في 20 مارس/آذار 1945، أطلق حوض بناء السفن في نيوبورت نيوز بولاية فيرجينيا ما ستظل لمدة عقد من الزمن أكبر سفينة حربية على هذا الكوكب. وسُميَت يو إس إس ميدواي USS Midway على اسم المعركة البحرية الحاسمة في الحرب العالمية الثانية، ونُشِرَت في 8 سبتمبر/أيلول، بعد أسابيع قليلة من استسلام اليابان التي تم قصفها بالقنابل النووية. وإليكم قصة أكبر سفينة حربية عرفها العالم وظلت في الخدمة لعقود عدة.
قصة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس ميدواي
تقول مجلة The National Interest الأمريكية٬ لم يكن من الممكن أن يتخيل سوى عدد قليل من أفراد المجموعة المكونة من أكثر من أربعة آلاف رجل الذين غادروا في أول دورية لسفينة يو إس إس ميدواي أنَّ نفس السفينة ستبحر إلى القتال بعد 46 عاماً وإجراء تعديل جذري فيها، وسطحها محمل بمقاتلات نفاثة أسرع من الصوت.
وانضمت إلى USS Midway بعد شهر السفينة الشقيقة التي بُنيَت في نيويورك USS Franklin D. Roosevelt. وأُطلِقَت آخر سفينة من هذه الفئة، USS Coral Sea، في عام 1947.
وكان من المفترض أن تكون فئة سفن Midway "حاملة قتال أقوى" مقارنة بحاملات الطائرات الأربع والعشرين من فئة Essex التي دخلت الخدمة في النصف الأخير من الحرب العالمية الثانية. وسعى المهندسون البحريون تحديداً إلى تقديم سطح طيران مُصفَّح. أثبتت حاملات الطائرات البريطانية ذات الأسطح المدرعة أنها أكثر مرونة وأسرع في التعافي من القصف الجوي والهجمات الانتحارية التي أصابت الطائرات الأمريكية بالشلل. لكن أسطح الطيران المدرعة كانت أيضاً أثقل بكثير؛ مما حد من حجم سطح السفينة وعدد الطائرات المحمولة.
يو إس إس ميدواي.. حاملة عسكرية بمدرج طائرات مصفح
بذل المهندسون الأمريكيون جهوداً كبيرة للجمع بين سطح السفينة المُصفَّح واتساعه لمزيد من الطائرات. ويعادل طول سفن Midway أكثر من ثلاثة ملاعب كرة قدم وتصل سعتها غير المسبوقة إلى 130 طائرة: أربعة أسراب من مقاتلات كورسير ذات الأجنحة المقلوبة وثلاثة من قاذفات هيلديفر. ويحمي مدرج الطائرات الموجود على سطحها صفائح مُدرَّعة بسُمك 3 بوصات ونصف (8.8 سنتيمتر)، وزُوِدَت بـ18 مدفعاً مقاس 5 بوصات (12.7 سم) من عيار 52 لتفجير الطائرات المهاجمة من بعيد. ويوفر 68 مدفعاً سريع الإطلاق من عيار 40 ملم و20 ملم الحماية الوثيقة للسفينة.
ويمكن لسرعة السفن أن تصل إلى 33 عقدة مدعومة بـ12 غلاية تدير أربعة توربينات بخارية من طراز وستنغهاوس، لكنها تستهلك 100000 غالون من الوقود يومياً؛ مما يستلزم التزود بالوقود كل ثلاثة أيام.
وفي الواقع، تسبب الحجم الهائل ليو إس إس ميدواي في العديد من المشكلات. فقد ثبت أنَّ عدد الطائرات التي تسعها، وهي 130 طائرة، أكبر من قدرات التنسيق بينها بشكل فعال؛ لذلك قُلِّص حجم أجنحتها الجوية مرة أخرى إلى 100. وقد جعلت أطقمها الضخمة الحياة على متنها مزدحمة جداً. وقد اضطرهم الوزن الكبير للحاملة إلى الإبحار على مستوى منخفض في الماء؛ مما تسبب في تدفق مياه البحر إلى سطح السفينة وإغراق مقدمة السفينة. وكانت السفن غير العملية تميل إلى شق الأمواج بدلاً من العبور فوقها؛ مما أدى في إحدى المرات إلى تمزق أحد مصاعد طائرات Midway أثناء عاصفة.
