بعد خروج حزب "معسكر الدولة" الإسرائيلي بقيادة الوزير السابق بيني غانتس من حكومة الطوارئ الإسرائيلية، يصارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل الحفاظ على تماسك حكومته، ولكنه يواجه تحديات صعبة، من بينها إرضاء أحزاب شريكة في الائتلاف الحاكم، كثرت ابتزازاتها وتهديداتها له مؤخراً بإسقاط حكومة نتنياهو، وسط جدل بشأن قانون تجنيد المتدينين تحديداً.
وتحظى حكومة نتنياهو بتأييد 64 من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120، ولكن انسحاب أي من الأحزاب الشريكة له يعني سقوط الحكومة.
وإضافة إلى حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو، فإن الحكومة تتشكل من حزبي "القوة اليهودية" بزعامة وزير الأمن الداخلي المتطرف إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، المتشددين دينياً وسياسياً، إضافة إلى حزبي "شاس"، و"يهدوت هتوراه"، اللذين يوصفان بالمتشددين دينياً، ولكن أقل تركيزاً على المسائل السياسية المتطرفة.
ولكل حزب منها مطالبه؛ ما يجعل بقاء نتنياهو السياسي مرهوناً بابتزازات هذه الأحزاب.
معضلة قانون تجنيد "الحريديم" تقسم الليكود
والأسبوع الماضي، صوّت الكنيست خلال جلسة عامة، لمصلحة إحياء مشروع قانون للتجنيد تم طرحه خلال فترة البرلمان السابق، ويمنح اليهود المتدينين "استثناءات" تخص الخدمة العسكرية.
ومن المقرر بعد بحث التشريع في لجنة الخارجية والأمن بالكنيست طرحه للقراءتين الثانية والثالثة الضرورتين ليصبح قانوناً نافداً.
ويسعى نتنياهو لأن يمرر قانوناً خاصاً بتجنيد المتدينين اليهود (الحريديم)، ولكن أعضاء من حزب "الليكود" يلوحون بعدم التصويت لصالح مشروع القانون.
ويتضمن المشروع خفض سن الإعفاء من التجنيد لـ"الحريديم" إلى 21 عاماً.
وحالياً، يتمكن الحريديم عند بلوغ 18 عاماً، وهو سن الالتحاق بالخدمة العسكرية للجميع بإسرائيل، من تجنب التجنيد في الجيش عبر الحصول على تأجيلات متكررة لمدة عام واحد بحجة الدراسة بالمدارس الدينية، إلى حين وصولهم إلى سن الإعفاء من التجنيد (26 عاماً حالياً).
وفي مايو/أيار الماضي، مر مشروع القانون بالقراءة الأولى بأغلبية 63 مقابل معارضة 57 نائباً، بعد أن صوت وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو أيضاً من حزب "الليكود"، ضده.
وما زال يتعين التصويت على مشروع القانون بقراءتين إضافيتين حتى يصبح قانوناً فعلياً.
ويعتبر إقرار مشروع القانون أساسياً من أجل الحفاظ على بقاء "شاس" و"يهدوت هتوراه" اليمينيين الدينيين في الحكومة.
وسبق أن قال وزير الاقتصاد نير بركات، وهو أيضاً من حزب "الليكود"، في منشور على منصة "إكس"، الأربعاء: "لقد أبلغت رئيس الوزراء بأنني سأعارض قانون التجنيد كما هو مطروح في التصويتات التالية، إلى جانب أعضاء كنيست آخرين من الليكود"، دون أن يسمّهم.
وأضاف: "من أجل كسب الحرب، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى المزيد من الجنود. بدون النصر في المعركة لا يوجد وطن ولا توراة"، حسب تعبيره.
ولاحقاً، قال عضو الكنيست من حزب "الليكود" دان إيلوز في منشور على منصة "إكس"، مساء الأربعاء: "تجنباً للشك، أؤكد مرة أخرى أنني أحد أعضاء الكنيست من الليكود الذين يعتزمون التصويت ضد قانون التجنيد إذا لم يخضع لتغييرات كبيرة تجعله فعالاً ومطابقاً للاحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل".
وأضاف أن "التهديد بحل حكومة نتنياهو يجب ألا يحول الليكود إلى ختم مطاطي لرغبات شركاء الائتلاف، خاصة عندما يروجون لأجندة تتعارض مع قيم الليكود. نعم للشراكة، لا للتكاسل".
الليكود يرد على تصريحات وزيره
بدوره، رد حزب "الليكود" على تصريحات بركات، وقال في تصريح مكتوب وصل الأناضول: "من المتوقع أن يعتني نير بركات بتكاليف المعيشة وعدم البحث عن أعذار لإسقاط حكومة يمينية خلال الحرب".
