تتحدى بايدن و”تستفز” الحلفاء وبنودها غير واقعية.. لماذا قدم نتنياهو الآن “خطته” لما بعد الحرب على غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/23 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/23 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
نتنياهو وخطة اليوم التالي للحرب على غزة - أرشيفية - رويترز

بعد نحو 5 أشهر من فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب على غزة، قدم نتنياهو أخيراً خطته لليوم التالي للحرب، وبنودها لا للأونروا ولا لدولة فلسطين ولا للإعمار إلا بشروطه ولا للسلطة أو حماس في القطاع، فما مدى واقعية تلك الأهداف؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي قدَّم، الخميس 22 فبراير/شباط 2024، لمجلسه الوزاري الأمني المصغر، وثيقة المبادئ الخاصة بسياسة اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها بنيامين نتنياهو "خطته لإدارة غزة" بعد الحرب.

وتنص الوثيقة على مواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على غزة حتى تحقيق الأهداف، واعتزام تل أبيب "إقامة منطقة أمنية داخل أراضي قطاع غزة، بالمنطقة المتاخمة للبلدات الإسرائيلية". أما المنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود المصرية، فيخطط نتنياهو لإبقاء إسرائيل على ما وصفه بـ"الإغلاق الجنوبي" على الحدود بين غزة ومصر "لمنع إعادة تسليح الفصائل في قطاع غزة"، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.

ما مدى واقعية "خطة" نتنياهو؟

لم تأتِ وثيقة نتنياهو بجديد، فلا توجد تفاصيل ملموسة تتعلق بكيفية تنفيذ بنودها، التي وصفها موقع Axios الأمريكي بأنها "ترتكز إلى حد كبير على تصريحات سابقة لنتنياهو بشأن الحرب في غزة".

كان نتنياهو قد أعلن، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن إسرائيل في "حالة حرب"، وحدد أهداف تلك الحرب بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" وتحرير الأسرى الإسرائيليين في القطاع. الآن وبعد ما يقرب من 5 أشهر، فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي من تلك الأهداف.

الآن يطرح نتنياهو خطته ببنود يصفها البعض بأنها "أقرب إلى الأوهام منها إلى الخطة القابلة للتنفيذ"، وبنود أخرى تعارضها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل معلن، دون أن يقدم رئيس الوزراء تصورات لكيفية تخطي العقبات القائمة بالفعل كي ينفذ أياً من تلك البنود، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

إغلاق الأونروا في غزة

تشمل وثيقة نتنياهو بنداً ينص على إغلاق وكالة الأونروا، على أن تحل محلها وكالات إغاثة دولية أخرى، انطلاقاً من المزاعم الإسرائيلية التي تتهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بأن لها علاقات مع حماس، وأنها -أي الأونروا- شاركت في الهجوم على إسرائيل "عملية طوفان الأقصى".

لكن هذه المزاعم الإسرائيلية بشأن الأونروا تكذبها واشنطن، حليف تل أبيب وداعمها الأهم على الإطلاق. إذ خلص تقرير صادر، الأسبوع الماضي، عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي إلى أن الاتهامات الإسرائيلية بأن "الأونروا متواطئة مع حماس" لا أساس لها، وأن كراهية تل أبيب للأونروا هي السبب في تلك المزاعم، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.

الأونروا
وقف تمويل الأونروا يؤثر على ملايين الفلسطينيين – عربي بوست

ونقلت الصحيفة عن أحد المصادر الأمريكية قوله: "هناك جزء محدد في التقرير (تقرير مجلس الاستخبارات الوطني) يذكر كيف أن موقف إسرائيل المعادي للأونروا من الأساس يؤدي إلى التحكم في أي تقييم تقوم به تل أبيب تجاه المنظمة الأممية، وهو ما يؤدي إلى تشوهات في التقييم". هذا التقييم الأمريكي الذي ينفي مزاعم إسرائيل بشأن الأونروا تم توزيعه على صانعي القرار في واشنطن قبل أيام، بحسب وول ستريت جورنال.

هذا الاختلاف في الموقف بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الأونروا يطرح تساؤلات بشأن مدى قدرة نتنياهو على تنفيذ أهدافه في هذه الناحية، فهل يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي فرض رؤيته هذه على جميع الأطراف دون دعم من واشنطن؟

لا لدولة فلسطينية!

وثيقة نتنياهو أيضاً نصت على رفض أي اعتراف بالدولة الفلسطينية: "إسرائيل ستواصل معارضتها للاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد. فمثل هذا الاعتراف بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من شأنه أن يمنع أي تسوية سلمية في المستقبل"، وأشارت وثيقة نتنياهو أيضاً إلى أن الحكومة الإسرائيلية ترفض "الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين".

