مع بقاء 10 أيام على الانتخابات المحلية، تتزايد المنافسة بين الأحزاب والمرشحين في التحالف الحاكم من جهة والمعارضة من جهة أخرى، لا سيما مع ظهور استطلاعات رأي توضح تقارباً بين المتنافسين في بعض الولايات، التي يمكن وصفها بالولايات "المتأرجحة"، وقد تتحول بعضها من حزب إلى الحزب الآخر في المعسكر المقابل، وهو ما سيحدد بشكل كبير ملامح الفائز بالانتخابات المحلية في تركيا هذا العام.
وتظهر استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات المحلية التركية 2024، المقررة في 31 مارس/آذار الجاري، احتمالية خسارة العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) وحزب الشعب الجمهوري (المعارض) في بعض الولايات المهمة في عموم البلاد، وهو. ما يسبب نوعاً من القلق بين الأطراف المتنافسة.
في الانتخابات المحلية القادمة لاختيار رؤساء بلديات 30 مدينة كبرى في تركيا، سيتم انتخاب رئيس 51 بلدية مدن، و922 بلدية منطقة، و1282 عضواً في مجالس المحافظات، و21011 عضواً في المجالس البلدية.
التحالفات في الانتخابات الماضية
يرى رئيس شركة "أوبتيمار" لاستطلاعات الرأي (المقربة من الحزب الحاكم)، حلمي داشديمير، أن التحالفات الانتخابية في انتخابات عام 2019، كان لها تأثير كبير في فوز المعارضة ببعض البلديات التي كانت في يد العدالة والتنمية، لا سيما دعم "حزب الجيد" و"الشعوب الديمقراطي"، لمرشحي حزب الشعب الجمهوري، ما سبب خسارة كبيرة لمرشحي الحزب الحاكم، في العديد من المدن، أبرزها أنقرة وإسطنبول.
أضاف داشديمير في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن الدعم الذي حصل عليه تحالف الشعب (الحاكم)، من حزب الرفاه من جديد في الانتخابات الماضية؛ لن يتكرر هذه الانتخابات، إذ سيخوضها منفرداً، ما قد يشكل عقبة كبيرة في مسار تحالف الحزب الحاكم، بشقيه العدالة والتنمية والحركة القومية.
أكرم إمام أوغلو أم مراد كوروم؟
بحسب نتائج استطلاعات الرأي العام المختلفة، وكذلك التقييمات الداخلية للأحزاب، فإن إسطنبول هي إحدى المدن التي تشهد منافسة محتدمة، وسيكون السباق فيها متقارباً بصورة كبيرة.
أقوى المرشحين في السباق الانتخابي في إسطنبول، هما وزير البيئة والتنمية العمراني السابق مراد كروم عن العدالة والتنمية، ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو عن الشعب الجمهوري.
على الرغم من أن إمام أوغلو يبدو متقدماً وفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة، إلا أن أصوات مرشحي حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية، وحزب الجيد، وحزب الرفاه من جديد، وحزب النصر، ستكون فعالة في توسيع أو سد الفجوة بين المرشحين.
نتيجة لآخر استطلاعات الرأي التي تظهر التقارب الواضح بين مراد كروم وإمام أوغلو، التي تم إجراؤها وجهاً لوجه مع إجمالي 5 آلاف و700 شخص، حصل حزب الجيد على 4%، وحزب الديمقراطية والمساواة الشعبية على 3%، وحزب الرفاه من جديد على 2.5%.
ولايات قد تتحول من الشعب الجمهوري إلى العدالة والتنمية
بعد الانتخابات العامة والرئاسية الماضية، التي جرت في 14 مايو/أيار 2023، تفكك تحالف الأمة المعارض، الذي حقق النجاح في الانتخابات المحلية لعام 2019.
يواجه حزب الشعب الجمهوري، الذي غيَّر رئيسه خلال المؤتمر العام للحزب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خطر خسارة بعض المدن التي يسيطر عليها.
من المحافظات المحفوفة بالمخاطر بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، أنطاليا، وإسكي شهير، وهاتاي، وأضنة، ومرسين، وأيدن.
