رفع دونالد ترامب راية التحدي رغم إدانته في محاكمته الجنائية بنيويورك، وكان أول تعليق لرئيس أمريكا السابق موعدنا "5 نوفمبر/تشرين الثاني"، فهل يعود للبيت الأبيض مطلع العام المقبل؟
كان المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض للرئاسة قد أدين، الخميس 30 مايو/أيار 2024 في جميع التهم الـ34 المتعلقة بتزوير سجلات أعماله لإخفاء أموال تم دفعها لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، وذلك في محكمة بولاية نيويورك، بعد أن وجد "مذنباً" في أعقاب مداولات هيئة المحلفين التي استمرت لمدة يومين.
ترامب "يحتمي" بالانتخابات
ماذا قال ترامب تعليقاً على قرار المحلفين بإدانته؟ وصف القرار بأنه "وصمة عار" على جبين النظام القضائي في نيويورك، ووعد "بمواصلة القتال"، مشيراً إلى أن يوم الانتخابات المقبلة سيكون "يوماً حاسماً في تاريخ بلادنا"، بحسب لقاء له مع شبكة Foxnews اليمينية التي تدعمه بشكل مطلق.
إن هذا "يوم حزين" لنيويورك والبلاد. لقد تم تسييس الأمر برمته منذ اليوم الأول، بداية من اختيار المكان الذي عقدت فيه المحاكمة"، وأضاف ترامب أنه لم يتلقَّ مثل هذا الدعم الجماهيري من قبل، وذلك بعد عودته إلى مقر منظمته التجارية في "برج ترامب" في وسط مانهاتن.
ركز الرئيس السابق على أن "آلاف المؤيدين استقبلوه بحفاوة جنونية"، ووصف قاضي محاكمته، خوان ميرشان، بأنه "متحيز ضده"، وأن مكان المحاكمة -وسط مانهاتن- كان "سيئاً إلى أقصى درجة ممكنة. لم نتمكن من الحصول على محاكمة عادلة".
كما طالب الرئيس السابق بإعادة النظر فيما حدث قائلاً: "علينا أن نفكر كيف حدث شيء كهذا لبلدنا. لدينا مدعٍ عام فاسد ومدعوم من الملياردير جورج سوروس. فقط فكروا فيما حدث لبلدنا، من الصعب تصديقه. إنها وصمة عار على المدينة والولاية والبلاد بأسرها".
ماذا عن رد فعل منافسه جو بايدن؟
كانت "الشماتة السياسية" حاضرة بقوة في رد فعل المعسكر الديمقراطي برئاسة جو بايدن، وتراوحت البيانات الصادرة عن هذا المعسكر بين الفرحة المطلقة والابتهاج الحذر، لكن كانت هناك أيضاً أصوات "قلقة" من تأثير الإدانة على الأجواء المحيطة بالانتخابات القادمة.
"دعوني أكن واضحاً. دونالد ترامب لن يصبح أبداً (الرئيس الأمريكي) رقم 47″، هكذا جاء رد فعل جي. بي. بريتسكر، حاكم ولاية إلينوي (ديمقراطي)، واصفاً الرئيس السابق بأنه "عنصري ومعادٍ للمثليين جنسياً ونصاب ويمثل تهديداً لبلادنا"، بحسب تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية.
أما السيناتورة إليزابيث وارين (ديمقراطية أيضاً وعضو في لجنة المشورة التي توجه حملة بايدن الانتخابية) فقد جاء رد فعلها أكثر هدوءاً، رغم أنها أحد أشرس المنتقدين لترامب. إذ حذرت من "تسييس الإدانة الجنائية للرئيس السابق".
"أنا فخورة أن نظامنا القضائي يعمل بنجاح. هذا الأمر لا يتعلق بالسياسة ولا يجب أن يكون متعلقاً بالسياسة"، حسب ما نقلت عنها بوليتيكو. لكن وارين قالت أيضاً إن هذه اللحظة "لا يجب أن تكون مصدر فخر لأي شخص في أمتنا، فهذا رجل انتخب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الآن مدان بـ34 تهمة جنائية. إنه يوم حزين لأمتنا".
وفي تقرير لها عن إدانة ترامب، ركزت شبكة CNN التي تقف في معسكر جو بايدن، عكس Foxnews، ركزت الشبكة على حركة الجسد وانفعالات الرئيس السابق: "حكماً على الصدمة البادية على وجهه المحتقن خارج قاعة المحكمة، تمثل الإدانة لحظة معاناة شخصية عميقة. لكن في ظل وجود فرصة جيدة لأن يصبح (ترامب) الرئيس القادم، من المؤكد أن تمثل اللحظة نفسها اختباراً عميقاً للبلاد أيضاً".