بايدن إسرائيل
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

هذا البند تحديداً يبدو كأنه موجه بشكل مباشر إلى جو بايدن وإدارته الديمقراطية التي ترفع دائماً شعار "حل الدولتين" في فلسطين، لكن الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة على جزء من أرض فلسطين التاريخية "حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967" أصبح الآن مطلباً دولياً، ومن دون تحقيقه لن يكون هناك سلام في فلسطين أو في الشرق الأوسط ككل، بحسب حالة الإجماع العالمي الحالية، والتي تنضم إليها واشنطن، على الأقل نظرياً، ومن خلال التصريحات الرسمية.

وبالتالي فإن نتنياهو عاد لتسلق الشجرة مرة أخرى من خلال تلك الوثيقة لليوم التالي للحرب، أي وضع أهدافاً غير واقعية ويعارضها حتى أقرب حلفاء إسرائيل.

الحدود مع مصر والهجوم على رفح

وثيقة نتنياهو شملت بنوداً تتعلق بمواصلة الحرب على غزة "حتى تحقيق الأهداف"، وهذا ليس بجديد، لكن رئيس الوزراء أضاف نقطتين الأولى تتعلق بإقامة "منطقة أمنية داخل أراضي قطاع غزة (الشمال)"، أي تقليص مساحة القطاع. والنقطة الثانية تخص جنوب القطاع، حيث يخطط نتنياهو لإبقاء إسرائيل على ما وصفه بـ"الإغلاق الجنوبي" على الحدود بين غزة ومصر "لمنع إعادة تسليح الفصائل في قطاع غزة".

بعيداً عن مدى قدرة جيش الاحتلال على تنفيذ ذلك، هناك معارضة أمريكية معلنة لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة، وعبر بايدن نفسه عن هذا الموقف مراراً وتكراراً خلال الأشهر الماضية. الرئيس الأمريكي صرّح نصاً بأن الحرب في غزة لا يمكن أن "تنتهي إلا بإقامة دولة فلسطينية، وليس باحتلال قطاع غزة".

أما فيما يتعلق بجنوب القطاع وإصرار نتنياهو على مواصلة الهجوم على مدينة رفح، حيث يوجد الآن نحو 1.5 مليون نازح فلسطيني، فالتساؤلات تنصب على ما يمثله ذلك من كوارث محتملة بالنسبة لمصر أيضاً، التي تشارك مع قطر والولايات المتحدة كوسيط في المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى.

أعلنت مصر مراراً عن رفضها تهجير الفلسطينيين من غزة إلى شبه جزيرة سيناء الملاصقة للقطاع، والعلاقات بين القاهرة وتل أبيب تبدو متوترة، لكن في الوقت نفسه يبدو أن إدارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تستعد لاستقبال لاجئين فلسطينيين من القطاع، عبر تجهيز منطقة عازلة في سيناء، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو المنتشرة لتلك التجهيزات.

السيسي غزة
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

وشهدت الأيام القليلة الماضية تصريحات مصرية صادرة عن وزير خارجيتها سامح شكري تنفي هذا السيناريو، حيث قال شكري إن "مصر لا تنوي إعداد أي أماكن آمنة للمدنيين في غزة، وإن الحديث عن بناء جدار على حدود مصر مع غزة هو مجرد افتراض، وما يجري هو عمليات صيانة فقط".

في جميع الأحوال، سيمثل أي وجود عسكري إسرائيلي على الحدود المصرية مع قطاع غزة انتهاكاً لاتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب، والتي تنص على وجود منطقة عازلة على جانبي الحدود، لكن قد تكون هذه النقطة أقل ما ينتظر مصر من مخاطر تهدد أمنها القومي في حالة تنفيذ نتنياهو "أهدافه" التي عبرت عنها وثيقته.

من سيدير قطاع غزة؟

تقول وثيقة نتنياهو إن "عناصر محلية ذات خبرة إدارية" ستكون مسؤولة عن الإدارة المدنية والنظام العام في غزة، وتضيف أن الموافقة على إعادة إعمار القطاع ستكون مشروطة بتجريد غزة بشكل كامل من السلاح لإنهاء أي قدرة عسكرية.

وبشأن التعليم في القطاع، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه ستوضع "خطة شاملة لمكافحة التطرف في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والرعاية الاجتماعية في قطاع غزة، وبمشاركة ومساعدة الدول العربية التي لديها خبرة في تعزيز مكافحة التطرف في أراضيها".

هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها نتنياهو عن هذه الرؤية، بعد أن عبر مراراً من قبل عن رفض أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، على أساس أنه سيحقق "هدفه بالقضاء على حماس"، لكن رئيس الوزراء لم يقدم أي "خارطة طريق" لكيفية تنفيذ تلك الرؤية على أرض الواقع.

