على مدار العقدين الماضيين واجه حزب التحرير الإسلامي احتمال تصنيفه منظمةً إرهابية وحظره في المملكة المتحدة. حيث هدد توني بلير بحظر الحزب، وصدر التهديد أيضاً من ديفيد كاميرون، لكن هذا الأسبوع فعل وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي ما فشل كثيرون من قبله في الحكومة في القيام به، بدعم من جميع الأحزاب وبدون معارضة من النواب أو أعضاء مجلس اللوردات خلال الجلسة البرلمانية يوم الخميس، التي أكدت الحظر بسبب تظاهرات داعمة للمقاومة الفلسطينية في غزة، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
واعتباراً من يوم السبت، 20 يناير/كانون الثاني 2024، ستُصنَّف الجماعة على أنها "إرهابية"، وستُمنَع من العمل في المملكة المتحدة، مع احتمال تعرُّض أي شخص يروّج لأفكارها لعقوبة السجن لمدة تصل إلى 14 عاماً، ولكن ما الذي أدى إلى هذه اللحظة، وما هو تأثيرها على التنظيم السياسي داخل المجتمع المسلم في بريطانيا؟
ما هو حزب التحرير؟
تأسَّس حزب التحرير عام 1953 في القدس، ويهدف إلى إقامة خلافة إسلامية أو دولة تحكم بالشريعة الإسلامية. وتقول الجماعة، التي تتخذ من لبنان مقراً لها، وتعمل في 40 دولة على الأقل، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، إنها تسعى إلى تحقيق ذلك من خلال تغيير "الرأي العام في الدول الإسلامية لصالح نظام سياسي إسلامي" عبر وسائل غير عنيفة.
وبالنسبة لأتباعها في الغرب، تقول الجماعة إنها تدعو المسلمين الغربيين إلى دعم جهودها الرامية إلى تغيير الرأي العام في البلدان التي تعتبرها "أراضي إسلامية".
حظرت عدة دول حزب التحرير بسبب أنشطته، بما في ذلك ألمانيا ومصر وبنغلاديش وباكستان والعديد من دول آسيا الوسطى والدول العربية، مع اعتقال العديد من أعضائه لمحاولتهم التحريض على الانقلابات على الحكومات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ولكن رغم الحظر المفروض عليها تقول الجماعة إنها لا تزال نشطة للغاية.
لماذا قررت بريطانيا حظر حزب التحرير؟
واجه حزب التحرير انتقادات رسمية بريطانية لتنظيمه مظاهرات حول الحرب في غزة، على هامش احتجاجات جماهيرية منفصلة في لندن للمطالبة بوقف إطلاق النار. ونظمت الجماعة مظاهراتٍ أمام سفارات بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك مصر وتركيا.
وبعد وقت قصير من شنِّ إسرائيل حربَها ضد حماس في غزة، دعت الجماعة جيوش الدول الإسلامية إلى "إزالة المحتلين الصهاينة" ودعم المقاومة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قالت شرطة لندن إنها إنها راجعت لقطات لرجل يهتف "الجهاد، الجهاد" خلال مظاهرة لحزب التحرير، لكنها قدَّرَت أنه ما من انتهاكات قد ارتُكِبَت.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعرَّضت الجماعة لمزيد من الانتقادات بعد ظهور زعيمها في المملكة المتحدة، عبد الواحد، في برنامج بيرس مورغان شو.
لماذا فشلت الحكومات البريطانية المتعاقبة في حظر الحزب؟
يوضح صادق حامد، الأكاديمي في جامعة ويلز، أن الحكومة البريطانية لم تكن قادرة في السابق على حظر الجماعة، لأن الحكومات المتعاقبة لم تجد أي دليل على أن حزب التحرير يروج للإرهاب.
وقال حامد لموقع MEE: "خلال العقود السبعة من وجوده، لم يدع حزب التحرير قط إلى العنف ضد الجهات الحكومية أو غير الحكومية، لتحقيق أهدافه المعلنة. ورغم خطابه الحاد ضد الحكومات المختلفة، يرى الحزب نفسه حركةً فكرية وسياسية تريد إعادة الخلافة".
وأضاف: "ما تغير هذه المرة هو أن التصريحات الداعمة التي أدلى بها حزب التحرير بعد هجوم طوفان الأقصى، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي شنتها حماس تُستخدَم كدليل ضده".
حُظِرَت حماس أيضاً في المملكة المتحدة، إذ حُظِر جناحها العسكري، كتائب القسام، منذ 2001، بينما حُظِرَ جناحها السياسي في 2021.
