لم يكُن موقف جنوب أفريقيا بقطع العلاقات مع إسرائيل واتهامها بتنفيذ إبادة الجماعية بغزة في محكمة العدل الدولية سوى فصل جديد من تاريخ التضامن بين شعبي جنوب أفريقيا وفلسطين، في مقابل علاقة مريبة تربط دولة الاحتلال بنظام الفصل العنصري الذي كان يحكم هذا البلد الأفريقي، وهي علاقة لا ينساها مواطنو جنوب أفريقيا.
تاريخ العلاقة بين جنوب أفريقيا وفلسطين وإسرائيل مركب ومرتبط بشكل كبير، بتطورات القضيتين الفلسطينية والجنوب أفريقية والتشابه الذي لا يمكن إنكاره بين نضال الشعبين والطابع الاستعماري العنصري لإسرائيل ونظام الفصل العنصري المقبور في جنوب أفريقيا.
بداية ملتبسة في العلاقة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل
في بداية نشأة النظام العنصري، كان الحزب الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا لهم ميول معادية للسامية ويوصف بعضهم بأنهم متعاطفون مع النازية، ولكن هذا لم يمنع من اعتراف جنوب أفريقيا بإسرائيل.
كان مثال إسرائيل، كدولة بيضاء حديثة قادرة على الصمود عسكرياً أمام محيط رافض لها ينتمي للعالم الثالث، مثار إعجاب في نظر كثير من العنصريين البيض في جنوب أفريقيا، حسبما يقول الأكاديمي الأمريكي بيل فراوند.
وكان اتحاد جنوب أفريقيا من بين الدول الثلاث والثلاثين التي صوتت لصالح قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، والذي أيَّد إنشاء دولة يهودية في فلسطين. في 24 مايو/أيار 1948، بعد تسعة أيام من إعلان ما يعرف بـ"استقلال إسرائيل"، أصبحت حكومة جنوب أفريقيا بقيادة جان سموتس الحكومة الأجنبية السابعة التي تمنح الاعتراف الفعلي بدولة إسرائيل.
بحلول عام 1949، كان هناك 120.000 يهودي يعيشون في جنوب أفريقيا، غالبيتهم الساحقة من الصهاينة، والعديد منهم قدموا خدماتهم إلى إسرائيل. دعم مالي مهم للحركة الصهيونية.
في البداية كانت العلاقة متأرجحة، فقبل عدوان يونيو/حزيران 1967، حرب الأيام الستة، كانت إسرائيل ما زالت محبوبة من قبل اليسار الدولي، حيث كانت تقدمها نفسها كقوة نشأت من مقاومة الاستعمار البريطاني، رغم حقيقة أن البريطانيين هم الذين شجعوا الهجرة اليهودية لفلسطين، وأطلقوا وعد بلفور الشهير الذي وعد بوطن قومي لليهود في فلسطين.
تل أبيب تحاول التقرب من الدول الأفريقية
خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أصبحت إسرائيل منتقداً صريحاً لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، على أمل إقامة علاقات جيدة مع الدول ذات الأغلبية السوداء في أفريقيا.
رفض رئيس وزراء جنوب أفريقيا ومهندس سياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، هندريك فيروارد، تصويت إسرائيل ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة، قائلاً: "إسرائيل ليست متسقة في موقفها الجديد المناهض للفصل العنصري.. العرب عاشوا في فلسطين لمدة ألف عام. وأنا أتفق معهم في ذلك. إسرائيل، مثل جنوب أفريقيا، هي دولة فصل عنصري". كما حافظ خليفته جون فورستر على نفس الرأي.
ولكن بعد احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية واسعة عام 1967 بما فيها بقية أراضي فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وجدت دولة الاحتلال نفسها معزولة عن حلفائها السابقين ومهددة من جديد من قِبَل أعداء قدامى.
أدى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في عام 1967، إلى عزل إسرائيل دبلوماسياً عن الكثير من دول العالم الثالث وأفريقيا السوداء، التي بدأت حركاتها القومية تنظر إلى إسرائيل كدولة استعمارية، وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل موضع إعجاب قطاعات من السكان البيض في جنوب أفريقيا، وخاصة بين القيادة السياسية والعسكرية للبلاد، لدرجة أن افتتاحية في صحيفة Die Burger، الناطقة باسم الحزب الوطني الجنوب أفريقي العنصري الحاكم قالت: "إن إسرائيل وجنوب أفريقيا منخرطتان في صراع من أجل البقاء.. لقد دفعت القوى المناهضة للغرب إسرائيل وجنوب أفريقيا إلى مجتمع المصالح الذي كان من الأفضل استغلاله بدلاً من إنكاره".