بداية، لم تتمكن إسرائيل حتى اليوم من الاقتراب حتى من القضاء على حماس، فمتى يمكنها أن تحقق ذلك؟ فبعد 5 أشهر من الحرب، لا تزال حماس تدير جنوب القطاع، وهناك أدلة ومؤشرات دامغة على أن حركة المقاومة الفلسطينية لا تزال موجودة حتى في شمال القطاع. وفي يناير/كانون الثاني، قام مسؤولون في الحركة بالقبض على لصوص في مخيم جباليا ومعاقبتهم، بحسب تقرير للغارديان.

"قد تجد إسرائيل بعض الأشخاص الراغبين في القيام بهذا العمل القذر، لكن سينظر إليهم على أنهم خونة وجواسيس للاحتلال… وسيكون على الاحتلال توفير قوات ضخمة لحماية هؤلاء الأشخاص"، بحسب ما قاله مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، والمقيم في القاهرة حالياً، للصحيفة البريطانية.

الحرب على غزة
قوات الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة في قطاع غزة/ الأناضول

لكن الأسئلة الأكبر في هذه النقطة تتعلق بالتمويل، فمن سيمول هذه الإدارة المزعومة التي يتوهم نتنياهو أنه قادر على إقامتها في القطاع؟ هل هي دول عربية كما نصت وثيقته؟ السعودية أعلنت موقفها بالفعل وهو الرفض التام للمشاركة في أي خطط مستقبلية (ومنها حتى التطبيع مع إسرائيل) إذا لم تتوقف الحرب وتنسحب إسرائيل من غزة وتوافق على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو. أما مصر، فظروفها الاقتصادية غنية عن الذكر.

والتمويل هنا لا يتعلق فقط بإدارة القطاع بعد الحرب، لكنه يتعلق أيضاً بالمؤسسات الإغاثية التي يفترض -بحسب خطة نتنياهو- أن تحل محل الأونروا، فمن الذي قد يمول تلك المؤسسات إن وجدت أصلاً؟

وفي الإطار ذاته، الولايات المتحدة أعلنت أنها تريد أن تتولى السلطة الفلسطينية -بعد إصلاحها من الفساد المستشري- إدارة القطاع، والسلطة توافق على لعب هذا الدور، لكن نتنياهو يرفض، فكيف إذاً يمكن تحقيق تلك "الرؤية" التي عبرت عنها وثيقته؟!

لماذا الآن؟

على مدى الأشهر الماضية، تجنب نتنياهو تماماً الحديث عن "اليوم التالي للحرب"، حتى يحافظ على حكومته الائتلافية التي يسيطر عليها اليمين المتطرف، فلماذا قرر الآن تحديداً تقديم تلك الوثيقة لمجلسه الأمني المصغر؟

ربما يكون هذا السؤال هو مربط الفرس في هذه القصة برمتها. وإذا كانت الإجابة المؤكدة موجودة فقط هناك في رأس نتنياهو نفسه، فقد شهدت الأيام القليلة التي سبقت عرض وثيقته على المجلس الأمني المصغر (الخميس 22 فبراير/شباط) عدداً من الأحداث يمكن رصدها على النحو التالي:

– تصريح بيني غانتس، عضو مجلس الحرب، أن الهجوم على رفح قد يبدأ مع بداية شهر رمضان (الإثنين 11 مارس/آذار)، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى، بل إن صحيفة جيروزاليم بوست وصفت موعد الهجوم بأنه "موعد رمضان".

– وافق مجلس الحرب الإسرائيلي على سفر وفد التفاوض إلى باريس (الجمعة 23 فبراير/شباط) لاستئناف المفاوضات بشأن صفقة الهدنة وتبادل الأسرى مع حماس، بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، مع إعطاء الوفد "حرية أكبر" للتوصل إلى اتفاق، بحسب تقرير لصحيفة The Times of Israel.

– حثت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على إرسال وفد التفاوض إلى باريس بسرعة، ونقل موقع Axios عن مصادر أمريكية أن هناك انفراجة في المفاوضات، وأن التوصل لاتفاق بات "قريباً".

الخلاصة هنا هي أنه إذا ما تم وضع تلك المواقف والتصريحات، وغيرها كثير، في سياق مترابط، ربما يكون اختيار نتنياهو تقديم تلك الوثيقة لما بعد الحرب للنقاش في المجلس الأمني المصغر (الكابينت) في هذا التوقيت هدفه ممارسة مزيد من الضغوط على جميع الأطراف بهدف التوصل إلى اتفاق، أكثر منه تقديم "خطة" قابلة للتنفيذ لما بعد الحرب على غزة، بعد أن فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهداف رئيس الوزراء من خلال الحرب طوال 5 أشهر.

تحميل المزيد