وجاءت سفن ميدواي بينما كانت البحرية الأمريكية لا تزال تستكشف كيفية التكيف مع بزوغ فجر عصر الطائرات النفاثة والقدرات النووية. وفي عام 1946، هبطت طائرة XFD-1 Phantom على سطح السفينة USS Franklin D. Roosevelt، وهو أول هبوط مخطط له على الإطلاق لطائرة نفاثة على حاملة طائرات. وبعد مرور عام، أطلقت Midway صاروخاً باليستياً نازياً من طراز V-2 من على سطحها، وهو أول صاروخ كبير من نوعه يُطلَق من سفينة متحركة. ثم في عام 1949، أقلعت طائرة دورية من طراز P2V Privateer تحمل حمولة قنابل تزن 5 أطنان من سطح USS Coral Sea مُعزَّزة بحزم صواريخ JATO؛ مما يثبت أنَّ الطائرة ذات القدرة النووية يمكن مركزتها على حاملة طائرات. وفي العام التالي، صارت USS Franklin D. Roosevelt أول حاملة طائرات تحمل أسلحة نووية.
ومع ذلك، ظل هبوط الطائرات النفاثة السريعة والثقيلة يمثل تحدياً كبيراً، كما هو موضح في التسجيل الشهير من عام 1951 لطائرة F9F Panther على سطح Midway وهي تصطدم بالمدرج أثناء الهبوط؛ مما تسبب في تقطيع الجزء الأمامي من جسم الطائرة وسقوطه على سطح السفينة.
يو إس إس ميداوي والمشاركة في حروب أمريكا
وتتطلب عمليات نشر الطائرات النفاثة على سطح السفينة مزيداً من الاستدامة والأمان ومدرج طيران أكبر. لذا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، خضعت سفينة يو إس إس ميدواي لعمليات تجديد لتغيير أسطحها الضيقة إلى هيكل أطول "بزاوية" يشتمل على مقاليع بخارية إضافية؛ مما أدى إلى زيادة حجم السطح وقوة الإزاحة زيادة كبيرة. وأحيط سطح حظيرة الطائرات السفلية المفتوح سابقاً، ورُكِّبَت رادارات جديدة ونظام هبوط عاكس ومصاعد مُعزَّزة لرفع الطائرات الأثقل.
وغابت هذه السفينة عن المعارك حول كوريا، على الرغم من أنَّ Midway ساعدت في إجلاء الآلاف من القوميين الصينيين في أعقاب معركة جزيرة ييجيانغشان. وشهدت حاملات الطائرات الثلاث من فئة Midway القتال في فيتنام، وفي ذلك الوقت كانت مقاتلات F-4B Phantom II ذات المقعدين القادرة على الطيران بسرعة مضاعفة للصوت تنطلق من على سطح طائراتها.
وشهدت سفينة USS Coral Sea نشاطاً واسع النطاق في فيتنام، على الرغم من أنَّ جميع أفراد طاقمها لم يكونوا سعداء بذلك. واشتهر البعض بتوزيع عريضة تعارض الحرب، وشارك ثلاثمئة في مسيرة سلمية.
لكن الناقلتين، Coral Sea وMidway، ظلتا مشاركتين حتى النهاية. وفي عام 1972، فخَّخت طائرات انطلقت من سطح السفينتين ميناء هايفونغ وقصفت هجوماً برياً لفيتنام الشمالية – وهي الإجراءات التي على ما يبدو ضغطت على هانوي لحملها على إعلان وقف إطلاق النار في مؤتمرات باريس للسلام. ثم في 12 يناير/كانون الثاني 1973، أسقطت طائرة من طراز F-4J مرتكزة على سفينة Midway طائرة أخرى من طراز MiG-17 في آخر عملية قتل جو-جو في حرب فيتنام.
وفي العام نفسه، نقلت سفينة Coral Sea مقاتلات فانتوم النفاثة إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وصارت Midway أول حاملة طائرات أمريكية تنشر مينائها الأصلي في الخارج إلى اليابان؛ مما قلل من تكاليف التشغيل وأبقى عائلات البحارة أقرب.
