لقرون أثار الحشاشون الخوف في الشرق الإسلامي، وانتقل صيتهم للغرب، ليس فقط لدمويتهم الاستثنائية وأساليبهم في القتل، التي يصعب مقاومتها، بل أيضاً بسبب تقلبات تحالفاتهم وصراعاتهم، وقدرتها على اختراق المجتمعات والدول.
ويحتاج فهم تاريخ طائفة الحشاشين إلى فهم أوسع للحالة السياسية السائدة خلال فترة وجودها، وكذلك فهم الطائفة الشيعية الإسماعيلية الأوسع التي ينتمي إليها الجشا.
في هذا التقرير نرصد أكثر الدول معاناة من عنف الحشاشين، والجماعات الأقرب لهم التي ما زالت موجودة لليوم، وكيف كانت نهايتهم؟
ما هي الطائفة الإسماعيلية التي انبثقت منها جماعة الحشاشين؟
تنتمي جماعة الحشاشين إلى الطائفة الشيعية الإسماعيلية، وقد لقبت الطائفة الإسماعيلية، بالباطنية؛ "لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر.. وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معيّنة" وأن من يملك فهم هذه الحقائق والإشارات هم الذين سقط عنهم التكليف.
وبالنسبة للمسلمين السنة فإن هذا التفسير الباطني للقرآن يفتح باباً خطيراً لتفسيرات تعتمد على رغبات من يأخذ بهذا النهج، تقود إلى مشكلات عقدية خطيرة.
كيف نشأت جماعة الحشاشين وما هي الطوائف الأقرب لها حالياً؟
لقد تمكنت الطائفة الإسماعيلية من خلال الأساليب الباطنية والدعوة السرية من تأسيس دولة قوية في المغرب العربي (تونس) سرعان ما هاجرت لمصر، ورغم قوتهم وسيطرتهم على الحكم حافظت الدولة الفاطمية على الطابع السري للدعوة والعقيدة.
وفي عام 1094م (487هـ)، حينما توفي الخليفة المستنصر بالله، نشب خلاف بين ابنيه المستعلي ونزار، وتحول الخلاف إلى شقاق مَذهبي، نتجت عنه طائفة الشيعة النزارية، التي منها حالياً الطائفة الإسماعيلية الرئيسية، وطائفة المستعلية التي ينتمي إليها حالياً البهرة، التي قامت مؤخراً بتجديد مسجد الحسين بالقاهرة بالاتفاق مع الحكومة المصرية، كما أنهم يقدسون بشكل خاص مسجد الحاكم بأمر الله الذي يعتقدون أنه ما زال مختفياً في بئر سري بالمسجد.
وما زال الخلاف بين الطائفتين (النزارية والمستعلية) مستمراً حتى الآن.
والحشاشون لقب أطلق على فرقة إسماعيلية بعينها، انشقت بعد وفاة المستنصر وتولية ابنه المستعلي بدل ابنه الأكبر نزار، الذي كان ولي عهده، حسب كثير من المؤرخين، وهم جزء من الطائفة الإسماعيلية النزارية.
وأسسها رجل فارسي يدّعي النسب لآل البيت هو الحسن بن الصباح الذي كان أتباعه ـ حسب المؤرخ لويس برنارد ـ يسمونه "الأكبر" إجلالاً له عن أي لقب آخر تلقب به غيره.
وما زالت بقايا الطائفة الإسماعيلية النزارية موجودة في كثير من دول العالم، ولعل من أهمها الطوائف التي يُطلق عليها الأغاخانية، ويُعد إمام هذه الطائفة واحداً من أغنى أغنياء العالم؛ نظراً لما يتحصّل عليه من أتباع هذه الطائفة من تبرعات إلزامية من أعضاء الطائفة البالغ عددهم نحو العشرة ملايين شخص في أرجاء العالم.
لماذا سُميت الجماعة بالحشاشين؟
وهناك خلاف حول سبب تسمية هذه الجماعة بـ"الحشّاشين" أو "الحشّاشية"؛ فقد قيل إن هذا اللقب أُطلق عليهم لأنهم كانوا يختفون وسط الحشائش لاغتيال معارضيهم. وقيل لشربهم "الحشيش" قُبيل عمليات الاغتيال لمعارضيهم حتى لا يتراجعوا عنها وسط تأثير هذه المادة المخدّرة، حيث يقال وفقاً لهذه الرواية إن قادة الجماعة كانوا يرسلون الأعضاء الذين سينفذون عمليات اغتيال بعد إعطائهم الحشيش بحدائق غناء بها نساء وخمر، ويقولون لهم إن هذه هي الجنة وإن نفذتم عمليات الاغتيال المطلوبة منكم ستعودون إليها.