معظم الدول الأفريقية قطعت علاقتها مع دولة الاحتلال بعد حرب 1973
وكانت النقطة الفارقة الثانية حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إذ قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل في عام 1973 ودفع هذا الوضع إسرائيل إلى تعميق علاقاتها الدبلوماسية مع جنوب أفريقيا طوال السبعينيات والثمانينيات.
وحتى عام 1986، لم تشارك إسرائيل في معظم العقوبات الدولية المفروضة على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من قبل المجتمع الدولي. ومع ذلك، انضمت تل أبيب في العام التالي إلى العقوبات، وذلك نتيجة للضغوط الأمريكية بشكل أساسي.
علاقات سرية شملت دعم إسرائيل للنظام العنصري في بناء أسلحته النووية
ويروي ساشا بولاكو-سورانسكي الذي أعد كتاباً عن عن العلاقة بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري، القصة الكاملة لكيفية قيام صناعة الأسلحة المزدهرة في إسرائيل باستغلال عزلة جنوب أفريقيا، مما أدى إلى تحالف عسكري خفي نما بشكل أعمق بعد وصول حزب الليكود إلى السلطة في عام 1977، واستمر حتى بعد أن فرضت إسرائيل عقوبات على جنوب أفريقيا في أواخر الثمانينات.
وتوطدت العلاقة في البداية ببطء في أواخر الستينيات ثم بسرعة وبشكل دراماتيكي، مما أدى إلى التوصل إلى اتفاق سري بين رئيس وزراء جنوب أفريقيا بي دبليو بوتا والسياسي الإسرائيلي البارز شمعون بيريز عام 1975، والذي لم يقتصر على التحالف العسكري بين الدولتين فحسب، بل اقترح أيضاً اتفاقا مكثفاً ومنهجياً.
وازدادت أهمية العلاقة بالنسبة لإسرائيل مع انهيار أنظمة حليفة لها مثل نظام الإمبراطور هيلاسيلاسي في إثيوبيا ثم الشاه في إيران، مما شجع الإسرائيليين على البحث عن أصدقاء جدد في أماكن أبعد.
في المقابل أقام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد نضال جنوب أفريقيا صداقات مع دول مناهضة لإسرائيل ومع منظمة التحرير الفلسطينية نفسها.
في عام 1976، كانت نقطة تحول في المقاومة ضد الفصل العنصري، حيث قُتل، وفقاً لبعض التقديرات، 800 شخص معظمهم من الشباب عندما سعى نظام الفصل العنصري إلى قمع انتفاضة سويتو في 16 يونيو/حزيران من العام ذاته، دُعي رئيس وزراء الفصل العنصري جون فورستر إلى إسرائيل واستقبل بترحاب مفتوح من قبل إسحق رابين وشمعون بيريز.
وصلت العلاقة بين نظام جنوب أفريقيا العنصري وإسرائيل إلى إقامة ترتيبات مكثفة ومعقدة شملت الجيش والاستخبارات والقوات البحرية والجوية وعمليات تخطيط مشتركة، على الرغم من النفي المتكرر من قبل مؤيدي إسرائيل.
كانت أكثر المجالات أهمية وسرية في التعاون بين النظامين هي مجال الأسلحة النووية عندما ساعد الخبراء الإسرائيليون جنوب أفريقيا على تطوير ستة رؤوس حربية نووية على الأقل.
وقيل إن إسرائيل أجرت اختبارات لقنابلها النووية في جنوب أفريقيا، مقابل ذلك على ما يبدو.
في ظل الحظر الدولي على تصدير الأسلحة على النظام العنصري الذي كان يحكم جنوب إفريقيا، طور جيش النظام العنصري خلال الثمانينات طائراته الفرنسية ميراج 3 إلى نسخة تعرف باسم "شيتا" من خلال دمج برنامجه مع تكنولوجيا من برنامج الطائرة Kfir الإسرائيلية الصنع، والتي كانت مطورة من الطائرة الفرنسية ميراج 5.
