نجحت إسرائيل وحلفاؤها، بقيادة الولايات المتحدة، في صد هجوم إيران الجوي، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن إذا ما كان يمكن تكرار هذه النسبة القياسية من النجاح إذا ما اندلعت حرب شاملة؟
كان الهجوم الإيراني، مساء السبت 13 أبريل/نيسان، هو الأول من نوعه ضد إسرائيل منذ أطلق العراق صواريخ سكود ضد تل أبيب عام 1991. وكانت الضربة الإيرانية ضخمة بكل المقاييس، إذ شملت إطلاق أكثر من 170 طائرة مسيرة مفخخة ونحو 120 صاروخاً باليستياً وحوالي 30 صاروخاً من طراز كروز، بحسب المصادر الإسرائيلية.
نجاح إسرائيل وحلفائها في صد هجوم إيران
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه نجح في اعتراض وتدمير 99% من المسيرات والصواريخ الإيرانية، كما أصدر البيت الأبيض بياناً على لسان الرئيس جو بايدن، جاء فيه أن ساكن البيت الأبيض أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل "أظهرت قدرة رائعة على الدفاع عن نفسها في مواجهة وصد هجمات لم يسبق لها مثيل".
لكن إسرائيل لم تصد الهجوم الإيراني "غير المسبوق" اعتماداً على نفسها أو على قدراتها العسكرية الذاتية، فقد شاركت الولايات المتحدة وحلفاء لها، مثل بريطانيا وفرنسا والأردن ودول أخرى، في صد الهجوم الإيراني، بحسب ما صدر عن تصريحات رسمية من تلك الدول.
فقد كشفت القيادة المركزية الأمريكية، الإثنين 15 أبريل/نيسان، أن قواتها المدعومة بمدمراتها في أوروبا دمّرت أكثر من 80 طائرة مسيرة، وما لا يقل عن 6 صواريخ باليستية كانت موجهة لمهاجمة إسرائيل، بحسب منشور للقيادة المركزية على موقع التواصل الاجتماعي إكس "تويتر سابقاً.
وأوضحت أن الجهود الأمريكية للدفاع عن إسرائيل شملت تدمير صاروخ باليستي على منصة إطلاق، بالإضافة إلى 7 طائرات من دون طيار تم تدميرها جميعاً على الأرض في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن قبل إطلاقها.
فرنسا أيضاً كانت من بين الدول المشاركة في الدفاع ضد الهجوم الإيراني، حسبما قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 14 أبريل/نيسان، مضيفاً: "تمتلك فرنسا تكنولوجيا جيدة للغاية وطائرات ورادارات، وأعلم أنهم كانوا يساهمون بعمل دوريات في المجال الجوي"، مشيراً للصحفيين إلى أنه ليس لديه تفاصيل دقيقة عما إذا كانت الطائرات الفرنسية قد أسقطت أياً من الصواريخ التي أطلقتها إيران، بحسب رويترز.
بريطانيا أيضاً شاركت في الدفاع عن إسرائيل، بحسب تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية أرجع ما وصفه بأنه "النجاح الباهر" في صد الهجوم الإيراني إلى عاملين رئيسيين: الأول هو التقدم التكنولوجي للدفاعات الإسرائيلية، والثاني هو دعم الحلفاء وبخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا.
هل كانت إسرائيل لتنجح وحدها؟
لكن من ناحية أخرى، يكشف اعتماد إسرائيل بشكل كبير على حلفائها في صد الهجوم الإيراني حدود قدرات دولة الاحتلال الذاتية في الدفاع الصاروخي دون إسناد من القواعد الأمريكية والغربية في دول الطوق المحيطة.
وهذا ما رصده تحليل لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عنوانه "إسرائيل صدت هجوماً إيرانياً ضخماً، لكن بمساعدة من أمريكا وشركائها"، رصد الدور الرئيسي الذي لعبه حلفاء إسرائيل في الدفاع عنها، إضافة إلى التحذيرات المسبقة من جانب إيران بشأن الهجوم نفسه، وتساءل تحليل الصحيفة عن مدى قدرة إسرائيل وحلفائها على تكرار النجاح في التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية في حالة اندلاع حرب شاملة.
فهذا النجاح الإسرائيلي يعود بالأساس إلى مزيج من نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور والمساعدة الحاسمة التي قدمتها الولايات المتحدة وعدد من الشركاء الغربيين والعرب.
إذ لعبت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية والأردنية دوراً مهماً بشكل خاص في إسقاط الطائرات بدون طيار وتم تدمير معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية قبل أن تصل إلى المجال الجوي الإسرائيلي، بحسب وول ستريت جورنال.
