هل تسبب الاستمطار الصناعي في الفيضانات التي ضربت الإمارات وسلطنة عمان؟ بات هذا السؤال يتردد بقوة بعد مزاعم بأن الإمارات شهدت مؤخراً عملية تلقيح للسحاب بهدف إسقاط مطر صناعي، في هذا التقرير ننشر آراء بعض الخبراء بشأن هذا الاحتمال والأسباب المحتملة وراء هذه العاصفة غير المسبوقة التي ضربت البلاد الثلاثاء 17 أبريل/نيسان 2024.
وضربت عاصفة قوية سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، ما أدى إلى هطول أمطار قياسية أدت إلى غمر الطرق السريعة وغمر المنازل وتعطل حركة المرور ومحاصرة الناس في منازلهم.
ويعد هذا أعلى معدل سقوط تتعرض له الإمارات منذ بدء قياس الأمطار في البلاد قبل 75 عاماً، ففي يوم واحد هطلت أمطار على المنطقة تعادل ما يسقط لمدة عام ونصف (5.6 بوصة)، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Telegraph البريطانية.
وفي سلطنة عمان، لقي 19 شخصاً حتفهم بعد 3 أيام متتالية من الأمطار الغزيرة.
وقضى العديد من الركاب الليل في صالات مطار دبي (أحد أكثر المطارات ازدحاماً في العالم) بعد إغلاق الطرق المؤدية إلى الفنادق القريبة، بينما كانت المياه تحاصر الطائرات في مدرج المطار.
وشوهد السائقون وهم يسبحون خارجين من سياراتهم، وتوفي رجل إماراتي مسن في السبعينيات من عمره صباح الثلاثاء عندما غرقت سيارته في السيول، وتشير تقارير إعلامية غربية إلى أن ندرة مثل هذه الظاهرة في المنطقة أدت إلى عدم استعداد البنية التحتية للبلاد لمواجهة فيضانات بهذا الحجم.
الإمارات نفذت عملية تلقيح للسحاب قبل يومين من موجة الأمطار
وتنفذ دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 1000 ساعة من عمليات تلقيح السحب كل عام، لتحسين هطول الأمطار السنوي، وخفض الوفيات المرتبطة بالحرارة، وتعزيز إمدادات مياه الشرب، وفقاً لصحيفة Telegraph.
وقالت الصحيفة إنه قبل يومين من موجة الأمطار نفذت الإمارات عملية للبذر السحابي (الاستمطار الصناعي)، وفقاً لبيانات تتبع الرحلات الجوية، التي حللتها وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
كما ذكرت تقارير إعلامية غربية أن أحمد حبيب، خبير الأرصاد الجوية في المركز الوطني للأرصاد الجوية بدولة الإمارات، قال لوكالة بلومبرغ الأمريكية، إن عدة طائرات لتلقيح السحب قد حلقت في الأيام التي سبقت العاصفة، وإنه يتم إجراء استمطار صناعي لأي سحابة مناسبة تمر فوق البلاد.
ولذا انتشرت تساؤلات عبر الإنترنت حول السبب وراء هذا المعدل التاريخي لسقوط الأمطار، وزعم كاتب عمود في وكالة بلومبرغ الأمريكية أن الأمطار الغزيرة التي تسببت في فيضانات في جميع أنحاء الدولة العربية ذات الطقس الصحراوي ترجع جزئياً إلى الاستمطار الصناعي.
وهذه الإدعاءات لا تقتصر على الإمارات فقط؛ فمع هطول أمطار غزيرة على ولاية كاليفورنيا على مدى العامين الماضيين، كانت مجتمعات الإنترنت مليئة بالتكهنات حول ما إذا كان برنامج تلقيح السحاب في الولاية هو السبب، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
لكن كثيراً من الخبراء والجهات المعنية في الإمارات يقولون إن الاستمطار الصناعي ليس هو السبب في هذه الموجة.
ما هو الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحاب؟
يحدث هطول الأمطار، عندما يكثَّف بخار الماء في السحاب ويتجمع ليتحول لقطرات، مثلما يحدث عندما تتجمع القطرات حول جزيئات الغبار أو الملح أو الدخان، ما يؤدي لتشكل قطرة أو نتفة ثلج (تتكون من ملايين هذه القطرات) يمكن أن تسقط من السحابة.
إن الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحب هو استراتيجية عمرها عقود من الزمن لتعديل الطقس، عبر رش مواد صناعية على السحاب ليتكثف حولها بخار الماء ويتحول إلى قطرات ماء في الغلاف الجوي، تصبح ثقيلة بما يكفي لكي تسقط في شكل مطر.
ويتم ذلك عبر مواد مثل يوديد الفضة، الذي يقول الخبراء إنه مركب موجود بشكل طبيعي في البيئة وغير ضار.
