فيما قد يكون أول عقوبة ضد وحدة بالجيش الإسرائيلي، لوَّحت أمريكا بفرض عقوبات ضد "كتيبة نيتساح يهودا" التابعة للجيش الإسرائيلي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية ارتكبت قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فما قصة هذه الكتيبة وما الذي فعلته لكي تقرر واشنطن اتخاذ هذه الخطوة غير المسبوقة ضدها؟
وأكد مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية أنهم يستعدون لفرض عقوبات على كتيبة نيتساح يهودا التابعة للجيش الإسرائيلي، وفقاً لتقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، والمفارقة أن هذا القرار يأتي بالتزامن مع إقرار واشنطن مساعدة لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار.
وستكون هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على كتيبة عسكرية إسرائيلية.
وصرحت 3 مصادر أمريكية مطلعة لموقع "أكسيوس" الأمريكي أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يعلن خلال أيام، عن عقوبات ضد كتيبة "نيتساح يهودا" التابعة للجيش الإسرائيلي، وأن هذه العقوبات ستمنع الكتيبة وأعضاءها من تلقي أي نوع من المساعدة أو التدريب العسكري الأمريكي.
وفي رد فعل حاد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تغريدة له على منصة "إكس": "إنه لا يجب فرض عقوبات على الجيش الإسرائيلي" واصفاً ذلك بالانحطاط في القيم، وأنه يعمل لمنع ذلك.
بينما قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 21 أبريل/نيسان 2024، إنه لا علم له بأي عقوبات أمريكية على وحدة "نيتسح يهودا" العسكرية، وأضاف أن وحدة نيتسح يهودا التابعة له وحدة قتالية نشطة، وتعمل وفقاً لمبادئ القانون الدولي، حسب تعبيره.
وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الأحد أن الولايات المتحدة تدرس أيضاً اتخاذ خطوات مماثلة ضد وحدات الشرطة والجيش الأخرى.
كتيبة نيتساح يهودا تعد بمثابة ميليشيات للمتطرفين اليهود
تم إنشاء كتيبة نيتساح يهودا، في الأصل في عام 1999، وكانت في البداية وحدة صغيرة أنشئت بهدف تشجيع الرجال الحريديم (اليهود المتشددين) على التجنيد في الجيش الإسرائيلي، على أساس أنهم سيكونون قادرين على الحفاظ على أسلوب حياتهم الديني، وضمت المجندين من الطوائف الأرثوذكسية المتطرفة والدينية القومية، بما في ذلك أولئك القادمون من المستوطنات المتطرفة، وتم نشرها بشكل أساسي في الضفة الغربية قبل أن تسحب منها بسبب تورطها في وفاة مسن فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية.
وكثيراً ما يشار إليها في وسائل الإعلام الإسرائيلية باسم "الكتيبة الحريدية"، وفي عام 2005 أصبحت جزءاً من لواء كفير الجديد الذي يركز على ما تسميه إسرائيل مكافحة الإرهاب، ويصف الجيش الإسرائيلي اللواء بأنه "في طليعة الحرب ضد "الإرهاب الفلسطيني"، حسبما ورد في تقرير لمجلة 972+ الإسرائيلية اليسارية.
تم تسليط الضوء على جرائمها بعد تسببها في وفاة أمريكي فلسطيني
ولطالما كانت كتيبة "نيتساح يهودا" محوراً للعنف المرتبط بالتطرف اليميني والعنف ضد الفلسطينيين، لا سيما وفاة المسن عمر أسعد في يناير/كانون الثاني 2022، وهو فلسطيني أمريكي كان يبلغ من العمر 78 عاماً.
وحسب رواية فلسطينيين آخرين اعتقلوا إلى جانب أسعد فإن جنود الكتيبة اعتقلوه عند حاجز تفتيش إسرائيلي، تم تكبيل يديه وكُمم فم، وضربه الجنود ثم تركوه على الأرض في منتصف الليل في برد قارس في مبنى مهجور، وبعد ساعات قليلة، تم العثور على أسعد ميتاً في نفس المبنى، جراء أزمة قلبية على الأرجح.