السؤال هنا إذاً هو: هل بوسع إسرائيل وداعميها تكرار هذا الأداء إذا ما وقع مثل هذا الهجوم الجوي الضخم في ظل أجواء حرب شاملة، لن يكون فيها إشارات مقدمة على أن هناك هجوماً من هذا النوع من الأساس؟ أما السؤال الآخر فيتعلق بمدى قدرة إسرائيل على أن تدافع عن نفسها اعتماداً فقط على قدراتها الذاتية؟
هل ترد إسرائيل على الرد الإيراني؟
هذه هي الاعتبارات الرئيسية الحاضرة الآن حيث تدرس إسرائيل والولايات المتحدة الرد على ما يعتبر واقعاً استراتيجياً جديداً، أنشأه أول هجوم عسكري مباشر لإيران على الأراضي الإسرائيلية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وفي هذا السياق، اجتمع مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي في تل أبيب الأحد، صبيحة الهجوم الإيراني، بصفته يقود البلاد ودرس خياراته، لكن الاجتماع انفض دون الإعلان عن قرارات أو توجهات. والإثنين تقرر عودة المجلس للاجتماع مرة أخرى، في مؤشر على صعوبة التوصل إلى قرار.
وبطبيعة الحال يعتبر موقف الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن عنصراً هاماً في اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارها. فقد عبر بايدن لنتنياهو دون مواربة أن واشنطن لن تشارك في أي رد إسرائيلي على الرد الإيراني.
مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية قال لرويترز: "نؤمن أن إسرائيل تملك حرية التصرف لحماية نفسها والدفاع عن نفسها، في سوريا أو أي مكان آخر.. هذه سياسة قائمة منذ زمن طويل ولا تزال قائمة، لكننا لا نتصور أنفسنا نشارك في شيء من هذا القبيل".
أما جون كيربي، كبير المتحدثين باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، فقد قال لشبكة (إيه.بي.سي)، الأحد، إن الولايات المتحدة ستواصل دعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها لا تريد الحرب مع إيران. ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم رداً إسرائيلياً على إيران، قال كيربي إن "التزامنا صارم" إزاء الدفاع عن إسرائيل و"مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وأضاف كيربي: "وكما قال الرئيس مرات عديدة، نحن لا نسعى إلى حرب أوسع في المنطقة. لا نسعى إلى حرب مع إيران. وأعتقد أنني سأترك الأمر عند هذا الحد. لا نسعى إلى تصعيد التوتر في المنطقة، ولا نريد أن يتسع نطاق الصراع".
معادلة استراتيجية جديدة؟
فالرد الإسرائيلي بقوة عن طريق استهداف الأراضي الإيرانية قد يؤدي إلى عمليات انتقامية أكثر تدميراً، بينما عدم الرد على الإطلاق، أو بشكل ضعيف للغاية، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تآكل الردع، ما يجعل إسرائيل أكثر عرضة للهجمات الإيرانية المستقبلية، بحسب تحليل "وول ستريت جورنال".
نداف بولاك، المحلل الحكومي الإسرائيلي السابق الذي يدرس في جامعة رايخمان، قال للصحيفة الأمريكية: "لقد بدأت إيران مرحلة جديدة"، مضيفاً: "لقد توقفت عن الاختباء خلف الوكلاء وأصبحت الآن معرضة لهجوم مباشر من إسرائيل"، مؤكداً أنه "في المستقبل، لن تتمكن إسرائيل من الجلوس بهدوء واعتراض كل شيء".
فالصواريخ الاعتراضية، وخاصة أنظمة ارو وباتريوت المستخدمة ضد الصواريخ الباليستية، باهظة الثمن للغاية ومحدودة الكمية وقد تسبب الكونغرس الأمريكي، من خلال تعطيله حزمة المساعدات العسكرية لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، في خلق تعقيد إضافي.
إذ إن هجوم السبت، الذي نفذته طهران رداً على غارة إسرائيلية مشتبه بها في الأول من أبريل/نيسان أدت إلى مقتل سبعة ضباط في الحرس الثوري الإيراني، من بينهم جنرالان، في بعثة دبلوماسية إيرانية في دمشق، لم يستهلك سوى جزء صغير من ترسانة الجمهورية الإسلامية الهائلة من الطائرات بدون طيار والصواريخ. بينما كلفت الصواريخ الاعتراضية التي أطلقتها إسرائيل خزانة دولة الاحتلال أكثر من مليار دولار، بحسب التقارير العبرية.