غير أن عضو الحزب إيلوز رد في منشور على منصة "إكس"، قائلاً: "من المفترض أن تعمل إعلانات المتحدث باسم الحزب (الليكود) على تعزيز الأجندة الليبرالية الوطنية للحزب وعدم مهاجمة الوزراء الذين يعبرون عن موقف مشترك بين العديد من أعضاء الحزب".
وعلى مدى عقود تمكن الشبان الحريديم من تجنب أداء الخدمة العسكرية من خلال الالتحاق بالمدارس الدينية لدراسة التوراة والحصول على تأجيلات متكررة للخدمة حتى وصولهم إلى سن الإعفاء العسكري.
بن غفير يحاول استغلال مشروع قانون الحاخامات لتعزيز سلطته داخل حكومة نتنياهو
في ذات السياق، اضطر نتنياهو، الثلاثاء، لتأجيل التصويت على مشروع "قانون الحاخامات" في الكنيست، إثر معارضة من أعضاء في "القوة اليهودية" اليميني المتطرف برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وأعضاء من "الليكود".
وأغضب ذلك زعيم حزب "شاس" آرييه درعي الذي نقلت عنه هيئة البث العبرية الرسمية قوله لنتنياهو في مكالمة هاتفية غاضبة، إن الأخير لم يعد يسيطر على الحكومة.
و"قانون الحاخامات" يهدف إلى نقل المسؤولية عن تعيين الحاخامات من السلطات المحلية إلى وزارة الشؤون الدينية التي يتولاها حزب "شاس".
وقال المحلل الإسرائيلي آنشيل بيفيفر، في مقال بصحيفة "هآرتس" العبرية، الخميس: "يهدف القانون إلى منح وزارة الشؤون الدينية التي يسيطر عليها حزب شاس حالياً، صلاحيات فرض تعيين حاخامات على السلطات المحلية، وهي طريقة أخرى لزعيم الحزب آرييه درعي لتوفير فرص العمل والرعاية لأتباع شاس".
ودرعي من أبرز الداعمين لنتنياهو في أوقات الأزمات.
أما بن غفير فقد عارض التصويت لصالح مشروع القانون، في محاولة لابتزاز نتنياهو بالحصول على مقعد في جلسات المشاورات الأمنية.
وعلى إثر ذلك، قال نتنياهو في مقطع فيديو، مساء الأربعاء: "نحن نقاتل على عدة جبهات ونواجه تحديات كبيرة وقرارات صعبة، لذلك، أطالب جميع شركاء الائتلاف بأن يضبطوا أنفسهم".
وأضاف: "ليس هذا هو الوقت المناسب للسياسات التافهة، أو التشريعات التي تعرض للخطر التحالف الذي يقاتل من أجل النصر على أعدائنا".
وتابع نتنياهو: "لذلك أطالب الجميع بأن يضعوا جانباً كل اعتبار آخر وكل المصالح الدخيلة.. اصطفوا معاً خلف مقاتلينا".
وفي تعقيبه على ذلك، رحب بن غفير في مقطع فيديو بـ"كلمات رئيس الوزراء"، وقال: "هذا بالفعل هو الوقت المناسب للارتقاء إلى حجم الساعة واتخاذ قرارات شجاعة".
وزير المالية المتطرف يريد إسقاط السلطة الفلسطينية عبر حجب أموال الضرائب
بدوره، يواصل وزير المالية، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الضغط على نتنياهو، من أجل اتخاذ قرارات يقول الأمن الإسرائيلي إن من شأنها إسقاط السلطة الفلسطينية، وهو ما تعارضه واشنطن بشدة.
كما يطالب باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية والاستيطان، ومنع عودة عشرات آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل.
أما زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض أفيغدور ليبرمان، فقد اعتبر في حديث للقناة 13 الإسرائيلية، مساء الأربعاء، أن "الحكومة غير قادرة على التعامل مع حجم التحدي الذي نواجهه حالياً، فهو ببساطة كبير جداً بالنسبة لهم".
ومنذ أشهر، تدعو المعارضة الإسرائيلية إلى استقالة حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يرفضه نتنياهو؛ بزعم أن من شأنه "شلّ الدولة" وتجميد مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة حماس لمدة قد تصل إلى 8 أشهر.
وتتهم المعارضة نتنياهو باتباع سياسات تخدم مصالحه الشخصية، ولاسيما استمراره في منصبه، والفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة، ولاسيما القضاء على حماس وإعادة الأسرى من القطاع.
التراشق بين حكومة نتنياهو والمعارضة، وتهديدات الأحزاب الدينية بإسقاط الحكومة يأتيان تزامناً مع استمرار الحرب الإسرائيلية على المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي خلّفت نحو 123 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات معظمهم أطفال.