نشرت بعض عائلات الأسرى الإسرائيليين شريط فيديو يظهر اختطاف مجندات الجيش الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر٬ وهي "خطوة يائسة" من جانب هذه العائلات للضغط على حكومة نتنياهو لعقد صفقة مع حركة حماس٬ لكن تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن المشكلة هي أن "الأسرى والحرب وضحاياها أصبحوا عناوين الأخبار الثانوية في إسرائيل، بعد السياسة الداخلية، ومذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو غالانت، والاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دول أوروبية٬ فاهتمام نتنياهو ووقته يخصصان لهذه القضايا فقط٬ حيث أصبح "سيد النصر الشامل" يقود إسرائيل في منحدر خطير وهو في حالة سُكْر خلف عجلة القيادة"٬ بحسب وصف الصحيفة.
مخاوف نتنياهو من المحاكمة هي ما يسيطر على تفكيره فقط
تقول هآرتس٬ إن مخاوف نتنياهو من اتهامه كمجرم حرب، مع إغلاق أبواب أوروبا في وجهه هو وزوجته (حيث يقضيان عطلات نهاية الأسبوع على النفقة العامة هناك) تتسبب في إعاقته عن النوم بشكل أكبر كثيراً من مصير 128 شخصاً معتقلين لدى حماس في غزة٬ وعقله يعمل على مسارين فقط: كيفية صد المدعي العام للجنائية الدولية الكريم خان٬ مع الإبقاء على إيتمار بن غفير إلى جانبه في الحكومة.
وكل من شاهد شاهد فيديو اعتقال المجندات في إسرائيل٬ اضطر إلى خفض عينيه: خجل وصدمة وإحباط. 3 دقائق و10 ثوانٍ فقط – يتبعها 232 يوماً في الفشل لنتنياهو والجحيم للأسرى في أنفاق غزة. ورفض وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، عضو المجلس الوزاري المصغر، مشاهدة الفيديو، ربما حتى لا يضطرب نومه٬ وهذا حال وزراء نتنياهو الذين لا يهتمون.
وشعار هذا النهج هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. يوم الأربعاء، بعد 20 دقيقة من نشر الفيديو، أصدر مقطع فيديو خاصا به هاجم فيه الدول التي قالت إنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، دون أي ذكر لما تم عرضه للتو. لم يكن الأمر متعمدًا، بل مجرد إهمال، وربما غياب الأشخاص من حوله ليقولوا له: انتظر، حدث شيء ما هنا، أعد التصوير. وبعد ذلك، وفي مواجهة انتقادات واسعة النطاق، أصدر مقطع فيديو آخر. "سنواصل بذل كل ما في وسعنا لإعادتهم إلى وطنهم"٬ لكنه كاذب ولم يكلف نفسه عناء ذكر أسمائهم٬ كما تقول هآرتس.
على وقع انهيار دبلوماسي.. نتنياهو يدفع إسرائيل إلى الهاوية الأمنية والاقتصادية
وكان رد نتنياهو في هذا الفيديو موجها إلى قاعدته، وهو أنه ورجاله يعتزمون تجاهل الرهائن في أحسن الأحوال، ومهاجمة عائلاتهم في أسوأ الأحوال. وهذا الفيديو هو دليل على فشل نتنياهو والحكومة والجيش الإسرائيلي طوال الشهور السبعة في غزة. وقال نتنياهو عن السلطة الفلسطينية: "لا يجوز منح هذا الشر دولة". ولكن من الممنوع أيضاً السماح لهذا الشر، أي بنيامين نتنياهو، بمواصلة دفع إسرائيل إلى الهاوية الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية. والأهم من ذلك كله، أنه ممنوع السماح لنتنياهو بمواصلة التضحية بالرهائن.
وتقول الصحيفة العبرية٬ في الوقت نفسه٬ هناك حالة من الانهيار الدبلوماسي غير المسبوق الذي ضرب إسرائيل بسبب قرارات محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية. ولم يكن من الممكن لزعيم حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، أن يحلم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأن هذا ما سيكون عليه الوضع بعد ثمانية أشهر من الحرب. وما لم يستطع هو وحركته أن يفعلوه، أنجزته حكومة إسرائيل اليمينية٬
حيث أصبح "النصر الكامل" دماراً دبلوماسياً ودولياً كاملاً. ولا أحد يتحمل المسؤولية إلا الحكومة بتصرفاتها الإجرامية والحماقة.