وأدى مقتل أسعد إلى جعل الانتهاكات العنيفة للكتيبة تحت المجهر مرة أخرى. حيث هاجمها المعلقون الليبراليون الإسرائيليون والمطلعون العسكريون على حد سواء محذرين من أن مجنديها يعصون الأوامر؛ وأن الخلفية الأيديولوجية للجنود تجعل من كتيبة نيتساح يهودا مقدراً لها أن تصبح "ميليشيا في الضفة الغربية"؛ وأنها مرتبطة بشكل وثيق بنسيج المجتمع الاستيطاني الديني، الذي ينحدر منه العديد من أفراد قواتها (ومن بينهم بعض أعضاء شباب التلال، الذين يرفضون بشكل عام شرعية مؤسسات الدولة الإسرائيلية بعنف).
كما أدت هذه القضية إلى تدقيق من وزارة الخارجية الأمريكية التي طالبت بإجراء تحقيق جنائي.
وبعد التحقيق في الحادث، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه كان هناك "فشل أخلاقي للقوات وخطأ في الحكم، مع الإضرار بشكل خطير بقيمة الكرامة الإنسانية".
وفي أعقاب الحادثة، تم توبيخ قائد كتيبة نيتساح يهودا، كما تم طرد قائد السرية وقائد فصيلة الجنود على الفور، ليغلق التحقيق الجنائي الذي فُتح ضد الجنود دون أي محاكمة.
ثم نقلت إسرائيل الوحدة من الضفة الغربية في ديسمبر/كانون الأول 2022، رغم أنها نفت أنها فعلت ذلك بسبب سلوك الجنود، ومنذ ذلك الحين خدمت الكتيبة في الغالب في شمال البلاد.
لقد ارتكبت جرائم كثيرة ضد الفلسطينيين قبل ذلك وحتى ضد إسرائيليين
ولقد تورطت الكتيبة في جرائم عدة قبل ذلك، تشمل إطلاق النار وقتل مدنيين عزل، والتعذيب، والاعتداء الجسدي، والضرب، والاعتداء الجنسي، حسبا ورد في تقرير لمنصة Dawn Mena الأمريكية غير الربحية المعنية بالديمقراطية في العالم العربي.
على سبيل المثال، في عام 2015، أطلق قناص من كتيبة نيتساح يهودا النار على فلسطيني أعزل خلال مظاهرة في سلواد بالقرب من رام الله، وفقاً لمجلة 972+.
وفي ذات العام، كشف عن قيام العديد من الجنود بتعذيب معتقلين فلسطينيين باستخدام الصدمات الكهربائية.
وفي نهاية عام 2018، دخلت قوات نيتساح يهودا في مشاجرة جسدية مع شرطة الحدود الإسرائيلية التي كانت تعتقل مستوطنين إسرائيليين لقيامهم برشق الحجارة، في محاولة لإطلاق سراح المشتبه بهم.
وفي الشهر التالي، اعتقل جنود كتيبة نيتساح يهودا فلسطينيين اثنين – أب وابنه – في أعقاب هجوم إطلاق نار أدى إلى مقتل جنديين من الكتيبة؛ وكان يشتبه في أنهما ساعدا المهاجم. وقام الجنود الذين اعتقلوهما بتقييد أيديهما وعصب أعينهما وضربهما، وأجبروا الابن على مشاهدتهم وهم يعتدون على والده.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تم تصوير جنود من كتيبة نيتساح يهودا وهم يعتدون على مواطنين بدو من عرب 48، في محطة وقود بالقرب من رهط في النقب.
وبعد مرور عام، تم تصوير مجموعة أخرى من الجنود، وهم يرتدون الزي العسكري، وهم يسخرون من المتظاهرين المناهضين لنتنياهو في مظاهرة خارج المقر الرسمي لرئيس الوزراء آنذاك في القدس.