وغالباً تبدأ عملية الاستمطار الصناعي برصد السحاب لتحديد توقيت هطول الأمطار الأفضل، ثم إطلاق طائرات لرشه بهذه المواد.
ويتم استخدام الاستمطار الصناعي من قبل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وعادة في المناطق التي تواجه مخاوف الجفاف. ويمكن أن تتم العملية من الأرض أو باستخدام الطائرات.
الإمارات رائدة في الاستمطار الصناعي ولكن تنفي أن يكون لذلك علاقة بالعاصفة
وتقود دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقع في واحدة من أكثر المناطق حرارة وجفافاً على وجه الأرض، الجهود الدولية المبذولة لاستمطار السحب وزيادة هطول الأمطار.
لكن هيئة الأرصاد الجوية الإماراتية قالت لوكالة رويترز إنه لم تكن هناك مثل هذه العمليات قبل العاصفة.
وقال المركز الوطني للأرصاد الجوية في الإمارات العربية المتحدة لشبكة CNBC في مارس/آذار: "طائراتنا المتخصصة تستخدم الأملاح الطبيعية فقط، ولا تستخدم أي مواد كيميائية ضارة".
هل تسبب تلقيح السحاب في هطول الأمطار الغزيرة بالإمارات؟
باختصار، يجيب العلماء على هذا التساؤلات بـ"لا"، حسب تقرير صحيفة الغارديان البريطانية.
وقال خبراء الأرصاد الجوية إن الاستمطار الصناعي قد يجعل السحاب يسقط مطراً، لكن لا يتدفق بهذا الشكل الذي يؤدي لفيضانات كالتي أغرقت الإمارات وأصاب دبي بالشلل.
ولم تبلغ أي جهة من قبل عن نوع الفيضانات التي غمرت الإمارات العربية المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، بسبب الاستمطار الصناعي، حسب ما ورد في تقرير لموقع CTV New.
ويقول خبراء الأرصاد الجوية إنه لا توجد تكنولوجيا موجودة يمكنها أن تتسبب في هطول أمطار قياسية بهذا الشكل.
وقال عالم الأرصاد الجوية الخاص رايان ماو، كبير العلماء السابق في الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي: "من المؤكد أنها ليست عملية تلقيح للسحب"، حسب ما نقلت عنه وكالة أسوشيتد برس "AP" الأمريكية.
ونفت جامعة ريدينغ البريطانية أن تكون تقنية الاستمطار الصناعي هي المسؤولة عن الفيضانات الشديدة في دبي.
ويعمل خبراء الأرصاد الجوية من هذه الجامعة مع دولة الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية على مشروع لشحن السحب كهربائياً، لجعل القطرات تلتصق ببعضها، وبالتالي لإنتاج قطرات المطر بشكل أكبر، حسب ما ذكرت صحيفة Telegraph.
وقال مارتن أمباوم، أستاذ فيزياء وديناميكيات الغلاف الجوي في جامعة ريدينغ إن "الاستمطار الصناعي في الإمارات بالتأكيد، يستهدف السحب التي لا تنتج أمطاراً في العادة… ولذا لا يمكنها عادةً أن تتطور إلى عاصفة شديدة جداً كالتي ضربت البلاد".
وأضاف أمباوم، الذي يعمل بشكل وثيق مع المركز الوطني للأرصاد في الإمارات: "إن الاستمطار الصناعي له تأثير زمني قصير إلى حد ما (بضع ساعات على الأكثر)، ويكون تأثيره على نطاق صغير من المساحة.
وقال "لذلك، حتى لو كان لدى الإماراتيين بعض أنشطة الاستمطار الصناعي في الأيام السابقة، فلن يكون لها مثل هذا التأثير".
وذكر خبراء الأرصاد الجوية وعلماء المناخ إن إحدى الطرق لمعرفة على وجه اليقين أن أمطار دبي لم تكن بسبب الاستمطار الصناعي هو أنه تم التنبؤ بها قبل 6 أيام، حسب ما نقل تقرير لوكالة أسوشيتد برس "AP"، عن تومر بورغ، الباحث في علوم الغلاف الجوي.
كما أن إرسال طائرات الاستمطار الصناعي إلى السحب الرعدية أمر خطير جداً على سلامة هذه الطائرات، حسب الخبراء.
علماء يقولون إن تغير المناخ وليس الاستمطار الصناعي وراء هذه العاصفة
حدثت هذه العاصفة بسبب نظام الضغط المنخفض في الغلاف الجوي العلوي، إلى جانب الضغط المنخفض، وفقاً لإسراء النقبي، إحدى كبار المتنبئين في المركز الوطني للأرصاد الجوية التابع لحكومة الإمارات العربية المتحدة.
