بعد أسبوعين فقط من توليه الرئاسة، في يناير/كانون الثاني 2021، اتخذ جو بايدن ثلاث خطوات رئيسية على أمل إنهاء الحرب في اليمن. أولاً قام بإزالة الحوثيين من قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" التي أُعلِنَت في الأيام الأخيرة من ولاية دونالد ترامب. ثانياً قام بتعيين تيم ليندركينغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن.
وأخيراً، أعلن بايدن أن واشنطن ستتوقف عن دعم العمليات الهجومية السعودية في اليمن، وأعلن أن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي. وظل إنهاء الحرب في اليمن هدفاً سياسياً رئيسياً لإدارته، لكن بعد إنهاء الحرب فشل بايدن في اليمن وتم جره إلى حرب من نوع آخر هناك.
الدبلوماسية الأمريكية ومحاولات إنهاء الحرب في اليمن منذ 2021
بحلول يناير/كانون الثاني 2021، كانت السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، قد بدأت في إخراج نفسها من المستنقع اليمني، لذلك لم يلق الموقف الأمريكي الجديد العداء الذي كان يتوقعه من الرياض، بل إنه في الواقع "رُحِّبَ" بها رسمياً، على أمل أن تساعد مشاركة واشنطن الدبلوماسية في هذه العملية.
حدثت تطورات كبيرة، في أبريل/نيسان 2022، مع إعلان هانس غروندبرغ، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، عن هدنة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية. وبعد أيام قليلة من إعلان غروندبرغ، استُبدِلَ رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عبد ربه منصور هادي، الذي تشبَّث بهذا المنصب منذ عام 2012، بشكل غير رسمي بمجلس القيادة الرئاسي في اجتماع في الرياض استضافه محمد بن سلمان.
ويتألف مجلس القيادة الرئاسي من ثمانية رجال، منهم رشاد العليمي، وزير الداخلية السابق الذي صعد إلى الرئاسة، وقادة مختلف الفصائل العسكرية المناهضة للحوثيين نواباً للرئيس، بعضهم متحالف مع السعوديين والبعض الآخر مع الإماراتيين. وأعطاهم هادي عند تسليمه سلطته تفويضاً بالتفاوض مع الحوثيين "من أجل وقف دائم لإطلاق النار في عموم الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل، يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من دولة من حالة الحرب إلى حالة السلام.
وكما هو مُتوقَّع، ونظراً لتكوين المجلس، فقد بذل أعضاؤه منذ ذلك الحين قدراً أكبر من الجهد في الاختلاف مع بعضهم البعض بدلاً من قتال الحوثيين، كما تقول مجلة Reponsible Statecraft الأمريكية.
جاء التطور الرئيسي الآخر في وقت لاحق من عام 2022، وتمثَّل ذلك في بدء المفاوضات المباشرة والمعترف بها علناً بين السعوديين والحوثيين، ما أدى إلى التهميش الفعلي للعملية التي يرعاها كلٌّ من الأمم المتحدة ومجلس القيادة الرئاسي، ولكن ذلك فتح المجال للوساطة العمانية. وخلال معظم عام 2023، تقدمت تلك المحادثات بعلامتين رئيسيتين: في أبريل/نيسان، رحلة رسمية إلى صنعاء، العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون، قام بها وفد سعودي رفيع المستوى، تلتها في سبتمبر/أيلول زيارة عودة إلى المملكة من قبل كبار المسؤولين الحوثيين.
وفي كلتا المناسبتين انتشرت شائعات على نطاق واسع، بأن الاتفاق كان على وشك التوصل إليه. وبالفعل فقد استُدعِيَ أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى الرياض في كلتا المناسبتين، لإطلاعهم على الوضع بدلاً من استشارتهم. وبالمثل، كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة، في أحسن الأحوال، على علم بالتطورات.
تتضمن مسودة الاتفاق وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، تليها ثلاثة أشهر من المناقشات اليمنية الداخلية، استعداداً لمرحلة انتقالية مدتها عامان. كان التنازل الرئيسي للحوثيين هو أن السعوديين سيوقِّعون على الاتفاق باعتبارهم "وسطاء" بدلاً من "مشاركين"، ما يقلل من احتمال توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد الرياض، بسبب حملة القصف المدمرة للغاية التي شنتها خلال السنوات السابقة من الصراع.
وفي المقابل، وافق السعوديون على دفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين، بمن في ذلك أفراد الجيش والأمن التابعون للحوثيين، لمدة ستة أشهر على الأقل. وكان من الممكن أن تكون الذروة المتوقعة حدثاً يوقِّع فيه الحوثيون والحكومة المعترف بها دولياً، التي لديها الكثير لتخسره بسبب مثل هذا الاتفاق، بما في ذلك الدعم السعودي السخي، كمشاركين على وثيقة شهدها السعوديون ومن المحتمل العمانيون كوسطاء. وكان من شأن هذا أن يضفي الطابع الرسمي على خروج السعودية من الصراع اليمني، بينما يترك لوساطة الأمم المتحدة المهمة الأصعب المتمثلة في معالجة الصراعات اليمنية الداخلية.