وفي سبتمبر/أيلول 2021 ، اتُّهم جنود في الكتيبة بالاعتداء الجسدي والجنسي على معتقل فلسطيني.
عقوبات غربية على المستوطنين
وتأتي أنباء العقوبات المحتملة ضد كتيبة نيتساح يهودا في أعقاب تصريح لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الجمعة، قال فيه إنه اتخذ "قرارات" بشأن الادعاء بأن إسرائيل انتهكت قانون ليهي، الذي يحظر تقديم المساعدة العسكرية إلى الشرطة أو وحدات الأمن التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وطالب وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، الأحد 21 أبريل/نيسان 2024، بمصادرة أموال السلطة الفلسطينية، كرد على العقوبات المرتقبة.
ويوم الجمعة، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل منفصل عن عقوبات جديدة ضد الجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والمنظمات غير الحكومية المرتبطة بعنف المستوطنين، بالإضافة إلى شخصيات بارزة، بما في ذلك بنتسي غوبشتاين، الذي كان حليفاً سياسياً مقرباً لوزير الأمن القومي اليميني المتطرف الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
ولكن العقوبات لا تشمل جيش الاحتلال الذي يقتل آلافاً في غزة
وعلقت صحيفة the Guardian البريطانية على القرار بقولها: " تبدو إدارة بايدن على وجه الخصوص أكثر ارتياحاً في إدانة سياسات التصرفات الإسرائيلية في الضفة الغربية مقارنة بغزة، حيث تقاتل إسرائيل حماس في صراع مستمر منذ ستة أشهر أدى إلى نزوح أكثر من 85% من سكان القطاع الساحلي وقتل 34 ألف فلسطيني".
وشهدت غزة جريمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي حيث قضى 14 طفلاً نحبهم، في غارتين جويتين على مدينة رفح، التي تقصفها إسرائيل بشكل شبه يومي.
وأدت الضربة الأولى إلى مقتل رجل وزوجته وطفلهما البالغ من العمر ثلاث سنوات، بحسب المستشفى الكويتي الذي استقبل الجثث. وقال المستشفى إن المرأة كانت حاملاً وتمكن الأطباء من إنقاذ الطفل.
وأسفرت الغارة الثانية عن مقتل 13 طفلاً وامرأتين، جميعهم من نفس العائلة، وفقاً لسجلات المستشفى. وأدت غارة جوية في رفح في الليلة السابقة إلى مقتل تسعة أشخاص، من بينهم ستة أطفال.
وترى مجلة 972+ أن التركيز على انتهاكات هذه الكتيبة محاولة لتبرئة بقية الجيش الإسرائيلي، وهي تشير في تقرير نشر في عام 2022 بعد وفاة عمر أسعد إلى أنه في الحالات النادرة التي أدت تحقيقات الجيش الإسرائيلي لعقاب، يكون المتهم دائماً تقريباً أحد أفراد المشاة ذوي الرتبة المنخفضة الذي نفذ عملاً من أعمال العنف العفوية وجهاً لوجه. وهذا، في حسابات إسرائيل الأخلاقية والاجتماعية، يشكل "زلة" تستحق العقاب أو التوبيخ. لكن إسقاط قنبلة تزن طناً واحداً على أحد أحياء غزة السكنية أدى إلى محو عائلات فلسطينية، ليس أمراً كبيراً؟!
ويبدو أن أمريكا تساعد إسرائيل على فعل ذلك عبر عقاب هيّن لوحدة منبوذة في جيش الاحتلال، بينما تدعم حرب إسرائيل التي قتلت آلاف الفلسطينيين خلال ستة أشهر، وها هي واشنطن رغم كل هؤلاء القتلى الذين لقوا حتفهم بأسلحة أمريكية تستطيع الزعم أنها همت بمعاقبة إسرائيل.