هناك اعتقاد واسع بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعيش آخر أيام حياته السياسية، وأنه سيُجبر على التخلّي عن منصبه بمجرد نهاية الحرب ضد حماس في غزة، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية؛ إذ خسر شعبيته في استطلاعات الرأي بدرجةٍ غير مسبوقة تاريخياً، كما يتحمل المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية والحكومية التي أدت إلى وقوع هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومقتل نحو 1,400 إسرائيلي، والحرب الكارثية التي أعقبت ذلك. ويواجه كذلك محاكمةً قائمةً منذ وقت طويل على خلفية اتهامات متعددة بالفساد.
"تحدي نتنياهو لواشنطن يمثل مخاطرة"
تقول الصحيفة الأمريكية إن نتنياهو تحدّى الرئيس الأمريكي بايدن فيما يتعلق بالجهود الأمريكية لخلق مسار نحو حل الدولتين بعد الحرب، مع وجود فلسطين منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل. ولا شك أن معارضة إقامة الدولة الفلسطينية هو موقف شائع بين الإسرائيليين، لكن تحدي واشنطن يمثل مخاطرة.
ومع ذلك، لطالما كان نتنياهو، البالغ 74 عاماً (والمعروف بلقب بيبي)، راقصاً بارعاً على مسرح السياسة الإسرائيلية المعقد، وقد نجا رغم العديد من التوقعات السابقة التي تنبأت بسقوطه. بينما لا يشترط القانون إقامة انتخابات جديدة في إسرائيل حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2026.
فيما قال أنشيل فيفير، محلل صحيفة Haaretz ذات الميول اليسارية: "نود جميعاً النظر إلى ما بعد بيبي. ولكن ليست هناك طريقة لإجباره على الاستقالة". فكيف يمكن أن يغادر نتنياهو منصبه قبل حلول موعد الانتخابات؟ إليكم المسارات الأرجح لحدوث ذلك، بالإضافة إلى مخاطر كل منها:
ما احتمالات سقوط نتنياهو ورحيله عن السلطة؟
المسار الأول: انهيار ائتلافه
يتمثّل أقصر سبيل للإطاحة بنتنياهو في انهيار ائتلافه الحاكم؛ إذ يحكم بواسطة 64 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 عضواً. وهذا يعني أن انشقاق خمسة أعضاء فقط يمكن أن يؤدي إلى انهيار حكومته؛ ما سيتطلّب إقامة انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
ويقود نتنياهو حزب الليكود الذي فاز بـ32 مقعداً في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، أي أكثر من أي حزب آخر. لكن نتنياهو اضطر للتحالف مع خمسة أحزاب أخرى حتى يتمكن من تشكيل حكومته، بما في ذلك حزبان صغيران من اليمين يقودهما بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. ويمكن القول إن مقاعد الحزبين البالغة 13 مقعداً هي التي تُبقي على نتنياهو في السلطة، بينما يلعب الثنائي دور المعارضة اليمينية المتطرفة من داخل صفوف الحكومة نفسها.
وقد كان سموتريتش وبن غفير شرسين في معارضتهما لأي فكرة تنتهي بإقامة دولة فلسطينية، بينما يحاولان الترويج لعودة استيطان الإسرائيليين في غزة بعد الحرب.
ويتمثل الأمر المؤلم أكثر بالنسبة لنتنياهو في أنهما يعارضان أي اتفاق لمبادلة الرهائن بالسجناء، وهو الشرط الذي سيكون ضرورياً لإتمام أي اتفاق لوقف إطلاق نار إسرائيلي طويل الأجل في غزة -كذلك الذي يجري التفاوض عليه الآن.
وإذا ترك سموتريتش وبن غفير الحكومة، وهي احتمالية قوية في حال وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار، فمن الممكن أن يتدخل حزب معارضة آخر يقوده يائير لبيد بشكل مؤقت لإنقاذ اتفاق الأسرى -لكن هذا لن يمنع عقد انتخابات مبكرة.
أو ربما يقرر سموتريتش وبن غفير التخلّي عن نتنياهو من أجل فرض الانتخابات المبكرة، بحيث يترشح كل منهما كزعيم لحزبه الذي سيسمح باستمرار الاستيطان الإسرائيلي ويمنع أي جهود لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
المسار الثاني: التصويت لسحب الثقة
يتمثل المسار الثاني الأكثر تعقيداً في "التصويت البناء لسحب الثقة". ومن حيث المبدأ، يستطيع أي عضو في الكنيست أن يصبح رئيس الوزراء إذا حظي بدعم أغلبية الأعضاء.