ولكن المؤرخ الأمريكي البريطاني برنارد لويس في مقدمة كتابه "الحشاشون" استبعد أن يكون مصدرها تناول أتباع هذه الطريقة لـ"الحشيش" المخدر، مستدلاً على ذلك بأدلة منها أن كلمة (حشاش) بمعنى متناول الحشيش حديثة نسبياً.
والأهم أن تسمية هذه الجماعة بالحشاشين حسب برنارد ـ هو أمر خاص بحشاشي سوريا، مما يعني أنها تسمية متأخرة نسبياً عن زمن نشأة الحشاشين الأول (زمن الحسن بن الصباح)، ومرجحاً أن تكون الكلمة مجرد "تعبير يدل على احتقار العقائد والسلوك المعيب لأعضاء تلك الفرقة"، حيث إن الحشيش (وهو العشب اليابس) غث محتقر.
وصلوا لغرف نوم الخلفاء.. وهكذا كان حسن الصباح يجند أتباعه
بعد أن أسس حسن الصباح تنظيمه السري عام 1090، احتمى هو وأتباعه بقلعة (آل موت) في وسط جبال الديلم جنوب بحر قزوين بشمال إيران.
نفذت حركة "الحشاشون" عمليات اغتيال كثيرة ضد خصومها واستطاعت بقدرتها التنظيمية وطابعها السري أن تصل إلى غرف نوم الخلفاء وكبار الأئمة والقضاة وقادة الجيوش.
يبدو أن قوة ولاء الحشاشين وشد طاعتهم لأوامر الحسن بن الصباح أصبحت مثار استغراب، فذهب برنارد لويس إلى أنه كان يختار أتباعه المخلصين من أبناء الفلاحين، حيث يأخذهم صغاراً ويربيهم في الجبل على الولاء له وطاعته، ويشحنهم بعقائد باطنية وسياسية وأن هذه التنشئة الأولى هي سر ولائهم المطلق وطاعتهم العمياء له، ولا ندري من أين جاء بهذه المعلومات على وجاهتها، حسبما ورد في تقرير نشره موقع "إسلام أون لاين".
بينما ذهب المؤرخون المسلمون مذهباً آخر في تحليل الظاهرة، يقول ابن الجوزي في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم متحدثاً عن حسن بن الصباح: "…وكانت سيرته في دعائه أنه لا يدعو إلا غبياً، لا يفرق بين شماله ويمينه، ومن لا يعرف أمور الدنيا، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبط دماغه، ثم يذكر له حينئذ ما تم على أهل بيت المصطفى من الظلم والعدوان، حتى يستقر ذلك في نفسه.
أبرز أعداء الحشاشين
شكل الحشاشون تهديداً استراتيجياً كبيراً للسلطات الفاطمية والعباسية والسلاجقة. وعلى مدار ما يقرب من 200 عام، قتلوا المئات – بما في ذلك 3 خلفاء، وحاكم صليبي للقدس، والعديد من القادة المسلمين والمسيحيين.
وكانت عمليات الحشاشين تستهدف الدول السنية بالأساس، التي يرونها خصماً عقدياً وفكرياً وسياسياً لهم، ولذلك وجهوا أغلب جهودهم لمحاربتها بطريقتهم الخاصة المتمثلة في الغدر والاغتيال، خاصة الدولة السلجوقية التي نشأت الجماعة في أراضيها.
وكانت الدولة السلجوقية التي سيطرت على إيران والعراق وأجزاء كبيرة من الشام، الخصم الأكبر للدولة الفاطمية التي انبثقت منها الجماعة بعدما التقى مؤسسها حسن الصباح بالخليفة المستنصر بالله قبيل وفاته.
وكانت أول عملية اغتيال بازرة ينفذها الحشاشون تلك التي ذهب ضحيتها الوزير السلجوقي نظام الملك عام 485هـ، ثم قتلوا حاكم حمص جناح الدولة وهو يصلي الجمعة، وبعده الفقيه الشافعي أبي جعفر النشار 498هـ.
وكانت الطريقة المفضلة للقتل هي الخنجر أو سم الأعصاب أو السهام.
ودفعت قدرتهم على الوصول للخصوم بعض الأمراء للتعامل معهم من أجل التخلص من منافسيهم.