سكان جنوب أفريقيا أصبحوا يدركون أنهم يُقتَلون بأسلحة إسرائيلية
وبالإضافة إلى التعاطف مع نضال الفلسطينيين، أدرك سكان جنوب أفريقيا أيضاً أن إسرائيل تلعب دوراً في قمعهم. على سبيل المثال، كانت إسرائيل مورداً مهماً للأسلحة إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، على الرغم من حظر الأسلحة الدولي، وبحلول عام 1980، كانت 35% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية متجهة إلى جنوب أفريقيا. كانت إسرائيل وفية للدولة العنصرية وتمسكت بالصداقة عندما انهارت جميع علاقات جنوب أفريقيا الأخرى تقريباً خلال السبعينيات.
وفي الثمانينيات، عندما أجبرت الحركة العالمية المناهضة للفصل العنصري دولها على فرض عقوبات على نظام الفصل العنصري، استوردت إسرائيل بضائع جنوب أفريقيا وأعادت تصديرها إلى العالم كشكل من أشكال التضامن بين النظامين العنصريين.
العلاقة بين شعبي جنوب أفريقيا وفلسطين.. من الصداقة للتحالف وتبادل الأسلحة
في المقابل، أعرب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد نضال شعب جنوب أفريقيا ضد العنصرية عن تضامنه مع القضية الفلسطينية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كما فعلت العديد من الدول الأفريقية، حيث كانت غالبية دول القارة مستعمرات أوروبية حتى أوائل الستينيات.
وعملت منظمة التحرير الفلسطينية مع عدد من الحركات الثورية الأفريقية، حيث دعمت المنظمة والمؤتمر الوطني الأفريقي بعضهما بعضاً بحماس عندما شرعوا في النضال ضد الاستعمار، وتبادلوا الأسلحة وتكتيكات المقاومة.
فمنذ أواخر الستينيات، أقام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي علاقات قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية. وبحلول الثمانينيات، تطورت هذه العلاقات إلى تحالف استراتيجي وعملياتي بين الحركتين.
وطوال سنوات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كان هناك أفراد وجماعات في جنوب أفريقيا يتضامنون مع الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية.
وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية رمزاً للمقاومة بالنسبة لمعظم مواطني جنوب أفريقيا السود. ولقد اتفق أبناء جنوب أفريقيا الذين يناضلون ضد سياسات وحقائق الفصل العنصري مع هندريك فيروارد (الذي يعتبر مهندس الفصل العنصري في جنوب أفريقيا) عندما قال إن "إسرائيل، مثل جنوب أفريقيا، دولة فصل عنصري".
اعتقال الطلاب بجنوب أفريقيا بعد احتجاجهم على مذبحة صابرا وشاتيلا
في عام 1982 بعد مذبحة صبرا وشاتيلا عندما تم اعتقال طلاب جنوب أفريقيا الذين كانوا يحتجون على المذبحة حتى في الجامعات التي كان يفترض أنها "ليبرالية بيضاء". وشاركت أجهزة الدولة والجامعات وكذلك مجموعات الضغط الصهيونية مثل اتحاد الطلاب اليهود في جنوب أفريقيا (SAUJS) في قمع هذه المظاهرات.
ومن الأحداث الهامة التي ميزت الصداقة الطويلة الأمد بين جنوب أفريقيا وفلسطين لقاء ياسر عرفات مع نيلسون مانديلا في زامبيا، بعد أسبوعين من إطلاق سراحه من السجن في عام 1990.
بعد إطلاق سراحه، ارتدى مانديلا الكوفية الفلسطينية – في العديد من المناسبات، ووصف عرفات بأنه رفيق نضال في وقت كان مصنفاً بأنه إرهابي من قبل الولايات المتحدة.
مانديلا يرتدي الكوفية الفلسطينية ويصف عرفات بالأيقونة ورفيق النضال
واحتضن عرفات مانديلا وقبله عندما رآه، مما أكد بقوة التضامن بين جنوب أفريقيا وفلسطين ونضالهما من أجل التحرر في مواجهة الفصل العنصري.
وبعد سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1994، ظلت العلاقات بين جنوب أفريقيا في ظل التحرر من العنصرية وإسرائيل ودية في عهد مانديلا، ولكنها سجلت تدهوراً حاداً منذ ذلك الحين، مع ميل موقف جنوب أفريقيا لصالح الفلسطينيين، وهو ما يرجعه مراقبون جزئياً إلى التحالف التاريخي بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظمة التحرير الفلسطينية.