وفي حالة الحكومة الحالية التي يقودها الليكود، فمن المرجح أن يأتي التحدي من أحد أعضاء الحزب نفسه. وأوضح المحلل السياسي في قناة Channel 12 العبرية، أمنون أبراموفيتش، أنه يجب أن ينفصل خمسة على الأقل من نواب الليكود عن الحكومة الحالية، ويتفقوا على بديل لنتنياهو من داخل حزبهم، ثم يقنعوا غالبية المشرعين بالموافقة على بديلهم المختار. وسيكون الهدف من هذه الآلية هو إسقاط حكومة وتعيين أخرى بأقل قدر من الاضطراب.
بينما ستتمثل ميزة هذا المسار في إبقاء الليكود على رأس السلطة، مع تفادي إجراء انتخابات مبكرة. لكن أبراموفيتش قال إن مشكلة ساسة الليكود الأقرب لتنفيذ مناورةٍ كهذه هي أنهم "يريدون جميعاً أن تتبعهم البقية". وسيكون كل منهم سعيداً بقيادة الآخرين وليس بالتبعية لغيره.
وأردف أن نتنياهو يتمتع ببراعة وخبرة كبيرتين في تأليب خصومه ضد بعضهم البعض، وتهديدهم أحياناً بالموت السياسي إذا وقفوا ضده مُستخدماً ملفات يحتفظ بها بعناية. كما تدرك قيادة الليكود أن الحزب سيُسحق في أي انتخابات جديدة بناءً على استطلاعات الرأي الحالية.
المسار الثالث: انسحاب المعارضة من حكومة الوحدة
من المحتمل أن ينسحب بيني غانتس وغادي أيزنكوت، وكلاهما من الجنرالات السابقين٬ من حكومة الحرب الموحدة ويحاولا قيادة حركة تركز على الانتخابات المبكرة. لكن لن ينجح أي منهما في إسقاط نتنياهو بمفرده لأنهما يفتقران إلى الأغلبية.
وبالنظر إلى أن الانتخابات الجديدة ستحتاج إلى حملةٍ مدتها ثلاثة أشهر، فسوف يظل نتنياهو رئيساً للوزراء دون أن يضطر للتعامل مع وجهات نظرهما وقيودهما على تصرفاته أثناء الحرب. ولا شك أن هذه الفكرة ومبدأ الوحدة في وقت الحرب هي من العوامل التي أبقت على غانتس وأيزنكوت داخل الحكومة حتى الآن. لكن رأيهما قد يتغير في حال وقف إطلاق النار المطول ونهاية الحرب تدريجياً.
المسار الرابع: الاحتجاج المدني
سيعتمد المسار الرابع -الذي يعتبره البعض الأكثر أرجحية- على عودة التظاهرات المناهضة لنتنياهو بقوة لتقسم إسرائيل، كما كان الحال طوال نحو تسعة أشهر قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ حيث إن الوحدة التي تشكّلت نتيجة الحرب بدأت تتفكك بالفعل نتيجة قضايا مثل الرهائن، وكيفية إنهاء الحرب، وما يجب فعله حيال غزة والفلسطينيين بعد توقف الأعمال الحربية.
وفي حال خروج غانتس وأيزنكوت من الحكومة، يقول أبراموفيتش إن السؤال المطروح هو إلى أي مدى يستطيع خصوم نتنياهو وأسر الرهائن والجنود القتلى أو المصابين أن ينظموا احتجاجات واسعة متواصلة، "ما قد يؤدي إلى هز أركان الحكومة وفرض انتخابات جديدة".
حيث قال ناتان ساكس، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في Brookings Institution، إن التظاهرات التي تتجاوز حدود اليسار السياسي وتمتزج مع المخاوف على الرهائن والغضب من إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول "قد تفرض ضغطاً حقيقياً على الائتلاف من أجل إقامة انتخابات في وقتٍ ما من عام 2024".
فيما كتبت ناحوم بارنياع، كاتبة أعمدة صحيفة يديعوت أحرنوت، أن ما يصل إلى 80% من الإسرائيليين يريدون رحيل نتنياهو "لكن ليست هناك آلية يمكنها كسر الحكومة الحالية، كما أنه (نتنياهو) لا يزال نشطاً للغاية ولا يعتقد أنه مذنب أو مسؤول. ولا يستبعد فكرة فوزه".