- النيجر وتشاد يطردان القوات الأمريكية
- تراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء جاء بعد موجة من الانقلابات
- الروس قادمون بقوة
- أفريقيا هي المكان الوحيد الذي تخسر فيه الولايات المتحدة
- الصين تعتمد على الاقتصاد في نشر نفوذها بالقارة، وهكذا هرعت إليها النيجر بعد طردها للأمريكيين
- الأفارقة يردون على الغرب بجملة واحدة.. نحن أحرار
ينحسر النفوذ الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء بسرعة وبشكل لا يبدو فيه رجعة، وذلك لصالح صعود نفوذ روسيا والصين وإيران، فهل تكون أفريقيا جنوب الصحراء هي أول مكان تخسر فيه معركة النفوذ مع بكين وموسكو.
فبالنسبة لمؤيدي المصالح الأمنية الأمريكية في أفريقيا، حملت الأيام القليلة الماضية خبر سيئ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
النيجر وتشاد يطردان القوات الأمريكية
ففي نهاية الأسبوع الماضي، أبلغت الولايات المتحدة قيادة الحكومة العسكرية في النيجر بأنها ستلتزم بطلبها سحب القوات الأمريكية من البلاد، التي كانت تعمل في مكافحة الإرهاب هناك لأكثر من نصف عقد.
وفي الوقت نفسه تقريباً، ظهرت تقارير تفيد بأن السلطات في تشاد بعثت برسالة هذا الشهر إلى الملحق العسكري الأمريكي المتمركز هناك، تأمر فيها الولايات المتحدة بوقف أنشطتها في قاعدة تستضيف أيضاً القوات الفرنسية، في مؤشر على حدوث موجة تمرد على النفوذ الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء.
إن الانسحاب المحتمل لمفرزة من القوات الخاصة الأمريكية المتمركزة في تشاد سيمثل ضربة أخرى ليس فقط النفوذ الأمريكي في أفريقيا، بل للوجود الأمني الغربي في الساحل – المنطقة القاحلة الشاسعة التي تمتد أسفل الصحراء الكبرى والتي شهدت موجة من الانقلابات في السنوات الأخيرة أطاحت بعدد من الحكومات في وسط وغرب أفريقيا.
ومن المقرر أن تجري تشاد انتخابات في شهر مايو/أيار.
تراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء جاء بعد موجة من الانقلابات
لقد أطاحت الأنظمة العسكرية المتعاقبة التي جاءت عبر انقلابات ق في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بحكومات ضعيفة يقودها مدنيون؛ واحتجت بغضب على وجود القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا؛ واتجهت نحو روسيا والصين للحصول على الدعم.
وقبل انقلاب العام الماضي كان الدبلوماسيون الغربيون ينظرون إلى النيجر على أنها حصن ديمقراطي في منطقة كانت المجالس العسكرية وحركات التمرد الإسلامية المتطرفة تكتسب فيها الأرض.
والآن، قام نظامها بإبعاد البلاد بقوة عن الغرب، وطرد القوات الفرنسية قبل أن يتحرك ويطلب من واشنطن إنهاء وجودها الكبير في المرتفعات الصحراوية في البلاد.
وأفادت تقارير بأن الاتفاق سينهي وجود القوات الأمريكية الذي بلغ إجماليه أكثر من 1000 جندي ويثير التساؤلات حول وضع القاعدة الجوية الأمريكية التي تبلغ تكلفتها 110 ملايين دولار والتي يبلغ عمرها ست سنوات فقط.
"إنه تتويج للانقلاب العسكري العام الماضي الذي أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في البلاد وقام بتثبيت المجلس العسكري الذي أعلن أن الوجود العسكري الأمريكي هناك "غير قانوني".
الروس قادمون بقوة
مقابل مظاهر انحسار النفوذ الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء وآخرها خروج الجيش الأمريكي من النيجر في أعقاب وصول مفرزة من المدربين العسكريين الروس إلى البلاد هذا الشهر.
وقبل نشر روسيا لهؤلاء المدربين، كشفت صحيفة لوموند الفرنسية عن وجود 100 ضابط مما يعرف الفيلق الأفريقي التابع لروسيا، وهو عبارة عن قوات شبه عسكرية روسية أعيدت تسميتها وتعد وريثة لشركة فاغنر للمرتزقة، والتي كان لها وجود واسع في أفريقيا قبل حلها في أواخر العام الماضي.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن "مهمتهم الرسمية كانت تدريب جيش النيجر، خاصة على استخدام نظام دفاع مضاد للطائرات قدمته روسيا". "قبل ثلاثة أشهر، سافر رئيس وزراء النيجر جواً إلى طهران لوضع الخطوط العريضة لخطط تعاون أوثق مع إيران، دون تقديم أي تفاصيل حول طبيعة العقود المتوخاة. وكان هذا سببًا واضحًا لقلق الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.
