لاعب أيرلندي صام مع رفيقه المسلم.. كيف تحولت كرة القدم الأوروبية من التوجس من صيام رمضان إلى احتضانه؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/07 الساعة 20:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/07 الساعة 20:09 بتوقيت غرينتش
مواعيد انطلاق الدوريات الكبرى / رويترز

كان الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية أمراً غريباً قبل سنوات، استدعى من بعض اللاعبين إخفاءه سراً، مثلما كان الحال مع  اللاعب المغربي يوسف شيبو الذي كان يخفي عن فريقه أنه يصوم خلال مباريات كرة القدم التي يؤديها.

فبعد مضي بضعة أشهر من حياته كمحترف كرة قدمٍ في أوروبا، كان لاعب الوسط المغربي شيبو يسعى من أجل إثبات نفسه. ولم يكن يرغب في فعل أي شيء قد يضر بفرص نجاحه، بما في ذلك الكشف عن حقيقة صيامه في رمضان، وهو السلوك الطبيعي نحو ملياري مسلم حول العالم. 

لكن ذلك السلوك لم يكن مألوفاً داخل غرفة تبديل الملابس الخاصة بنادي بورتو البرتغالي في شتاء عام 1997، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

إذ كانت حصص تدريب الفريق المزدوجة في الصباح وبعد الظهيرة أمراً شاقاً. وازدادت الحصص صعوبةً؛ لأنه كان يشارك فيها أثناء صيامه عن الطعام والشراب منذ طلوع الشمس وحتى غروبها. وبعد أن تحمّل عدة أيامٍ من الدوار والصداع في صمت، قرر شيبو الاعتراف في النهاية، وسرعان ما وضع النادي خطةً للحفاظ على طاقته وصحته.

لاعبون غربيون يتحايلون لمساعدة رفاقهم على الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية

لكن غيره من اللاعبين المسلمين لم يجدوا القدر نفسه من الاستيعاب داخل فرقهم طيلة عقود، فيما يتعلق بـ"الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية"، وذلك من الناحية الرسمية على الأقل. 

وفي رياضةٍ تعتمد على اللعب المستمر دون الكثير من التبديلات، ما يقلل الفرص المتاحة لزيارة مقاعد البدلاء في منتصف المباراة، لجأ هؤلاء اللاعبون إلى الحيلة والحلول المُرتجلة من أجل كسر صيامهم. 

الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية
إفطار جماعي في ملعب ستامفورد بريدج، في أرض نادي تشيلسي لكرة القدم، خلال شهر رمضان في لندن، بريطانيا في 26 مارس/آذار 2023-رويترز

إذ تظاهر بعض زملائهم بالإصابة أو بالغوا في تأثيرها بعد الغروب؛ من أجل منح الرفاق المسلمين فرصة المسارعة إلى مقاعد البدلاء، أو مرر إليهم أحد إداريي الفريق بضع تمرات أو مشروباً سكرياً في الساعة الموعودة، أو هرع المسعفون لرعاية ركبةٍ مصابةٍ حاملين معهم حقيبة إسعافات مليئة بالموز بشكلٍ يُثير الفضول.

لماذا تحولت بعض أقوى فرق العالم إلى احتضان الصيام، وكيف يتم ذلك؟

لكن كرة القدم بدأت تتغير مؤخراً بعد أن كانت تنظر إلى الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية باعتباره أمراً غير مرغوب ومحل انتقاد. وفي تحوِّل يعكس زيادة الانتشار وارتفاع قيمة النجوم المسلمين، انتقلت بعض الدوريات والفرق الأغنى في العالم إلى احتضان صوم رمضان بشكلٍ كامل -مع استثناء دوري بارزٍ وحيد.

وهذا يعني أن العديد من اللاعبين المسلمين يستفيدون الآن من خطط التغذية المتخصصة قبل وأثناء الشهر الفضيل، وكذلك جداول التمرين المناسبة للصيام، وحتى فترات التوقف المصرح بها من إدارة الدوري أثناء المباريات ليتمكنوا من كسر صيامهم داخل الملعب.

وتعكس بعض التغييرات حالة القبول الجديد للتنوع داخل البطولات الثرية، مثل الدوري الإنجليزي الممتاز الذي يتجاوز انتشاره وقواعده الجماهيرية حدود المملكة المتحدة المحلية منذ وقتٍ طويل. وهناك أسباب أكثر عملية لتلك التغييرات أيضاً. إذ يمثل اللاعبون المسلمون الآن استثماراً يقدر بمئات الملايين من الدولارات بالنسبة لفرق النخبة على مستوى العالم، وقد أصبحوا يتحدثون عما يحتاجون إليه بشكلٍ متزايد.

ليفربول يغير مواعيد التدريب استجابةً لطلب ساديو مانيه

فقبل موسمين على سبيل المثال، طلب مهاجم ليفربول ساديو مانيه من قائد الفريق أن يستأذن المدرب يورغن كلوب لتبديل موعد التمارين اليومية إلى الفترة الصباحية خلال رمضان، حتى يتمكن هو وبقية اللاعبين المسلمين في الفريق -مثل النجم محمد صلاح- من التدريب في وقتٍ قريب من موعد وجبة الإفطار. وقد وافق كلوب على ذلك.