كلمة الفصل صناديق الاقتراع
ربما تكون النقطة الوحيدة التي اتفق عليها المعسكران المتناحران الآن هي أن حسم الأمر يجب أن يكون من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو التاريخ الذي ركز عليه ترامب في رد فعله ووصفه بأنه سيكون "يوم إصدار الحكم الحقيقي".
مايكل تايلر، مدير الاتصالات في حملة إعادة انتخاب بايدن، كرر المعنى نفسه بطريقة المعسكر الذي يمثله بطبيعة الحال: "اعتقد ترامب دائماً بشكل خاطئ أنه لن يواجه أبداً أي تبعات لانتهاك القانون وتطويعه لمكاسبه الشخصية. لكن إدانة اليوم لا تغير من حقيقة أن الشعب الأمريكي يواجه حقيقة واضحة. لا تزال هناك طريقة واحدة فقط لإبعاد ترامب عن المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس في البيت الأبيض): في صندوق الاقتراع. مجرم مدان أو لا، سيكون ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة".
ترامب حالياً هو المرشح الجمهوري المفترض للانتخابات الرئاسية المقبلة، متى ستختفي كلمة "المفترض" ويصبح ترشيحه رسمياً من جانب الحزب؟ في المؤتمر العام للحزب الجمهوري وهو المقرر انعقاده في الفترة من 15 حتى 18 يوليو/تموز المقبل. بداية هذا المؤتمر ستأتي بعد 4 أيام فقط من الموعد الذي حدده القاضي ميرشان للنطق بالحكم في القضية التي أدين فيها ترامب.
"سنعود ونطلب يوماً مختلفاً، لكنه سيرفض. إنه يقابل كل شيء بكلمة لا. هذا الرجل لم يقل نعم لأي شيء أبداً"، هكذا علق ترامب على هذه النقطة، مشيراً إلى القاضي ميرشان. لكن الرئيس السابق تعهد بأنه "سيواصل القتال. بالطبع، سيكون الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني أهم يوم في تاريخ بلادنا. سنقاتل بقوة. أنا متحمس للعودة إلى الحملة الانتخابية".
المتحدثة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، قالت لفوكس نيوز إن "جو بايدن المحتال، والديمقراطيين، احتجزوا الرئيس ترامب في قاعة المحكمة لأكثر من 8 ساعات يومياً لأكثر من 6 أسابيع وما زال منتصراً. الآن بعد أن يتفرغ بشكل كامل لمواصلة الحملة الانتخابية، فمن الأفضل لبايدن والديمقراطيين أن يربطوا أحزمة الأمان".
ترامب يرى الأمر كله "اضطهاداً سياسياً"
لكن ربما يكون الشيء الوحيد المؤكد الآن هو أن إدانة ترامب تمثل سكب مزيد من الوقود على حريق مشتعل بالفعل؛ حريق الاستقطاب بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي. إذ يجمع غالبية المحللين والخبراء على أن ترامب ظل طوال الأشهر السابقة يؤهل قاعدته الانتخابية الصلبة لاحتمال صدور قرار بإدانته بالفعل.
لم يفعل الرئيس السابق هذا الأمر من منطق من ارتكب جرائم وينتظر عقاباً عليها بالقانون بطبيعة الحال، ولكن انطلاقاً من توصيفه للمحاكمة -وباقي المحاكمات الأخرى التي تنتظره فيدرالياً- على أنها "اضطهاد سياسي" من جانب الديمقراطيين بهدف إبعاده عن الترشح للانتخابات المقبلة والعودة للبيت الأبيض.
فقد انتقد ترامب مراراً وتكراراً القضية ووصفها بأنها "مزيفة"، وقال إن رئيس المحكمة القاضي ميرشان "فاسد" و"متحيز ضده"، في إشارة إلى علاقات القاضي العائلية بالحزب الديمقراطي، كما استنكر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القضية، ووصفها بـ"حرب قانونية" تشنها إدارة بايدن بهدف عرقلة مساعيه للترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة، بحسب تقرير لفوكس نيوز.
وقبل صدور قرار المحلفين بأنه "مذنب"، قال الرئيس السابق في تصريحات الأربعاء، إن "القاضي خوان ميرشان بإمكانه إنقاذ سمعته إذا أسقط القضية المرفوعة ضده في نيويورك"، مؤكداً أن "لا أحد يعرف ما هي الجريمة المُدّعى بها، لأنّها ببساطة غير موجودة". وأضاف ترامب: "لم يُسمِّ المدعي العام ما هي الجريمة حتى الآن، ولا يبدو أنّ لديهم فهماً واضحاً لها. هذه مشكلة حقيقية، بل هي وصمة عار على العدالة. أطالب بإنهاء هذه المهزلة على الفور، وعلى القاضي التدخل لإنقاذ سمعته".