وشاركت الناقلات في مغامرات إضافية. عندما سقطت حكومة فيتنام الجنوبية في عام 1975، أنقذت طائرات الهليكوبتر المنطلقة من Midway وCoral Sea أكثر من 3000 فيتنامي فارين من القوات الشمالية. ومن الحوادث الشهيرة أنَّ الرائد الفيتنامي بوانغ طار إلى Midway في طائرة مراقبة أنيقة من طراز O-1 مع زوجته وأطفاله الخمسة المتجمعين في الداخل، وأسقط رسالة تشير إلى رغبته في الهبوط. وبينما كانت الطائرة O-1 تحلق في سماء المنطقة، ألقى الكابتن لاري تشامبر طائرات هليكوبتر في البحر لإفساح المجال وغيّر اتجاه السفينة في مهب الريح. وأخيراً، هبط بوانغ بطائرته المكتظة وسط تصفيق الطاقم (يمكنك سماع التسجيل هنا).
وعقب ذلك، انطلقت طائرات من طراز A-7 وF-4N من على سطح USS Coral Sea لمهاجمة قوات الخمير الحمر في كمبوديا، واستعادت طائرات هليكوبتر تحمل مشاة البحرية الأمريكية خلال عملية إنقاذ الرهائن الكارثية في ماياغويز.
يو إس إس ميدواي وحرب الخليج
بحلول ذلك الوقت، كانت طائرات "يو إس إس ميدواي" تتقدم في العمر، وكان سطحها يفتقر إلى المساحة اللازمة لاستضافة الطائرات الاعتراضية الجديدة من طراز F-14 Tomcat وطائرات S-3 Viking المضادة للغواصات. وأدى ذلك إلى وقف سفينة USS Roosevelt عن الخدمة في عام 1977. وفي رحلتها البحرية الأخيرة، حملت تجريبياً طائرات الهبوط بالمظلات Marine Harrier من طراز VMA-231.
وفي الوقت نفسه، شهدت أسطح يو إس إس ميدواي مزيداً من التوسيع حتى صارت تشبه قطعة أحجية غريبة، وعلى الرغم من احتفظت سفينة Coral Sea بتكوين "أكثر استقامة". وبُدلَت بطاريات المدافع الخاصة بحاملاتها وحل محلها قاذفات صواريخ Sea Sparrow وأنظمة الأسلحة القريبة الآلية Phalanx.
وفي عهد الرئيس ريغان، أدى الحشد العسكري إلى إبقاء حاملات الطائرات القديمة في الخدمة خلال الثمانينيات، حيث حلقت من على متنها طائرات F-4S Phantoms وA-7 Corsairs القديمة. إضافة إلى ذلك، حصلت أيضاً على طائرات FA-18 Hornet الجديدة متعددة الأدوار المزودة بإلكترونيات الطيران الحديثة التي يمكنها الهبوط على منصات طيران أقصر.
واعترضت طائرات FA-18 المنطلقة من على سطح Coral Sea طائرات الميغ الليبية بشكل متكرر فوق البحر المتوسط. وأخيراً، في عام 1986، نفذت أول مهمة قتالية لطائرة هورنت، باستخدام صاروخ موجه بالرادار من طراز الجو أرض التكتيكي HARM لتدمير بطارية صواريخ أرض جو من طراز S-200 في سرت بليبيا، رداً على هجوم في برلين. وفي هذه الأثناء، زُودَت سفن Midway بدعامة على جسم السفينة مصممة لتحقيق الاستقرار لها.
وفي عام 1990، تقاعدت Coral Sea، الملقبة بـ "المحارب دائم الشباب". لكن فئة Midway، على الرغم من التحديث غير الناجح لهيكل السفينة الذي أدى في الواقع إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار الطويلة الأمد للحاملة وتسبب في حادث انفجار مميت في عام 1990، لا يزال أمامها حرب أخرى متبقية. فقد نُشِرَت في حرب الخليج عام 1991، وشنت 3339 طلعة قتالية. وكانت طائراتها من طراز A-6E Intruder من بين أولى الطائرات التي ضربت أهدافاً عراقية في الصراع، حتى إنَّ مروحياتها حررت جزيرة كويتية.
وأخيراً، في 11 أبريل/نيسان 1992 – بعد 47 عاماً من إطلاقها – خرجت Midway من الخدمة. وقد استحالت اليوم إلى ما يشبه المتحف في سان دييغو. وبرغم اتساع حجم حاملات الطائرات من فئة Midway، فإنها لم تتخلص تماماً من عيوب التصميم المبكرة. ومع ذلك، فقد تكيفت هذه السفن مراراً وتكراراً مع النماذج التكنولوجية الجديدة وقدمت خدمة أدخلتها التاريخ لما يقرب من نصف قرن، وهو رقم قياسي يحسدها عليه أي مصمم سفن.