الصيام في مباريات كرة القدم الأوروبية
ساديو ماني لاعب ليفربول السابق في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد ريال مدريد باستاد سان دوني بالقرب من باريس في 28 مايو/أيار 2022-رويترز

فيما يُعد محمد النني، لاعب الوسط المصري، واحداً من أصل ثلاثة لاعبين يصومون خلال شهر رمضان الجاري في فريق أرسنال. وقال إن الفريق يبدأ إعداد اللاعبين قبل نحو أسبوعين من أول أيام الصيام، ويراجع "كل شيء قد يحتاجونه حرفياً" للحفاظ على ذروة أدائهم. وتفعل أندية الدوري الإنجليزي الأخرى، وعشرات الأندية في أوروبا، الأمر نفسه الآن.

كما طبقت دوريات إنجلترا وهولندا مجموعة قواعد تسمح صراحةً بفترة توقف رمضانية أثناء المباريات، ويحق للحكام الألمان إيقاف اللعب من أجل السبب نفسه الآن.

دولة واحدة ترفض التصالح مع الصيام في مباريات كرة القدم

لكن هناك دولة واحدة رفضت الانضمام لركب التصالح مع الصيام أثناء مباريات كرة القدم الأوروبية، حسب المجلة الأمريكية.

إذ تعرض الاتحاد الفرنسي لكرة القدم للانتقاد مؤخراً، بعد أن أصدر توجيهات تأمر الفرق والمسؤولين بعدم وقف المباريات لكسر صيام اللاعبين، مع حظر الصيام في مباريات كرة القدم بالنسبة إلى اللاعبين الذين يتدربون مع المنتخبات الوطنية.

انجلترا تسمح للاعبين المسلمين باستراحة عند الغروب بعدما كان الأمر يتم بالحيلة

بينما تواصل الاتحادات الأخرى الدفع من أجل الإدماج والتثقيف. ففي إنجلترا، سمح الدوري الإنجليزي للاعبين المسلمين بالاتفاق مع الحكام على استراحات وجيزة عند الغروب منذ عام 2021. كما أصدرت رابطة اللاعبين المحترفين وثيقةً من 30 صفحة تحتوي على تمهيدٍ لرمضان ونصائح حول أفضل ممارسات الصيام في مباريات كرة القدم.

لكن هذا القدر من المعرفة لم يكن متوافراً على نطاقٍ واسع دائماً.

حيث شهدنا أول مثالٍ معروف على الجهود المنظمة لتعطيل اللعب في الدوري الإنجليزي قبل ثلاث سنوات، أثناء مباراة بين فريقي كريستال بالاس وليستر سيتي. وقال طبيب فريق كريستال بالاس السابق ظفر إقبال إن الطاقم الطبي لكلا الفريقين توجّه إلى الحكم قبل المباراة، وتحدثوا إليه حول الحاجة إلى فترة راحة. وفي الوقت الموعود، تباطأ حارس مرمى فريق كريستال بالاس أثناء تنفيذه لركلةٍ حرة حتى يسمح بحدوث ذلك.

وأوضح إقبال: "عندما خرجت الكرة من الملعب، توقفت المباراة وهرع اللاعبون إلى مقاعد البدلاء لشرب الماء وتناول بضع تمرات. ولم يلاحظ أحد في الملعب الأمر؛ لأنه حدث بسرعة".

ومرّت الواقعة دون أن يلاحظها الكثيرون آنذاك، لكنها انكشفت في اليوم التالي عندما توجه أحد اللاعبين بالشكر إلى حارس المرمى، والدوري، والفريقين.

وفي أرسنال، قال النني إنه يشارك في كل الحصص التدريبية أثناء رمضان، ويُعدِّل ما يتناوله من طعام خلال السحور والإفطار بناءً على الكثافة المتوقعة للحصص التدريبية.

وأوضح أنه يستغل رخصة الإفطار في أيام المباريات إذا تم اختياره لبدء المباراة، ما يسمح له بتعويض اليوم الذي أفطره في وقتٍ لاحق. وأفاد بأنه لا يريد فعل شيء قد يجعل زملاء الفريق "يشكون" في التزامه داخل دوري يشهد منافسةً شرسةً كالدوري الإنجليزي.

اللاعب الأيرلندي بول مكشين يشارك المحمدي تجربة الصيام

ورغم انتشار وجود اللاعبين المسلمين في غرف تبديل الملابس بالدوري الإنجليزي الممتاز حالياً، سنجد أن فكرة عجز أحد اللاعبين عن تناول شربة ماء أثناء التمارين أو المباريات سريعة الوتيرة قد تكون فكرةً مربكة لزملائه من غير المسلمين. إذ قال النني: "تتغير تعابيرهم عند معرفة ذلك".

ويشعر البعض بالفضول. حيث قال أحمد المحمدي، المدافع المصري الذي لعب في إنجلترا لأكثر من عقدٍ كامل، إن أحد زملائه السابقين قرر مشاركته في الصيام ذات يوم في إحدى السنوات، وهو اللاعب الأيرلندي بول مكشين.

وعلّق المحمدي قائلاً: "كان من الرائعة مشاهدة ذلك"، لكنه اعترف بأن مكشين لم يصمد معه. وأوضح: "لقد صام مرةً واحدة، لكنه قال إنه سيكون من الصعب للغاية فعلها لـ30 يوماً".

تحميل المزيد