قبل مائة عام كانت سجلات درجات الحرارة في مصر تسجل 24 درجة مئوية في شهر أبريل/نيسان. هذا العام سجلت 41 في ذات الشهر، إن هذا يعطي مؤشراً على ما يحدث لمصر التي تعد واحدة من أكثر دول العالم ارتفاعاً في درجات الحرارة، وهو الأمر الذي له تأثيرات كبيرة على اقتصاد البلاد.
تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية عرض التأثيرات الهائلة لارتفاع درجات الحرارة في مصر على اقتصاد البلاد الذي يحاول الخروج من الأزمات التي ضربته خلال السنوات الماضية.
ويقول التقرير إنه في حين شهد الكوكب الآن 12 شهراً متتالياً من الحرارة غير المسبوقة، فإن الاحتباس الحراري العالمي يمثل مشكلة خطيرة بشكل خاص بالنسبة لمصر، الدولة الصحراوية التي ترتفع حرارتها بوتيرة من أسرع المعدلات في العالم.
سجلات الحرارة في مصر تظهر تغيراً مذهلاً
تتمتع البلاد بأحد أقدم التقاليد في العالم لمراقبة درجة الحرارة، حسب وصف الوكالة الأمريكية، ففي عام 1829، بدأت بقياس درجة الحرارة خمس مرات يومياً بالتزامن مع أوقات الصلوات الخمس.
وهذا يظهر بشكل كبير مقدار الزيادة في درجات الحرارة في مصر المسجلة على مدار القرن الماضي.
في يوم شديد الحرارة من شهر أبريل/نيسان 2024، تشير عالمة الأرصاد الجوية بالقاهرة أميرة ناصر إلى سجل مكتوب لطقس مصر في القرن التاسع عشر. تبلغ درجة الحرارة في الخارج 41 درجة مئوية (105 درجة فهرنهايت)، أو 46 درجة مئوية في الشمس، وهي درجة حرارة كافية لقتل بطارية هاتف ناصر. وفي الداخل، تحتوي سجلات متحف الأرصاد الجوية على صفحة من أبريل/نيسان 1874، عندما كانت درجة الحرارة في القاهرة 24 درجة مئوية.
وتقول: "نحن في شهر أبريل/نيسان فقط، ونحن نتعامل مع موجات الحر بالفعل". "لم يُسمع بهذا منذ عقود مضت".
ويخشى الخبراء في هيئة الأرصاد الجوية المصرية أن يكون هذا الصيف أكثر وحشية من العام الماضي، حيث سيقلب أسعار السلع والزراعة رأساً على عقب ويحدث دماراً في الحياة اليومية.
مصر تستورد مزيداً من الغاز
تقول الوكالة إن إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي -التي حصلت مؤخراً على خطة إنقاذ بقيمة 57 مليار دولار- مضطرة بالفعل إلى استيراد أعلى كميات من الغاز الطبيعي المسال منذ عام 2018 لمواكبة مكيفات الهواء.
ولدى مصر من فائض في قدرات إنتاج الكهرباء، ولكنها تعاني من نقص الوقود بسبب مشكلات في حقول الغاز التابعة لها، ما يزيد من تكلفة الاستيراد المشار إليها.
ويعني انخفاض إنتاج محصول القمح بسبب ارتفاع درجات الحرارة في مصر ونقص المياه زيادة الاعتماد على واردات الحبوب الحيوية لإطعام سكان البلاد.
وفي الوقت نفسه، يؤدي انقطاع التيار الكهربائي الدائم إلى التأثير بشكل حاد على الإنتاجية. يتم إغلاق أجهزة الكمبيوتر المحمولة أثناء اجتماعات Zoom. عندما يتم الإعلان عن الانقطاع مسبقاً، يهرع رواد المكاتب إلى منازلهم مبكراً لتجنب الحبس في المصاعد، وهو ما تقول تقارير وسائل الإعلام المحلية إنه تسبب على الأقل في عدد قليل من الحوادث المميتة مع الأشخاص الذين يحاولون الخروج أثناء انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ.