والأهم من ذلك، أن طهران احتفظت أيضاً بقوتها الوكيلة في لبنان، وهي ميليشيات حزب الله، التي تمتلك آلاف الصواريخ والقذائف. ورغم أن عدداً قليلاً فقط من الصواريخ الإيرانية تمكنت من المرور خلال الهجوم، ما تسبب في أضرار طفيفة لقاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية، فقد استمد الجيش الإيراني معلومات استخباراتية قيمة من مراقبة كيفية عمل الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية.
اختبار الدفاعات الإسرائيلية
جوناثان شانزر، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، قال لـ"وول ستريت جورنال": "كانت إيران تختبر نظام الدفاع الصاروخي، وعزم دول المنطقة، وعزم الولايات المتحدة"، مضيفاً: "من بين كل هذا تأتي مخاطرة كبيرة. عندما ينخرط طرفان قويان في عداء مباشر، لا أحد يعرف إلى أين يذهب هذا الأمر".
قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، صوّر وابل الصواريخ الإيرانية على أنه يخلق معادلة استراتيجية جديدة، قائلاً إن كل هجوم إسرائيلي على المصالح الإيرانية في المنطقة سيقابل بهجوم إيراني مباشر على إسرائيل، وهذا بالطبع خط أحمر لا يمكن لإسرائيل أن تقبله، كما تقول تل أبيب.
موقف إقليمي معقد
ومع ذلك، عندما تدرس إسرائيل ردها، يجب عليها أيضاً أن تزن مصالح شركائها العرب، مثل الأردن والسعودية والإمارات، بحسب "وول ستريت جورنال". إذ ساعد الأردن وشركاء آخرون إسرائيل في التصدي للصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية على الرغم من الغضب الشعبي إزاء استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
ستيفن كوك، محلل شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، قال للصحيفة: "لقد كثف شركاؤنا الإقليميون جهودهم على الرغم من التوتر الكبير للغاية بينهم وبين إسرائيل منذ ستة أشهر، وبينهم وبين الولايات المتحدة حيث توسلوا إلى الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً لكبح جماح الإسرائيليين".
وزعم كوك أنه بغض النظر عن مدى كره دول المنطقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنها تكره الحكومة الإيرانية أكثر. ومن المرجح أن يمنحهم الدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء الشركاء العرب إلى جانب الولايات المتحدة وآخرين في توفير المعلومات الاستخباراتية وفتح مجالهم الجوي، وفي حالة الأردن، إسقاط الأجسام الإيرانية، تأثيراً جديداً على الحكومة الإسرائيلية، مع تطور الأزمة لصياغة الردود.
تصميم الهجوم الإيراني
وبحسب "وول ستريت جورنال"، كرر تصميم الضربة الإيرانية بطرق عديدة بعضاً من أكبر الهجمات الروسية في أوكرانيا: أولاً، سرب من طائرات شاهد بدون طيار بطيئة الحركة تهدف إلى التغلب على الدفاعات الجوية وتحديد مواقع بطاريات الدفاع الجوي، ثم صواريخ كروز ثم وابل من الصواريخ الباليستية الأسرع التي يصعب اعتراضها.
كما كان نطاق الهجوم من بين أكبر الهجمات التي شوهدت في الحروب الحديثة، واستخدم وابل "الصدمة والرعب" الروسي الافتتاحي في اليوم الأول للهجوم على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط 2022، ما بين 160 إلى 200 صاروخ كروز وصواريخ باليستية، ضد دولة تبلغ مساحتها أكثر من 20 مرة حجم مساحة إسرائيل.
استخدمت روسيا لأول مرة طائرات شاهد الإيرانية الصنع بدون طيار مع الضربات الصاروخية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2022، والتي استهدفت البنية التحتية لأوكرانيا، بإجمالي 84 صاروخاً و24 طائرة بدون طيار.
كان هذا الهجوم قد وقع بعد أن ضربت أوكرانيا الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي لروسيا، ولم يتم اعتراض سوى حوالي نصف الصواريخ الروسية. وبالرغم من قيام أوكرانيا منذ ذلك الحين بتحسين معدلات اعتراض الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، فإن معظم الصواريخ الباليستية الروسية أصابت أهدافها، على النقيض من نتيجة الهجوم الإيراني.
وتعتمد تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية إلى حد كبير على المعرفة السوفييتية والكورية الشمالية. وقال مسؤولون أمريكيون لصحيفة وول ستريت جورنال إن نصف الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران إما فشلت في الإطلاق أو سقطت من السماء قبل أن تصل إلى أهدافها.