من قد يستفيد من إدانة ترامب؟
هذا هو السؤال الأهم الآن في القصة برمتها. وبحسب تقرير بوليتيكو، لم يأتِ قرار إدانة ترامب بشيء جديد لا يعرفه الأمريكيون بالفعل، فتفاصيل القضية قتلت بحثاً في وسائل الإعلام على مدى سنوات. إذ عمل ممثلو الادعاء على إثبات أن ترامب زوّر سجلات تجارية لإخفاء مبلغ 130 ألف دولار دفعها للنجمة الإباحية السابقة ستورمي دانيلز، قبل انتخابات عام 2016، كي تصمت بشأن علاقة جنسية جمعتها مع ترامب في عام 2006.
ألفين براغ، المدعي العام الحالي لمقاطعة مانهاتن، مقر المحاكمة، ديمقراطي ترشح للمنصب متعهداً بأنه سيكون أول من "يسقط ترامب". بدأ براغ العمل على القضية منذ عام 2022، وها هو قد حقق بالفعل ما وعد به، حتى الآن على الأقل.
لكن في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب بشكل متزايد، سنجد أن عدد المصوتين المتأرجحين (أي لم يقرروا بعد لمن سيصوتون) صغير، كما أن أغلب الأمريكيين، كما تظهر استطلاعات الرأي، ينظرون لهذه القضية تحديداً على أنها أقل خطورة من المحاكمات الأخرى التي يواجهها ترامب.
وفي انتخابات رئاسية على الأرجح ستكون متقاربة النتائج، قد يكون أي تأثير هامشي له أهميته، وتظهر بعض التفاصيل في استطلاعات الرأي أن نسبة ضئيلة من المصوتين المتأرجحين قد يتأثرون بالفعل بإدانة ترامب. ولا يعني هذا حتماً أن إدانة ترامب قد تمثل دافعاً أقوى للجمهوريين للتصويت لترامب، فربما يختار البعض التصويت لمرشح مستقل أو عدم التصويت من الأساس (المقاطعة).
كان استطلاع رأي أجرته جامعة كوينيبياك مطلع مايو/أيار الجاري، قد أظهر أن 6% من مؤيدي ترامب سيكونون أقل ميلاً للتصويت له إذا ما صدر حكم بإدانته. لكن على الجانب الآخر، يمكن أن تؤدي إدانة ترامب هذه إلى تجييش المزيد من قاعدته الانتخابية فترفع من نسبة الإقبال على التصويت وتصب في صالحه، بحسب بوليتيكو.
بايدن أيضاً له نصيب من المحاكم
النتيجة ذاتها توصل إليها تحليل لشبكة CNN يرصد أن الأغلبية الساحقة من قاعدة ترامب الانتخابية ترى أن "جميع القضايا المتهم فيها الرئيس السابق، وبخاصة قضية "الأموال بغرض الصمت" في مانهاتن، قضايا لها دوافع سياسية"، وبالتالي فإن قرار الإدانة "يستفز" تلك القاعدة بشدة ويجعل الأشهر المقبلة "غير متوقعة" بالمرة في الحملة الانتخابية للمعسكرين.
أما في الجهة المقابلة، فإن قاعدة بايدن الانتخابية التي أوصلته للبيت الأبيض في الانتخابات السابقة لا تبدو الآن متماسكة بنفس الدرجة التي كانت عليها قبل 4 سنوات. ففئة الشباب وفئة الأقليات، وبخاصة من أصول أفريقية، ينتقدون بايدن بشدة بسبب دعمه المطلق لإسرائيل في الحرب على غزة، وظهر ذلك جلياً في الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية.
الجاليات العربية والمسلمة أيضاً أعلنت الغالبية فيها التخلي عن بايدن لنفس السبب، كما أن التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي ينتقد الرئيس الديمقراطي بشدة للسبب نفسه. ولا يعني هذا بالضرورة أن هذه الفئات الانتخابية سوف تصوت لصالح ترامب، لكن امتناع جزء منها عن التصويت أو التصويت لصالح مرشح مستقل قد يمثل ضربة قاصمة لطموحات الرئيس العجوز في الفوز بفترة ثانية.
هناك أيضاً متاعب قانونية وقضائية يواجهها بايدن؛ هانتر بايدن نجل الرئيس. فهذا التشابك بين عالمي القانون والسياسة سيكون قريباً من نصيب الديمقراطيين، حيث ستبدأ قريباً محاكمة نجل الرئيس بتهم جنائية (تتعلق بحيازة أسلحة نارية) في محكمة ويلمنغتون بولاية ديلاوير.
محاكمة بايدن الصغير ستبدأ خلال أيام وستوفر للجمهوريين فرصة التحول من الدفاع إلى الهجوم، أو على الأقل عقد المقارنات بين محاكمة رئيسهم السابق ومرشحهم الحالي من جهة ومحاكمة نجل الرئيس الديمقراطي من جهة أخرى. يرى الجمهوريون أن النظام القضائي في البلاد بات مسيساً بالكامل بهدف حرمان ترامب من العودة إلى البيت الأبيض.