في أنطاليا، يعارض حليف الشعب الجمهوري حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية رئيس البلدية الحالي، ومرشح حزب الشعب، محيي الدين بوجيك.
كما أن حزب الجيد قدم مرشحاً هو الآخر في المدينة الساحلية جنوبي تركيا، وهذه عوامل تزيد من احتمال الخسارة.
بحسب آخر استطلاع لشركة MAK لدراسات الرأي، حصل مرشح حزب العدالة والتنمية في أنطاليا هاكان توتونجو على 41%، في حين بدا أن بوجيك يقع في نطاق 34%.
بلغت معدلات التصويت لحزبي الديمقراطية والمساواة الشعبية وحزب الجيد 7% في هذا الاستطلاع.
قلعة مهمة للشعب الجمهوري مهددة
الوضع حرج كذلك بالنسبة للمعارضة في مدينة إسكي شهير، المعروفة بأنها واحدة من أهم قلاع حزب الشعب الجمهوري.
لم يرشح حزب الشعب الجمهوري يلماز بويوكيرشن، لتنتهي بذلك فترة رئاسته للبلدية، التي استمرت 25 عاماً.
كان بيوكيرشن قد فاز بأول انتخابات له في عام 1999،وساعد إسكي شهير في الحصول على مكانة مهمة في السياحة الداخلية خلال فترة ولايته كرئيس للبلدية.
يعمل حالياً منسقاً عاماً للجنة البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري بعد خمس فترات.
في الانتخابات المحلية عام 2019، حصل بويوكيرشن، المدعوم من تحالف الأمة حينها، على 52.3% من الأصوات، بينما حصل مرشح تحالف الشعب برهان سكالي على 45.1% من الأصوات.
مع عدم ترشيح بويوكرشين، أظهرت استطلاعات الرأي حصول مرشحة حزب الشعب الجمهوري عائشة أونولجو التي عملت مع يلماز بيوكيرشن ومرشح تحالف الشعب ورجل الأعمال الذي كان عضواً في الحزب الجيد نبي خطيب أوغلو على معدلات تصويت متقاربة للغاية.
في الاستطلاع الذي أجرته شركة MAK Research من خلال مقابلات وجهاً لوجه في الفترة ما بين 23 فبراير/شباط و5 مارس/آذار، حصل خطيب أوغلو على 43% من الأصوات وأنولجو على 42%.
أما في الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة Asal Research في الفترة من 10 إلى 14 مارس/آذار، حصلت أنولجو على 42.5%؛ مقابل 40.6% لنبي خطيب أوغلو مرشح حزب العدالة والتنمية.
لكن مسؤولي حزب الشعب الجمهوري في إسكي شهير يقولون إنهم لا يرون خطراً، على الرغم من تقارب الاستطلاعات بين المرشحين.
بحسب الاستطلاعات في هذه المدينة، يتمتع كذلك حزب الجيد والديمقراطية والمساواة الشعبية بنسبة تصويت تتراوح بين 2 و3%.
هل تعود هاتاي للعدالة والتنمية؟
ولاية هاتاي جنوب شرقي تركيا على الحدود مع سوريا، هي إحدى أكثر المناطق تضرراً من زالزل 6 فبراير/شباط 2023؛ هي كذلك واحدة من الولايات التي كانت تعد محسومة لحزب الشعب الجمهوري.
في هذه المدينة، يعد رئيس المدينة الحالي لطفي سافاش عن الشعب الجمهوري، ومرشح تحالف الشعب محمد أونتورك هما المرشحين الرئيسيين.
يذكر أن معدل التصويت لسافاش أعلى في المناطق الريفية من المدينة، فيما تشير التقديرات إلى أن مرشح حزب العمل التركي، جوخان زان، اجتذب أيضاً أصوات رد الفعل ووصل إلى نسبة 10%.
مع حالة الغضب المتصاعدة ضد مرشح حزب الشعب الجمهوري الذي انتقد إعادة ترشيحه قيادات كبيرة في أكبر أحزاب المعارضة، تقترب الولاية من العودة إلى سيادة العدالة والتنمية من جديد، بعد أن خسرها في انتخابات عام 2014.