والتقى مانديلا وعرفات عدة مرات بعد إطلاق سراح الأول وأصبح رئيساً لجنوب أفريقيا، وفي عام 1997، وصف مانديلا عرفات بأنه "أيقونة".
وأضاف: "نعلم جيداً أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين".
جنوب أفريقيا تقود التوجه بوصف إسرائيل بنظام الفصل العنصري
ورغم إقامة جنوب أفريقيا لعلاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل، ولكنها كانت من أوليات الدول التي وصفت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالفصل العنصري.
وفي المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية الذي انعقد عام 2001 في دوربان بجنوب أفريقيا، أعلن أكثر من 10 آلاف شخص عن إطلاق "الحركة الثانية المناهضة للفصل العنصري". وأقر المشاركون في المؤتمر بأن "المعاناة في الضفة الغربية وقطاع غزة هي استمرار لاستعمار فلسطين كلها".
في حين تم تشكيل لجنة التضامن مع فلسطين في جنوب أفريقيا قبل عام 2001، لكن هذا العام هو الذي شهد تحول العمل التضامني مع فلسطين في جنوب أفريقيا على العديد من المستويات.
يقول نعيم جينا، الباحث في الشأن الأفريقي الشرق أوسطي نعيم جينا: "لقد اكتشف الجنوب أفريقيون فقط كم كان الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل الصهيونية متشابهين حقاً".
وعندما شارك الفلسطينيون في مجلس الشعوب التي لا تملك أرضاً، وانضموا إلى احتجاجات الداليت "طبقة المنبوذين في الهند"، وهتفوا مع الجنوب أفريقيين للرئيس الكوبي فيدل كاسترو، عزز ذلك أعمال التضامن مع فلسطين في جنوب أفريقيا.
وشهد عاما 2001-2002 انتشاراً لمجموعات التضامن مع فلسطين في كل مدينة رئيسية في جنوب أفريقيا تقريباً والعديد من البلدات.
وحدثت صدفة مؤثرة وهي أن المناضلة الفلسطينية اليسارية ليلى خالد، البطلة في نظر العديد من مواطني جنوب أفريقيا كانت في البلاد أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006؛ حيث ظهرت في العديد من البرامج الكبرى داعمة لحركة مقاطعة إسرائيل، وأجرت مقابلات مع مجموعة واسعة من صحف جنوب أفريقيا.
وكان من الأمور التي حفَّزت الدعم الشعبي لفلسطين في جنوب أفريقيا رفض المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية، وعلى وجه التحديد، رفض الولايات المتحدة مساواة الصهيونية بالعنصرية أو وضع فلسطين على جدول أعمال المؤتمر. علاوة على ذلك، أصبحت جنوب أفريقيا مركزاً أكبر للمنظمات الفلسطينية العلمانية، وبدأ عدد قليل من يهود جنوب أفريقيا المناهضين للصهيونية في التحدث علناً ضد إسرائيل.
وبدأ يُنظر إلى التضامن على أساس حقوق الإنسان والتحرر الوطني وليس باعتباره قضية "إسلامية". وبدأ العاملون في قضايا العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية الأخرى بمناقشة فلسطين ضمن سياقاتهم.
وفي عام 2022، قالت ناليدي باندور، وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا: "إن الرواية الفلسطينية تستحضر تجارب تاريخ جنوب أفريقيا الخاص بالفصل العنصري والقمع".
بعد وفاة مانديلا في عام 2013، واصلت عائلته – بما في ذلك حفيده ماندلا مانديلا، إرث جنوب أفريقيا تعبيراً عن التضامن الفلسطيني.
وقال في تجمع حاشد في أكتوبر/تشرين الأول، احتجاجاً على الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة: "لقد وقفنا مع الفلسطينيين وسنواصل الوقوف مع إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين".
في الاحتفال الذي أقيم في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لوفاة نيلسون مانديلا، انضم وفد من حماس بقيادة باسم نعيم، أحد كبار المسؤولين بالحركة، إلى حفيد مانديلا، ماندلا، في مسيرة عبر شوارع العاصمة بريتوريا، ووضعوا إكليلاً من الزهور مع لينديوي زولو، وزيرة التنمية الاجتماعية عند ـ تمثال ماديبا (كما يعرف مانديلا).
