بالتزامن مع تراجع شعبيته والاستياء من سياساته الداخلية والخارجية بحسب آخر استطلاعات الرأي التي أفادت بأن ثلثي سكان الولايات المتحدة يشعرون بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ٬ أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن، طلبين للحصول على تمويل إضافي في أواخر أكتوبر/تشرين الأول. واستهدف الطلب الأول دعم حرب إسرائيل في غزة وحرب أوكرانيا ضد روسيا بصفةٍ أساسية، قبل أن يتحول إلى قانون الأمن القومي الذي مرره مجلس الشيوخ في فبراير/شباط بميزانية قدرها 95 مليار دولار.
وفي الأسبوع الجاري، حثّ بايدن قيادة مجلس النواب على تمرير مشروع القانون في أقرب وقت ممكن. ولم يسبق للرئيس الأمريكي أن كان ملتزماً بهذا القدر تجاه دعم واحدةٍ من أولوياته. حيث ألقى خطاباً نادراً داخل المكتب البيضاوي من أجل الترويج لهذه الخطة تحديداً- وهو ما لم يفعله مع أي مقترح آخر- كما صنّف هذا التمويل على أنه من "المتطلبات الطارئة".
وخلال الأسابيع والأشهر التي أعقبت ذلك، حرص بايدن على أن يظل ذلك الطلب على رأس جدول أعمال الكونغرس، حتى وإن كان هذا يعني تعطيل الأعمال التشريعية الأخرى. وقد أتت جهوده بثمارها، حيث إن مشروع القانون الحالي يمنح بايدن ما كان يطلبه بالضبط٬ كما يقول موقع The Intercept الأمريكي.
بينما جاء المقترح الثاني بنصف ميزانية المقترح الأول، واستهدف تمويل البرامج المحلية مثل منح مؤسسات رعاية الأطفال والإغاثة في حالات الكوارث. لكن ذلك الطلب لم يكن مصنفاً باعتباره من أوجه الإنفاق الطارئة.
بايدن لا يتعامل مع المصاعب المالية في الداخل بجديّة عكس ما يفعل بالخارج
وناشد بايدن الكونغرس بشكلٍ شخصي ومتكرر، من أجل الموافقة على خطة سياسته الخارجية، لكنه لم يتطرق حتى إلى ذكر مقترحه الداخلي في بياناته منذ تقديمه في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول. ولم يرد ذلك المقترح في منشوراته، سواء على حسابه الشخصي أو الرئاسي، في منصة إكس كذلك.
ومن الواضح أن طريقة صياغة المقترح تشير إلى أن بايدن لم يكن يرغب في التعامل معه بجدية. حيث جاء طلب السياسة الخارجية في صورة مسودة مقترح تشريعي كاملة من 69 صفحة، وموجهة إلى رئيس مجلس النواب. بينما كان الطلب المحلي عبارةً عن جدولٍ تلخيصي من صفحتين فقط٬ كما يقول الموقع الأمريكي.
ولا شك في أن القدر غير المتكافئ من الجهد السياسي- والمنتظم- الذي بذله بايدن من أجل مقترح إنفاقه العسكري، مقارنةً بمشروع مكافحة الفقر المحلي، يسلط الضوء على مدى الانفصال بين فكرة واشنطن عن "الأمن القومي" وما يعنيه الأمن بالنسبة للطبقة العاملة والأسر فعلياً. إذ كان المقترح المحلي سيصبح مشروع قانونٍ الآن لو كان هناك تكافؤ بين الجانبين.
وبموجب مشروع الأمن القومي لعام 2024، ستنفق الولايات المتحدة على جيشها في العام الجاري أموالاً أكثر مما كانت تنفقه في المتوسط سنوياً أثناء الحرب العالمية الثانية. حيث جرى تخصيص 70% من ميزانية مشروع القانون البالغة 95 مليار دولار لصالح البنتاغون، إضافة إلى 886 مليار دولار أخرى وافق عليها الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول. وتصل ميزانية البنتاغون المنتظرة للسنة المالية 2024 إلى 953 مليار دولار إجمالاً.
الأمريكيون يشكون من الغلاء وصعوبات الحياة في عهد بايدن
لكن بالتزامن مع ضغط بايدن لتمرير أكبر ميزانية عسكرية في حقبة ما بعد الحرب، يقول 63% من البالغين الأمريكيين إن ارتفاع الأسعار يمثل مصدراً لصعوبة الحياة. بينما يقول 41% إنهم واجهوا صعوبة في دفع تكلفة الاحتياجات الأساسية مثل الطعام، والمسكن، ورعاية الأطفال، والمرافق. ويقول 23% إنهم عجزوا عن سداد فواتير الطاقة كاملةً في العام الماضي.
وأصبحت مقاييس العسر المالي المذكورة أعلى مما كانت عليه في المتوسط خلال أعوام 2021، و2022، و2023. لكن تركيز الرئيس ينصب على الأسلحة ودعم إسرائيل في خضم أزمة تكاليف المعيشة الراهنة٬ كما يقول موقع The Intercept الأمريكي.
وذهب الشطر الأكبر من الخطة المحلية، لتمديد منحة استقرار رعاية الأطفال التابعة لقانون خطة الإنقاذ الأمريكية، وذلك لمدة عام واحد وبميزانية قدرها 16 مليار دولار. وقد أنقذت تلك المنحة قطاع رعاية الأطفال الهش بالفعل من براثن الانهيار أثناء الجائحة، عن طريق إبقاء العاملين في وظائفهم وتخفيف التكاليف عن كاهل الأسر.
وأدى نفاد صلاحية منح الاستقرار في 30 سبتمبر/أيلول إلى إشعال كارثة بدأت تداعياتها في الظهور. إذ اضطرت برامج رعاية الأطفال بطول البلاد إلى تعويض تراجع التمويل بالإغلاق، وتسريح العمالة، وخفض الأجور، ورفع الرسوم. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قال أكثر من ثلث مقدمي الخدمات الذين كانوا يتلقون تمويل الاستقرار، إنهم رفعوا رسومهم الدراسية بالفعل.
خطط بايدن المالية تثير سرور المقاولين العسكريين فقط
وفي غياب منح تمويل الاستقرار الجديدة، من المحتمل أن يخسر 3.2 مليون طفل وصولهم إلى برامج رعاية الطفل. ومن المرجح أن تزيد المصاعب المالية سوءاً: حيث يدفع العديد من الآباء الآن أموالاً أكثر مقابل رعاية أطفالهم، أو يعملون لساعات أقل، من أجل تولي تلك المهام بأنفسهم. ومن المتوقع أن تخسر الأسر نحو 9 مليارات دولار من أرباحها السنوية بسبب تقليل الآباء لساعات عملهم، أو استقالتهم من وظائفهم بالكامل لسد الفجوات الجديدة في تغطية رعاية الأطفال.
ولا شك في أن إنفاق 16 مليار دولار على رعاية الأطفال سيخفف حدة المصاعب المالية المتزايدة، كما سيعزز رفاه الأطفال. لكن قانون الأمن القومي سينفق 16.5 مليار دولار من أجل استمرار حرب إسرائيل في غزة، التي أسفرت عن قتل أكثر من 12.500 طفل فلسطيني حتى الآن.
ولم يكن يجب تمرير هذا القانون لسبب آخر. إذ إن توفير المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل لم يكن سيحتاج إلى مشروع قانون تكميلي لو لم يقرر بايدن استثناء تمويلها من ميزانية البنتاغون، التي تقدر بـ886 مليار دولار؛ أملاً في تفادي التنازلات.
وقد نجحت خطته بدرجةٍ ستثير سرور المقاولين العسكريين. وفي النهاية، تنتظر صناعة الأسلحة الأمريكية اليوم عقوداً جديدة بقيمة تبلغ نحو 64 مليار دولار من قانون الأمن القومي، أي ما يعادل أربعة أضعاف المبلغ اللازم لتخفيف أزمة رعاية الأطفال في الولايات المتحدة.