أضنة.. فارق الأصوات يتقلص
في ولاية أضنة جنوب شرقي تركيا، يتضاءل فارق الأصوات بين مرشح حزب الشعب الجمهوري ورئيس البلدية الحالي زيدان كارالار، أمام مرشح تحالف الشعب فاتح محمد كوجاسبير عن حزب العدالة والتنمية.
وفقاً لأبحاث MAK، قبل توزيع الأصوات المترددة، حصل كارالار على 34% من الأصوات، وكوجاسبير على 35% من الأصوات.
في حين تقع أيوجا توركيش تاش، ابنة مؤسس حزب الحركة القومية والمرشحة عن حزب الجيد في موقع حاسم بنسبة 12% من الأصوات.
في أحدث استطلاع أجرته شركة Gezici Research، حصل كارالار على 45.9%، بينما حصل كوكايسبير على 41.3%، وفي هذا الاستطلاع الأخير، بلغ معدل تصويت توركيش 5.3%.
هل مرسين وأيدن في الطريق إلى تحالف الشعب الحاكم؟
أما في ولاية مرسين جنوبي تركيا، يرى رئيس شركة أوبتيمار لدراسات الرأي حلمي داشديمير، أن مرشح حزب الشعب الجمهوري ورئيس البلدية الحالي وهاب سيتشار، يواجه منافسة مع مرشح تحالف الشعب باسم سردار سويدان، الذي ينتمي إلى حزب الحركة القومية.
أضاف داشديمير، أن الفجوة بين المرشحين القويين ليست واضحة للغاية، وأن معدلات التصويت لمرشح حزب الجيد ومرشح حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية ستحدد نتائج هذه الولاية المهمة تجارياً وسياحياً.
في ولاية أيدن جنوب غربي تركيا، يبدو أن رئيسة المدينة أوزليم تشيارشاوغلو عن حزب الشعب الجمهوري في المقدمة، ولا توجد حصة تصويتية لا يمكن إغلاقها بين مرشح تحالف الشعب مصطفى سافاش من حزب العدالة والتنمية الذي يليها.
وبينما يركز حزب الشعب الجمهوري على عدم خسارة هذه المدينة، يجمع مرشح حزب الجيد أوزر كايلي ما يكفي من الأصوات التي يمكن من خلالها تغيير النتيجة لصالح تحالف الشعب.
احتمالية خسارة العدالة والتنمية في الولايات
هناك كذلك العديد من المدن الكبرى التي قد يتعرض فيها حزب العدالة والتنمية للخسارة في انتخابات 31 مارس/آذار 2024، لأسباب مختلفة، مثل الصعوبات الاقتصادية، وترشيح حزب الرفاة من جديد لمرشحين منافسين قد يستقطبون ناخبي الحزب الحاكم.
في السياق، يراهن مسؤولو حزب الشعب الجمهوري، على الفوز ببعض المحافظات التي يقودها العدالة والتنمية، خاصة في ولايات بورصة ومانيسا وباليكسير وملاطية.
الوضع في ولاية بورصة
بحسب حلمي داشديمير، فإن ولاية بورصة، لا تشهد فرقاً كبيراً في معدلات الأصوات لرئيس بلدية بورصة الحالي، ومرشح تحالف الشعب، ألينور أكتاش عن حزب العدالة والتنمية، ومرشح حزب الشعب الجمهوري، مصطفى بوزبيه.
إضافة إلى هذين المرشحين، يرى رئيس شركة "أوبتيمار" لدراسات الرأي، أن مرشحي حزب الجيد، والرفاه من جديد، والديمقراطية والمساواة الشعبية، وحزب السعادة، يجمعون أصواتاً في نطاق 1-2%.
لذلك سيعقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حزب العدالة والتنمية التجمع الأخير لهذه الانتخابات المحلية في ولاية بورصة يوم الخميس 28 مارس/آذار 2024، وفقاً لمسودة برنامج الرئيس المعلنة حتى اللحظة.
الشعب الجمهوري يسعى للفوز ببلدية رئيسه
في ولاية مانيسا، مسقط رأس رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل؛ ستكون هناك انتخابات مثيرة للاهتمام والمنافسة.