تقدم مصر، باعتبارها رائدة في مجال تأثيرات تغير المناخ، لمحة عما ينتظر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم خلال الصيف المقبل وكذلك الاقتصادات المستقبلية.
مخاوف على الإنتاج الزراعي
ويخشى مسؤولو المناخ أن تتضرر بعض محاصيل هذا العام بشدة بسبب ارتفاع الحرارة في مصر.
لقد تم تدمير محصول البرتقال تقريباً في العام الماضي ولم يتمكن المزارعون من تصدير الكثير. وتشير التقديرات أيضاً إلى انخفاض محصول المانجو بنسبة تتراوح بين 14.6% إلى 50.5% العام الماضي، بينما انخفض أيضاً محصول الذرة في جنوب مصر بنسبة 30-40%، وفقاً لهيئة الأرصاد الجوية، حسب الوكالة.
,يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى تقليل نمو المحاصيل وتطورها، خاصة بالنسبة للمحاصيل الحساسة للحرارة مثل القمح والفواكه، وذلك حسب دراسة للجريدة العلمية للزراعة الحديثة والبيئة.
وقال الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة، إن الموجات الحارة المتلاحقة تؤثر على المحاصيل من الخضراوات والفاكهة، مع امتداد الموجات الحارة لأيام، وهذا يمثل تغيراً في النمط، ولكن الثابت أن صيف مصر شديد الحرارة.
من جانبه، يقول حاتم النجيب نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة بالغرفة التجارية لمحافظة القاهرة، إن ارتفاع درجات الحرارة أثر على الخضراوات والفاكهة كثيراً في الأسواق، إذ مع ارتفاع درجات الحرارة يزيد الهالك من الخضراوات والفاكهة.
وأوضح "النجيب" أن مصر تعرضت خلال السنوات الماضية إلى تغيرات مناخية كبيرة، أثرت على بعض مواسم الخضراوات والفاكهة إما بسرعة نضج الثمار أو تلفها قبل الحصاد.
وتعتبر الزراعة قطاعاً شديد الحيوية للاقتصاد المصري. يشارك ما يقرب من 55% من القوى العاملة في البلاد في أنشطة زراعية مختلفة، حسب تقرير لمركز "Carnegie".
وفي عام 2019، وظف هذا القطاع رسمياً 21% من العمال المصريين.
الصيف شديدة الحرارة قد يؤدي لزيادة الضغوط على ميزانية مصر
وترى الوكالة أنه سيؤدي صيف آخر من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في مصر إلى زيادة الضغوط على ميزانية الدولة وعلى السكان الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الوقود المحلية. ولم تحصل البلاد إلا مؤخراً على خطة إنقاذ في شكل استثمارات وحزم مساعدات.
وقال وزير المالية، محمد معيط، إن دعم الدولة للوقود بلغ 220 مليار جنيه مصري (4.6 مليار دولار) في السنة المالية الحالية، وإن إنهاء انقطاع التيار الكهربائي سيتطلب 300 مليون دولار إضافية شهرياً لاستيراد ما يكفي من الطاقة.
وضربت الحرارة المرتفعة مناطق العطلات، وسجلت أسوان، المدينة ذات الآثار والمعابد الفرعونية، وواحدة من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في البلاد، أعلى درجة حرارة لها على الإطلاق، بلغت 49.6 درجة مئوية في الظل في 6 يونيو/حزيران 2024.
مخاوف من موجة وفيات بسبب الحرارة
مخاوف أخرى تثيرها، عالمة الأرصاد الجوية أميرة ناصر. ناصر -التي تقوم بتحضير درجة الدكتوراه حول موجات الحر- قالت: "إحدى المخاوف التي نتعامل معها هي حدوث وفيات بسبب الحرارة".
وأضافت: "لم تصل درجات الحرارة في مصر مطلقاً إلى 50 درجة مئوية، ولم نصل إلى هذه الدرجة بعد، ولكن علينا أن نكون مستعدين وأن يكون لدينا خطط طوارئ مثلما فعلنا بشأن الفيضانات".