التصعيد في البحر الأحمر بعد السابع من أكتوبر يغير المعادلات
مع ذلك، فإن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر، التي جاءت بعد السابع من أكتوبر، جعلت من الصعب على نحو متزايد مواصلة المفاوضات، ناهيك عن إبرام الاتفاق المعلق. وأعقب سيطرة الحوثيين على سفينة "جالاكسي ليدر" في 19 نوفمبر/تشرين الثاني سلسلةٌ من الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل، حيث قال الحوثيون إنه للضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة.
وكان الرد الأمريكي الأولي خجولاً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأمل المتبقي لدى إدارة بايدن، في أن يؤدي إنهاء حرب اليمن رسمياً، إلى تمكينه من تحقيق نجاح كبير في السياسة الخارجية في عام الانتخابات.
وبينما يفسر هذا الأمل ضبط النفس الذي تمارسه واشنطن، فإنه لا يفسر سبب فشل الإدارة في التشاور مع حلفائها الرئيسيين في أوروبا. ونتيجة لذلك، عندما أنشأت الولايات المتحدة تحالف "حارس الازدهار" غير الفعَّال، في 18 ديسمبر/كانون الأول، حصلت على دعم دولي ضئيل وتنصل سريع من قِبَل الدول الأوروبية الكبرى، التي أعلنت عن عمليتها الخاصة في منتصف فبراير/شباط 2024.
وقد حاول غروندبرغ دفع خريطة الطريق الخاصة به إلى الأمام، لكن التصعيد الذي حدث في البحر الأحمر يهدد تلك الجهود بشكل متزايد. في 11 يناير/كانون الثاني، بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عملية "بوسيدون آرتشر" ضد أهداف في البر الرئيسي اليمني للمرة الأولى، بهدف تقليل قدرة الحوثيين على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة.
في البداية، قُدِّمَت الضربات على أنها "لمرة واحدة"، لكنها أصبحت يومية تقريباً، وبحلول نهاية فبراير/شباط، كانت الضربات قد أصابت 230 موقعاً في جميع أنحاء البلاد.
هجمات الحوثيين تؤكد فشل استراتيجية بايدن في البحر الأحمر
مع ذلك، فإن عدد هجمات الحوثيين لم يتضاءل، ورغم أن عدداً قليلاً من السفن أصيب، ولم تتعرض السفن المتضررة إلا لأضرار طفيفة، فإن السفينة روبيمار المملوكة لبريطانيا، التي ضُرِبَت في 18 فبراير/شباط، غرقت بعد أسبوعين، ما أدى إلى تلويث البحر بالأسمدة وبقعة نفط ضخمة.
وتقول مجلة Reponsible Statecraft الأمريكية إنه لا توجد إشارة على نهاية هجمات الحوثيين، فرغم أسابيع من الضربات، لا يزال المسؤولون الأمريكيون غير واضحين بشأن تأثيرها، بسبب نقص المعلومات حول مخزون الحوثيين من المقذوفات.
وفي الوقت نفسه، يدعم غالبية اليمنيين أعمال الحوثيين الداعمة لفلسطين، حتى لو كانوا غير راضين عن حكم الحوثيين. الدعم الصريح الوحيد للضربات الأمريكية والبريطانية داخل اليمن يأتي من الحكومة المعترف بها دولياً، التي طلب عدد من قادتها استكمال الضربات بالعتاد والتدريب وغير ذلك من الدعم العسكري، لمحاربة الحوثيين وهزيمتهم بطريقة أو بأخرى، على حد تعبيرهم.
وإذا صعَّدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مشاركتهما في الصراع اليمني -وهو الاحتمال الذي أصبح أكثر ترجيحاً بعد الضربة القاتلة التي شنها الحوثيون يوم الأربعاء- فإن احتمالات تفاقم الوضع تلوح في الأفق، وهو ما يذكِّرنا بشكل متزايد بالعراق أو أفغانستان قبل عقود.
وفي حين يبدو أن التدخل السعودي في حرب اليمن قد انتهى، ولو بشكل غير رسمي، يواجه اليمنيون الآن احتمال ظهور شكل جديد من التدخل الدولي في أزمتهم، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتدهور بالفعل والأزمة الإنسانية التي كانت متفشيةً من عام 2015 وحتى وقت قريب، والتي تعتبرها الأمم المتحدة "الأسوأ في العالم".
ومن المؤسف أنه في غياب أي احتمال فوري لإنهاء التدمير الكارثي الذي تلحقه إسرائيل بغزة، فإن احتمالات السلام في اليمن تبدو بعيدة على نحو متزايد، ويبدو أن بايدن ينجر أكثر للحرب هناك.