لقد تم التعامل مع ملحمة مذكرات الاعتقال بعجز مروع منذ اللحظة الأولى. واندلع ذعر كبير عندما وصلت المعلومات الاستخبارية إلى ضابط رئيس الوزراء. لقد أسقط نتنياهو كل شيء وأطلق سلسلة من المكالمات المذعورة مع كل أحد في أمريكا وأوروبا خشية على نفسه.
ولأنه لا يعرف إلا الأساليب الملتوية والاحتيالية، هكذا تبدو حملة براءته الآن. حيث توجهت الرسائل تلو الرسائل إلى المحكمة الجنائية الدولية وإلى كريم خان، لدرجة أن المدعي العام الغاضب في لاهاي حذر من ممارسة أي ضغوط غير لائقة، الأمر الذي لن يردعه عن أي إجراء. وتقول هآرتس٬ لا يوجد في دائرة نتنياهو البائسة والمنكمشة من يضعه في مكانه أو يقدم له نصيحة جيدة.
وهكذا، فبدلاً من استباق الضربة، انغمس نتنياهو في عرض نفسه كضحية، حيث صرخ على "معاداة السامية" و"الجريمة ضد الإنسانية"، بما في ذلك التهديدات الصريحة ضد كريم خان٬ يا لها من حماقة.
وفي مواجهة مشكلة دبلوماسية وقانونية، تقول الصحيفة الإسرائيلية٬ إنه ينبغي استخدام الأساليب الدبلوماسية والقانونية بعقلانية وحكمة٬ وليس الاندفاع والصراخ٬ فالساحة العالمية ليست لوحة تلفزيونية شعبوية.
ومن ناحية أخرى، فإن صور العصابات المسلحة من المستوطنين التي توقف الشاحنات التي يعتقد أنها تحمل مساعدات لغزة وتحرق البضائع دون أي تدخل من شرطة ايتمار بن غفير تساعد فقط في بناء قضية ضد إسرائيل في لاهاي.
"الفوضى تزدهر في إسرائيل"
وهذا ليس كل ما يتعلق بإطلاق النار على القدم: فبيده اليمنى، يناشد نتنياهو إدارة بايدن أن تنقذه من ملاحقة محكمة لاهاي٬ وبيده اليسرى، يعد خطاباً أمام الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، الملاذ المعتاد للأوغاد، في عمل أسوأ بكثير من ممارسته السابقة ضد الرئيس باراك أوباما عام 2015؛ وهذا الخطاب، إذا أُلقي، سيكون بمثابة إذلال للرئيس الأكثر تعاطفاً ودعماً وإنقاذاً عشية الانتخابات الرئاسية٬ كما تقول الصحيفة العبرية.
والمهزلة مستمرة٬ إذ تبدو الإجراءات العقابية ضد الدول الأوروبية التي أعلنت الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثيرة للسخرية من جانب إسرائيل. لكن يجب التحلي بالحكمة في هذه القضية، وليس نوبة غضب تلفزيونية من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي "وبخ" سفراء هذه الدول. وبالتأكيد ليس القرار البلطجي وغير القانوني لوزير المالية (المزعوم) بتسلئيل سموتريش، بالاستيلاء على أموال المقاصة المتراكمة من السلطة الفلسطينية؛ أو قرار وزير الدفاع يوآف غالانت بإبطال قانون فك الارتباط في شمال الضفة٬ وكأن ليس لدينا ما يكفي من المستوطنين المتطرفين٬ أو الزيارة المتحدية التي قام بها وزير الأمن إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي.
أو مثلما فعل وزير الاتصالات شلومو كارهي، حيث ساهم في انهيار إسرائيل دبلوماسيًا وإعلامياً٬ بإعلانه مصادرة معدات وكالة أسوشيتد برس الأمريكية٬ ووقف بثها الحي الذي يظهر المشهد في شمال قطاع غزة من موقع بمستوطنة سديروت، بحجة مخالفة القانون الإسرائيلي الجديد لوسائل الإعلام الأجنبية٬ قبل أن تتراجع وزارته عن ذلك بضغوط أمريكية.
في النهاية٬ تقول صحيفة هآرتس٬ إن الفوضى تزدهر في إسرائيل، والبلد ينتهي في عهد نتنياهو. هؤلاء الناس لا يرون سوى النار، ولكن بدلاً من إطفائها، يقومون بإلقاء البنزين على النيران.