من ذلك اغتيالهم الملك الصليبي كونراد دي مونتفرات ملك مملكة بيت المقدس في سنة 588هـ، ويقال إن ذلك تم بطلب من الملك الإنجليزي الصليبي ريتشارد قلب الأسد.
اغتالوا خليفة فاطمياً
لقد كان الحشاشون فرقة شديدة الدموية والجرأة في مواجهة الخصوم، وكان السنة والصليبيون على السواء، يخافون من غيلتهم ودمويتهم، ومهاراتهم غير المتوقعة في الإجهاز والقتل.
ورغم أن ضحاياهم كان أغلبهم من السنة ولكنهم قتلوا الخليفة الفاطمي العاشر الآمر بأحكام الله، وذلك للخلاف العقائدي بين الإسماعيلية المستعلية في مصر والنزارية الحشاشين في إيران.
بلاد الشام من أكثر الدول معاناة من الحشاشين بعد جلبهم ملكاً سلجوقياً لاستخدامهم ضد أعدائه
كانت بلاد الشام من أكثر الدول الإسلامية معاناة من الحشاشين، (وكذلك إيران في العهد السلجوقي) حيث اتخذوا في الشام معاقل في عدد من القلاع الحصينة.
كان أول ظهور الباطنية ببلاد الشام في مدينة حلب، التي كانت تحت حكم الملك السلجوقي رضوان بن تتش، حيث أقام الداعي الباطني الحكيم المنجم الذي أرسله الحسن بن الصباح من ألموت لنشر الدعوة في الشام واستطاع استمالة رضوان إلى الباطنية على أساس أن يستغل هذا شجاعة الباطنية في اغتيال خصومه السياسيين، فحفظ الملك رضوان جانبهم وشايعهم حتى أصبح لهم بحلب دار دعوة، ثم ضعف الحشاشون نتيجة تنكيل ألب أرسلان بن رضوان بن تتش -الذي تولى الحكم في حلب بعد وفاة أبيه.
ولكن اشتد نفوذ الحشاشين أيام داعيتهم بهرام في دمشق، وما جاورها في الربع الأول من القرن السادس الهجري، وفي ذلك الوقت كانت سوريا تخضع لحكام سلاجقة شبه مستقلين إضافة إلى الصليبيين في المناطق الساحلية بشكل خاص.
لكن غضب أهل دمشق على هذه الدعوة اضطر بهرام للهرب مع أتباعه، فتمكن من الاستيلاء على قلعة بانياس غربي دمشق، ولم يلبث إلا قليلاً حتى بدا خطره ماثلاً من جديد على هذه المنطقة.
تحالفوا مع الصليبيين لغزو دمشق
وتولى حكم دمشق تاجُ الملوك بوري، وفي عهده أفرط وزيره المزدقاني الموالي للباطنية في حماية رفاقه، حتى إنه عرض على الصليبيين تسليمهم دمشق غيلة مقابل إعطائه هو والباطنيين مدينة صُور بديلا عنها، وحدّد الطرفان أحد أيام الجُمع لتنفيذ ذلك الاتفاق، وقت انشغال أهل دمشق بصلاة الجمعة، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة".
لكن تم كشف المؤامرة قبل موعدها فقتَل الأمير بوري وزيره الخائن، وأصدر قراره بتعقب الباطنية في كافة بلاده، وهو الأمر الذي تحمس له العامة قبل القادة، ولم يأت منتصف رمضان سنة 523هـ/1129م حتى قُتل ستة آلاف باطني، وعند ذلك استنجد داعيتهم إسماعيل العجمي بالصليبيين الذين كانوا يتمركزون في الساحل الشامي، طالباً منهم الحماية واللجوء مقابل تسليمهم قلعة بانياس.
وصل الصليبيون على الميعاد المقرر وحاصروا دمشق، ولكن تاج الملك أرسل أميراً من أمرائه يُعرف بشمس الخواص جمع المسلمين إليهم، فلقوا الصليبيين وقاتلوهم وانتصر المسلمون عليهم فرحلوا عن دمشق.
أما صاحب بانياس الباطني إسماعيل العجمي، فخاف إسماعيل على نفسه وعلى أصحابه من أنه يثور به الناس فيقتلونهم، فاتفق مع الصليبيين، على منحهم بانياس على أن ينتقل إلى بلادهم ليأمن بهم، حسبما ورد في الموسوعة العربية الرقمية.
وظل الحشاشون الباطنية في بلاد الشام على صلة وثيقة بالصليبيين.
حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي
قاموا الحشاشون بعدة محاولات لاغتيال صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه نجا منها وكانت آخرها تلك العملية التي تنكر فيها بعض من أتباعهم في زي جنود صلاح الدين أثناء حصاره لقلعة إعزاز وتحينوا فرصة مرروه بهم ليقوم أحدهم بطعنه بسكين في رأسه إلا أن خوذته الحديدية حمته من الإصابة.
ولقد أراد "الحشاشون" قتل صلاح الدين الأيوبى؛ لأنه أسقط الخلافة الفاطمية، لذا تعاونوا مع الصليبيين للقضاء عليه.
وأوضح كتاب "حركة الحشاشين" كتاب "حركة الحشاشين" للكاتب محمد عثمان الخشت، أن صلاح الدين عزم على سحقهم وإبادتهم قبل أن يستفحل شرهم أكثر من ذلك، فهاجم قلعة مصياف معقلهم الرئيسى، وحاصرهم حصاراً شديداً، وجرت مفاوضات بينه وبين سنان شيخ الجبل بواسطة صاحب حماة خال صلاح الدين، وذلك بطلب من سنان، وقد نجحت المفاوضات، وانتهت بتحالف قوى بين صلاح الدين وسنان شيخ الجبل.
بعد هذا الاتفاق التزم الحشاشون بما تعهدوا به لصلاح الدين، وتعاونوا في الحروب الصليبية، حيث كانت فرقة عسكرية كاملة منهم تحارب مع صلاح الدين، وكانت هذه الفرقة تحت قيادة الأمير محمد الأيوبى ابن أخي صلاح الدين.
الحشاشون تحالفوا مع المغول ثم جاءت نهايتهم على أيديهم
بعد الاجتياح المغولي الأول للمشرق الإسلامي الذي بدأ عام 616هـ/1219م، وثقت طائفة الحشاشين علاقتهم بالمغول في بادئ الأمر؛ بل ورد في بعض المصادر أن الإسماعيلية هم الذين دعوا جنكيز خان إلى القضاء على جلال الدين خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية التي ورثت دولة السلاجقة في تلك المنطقة؛ لما لحقهم على يديه من العنت والتضييق ومحاولات التصفية، وفقاُ لتقرير "الجزيرة".
غير أنهم رأوا أن مطامع المغول لا تتوقف عند حد معين، وأن فتوحاتهم وتوسعهم لا يزال مستمراً، فخافوا من هذا الخطر الداهم، وسعوا في طلب العون من الصليبيين.
ولقد أراد آخر إمام إسماعيلي وهو ركن الدين خورشاه التوجه إلى مونكوخان زعيم المغول في قراقورم، لعله يحصل على معاملة لائقة أو ضمانة لحياته، لكن الزعيم المغولي رفض هذا اللقاء.
ثم تقدم هولاكو لمناطقهم عام 1256، وأثناء حصار قلعتهم الحصينة في ميمون ديز، استسلم ركن الدين خورشاه للمغول وأمر مرؤوسيه بالاستسلام وهدم حصونهم كذلك، ثم سلم قلعة "ألموت" إلى المغول، الذين قاموا بتفكيكها وتدمير مقتنيات مكتبتها الشهيرة، وكان ذلك بمثابة نهاية للدولة النزارية في بلاد فارس.
ولكن استعاد الحشاشون مدينة ألموت واحتفظوا بها لبضعة أشهر عام 1275، لكن تم سحقهم وفقدت سلطتهم السياسية إلى الأبد. وتم إعدام ركن الدين خورشاه بعد ذلك بوقت قصير، واستمرت بعض المعاقل في المقاومة لسنوات عديدة، وأبرزها جيردكوه.
وكان آخر معاقل الحشاشين في سوريا هو كهف في الجبال الساحلية السورية عام 1273. ويقال إن المماليك استمروا في استخدام خدمات الحشاشين المتبقين، وحافظ الإسماعيليون على حكم ذاتي محدود في معاقلهم السابقة بالشام باعتبارهم رعايا مخلصين للمماليك.
وعلى الرغم من أن مذبحة المغول في "ألموت" فُسرت على نطاق واسع على أنها نهاية النفوذ الإسماعيلي في المنطقة، إلا أن مقالاً بعنوان عودة النسر: الدليل على استمرار النشاط الإسماعيلي في ألموت ومنطقة جنوب قزوين بعد الغزوات المغولية نشر في Journal of the American Oriental Society عام 2003، يقول إنه يبدو أن النشاط السياسي الإسماعيلي في المنطقة حتى عام 1006هجرية/ 1597ميلادية.