أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل قراراً مؤقتاً رداً على طلب مهلة من بنيامين نتنياهو بشأن مأزق تجنيد طلاب المدارس الدينية "الحريديم"، فما تبعات قرار المحكمة؟ وماذا يعني؟
موقع Maco الإسرائيلي نشر تقريراً يرصد العواقب الاقتصادية والآثار المباشرة لأمر المحكمة العليا الإسرائيلية بتجميد الدعم المالي لطلاب المدارس الدينية الملزمين بالتجنيد.
الأمر المؤقت الذي أصدرته المحكمة العليا، مساء الخميس 28 مارس/آذار، والذي بموجبه سوف يُجمّد الدعم المالي لطلاب المدارس الدينية الملزمين بالتجنيد، اعتباراً من الإثنين المقبل 1 أبريل/نيسان، أثار ضجةً كبيرة في النظام السياسي وفي المجتمع الأرثوذكسي المتطرف.
ماذا قررت المحكمة العليا في إسرائيل؟
يصف تقرير الموقع الإسرائيلي الموقف الذي اعتمده القضاة بأنه أشد قسوة من موقف المدعية العامة الإسرائيلية غالي بيهارف ميارا، التي طلبت في ردها السماح بـ"فترة تكيف مؤقتة" مع عواقب المرسوم الجديد وعواقبه الفورية.
يقول أمر المحكمة العليا: "يُمنَع على المعنيين إجراء تحويلات مالية بغرض دعم المؤسسات التوراتية للطلاب الذين لم يحصلوا على إعفاء أو تأجيل للخدمة العسكرية، ولم يقدموا للتجنيد منذ 1 يوليو/تموز 2023 بموجب قرار الحكومة".
وأوضح عوزي فوغلمان ويتسحاق عميت ونوعام سولبرغ، القضاة بالمحكمة العليا، أن الأمر صدر بسبب "موقف المستشار القانوني للحكومة بشأن عدم قانونية تحويل أموال الدعم بعد هذا التاريخ، وفي غياب مصدر سلطة لاستمرار الموازنة، لم نرَ أن نأمر بأمر انتقالي".
ماذا يعني أمر المحكمة العليا؟
يحظر الأمر تحويل أموال الدعم للطلاب الذين يجب تجنيدهم، اعتباراً من 1 أبريل/نيسان، في إشارة إلى الأموال التي تتلقاها المدرسة الدينية دعما عن كل طالب، ولكن بسبب انتهاء قانون التجنيد في يونيو/حزيران 2023 وانتهاء الفترة التي حددها قرار الحكومة بشأن هذه القضية يوم الأحد 31 مارس/آذار، فاعتباراً من يوم الإثنين 1 أبريل/نيسان، لن يكون من الممكن تحويل الأموال لبعض الطلاب، وتحديدا أولئك المطلوب منهم التجنيد. وهؤلاء هم الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً ولم يبلغوا بعد سن الإعفاء.
هل يمكن العدول عنه؟
لا يمكن استئناف هذا الأمر، ولكن يجب التأكيد على أن هذا أمر مؤقت وسيطبق حتى يُتَّخذ قرار آخر. لذا يمكن للمحكمة العليا أن تغير هذا الأمر مستقبلاً وفقاً للتطورات. بالإضافة إلى ذلك، إذا أُقِرَّ قانون التجنيد الجديد، فمن الممكن أن يغير الوضع القانوني.
ماذا عن الأموال المتعلقة بالأمر؟
سوف يُخفَّض حوالي 400 مليون شيكل سنوياً. تتلقى المدارس الدينية حوالي 1.7 مليار شيكل سنوياً. ومع ذلك، كما ذكرنا، لا يتعلق الأمر بكل الأموال، بل يتعلق فقط بالطلاب الملزمين بالتجنيد. يُقدَّر التخفيض في ميزانية المدرسة الدينية بما مجموعه 7.5% من إجمالي ميزانية المدرسة الدينية.
ماذا سيحدث الآن؟
سيدخل الأمر حيز التنفيذ ابتداءً من يوم الإثنين 1 أبريل/ نيسان، وستتوقف أموال الدعم. بالإضافة إلى ذلك، اعتباراً من ذلك التاريخ، وفقاً لرد أمين المظالم للمحكمة العليا، لن يكون هناك أساس قانوني لعدم تنفيذ التزام التجنيد، وسيتعين على السلطات العمل على تجنيد 56 ألف طالب بالمدارس الدينية.
كان رئيس وزراء أشد حكومات إسرائيل تطرفاً، بنيامين نتنياهو، قد طلب من المحكمة العليا تمديد المهلة المتاحة للحكومة، بهدف وضع خطة جديدة للتجنيد الإلزامي من شأنها معالجة الغضب السائد إزاء الإعفاءات الممنوحة لليهود المتدينين، والذين يعرفون بالحريديم.
الحريديم وجدل قائم منذ عقود
هذا الجدل بشأن تجنيد الحريديم ليس جديداً، فهو قائم منذ عقود، لكنه الآن يمثل مسألة حساسة بشكل خاص في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تتكون في معظمها من مجندين شباب ومدنيين يتم تعبئتهم في قوات الاحتياط، عدوانها على قطاع غزة منذ 6 أشهر تقريباً.