وقال كارلو بونتيمبو، مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ في المركز الأوروبي للأبحاث المتوسطة: "لقد شهدنا على مدى السنوات العشرين الماضية ارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة في أوروبا بنسبة 30%، وقد أثر هذا على الغالبية العظمى من الأراضي الأوروبية".
المصريون أصبحوا أكثر اهتماماً بنشرات الأرصاد الجوية
بسبب ارتفاع الحرارة في مصر بشكل لم يعتادوا عليه، أصبح المصريون أكثر اهتماماً بهيئة الأرصاد الجوية العريقة، وبسبب موجات الحر يتابعون أخبارها ونصائحها باهتمام، وينظمون حياتهم وفقاً لتوقعاتها.
ففي القاهرة، لا تملك سلوى عبد العظيم، 49 عاماً، مكيف هواء. لذلك، كانت تتابع باستمرار صفحة Met's على فيسبوك للتخطيط للتعامل مع موجات الحر، وتخزين المياه في صفائح لاستخدامها في الشرب وتبريد الرأس والجزء الخلفي من الرقبة عند انقطاع التيار الكهربائي. تحاول عائلتها إنجاز كل شيء قبل انقطاع الكهرباء، والانتهاء من دراستهم وأعمالهم المنزلية وشحن المصابيح الاحتياطية.
وقالت: "الشيء الوحيد الذي أتطلع إليه الآن هو الوقت الفاصل بين موجات الحر".
يؤدي تغير المناخ إلى جعل العديد من المدن ساخنة بشكل خطير على مستوى العالم بسبب "تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية"، والذي يحدث بسبب احتجاز المباني والإنشاءات الكثيفة للحرارة. إنها مشكلة خاصة بالنسبة للمدن الكبرى مثل منطقة القاهرة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة.
وتقول سندس إبراهيم، مصممة الجرافيك المستقلة في القاهرة: "منزلي مواجه للجنوب، لذا يصبح الجو حاراً للغاية". "لذلك أهرع إلى مقهى في مركز تسوق أعرف أنه لا يعاني من انقطاع التيار الكهربائي، ولكن من الصعب الحفاظ على استمرارية أعمالي".
وسبق أن اقترح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قبل عامين العمل عبر الإنترنت في شهر أغسطس/آب 2024، للتغلب على تأثيرات الحرارة.
حتى الآثار يصيبها الضرر من ارتفاع درجات الحرارة في مصر، حيث أفادت تقارير بتغير لون الحجارة في الهياكل التاريخية وتتشقق بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة. وتهدد العواصف الترابية والرملية وتلوث الهواء وزيادة الملوحة في التربة وارتفاع مستوى سطح البحر المواقع التاريخية الأخرى هناك.
ارتفاع الحرارة في مصر أعلى من بقية العالم مرتين
وتتفاقم معاناة مصر بشكل خاص بسبب تركيبتها الجغرافية كدولة صحراوية ذات موارد مائية محدودة. وهذا ما يجعل ارتفاع درجة الحرارة في مصر أعلى بمرتين من بقية أنحاء الكوكب، ما يوضح تأثير الحرارة الشديدة ويسلط الضوء على أهمية التنبؤ الدقيق بالأحداث المناخية المتطرفة بالنسبة لصانعي السياسات والأعمال.
ويتوقع خبراء الاقتصاد واختصاصيو المناخ بالفعل ارتفاع درجات الحرارة بشدة هذا الصيف في أجزاء كثيرة من العالم.
ومما يثير القلق من استمرار ارتفاع الحرارة هذا الصيف، أنه لا تزال أجزاء كبيرة من شمال المحيط الأطلسي أعلى بكثير من درجات الحرارة المعتادة، وهو ما من المرجح أن يؤدي إلى استمرار الطقس الحار في أوروبا. وهذا يعني ارتفاع الطلب على الطاقة لأغراض التبريد، وارتفاع خطر حرائق الغابات في اليونان وإسبانيا والريفيرا الفرنسية.
كما يمكن أن تؤدي العواصف المطيرة الصيفية الشديدة إلى خطر حدوث فيضانات مفاجئة وتعطيل الزراعة.