وأضافت أن هذا الضغط، الذي اشتد بسبب التناقض بين درجات الحرارة الأكثر دفئاً عند مستوى الأرض ودرجات الحرارة الباردة في الأعلى، خلق الظروف الملائمة لعاصفة رعدية قوية.
وقالت لوكالة رويترز إن "الظاهرة غير الطبيعية" كانت متوقعة في أبريل/نيسان، لأنه عندما يتغير الموسم يتغير الضغط بسرعة، مضيفة أن تغير المناخ ساهم على الأرجح في العاصفة.
وقال فريدريك أوتو، المحاضر البارز في علوم المناخ بجامعة إمبريال كوليدج لندن، لرويترز، إن هطول الأمطار أصبح أكثر غزارة في جميع أنحاء العالم مع ارتفاع درجة حرارة المناخ؛ لأن الجو الأكثر دفئاً يمكن أن يحمل المزيد من الرطوبة.
هذه الادعاءات تضر بجهود مواجهة الجفاف والتغير المناخي
ويعلق تقرير صحيفة الغارديان البريطانية قائلاً إن التشكيك لدى البعض حول السبب الحقيقي للكارثة يسلط الضوء على ازدواجية محبطة، وأن الاستعداد العام لإلقاء اللوم على التلاعب بالطقس يتوافق بشكل مباشر مع الإحجام عن قبول أن الأنشطة البشرية الأخرى تساهم بنشاط في أزمة المناخ، وفي نهاية المطاف تؤدي الأحداث المتطرفة لمثل هذه الأزمة.
وقال عالم المناخ دانييل سوين في بيان مكتوب، إن هذا يؤثر على "كيفية فهمنا الجماعي لقدرتنا على التأثير بشكل فعال على الطقس على نطاقات مكانية وزمانية مختلفة".
ما مستقبل الاستمطار الصناعي؟
شهدت المناطق التي استخدمت الاستمطار الصناعي زيادات كبيرة في إمدادات المياه الخاصة بها. تفيد مؤشرات علمية إلى حدوث زيادة بنسبة 10% أو أكثر سنوياً في كتل الثلوج، حيث يتم تنفيذ تلقيح السحاب، ويُستشهد بدراسة أخرى أجريت في الجبال الثلجية في نيو ساوث ويلز، أستراليا، والتي أدت إلى زيادة في تساقط الثلوج بنسبة 14%، وفقاً لما ورد في تقرير صحيفة The Guardian.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالحصول على المزيد من الماء. تم استخدام تعديل السحب لمنع الفيضانات، كما هو الحال عندما استهدف العلماء في إندونيسيا السحب المستعدة لهطول أمطار غزيرة، وحددوا توقيتاً أفضل لإسقاطها فوق المحيط بدلاً من المجتمعات التي قد يضرها سقوط الأمطار.
وفي الصين، حيث أنفقت الحكومة المليارات للتلاعب بالطقس، تم استخدام البذر السحابي لضمان سماء صافية وتقليل التلوث خلال أحداث سياسية ورياضية.
لكن الخبراء سارعوا إلى الإشارة إلى أن تلقيح السحب لا يمكن أن ينتج المزيد من المياه، بل يشجع فقط ما هو موجود على السقوط فعلياً. وهذا يعني أنها أقل فعالية في أوقات الجفاف.
وقال مايك إيتل، أحد كبار المتخصصين في موارد المياه في منطقة نهر كولورادو بالولايات المتحدة، لموقع Yale Environment 360: "إنها مجرد أداة أخرى من بين مجموعة أدوات تعزيز إمدادات المياه. إنها ليست الدواء الشافي كما يعتقد بعض الناس".
لكن لا يزال تلقيح السحب، على الرغم من مرور عقود من الزمن، مثيراً للجدل في مجتمع الطقس، ويرجع ذلك في الغالب إلى صعوبة إثبات فعاليته.
كما أن هناك خبراء أرصاد جوية آخرين يحذرون من أن عواقب الاستمطار الصناعي لا تزال مجهولة، وأنه يمكن أن يكون لها تأثير على المدى الطويل، وفقاً لما ورد في تقرير صحيفة Telegraph البريطانية.
وقال يوهان جاك، كبير خبراء الأرصاد الجوية في شركة الأرصاد الجوية الألمانية "كيسترز": "إن فيضانات دبي بمثابة تحذير صارخ من العواقب غير المقصودة التي يمكن أن نطلق العنان لها عندما نستخدم مثل هذه التكنولوجيا لتغيير الطقس".
"بالإضافة إلى ذلك، ليس لدينا سوى القليل من السيطرة على آثار تلقيح السحب وأين بالضبط ستهطل الأمطار بفعالية"، حسب قوله.