في رسالته إلى المحكمة العليا، والتي نشرها مكتبه، قال رئيس الوزراء إنه "أحرز تقدماً ملحوظاً بشأن مسودة الخطة"، لكنه طلب تمديد المدة 30 يوماً "من أجل صياغة اتفاقات"، مضيفاً أن الحرب ضد مسلحي حماس سيطرت على اهتمام الحكومة، وهي الآن في مرحلة حاسمة.
ولم ترد المحكمة العليا بعد على طلب نتنياهو، إلا أنها قضت بشكل منفصل بتعليق الدعم الحكومي لليهود المتدينين في سن التجنيد اعتباراً من أول أبريل/نيسان.
غضب حلفاء نتنياهو
الحزبان المتشددان في الائتلاف القومي الديني الحاكم الذي يتزعمه نتنياهو، حزب يهودية التوراة المتحدة وشاس، تعهدا بالنضال من أجل ما اعتبروه "حق" ناخبيهم في البقاء في المعاهد الدينية، لكنهم لم يصلوا إلى حد التهديد بالانسحاب من الحكومة.
كانت المدعية العامة جالي باهراف ميارا، في مذكرة قدمتها إلى المحكمة، قد أكدت على أنها لا ترى أي أساس قانوني لتأجيل فرض التجنيد الإلزامي لليهود المتدينين لأكثر من ذلك.
يتمتع اليهود المتدينون، وهم الأقلية الدينية الأسرع نمواً في إسرائيل، بإعفاء من التجنيد الإلزامي بهدف توجيه أبناء الأقلية إلى المعاهد الدينية. وألغت المحكمة العليا هذا الإعفاء في عام 2018 لتحقيق مبدأ المساواة. وفشل البرلمان في التوصل إلى ترتيب جديد، وينتهي سريان أمر أصدرته الحكومة بتأجيل التجنيد الإلزامي لليهود المتدينين يوم الأحد.
من بين من يفضلون مراجعة الإعفاء وزير الدفاع وأعضاء آخرون في حكومة نتنياهو معنيون بإدارة الحرب على غزة. ويتوقع هؤلاء أن يستمر القتال على مدى أشهر، وهو أمر من شأنه أن يرهق القوى البشرية، ويذكي مطالب شعبية باستدعاءات على أسس عدل ومساواة.
امتيازات الأحزاب الدينية
لكن الأحزاب اليهودية المتشددة في الائتلاف الحاكم، والتي طالما بحث نتنياهو المحافظ عن دعمها، تريد الإبقاء على الإعفاءات باعتبارها وسيلة للحفاظ على نمط الحياة الديني لناخبيها.
ويشكل اليهود المتدينون 13% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 19% بحلول عام 2035 بسبب ارتفاع معدلات المواليد لديهم.
ويقول خبراء الاقتصاد إن الإعفاء يبقي البعض دون داعٍ في المعاهد الدينية بعيداً عن القوى العاملة، ما يؤدي إلى تزايد أعباء الضمان الاجتماعي على دافعي الضرائب من الطبقة المتوسطة، بحسب رويترز.
كما أن الأقلية العربية التي تشكل 21% من سكان إسرائيل معفاة في الغالب من الخدمة العسكرية، والتي بموجبها يتم استدعاء الرجال والنساء بشكل عام عند سن 18 عاماً، حيث يخدم الرجال ثلاثة أعوام والنساء عامين.
التعديلات القضائية في إسرائيل
تعيد هذه الأزمة المتفجرة الآن في إسرائيل وقرار المحكمة العليا وتداعياته إلى الأضواء الانقسام الحاد الذي تسببت فيه التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه إدخالها على قانون السلطة القضائية، والتي وصفتها المعارضة بالانقلاب القضائي.
وكان موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، قد نشر تحليلاً يرصد تداعيات فشل مساعي تسوية الأزمة القضائية، التي تسببت في اندلاع احتجاجات شعبية واسعة النطاق، إضافة إلى وصول تلك الانقسامات إلى الجيش. فمنذ أن تولت حكومة نتنياهو، التي يهيمن عليها اليمين الصهيوني، المسؤولية في دولة الاحتلال، وقبل حتى أن تكمل شهرها الأول، تسببت في إثارة التوترات في المنطقة بأسرها، في ظل سياسات استفزازية وقمعية بحق الفلسطينيين تهدد باندلاع انتفاضة ثالثة في أي لحظة.
تشكلت الحكومة الإسرائيلية من تحالف يضم مجموعة من قادة المستوطنين والقوميين المتشددين والمحافظين المتطرفين، بقيادة بنيامين نتنياهو، ويسعى زعماء المجموعة، الكل بطريقته، إلى ضم الضفة الغربية، وزيادة التخفيف القائم في قواعد الاشتباك لدى جيش الاحتلال، وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى انفجار الأوضاع وصولاً إلى العدوان المستمر منذ 175 يوماً على غزة وأهلها.
وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية لا تنفرد بإثارة هذا النوع من التوترات، إلا أن سياسات حكومة نتنياهو وتصرفات قادتها -الموصوفين بأنهم الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل- تحتاج إلى تعديلات قضائية تطلق أيديهم في تنفيذ مخططاتهم دون ضجيج، فكثير من الوزراء لديهم سوابق خاصة، وعلى رأسهم نتنياهو نفسه، الذي يسعى إلى تفادي دخول السجن بأي ثمن.
وتم بالفعل تمرير أحد التعديلات القضائية التي تحد من صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل"، وهو ما وصفه بيني غانتس بأنه "يوم حزين.. نحن على شفا الهاوية"!