في السنوات الأخيرة، اكتسب توصيف الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين على أنه يشكل نظام فصل عنصري زخماً كبيراً ودخل بشكل متزايد في الاتجاه الحقوقي والعلمي السائد، حيث قامت العديد من الأعمال الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم بتوثيق انتهاك إسرائيل لما يعتبره القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية واليوم، هناك قدر كبير من الأبحاث والتحليلات تدعم هذه التهمة وتدعمها.
في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية الأخرى، فإن حكومتي جنوب أفريقيا وناميبيا – بقيادة ضحايا سابقين للفصل العنصري – تتبنى إطار الفصل العنصري لوصف ما يحدث في فلسطين وإسرائيل وتطالب برد دولي عليه.
وقد ألقى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دعمه وراء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي حركة تهدف إلى تكرار حملة المقاطعة الشهيرة المناهضة للفصل العنصري.
ويتهم المسؤولون في جنوب أفريقيا إسرائيل باستمرار بممارسة الفصل العنصري. وصوّت برلمان البلاد مؤخراً على خفض مستوى علاقات البلاد مع إسرائيل رسمياً من سفارة إلى مكتب اتصال.
إن استياء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تجاه إسرائيل لتعاونها مع حكم الأقلية البيضاء خلال السبعينيات والثمانينيات، إلى جانب نظرته للفلسطينيين على أنهم يعانون من اضطهاد يشبه الفصل العنصري، قد أصبح يشكِّل وجهة نظر الحزب بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
موقف لافت من طوفان الأقصى وحماس
وأدانت جنوب أفريقيا عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس ضد إسرائيل، ولكن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم أصدر بيانه الخاص الذي أعطى دعماً أكثر جرأة لحماس، حيث دافع المتحدث الرسمي باسم الحزب، ماهلينجي بينجو موتسيري، عن عملية حماس، مستحضراً التضامن الدائم بين المؤتمر الوطني الأفريقي والقضية الفلسطينية.
وقال: "لم يعد من الممكن الجدال حول أن تاريخ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا هو واقع فلسطين المحتلة.. إن قرار الفلسطينيين بالرد على وحشية نظام الفصل العنصري الاستيطاني الإسرائيلي ليس مفاجئاً".
وقد أيَّد حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية لعموم أفريقيا، (وهو حزب يساري أكثر ثوريةً تم تشكيله بعد الانفصال عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي)، استخدام حماس للقوة العسكرية، وقارن هذا الحزب الذي يعد الثالث في البرلمان، عملية حماس بالنضال ضد الفصل العنصري، وألقى المتحدث باسم الحزب اللوم بشكل مباشر على إسرائيل.
وفي السنوات الأخيرة، مع تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، نقل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دعمه نحو حماس، حسبما ورد في تقرير لموقع the conversation الأسترالي.
وتساهم الدائرة الانتخابية الإسلامية في جنوب أفريقيا، والعديد من أعضائها من مؤيدي ونشطاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، بشكل أكبر في موقف الحزب المؤيد للفلسطينيين.
كما تعكس وجهات النظر المتنوعة للأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا بشأن إسرائيل/فلسطين ولاءاتها الدولية المتميزة.
فبسبب تقديره للمساعدة التي قدمها الاتحاد السوفييتي والصين في كفاح شعب جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، والدور الغربي في دعم الفصل العنصري، أصبح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحركات الأكثر ثورية يميلون إلى الوقوف إلى جانب الجهات الفاعلة التي تتحدى الولايات المتحدة على المسرح العالمي.
وكانت هذه السياسة واضحة بشكل خاص في موقف جنوب أفريقيا المتعاطف مع روسيا في أزمة أوكرانيا.
وكما كانت الحال مع الحرب في أوكرانيا، فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم والعناصر الأكثر حماساً بجنوب أفريقيا في العداء ضد الإمبريالية الغربية يدعمون بشكل لا لبس فيه الفلسطينيين ــ حلفاءهم القدامى. وهم ينظرون إلى حماس على أنها تمثل القضية الفلسطينية، ويعتبرون إسرائيل دولة فصل عنصري.