الرئاسية.
أتوسا (22 عاماً) قالت إنها ستحجم عن التصويت في الانتخابات، إذ تنظر لها بسخرية، بينما رضا (26 عاماً)، الشاب المتطوع في ميليشيا الباسيج، يقول إنه عازم على التصويت.
المرشحون الستة خطبوا ود الناخبين الشبان في الخطب ورسائل الحملات الانتخابية، واستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى من تقل أعمارهم عن 30 عاماً، الذين يشكلون 60% من السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
وقالت أتوسا لرويترز: "هذه الانتخابات، مثل كل انتخابات في إيران.. سيرك. لماذا أصوت بينما أريد الإطاحة بالنظام؟". ورفضت الكشف عن اسمها بالكامل لأسباب أمنية، وأضافت: "حتى لو كانت انتخابات حرة ونزيهة ولو كان جميع المرشحين قادرين على خوض السباق، فإن الرئيس في إيران لا يملك أي سلطة".
بينما قال رضا، وهو من منطقة نازي آباد في جنوب طهران وأغلب قاطنيها من محدودي الدخل: "سأضحي بحياتي من أجل الزعيم والجمهورية الإسلامية. التصويت واجب ديني. ومشاركتي ستدعم النظام"، وأضاف أنه سيدعم مرشحاً من غلاة المحافظين يدافع عن "اقتصاد المقاومة" الذي صاغه خامنئي، وهي عبارة تعني الاكتفاء الذاتي اقتصادياً وتعزيز العلاقات التجارية مع الجيران بالمنطقة وتحسين التعاون الاقتصادي مع الصين وروسيا.
من هم المرشحون لخلافة رئيسي؟
سيختار الناخبون الإيرانيون بين قائمة تضم 6 مرشحين، أقرها مجلس صيانة الدستور بعد أن استبعد أكثر من 90% من المرشحين، بمن في ذلك جميع المرشحين ذوي الوزن الثقيل، إذ تم رفض ترشح كل من محمود أحمدي نجاد وعلي لاريجاني.
وضمت القائمة مرشحاً واحداً مما يعرف بالتيار الإصلاحي هو مسعود بزشكيان، الذي كان نائباً عن مدينة تبريز (شمال غرب)، ووزيراً سابقاً للصحة.
أما المرشحون الآخرون الذين أجاز المجلس خوضهم السباق الانتخابي فجميعهم من التيار المحافظ، وهم:
· رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
· سعيد جليلي الذي سبق أن تولى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي وقاد التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي.
· رئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني.
· حسين قاضي زاده هاشمي الرئيس المحافظ لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى.
وزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي.