سلَّط مقتل ثلاثة مقاولين أمنيين خاصين في غارة إسرائيلية بطائرة مُسيَّرة الأسبوع الماضي على قافلة مساعدات تابعة للمطبخ المركزي العالمي في غزة الضوء على صناعة شركات الأمن الخاصة التي تحولت في السنوات الأخيرة من العمل لصالح القوات العسكرية إلى المساعدة في حماية المنظمات الإنسانية التي تعمل في مناطق الصراع.
كان جون تشابمان، وجيمس هندرسون، وجيمس كيربي -موظفون في شركة Solace Global، وهي شركة للأمن وإدارة المخاطر مقرها المملكة المتحدة- من بين سبعة قُتِلوا عندما قصفت غارات إسرائيلية القافلة التي نظمها المطبخ المركزي العالمي، وهي منظمة إنسانية أسسها الشيف خوسيه أندريس، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
وزاد الهجوم من حدة الغضب الدولي بشأن الحرب في غزة.
كان المتعاقدون الأمنيون الثلاثة قد خدموا في الجيش البريطاني، وكان تشابمان من قدامى المحاربين في خدمة القوارب الخاصة، وهي المعادل البريطاني لقوات البحرية، وفقاً لموقع شركة Solace Global.
شركات الأمن الخاصة برزت في حربي العراق وأفغانستان
وقد برزت شركات الأمن الخاصة، مثل Blackwater الأمريكية، في ذروة الحروب في أفغانستان والعراق، حيث اضطلعت بأدوار كانت مخصصة ذات يوم للجنود الذين يرتدون الزي الرسمي، مثل حراسة القوافل الدبلوماسية. وعندما انتهت تلك الحروب، انخفض الطلب على مثل هذه الخدمات، على الأقل في البداية.
وقال شون ماكفيت، وهو مقاول عسكري خاص سابق وأستاذ استراتيجيات حالي: "عندما جفَّت تلك العقود الكبيرة التي أبرمتها الولايات المتحدة، أغلقت شركات الأمن الخاصة الكبرى أبوابها. لكن هذا لا يعني أنَّ الجميع عادوا إلى بلادهم وصاروا جنود احتياط في الحرس الوطني. فقد انطلق الكثير منهم للبحث عن عملاء مستقبليين".
وقال ماكفيت إن شركات الأمن الخاصة التي بقيت في العمل تحولت إلى جذب عملاء من القطاع الخاص، مثل شركات النفط التي لديها منشآت بحرية، والمنظمات غير الحكومية العاملة في مناطق محفوفة بالمخاطر، والصحفيين في مناطق الحرب.
وتحول قطاع شركات الأمن الخاصة إلى مسار وظيفي مألوف للمحاربين القدامى العسكريين، خاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
إيرادات شركات الأمن الخاصة ستصل إلى 300 مليار دولار في 2026
ومن المتوقع أن تزيد إيرادات الخدمات الأمنية في جميع أنحاء العالم بنسبة 4.4% سنوياً إلى ما يقرب من 300 مليار دولار في عام 2026، وفقاً لشركة أبحاث السوق The Freedonia Group.
ونشأت صناعة شركات الأمن الخاصة في نهاية الحرب الباردة، حين أدى ما يُسمَى بمكاسب السلام إلى دفع الولايات المتحدة إلى خفض ميزانياتها العسكرية والاستعانة بمصادر خارجية للعديد من الوظائف الأمنية منخفضة المستوى، مثل إدارة مراكز الحراسة ونقل الإمدادات.
وقد ازدهر قطاع شركات الأمن الخاصة خلال ما يُعرف بـ"الحرب على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2002، إذ وظفت الولايات المتحدة وحكومات أخرى عشرات الآلاف من المتعاقدين للعمل في أفغانستان والعراق وغيرها من المناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية.
وقال هوارد ليند، رئيس الرابطة الدولية لعمليات الاستقرار، وهي منظمة تجارية لهذه الصناعة مقرها واشنطن: "أدى ذلك إلى ظهور صناعة كاملة مخصصة لدعم الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي في الخارج. وتعمل شركات الأمن الخاصة هذه جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي والإدارة الأمريكية".
وتزامناً مع نمو شركات الأمن الخاصة، برزت الفضائح ومزاعم بوقوع انتهاكات. ووُجدَت صلة بين متعاقدين أمنيين خاصين وتعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب عام 2003.
يفترض أن عملياتها تخطط بشكل دقيق
وتأسست شركة Solace Global، التي وفرت المتعاقدين الأمنيين الذين قُتِلوا في الغارة الجوية الإسرائيلية الأسبوع الماضي، في عام 2010 في مدينة بول الساحلية على طول ساحل القنال الإنجليزي على يد جندي سابق في مشاة البحرية الملكية البريطانية. وكانت في البداية تُعيِّن قدامى المحاربين البحريين للمساعدة في مكافحة القرصنة في الصومال.
والضحايا الذين سقطوا الأسبوع الماضي في غزة هم أول قتلى بين صفوف متعاقدي شركة Solace Global. وقال ماثيو هاردينغ، عضو مجلس إدارة الشركة: "هذا موقف نادر حقاً؛ لأن هذه الأشياء يُخطَّط لها بدقة شديدة".
وأضاف هاردينغ: "الصورة العامة التي تتبادر للأذهان هي صورة المرتزقة المدججين بالسلاح، من أمثال فاغنر. لكن الغالبية العظمى من هؤلاء الرجال، مثل الثلاثة الذين ماتوا، يخاطرون بحياتهم لفعل أشياء جيدة في العالم"، حسب تعبيره.