وبالمثل، ذكر جوناثان هول، المراجع المستقل في المملكة المتحدة بشأن تشريعات الإرهاب، أن ما تغير منذ فشل الجهود السابقة لحظر حزب التحرير هو رد فعل الحزب على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصدر حزب التحرير في بريطانيا بياناً أشاد فيه بحماس على أفعالها، ووصفهم بـ "الأبطال" على موقعه على الإنترنت. ورداً على حظره، أصدر فرع الحزب في بريطانيا بياناً قال فيه إنه "يدحض تماماً أي تصريحات معادية للسامية أو تشجع الإرهاب"، وقال إنه يعتزم الطعن قانونياً في هذا الإجراء.
ما حجم نشاط وتأثير حزب التحرير في المملكة المتحدة؟
خلال أواخر التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان حزب التحرير عنصراً أساسياً في العديد من المساجد والحرم الجامعي في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
وفي كثير من الأحيان، انقسمت الآراء داخل المجتمع الإسلامي، واشتبكت الجماعة مع جماعات إسلامية أخرى نشطة سياسياً حول قضايا مثل التصويت في الانتخابات، التي قالت إنها مُحرَّمة على المسلمين.
وأوضحت خديجة الشيال، الأكاديمية في جامعة إدنبرة، أن حزب التحرير لعب دوراً في تسييس المسلمين بسبب "انتقاده للموروثات الاستعمارية البريطانية والغربية والاستعمار الجديد".
وقالت الشيال، المتخصصة في الشؤون البريطانية: "إلى جانب مجموعة من الأصوات الأخرى، لعب حزب التحرير دوراً بارزاً في رفع الوعي السياسي بين الشباب المسلمين باللغة الإنجليزية، وتشجيعهم على الشعور بالارتباط والواجب تجاه هويتهم الإسلامية".
لعدة سنوات، قامت حكومات حزب العمال والمحافظة باستكشاف طرق لحظر أو تقييد أنشطة حزب التحرير. وفي عهد كاميرون، فشل المحافظون في حظر الجماعة بعد انتقاد بلير لفشله في القيام بذلك.
ودعا حلفاء الحكومة، بما في ذلك ويليام شوكروس، الذي ألَّف مراجعة الحكومة لاستراتيجية الوقاية المثيرة للجدل، وروبن سيمكوكس، مفوض الحكومة لمكافحة التطرف، إلى حظر الجماعة كجزءٍ من حملة قمع ضد "التطرف الإسلامي".
وخلال المناقشة البرلمانية القصيرة، التي جرت يوم الخميس في مجلس العموم شبه الفارغ، شكر توم توغنهادت، وزير الأمن، سيمكوكس، الذي قال إنه كان "صوتاً مهماً للغاية" في النقاش الدائر حول التطرف.
لماذا هذا الإجراء قد يقود إلى "منزلق خطير" ضد المسلمين في المملكة المتحدة؟
في تعليقه على الدعم الذي أبداه نواب الحكومة والمعارضة لهذا الإجراء على حد سواء خلال تلك المناقشة، قال محمد رباني، مدير منظمة كيغ إنترناشيونال، التي تدافع عن المجتمعات الإسلامية المتضررة من سياسات مكافحة الإرهاب: "لقد أظهرت الأحزاب السياسية في جميع المجالات أنها لا يمكن الوثوق بها لحماية الحريات الأساسية".
وقالت الشيال إن حظر الجماعة هو أمر "سياسي" بطبيعته، وأشارت إلى أن سياق حرب غزة لعب دوراً مهماً في مساعدة الحكومة على تصنيف حزب التحرير كمنظمةٍ إرهابية.
وقالت الشيال: "إن الحظر أداةٌ سياسية للغاية، ويمكن أن يخبرنا في كثير من الأحيان عن اتجاه الحكومة وموقفها السياسي أكثر مما يخبرنا عن التهديد المفترض الذي تشكله أي جماعة أو فرد".
وأضافت: "ما يفعله حظر حزب التحرير هو إشارة إلى المجتمع المدني البريطاني المسلم، بأن تقليص معايير نشاطهم السياسي المسموح به، وخاصة معارضتهم للاتجاه السائد في السفر السياسي، مستمر بلا هوادة".
وتابعت: "إن مفهوم حزب التحرير هو أن العالم الإسلامي يجب أن يتحد من خلال الخلافة. لقد صورت صناعة مكافحة التطرف منذ فترة طويلة المفاهيم الإسلامية- مثل الخلافة والأمة والجهاد- باعتبارها مصطلحات تحقيرية وتجريمية".
ويشارك حامد أيضاً هذه المخاوف من أن الحظر قد يؤدي إلى "منحدر زلق" لجماعات المجتمع المدني الإسلامية الأخرى، التي تواجه قيوداً مماثلة. وقال: "قد يفتح ذلك الباب أمام حظر المنظمات الإسلامية وجماعات حقوق الإنسان التي تدافع عن القضية الفلسطينية، بحجة منع الإرهاب ومعاداة السامية".