ففي حين يبدو أن مرشح تحالف الشعب جنكيز أرجون عن حزب الحركة القومية يتقدم بفارق الأصوات في استطلاعات الرأي، فإن مرشح حزب الشعب الجمهوري فردي زيريك يتحرك نحوه بصورة طفيفة.
لكن العامل الذي سيكون له تأثير في تغيير نتيجة الانتخابات في ولاية مانيسا بحسب استطلاعات الرأي، هو التصويت لسلجوق أوزداغ، مرشح حزب المستقبل، الذي يقترب من حصد 20%.
ولاية باليكسير.. نصر ضعيف للعدالة والتنمية
من الولايات الأخرى التي ستكون الانتخابات فيها شرسة، ولاية باليكسير، وسط تركيا، وقد حفز النصر الضيق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2019 حزب الشعب الجمهوري للعمل من أجل السيطرة على هذه الولاية.
ويعد دخول نائب باليكسير تورهان جوميز، إحدى الشخصيات المهمة في حزب الجيد ، التي تحالف معها في الانتخابات المحلية الأخيرة، إلى السباق الرئاسي، أهم العقبات أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري أحمد أكين.
كما لا توجد حالياً فجوة لا يمكن ردمها بين رئيس بلدية حزب العدالة والتنمية الحالي يوسيل يلماز، مرشح تحالف الشعب، وأكين عن حزب الشعب الجمهوري.
يُقدر معدل ناخبي حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية في المدينة بحوالي 5%.
ملاطيا.. العدالة والتنمية يتقدم.. ولكن!
في ولاية ملاطية، إحدى الولايات المتضررة من الزلزال، أصبح النائب في مجلس الأمة التركي ولي أغبابا، أحد الشخصيات المهمة في حزب الشعب الجمهوري، مرشحاً لمنصب رئيس بلدية مسقط رأسه.
بينما يتقدم مرشح تحالف الشعب سامي إير من حزب العدالة والتنمية بما لا يقل عن 10 نقاط، وفقاً لاستطلاعات الرأي؛ فإن الأصوات التي يمكن أن تؤثر على نتيجة الانتخابات في هذه المدينة تتركز في مرشح حزب الرفاة من جديد بلال يلدريم الذي يحصد حالياً قرابة 17%، وفقاً لأبحاث شركة MAK.
هل من مفاجآت في شانلي أورفا وأوردو؟
تُعد شانلي أورفا وأوردو من بين المقاطعات التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها في الانتخابات المحلية.
في حين يبدو أن مرشح تحالف الشعب، ورئيس بلدية أورفا، زينال عابدين بيازغول، عن حزب العدالة والتنمية يتقدم بفارق ضئيل بحسب استطلاعات الرأي، إلا أن مرشح حزب الرفاه من جديد قاسم غولبينار، الذي كان سياسياً في حزب العدالة والتنمية لفترة طويلة يطارده بفارق بسيط.
يأتي خلف المرشحين مباشرة مرشحا حزب "الديمقراطية والمساواة الشعبية" جلال الدين إرمين، وجولسار يلدريم، بفارق لا يستهان به.
أوردو.. منافسة بين العدالة والتنمية والجيد
في ولاية أوردو، يدور السباق الانتخابي بين مرشح تحالف الشعب ورئيس البلدية الحالي حلمي جولر عن حزب العدالة والتنمية، ومرشح حزب الجيد أنور يلماز.
بحسب استطلاعات الرأي، فإن هناك فارقاً بسيطاً بينهما؛ خاصة أن يلماز المرشح عن حزب الجيد في هذه الانتخابات كان رئيساً للبلدية عن حزب العدالة والتنمية وتم فصله منها، ومن الحزب عام 2018.
يشار إلى أن الأحزاب التركية تخوض التحالفات الانتخابية في كل بلدية وحدها، ولا يجمعها تحالف شامل في كامل المناطق، إذ إن بعض الأحزاب المتحالفة مثل تحالف الحزب الحاكم، يشهد تنافساً بين مكونيه "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" في بعض المدن والولايات التي يوجد فيها تنافس مع المعارضة.