وقال لي أولف ليسينج، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور، وهي مؤسسة بحثية ألمانية، إن هذه التطورات تمثل "ضربة للجهود الغربية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وليبيا". وربما الأسوأ من ذلك هو أن الانسحاب الأمريكي سيفتح الباب أمام توسع روسيا وإيران في منطقة الساحل".
أفريقيا هي المكان الوحيد الذي تخسر فيه الولايات المتحدة
"فوضى من المؤامرات الجيوسياسية عبر المنطقة، هكذا وصفت افتتاحية لصحيفة لوموند ما يحدث للنفوذ الغربي في القارة وقالت إن "هذا الجزء من أفريقيا، مثل ليبيا، أصبح ملعباً للقوى الأجنبية (وكأن فرنسا وأمريكا جزء من أفريقيا).
وتشير على وجه التحديد لروسيا التي توفر الدعم الأمني للأنظمة الانقلابية وتنظم حملات تضليل ضخمة تؤدي إلى زياد الغضب من القوات الغربية" (عادة يتجاهل الإعلام الغربي أخطاء دول الغرب في القارة والغضب من إرثها الاستعماري).
النفوذ الأمريكي في أفريقيا ومجمل التفوذ الغربي هو اتجاه رئيسي، أدرك الأميركيون والأوروبيون تكلفته متأخراً للغاية، دون أن يعرفوا كيفية الرد عليه".
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أكثر صراحة في افتتاحيتها: "في العصر الجديد من المنافسة بين القوى العظمى، أفريقيا هي المكان الوحيد الذي تخسر فيه الولايات المتحدة".
الصين تعتمد على الاقتصاد في نشر نفوذها بالقارة، وهكذا هرعت إليها النيجر بعد طردها للأمريكيين
أما الصين، الأقل بروزاً من دور الكرملين ، فقد شقت طريقها بثبات إلى النيجر، حيث أعلن المجلس العسكري في البلاد هذا الأسبوع أن شركة النفط الحكومية الصينية دفعت مبلغاً مقدماً بقيمة 400 مليون دولار لشراء النفط الخام من حقل أجاديم في النيجر. ومن شأن الصفقة، التي تمت هيكلتها مع دفع المزيد من الفوائد للشركة الصينية، أن تساعد حكومة النيجر التي تعاني من ضائقة مالية على التعامل مع الديون المحلية المتزايدة.
ويقول تقرير صحيفة "واشنطن بوست" أن بعض النيجيريين في العاصمة نيامي يرون أن المجلس العسكري يمارس نوعاً جديداً من السيادة بعد سنوات من النفوذ الفرنسي المفرط.
ويبدو أن النفوذ الأمريكي في أفريقيا يدفع ثمن هذا العداء لباريس بشكل كبير.
الأفارقة يردون على الغرب بجملة واحدة.. نحن أحرار
وفي هذا الصدد، يقول عبد الله حسين (51 عاماً): لماذا يشكل مساعدة الروس لنا مشكلة بالنسبة للأميركيين وفرنسا؟ "أعتقد أننا أحرار في اتخاذ خياراتنا الخاصة".
ويرى استطلاع جديد أجرته مؤسسة غالوب موافقة قوية على روسيا والصين في أجزاء كثيرة من منطقة الساحل. قالت لي جولي راي، مديرة تحرير الأخبار العالمية في مؤسسة غالوب: "في العام الماضي، سجلت الصين أعلى نسبة تأييد لها في أفريقيا منذ أكثر من عقد من الزمن". "لقد حصلت على دعم كبير في بلدان غرب أفريقيا – ما ساعد على دفعها إلى التفوق على الولايات المتحدة بنقطتين مئويتين".
وعندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، فقدت دعماً كبيراً في جميع أنحاء القارة، حسب الصحيفة الأمريكية، ويبدو أن واشنطن افترضت أن هذا سيكون في صالح النفوذ الأمريكي في أفريقيا.
لكن راي أضاف أن "صورة موسكو تعافت منذ ذلك الحين"، خاصة في منطقة الساحل، حيث سجلت معدلات تأييد عالية في مالي وبوركينا فاسو وتشاد.
وقال لي ليسينج، المقيم في باماكو، عاصمة مالي: "كان يُنظر إلى واشنطن في المنطقة على أنها شريك موثوق به دون العباءة الاستعمارية لفرنسا، التي هي في طريقها للخروج من المنطقة". لكن الرسائل الأمريكية إلى حكومات غرب أفريقيا ربما لم تكن فعالة بشكل خاص، وقد تم انتقاد المسؤولين الأميركيين لأنهم ربما كانوا يتنمرون على نظرائهم الأفارقة في السر.
وقال كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "تعاني واشنطن من نقص في الوعي الذاتي حول كيفية ظهورها". "لقد جعلوا من روسيا البعبع في كل هذا، مثلما فعل الفرنسيون، لكن هذه طريقة للتهرب من المسؤولية وتجنب أي نوع من التأمل في السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة".