لماذا تعد عمليات إنزال المساعدات جواً لغزة غير مجدية رغم تسابق الدول على المشاركة بها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2024/03/03 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/03 الساعة 18:29 بتوقيت غرينتش
مساعدات يتم إسقاطها جواً فوق رفح بجنوب قطاع غزة، في 27 فبراير/شباط 2024- رويترز

التحقت الولايات المتحدة، السبت 2 مارس/آذار 2024، بأربع دول أخرى على الأقل كانت قد لجأت إلى إنزال المساعدات لغزة جواً، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول.

ولكن المشاركة الأمريكية في إنزال المساعدات لغزة جواً، سلّطت الضوء على الانتقادات لهذه الإنزالات من قِبل الوكالات والمنظمات الدولية، لدرجة وصفها بالمسرحية من قبل البعض.

ما أُنزل من مساعدات على غزة لا يعادل حمولة شاحنتين

يقول العاملون في مجال الإغاثة إن إنزال المساعدات لغزة جواً أمر عالي التكلفة وقليل الفاعلية في إيصال المساعدات إلى السكان، وأن كميات المساعدات المنقولة جواً الآن غير كافية لتلبية احتياجات أهالي غزة المحاصَرين، الذين يزيد عددهم على مليوني شخص، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية. 

ووصف المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الأحد 3 مارس/آذار 2024، عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً بأنها "غير مجدية.

إنزال المساعدات لغزة جواً
أفراد من القوات المسلحة الأردنية ينزلون جوا طرود مساعدات على طول ساحل غزة، بالتعاون مع مصر وقطر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة في 27 فبراير/شباط 2024-رويترز

فحجم المساعدات التي أُسقطت من الجو على القطاع لا يعادل حمولة شاحنتين، حسبما قال المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة رائد محمود بصل، لقناة "الجزيرة".

وحذّر مسؤولون في الأمم المتحدة، الإثنين 26 فبراير/شباط من أن غزة "مُشرفة على مجاعة لا مفر منها"، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه.

وقد لجأ الأهالي إلى تناول حبوب العلف التي تأكلها الماشية ونباتات الأرض التي يقتاتون عليها.

عملية إنزال المساعدات لغزة جواً يتم فحصها أمنياً من قبل إسرائيل

كان الأردن أول دولة قامت بـ"إنزال المساعدات لغزة جواً" خلال هذه الحرب. في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وخلال الأسبوع الماضي، انضمت مصر والإمارات وفرنسا إلى الأردن، ثم لحقت بهم الولايات المتحدة.

ينسِّق الأردن عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً مع إسرائيل.

وتمنح تل أبيب الأردن الإذنَ باستخدام هذا المنفذ لتسيير مهام الإنزال، ونقل المساعدات بأمان، بعد إجراء الفحص (الأمني) للأشخاص على متن هذه الطائرات.

المدنيون لا يعرفون موعد الإنزال إلا قبل وقت قليل، ولهذه السبب تسقط في البحر أحياناً

وتُنسَّق عمليات الإنزال على المستشفيات مع جهات الاتصال الموجودة على الأرض في غزة، وتستقبل هذه الجهات حاويات المعدات الطبية والأدوية والمعدات الغذائية الموجَّهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس". ويمكن لطائرات "سي 130" أن تحمل أربع حاويات إمداد من هذا القبيل في المرة الواحدة.

لا يطلع المدنيون على موعد عمليات الإنزال الجوي للمدنيين إلا قبلها بوقت قليل. وتقسَّم حاويات الإمداد على صناديق صغيرة للوصول إلى عدد أكبر من المدنيين؛ ويمكن لطائرات "سي 130" أن تحمل 16 صندوق مساعدات. 

ويجري الإنزال على ساحل غزة، لكي يسهل على المدنيين رصد المساعدات بعيداً عن إعاقة المباني لخطوط الرؤية. ومع ذلك، سقطت بعض صناديق المساعدات في البحر، واضطر سكان غزة إلى الإبحار بالزوارق لجمِعها.

أطفال توغلوا في المياه للوصول للمساعدات ومنظمة دولية تصفها بـ"المسرحية"

 أما جانتي سويريبتو، رئيسة منظمة الإغاثة العالمية "أنقذوا الأطفال"، فقالت إن عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً ليست إلا "مسرحية"، وحذَّرت من أنها تسهم في تمكين الفوضى على الأرض.

وقالت رئيسة المنظمة الإغاثية لصحيفة The Washington Post: "لا أحد يمكنه أن يحدد حقاً من يحصل عليها [المساعدات] ومن لا يحصل عليها"، و"لا أحد يمكنه أن يسيطر حقاً على مآل الأمر، فهو قد يعرض الناس للخطر"، واستدلت باضطرار بعض الأطفال إلى خوض البحر وتحمل العناء لسحبِ صناديق المساعدات الثقيلة.

 وأشارت جانتي كذلك إلى أنه يصعب تعقب المساعدات بعد إنزالها جواً، وقالت إن بعض عبوات المورفين المخصصة للمستشفيات عُثر عليها في أماكن أخرى، لذا فإن "أنسب الحلول هو فتح المزيد من المعابر، والسماح للشاحنات بالدخول، وتنظيم الأمر، والسماح للأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية بتوزيع المساعدات"، "فهذه أكثر الطرق أماناً وأقربها إلى النجاح في إنجاز الأمر".

غزة تحتاج إلى 500 طائرة يومياً والتكلفة 7 أضعاف النقل البري

إن الطائرة الواحدة من طراز "سي 130" تحمل ما يعادل حمولة شاحنة من المساعدات، ويحتاج أهالي غزة إلى نحو 500 شاحنة مساعدات يومياً على الأقل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

أي أن غزة تحتاج إلى 500 طائرة يومياً لكي تلبي احتياجات سكانها.

ويعني ذلك أن الوفاء بالأمر يقتضي احتشاد المجال الجوي لغزة بطائرات النقل الكبيرة، فضلاً عن أن تكلفة التسليم عن طريق الجو تبلغ سبعة أضعاف تكلفة التسليم عن طريق البر.

إنزال المساعدات لغزة جواً
المساعدات تسقط من الجو فوق مدينة غزة في 1 مارس/آذار 2024-رويترز

وقالت ميلاني وارد، الرئيسة التنفيذية لجمعية "العون الطبي للفلسطينيين" البريطانية: "بدلاً من إسقاط صناديق المساعدات من السماء، والمخاطرة بسقوط بعضها في البحر أو خارج غزة، فضلاً عن أن كثيراً من ذوي الحاجة في غزة لن يمكنهم الوصول إليها- يجدر بالولايات المتحدة، وبريطانيا، والدول الأخرى أن تضغط على إسرائيل لفتح جميع المعابر إلى غزة على الفور أمام عمال الإغاثة والمساعدات لمساعدة المحتاجين"، "لأن السبيل الوحيد لكبح المجاعة في غزة هو الوصول الآمن والمفتوح للمساعدات وعمال الإغاثة، ورفع الحصار، والوقف الفوري لإطلاق النار".

لا يمكن إبقاء سكان القطاع إحياءً بهذه الطريقة 

وتُعد عمليات الإنزال الجوي أنسب الطرق اللوجستية لنقل المساعدات في بعض الحالات -مثل تلبية الاحتياجات العاجلة للمستشفيات، ولكن بالنسبة لإطعام شعب بأكمله فهذة وسيلة غير مجدية.

إذ يقول متخصصون مجال الإغاثة إن إنزال المساعدات جواً لا يستقيم أن يكون الوسيلة الرئيسية لإطعام سكان غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة.

وقال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، "لا أرى أن إسقاط المواد الغذائية جواً على غزة هو الحل المناسب لأوضاع القطاع اليوم"، و"الحل الحقيقي هو أن تفتحوا المعابر وتُدخلوا القوافل والمساعدات الطبية إلى غزة".

حتى المسؤولون البريطانيون يرون أن هذا استعراض لا يسمن ولا يغني من جوع 

ورغم مشاركة الحكومة البريطانية بالتعاون مع الأردن، في إسقاط 4 أطنان من الإمدادات إلى مستشفى تل الهوى في مدينة غزة في 21 فبراير/شباط، لكن المسؤولين البريطانيين يقولون في الجلسات الخاصة أن هذا ينبغي أن يكون الملاذ الأخير، وبعضهم يراه "استعراضاً" لا يسمن ولا يغني من جوع، وفقاً لما ورد في تقرير صحيفة The Guardian البريطانية.

وعزت الصحيفة انتقاد بعض المسؤولين البريطانيين لعمليات الإنزال الجوي إلى أن التكاليف المادية والحسابات المالية لاستخدام الطائرات في إسقاط المساعدات عشوائياً على القطاع تجعل الأمر لا معنى له، لا سيما إذا كانت هناك سبل أخرى متاحة، ولا يحتاج اللجوء إليها إلا عزم الغرب على بذل مزيد من رأس المال الدبلوماسي، والضغط على إسرائيل للسماح بفتح هذه السبل.

لماذا انضمت أمريكا لعملية إنزال المساعدات جواً لغزة رغم عدم فعاليتها؟

وقد وُصفت خطوة إنضمام أمريكا لعملية إنزال المساعدات لغزة جواً بأنها إشارة أخرى على الاستياء المتزايد لدى إدارة بايدن من استمرار الخسائر المدنية الناجمة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

جاء القرار الأمريكي بالمشاركة في عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً، بعد مأساة باتت تعرف بـ"مذبحة الطحين" والتي وقعت 29 فبراير/شباط، وتعد "إحدى أشد وقائع الحرب دموية"، إذ "قُتل" أكثر من 100 فلسطيني في دوار النابلسي قرب شارع الرشيد في شمال غزة أثناء احتشاد الأهالي لاستقبال شاحنات مساعدات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، وأفاد مسؤولو الأمم المتحدة بأنهم كثيراً منهم يرجوا أنهم قتلوا على يد إسرائيل.

ويرى كريس دويل، مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني، أن "عمليات إنزال المساعدات لغزة قليلة الفاعلية وخطيرة، لكن الولايات المتحدة لجأت إليها لأنها لا تستطيع الضغط على إسرائيل لكي تسمح بدخول المساعدات إلى غزة عن طريق البر والشاحنات. إن ذلك برهان على الضعف الشديد، وأن الولايات المتحدة لا عزم لديها على مواجهة إسرائيل".

واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الإنزال الجوي للمساعدات بأنه يعد تماهياً مع سياسة الاحتلال بتعزيز سياسة التجويع، وشراء الوقت لصالح الاحتلال وتمديد المجاعة لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضرر للناس والمواطنين".

تحميل المزيد