كانت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية واحدة من أكثر قطاعات اقتصاد دولة الاحتلال تضرراً من عملية طوفان الأقصى، واليوم مع استمرار الحرب على غزة لأكثر من 90 يوماً، فإن هذه الشركات ما زالت تدفع أكبر فاتورة، وسط تساؤلات حول مستقبل هذا القطاع الذي كان يقود الاقتصاد الإسرائيلي.
وتقلق التداعيات الاقتصادية للحرب وطريقة إدارة الحكومة لها كثيراً من الخبراء الإسرائيليين، وفي قلب من هذه الأزمة تعاني شركات التكنولوجيا الإسرائيلية التي تعد تل أبيب معقلها بشكل خاص.
إنه يوم القيامة
في الساعة السابعة إلا الربع صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تحدث جاك بيجيو، مؤسس شركة التكنولوجيا UBQ Materials، إلى مدير العمليات لديه، الذي قال إن مقاتلي حماس كانوا في الكيبوتز الذي يعيش فيه. وأرسل موظفون آخرون رسائل نصية يفيدون فيها بأنهم يختبئون في غرفٍ آمنة، وقالت إحداهم إن زوجها أُصيبَ برصاصة في بطنه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
وقال بيجيو: "كان الأمر أشبه بيوم القيامة".
وأدى الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل إلى إجبار شركة UBQ Materials على إغلاق مصنعها، الذي يقع على بعد 20 ميلاً من حدود غزة، وتسبب الهجوم في حالة صدمة للعاملين لدى الشركة. قُتِلَ اثنان من الموظفين وفقد الكثيرون منازلهم ونُقِلوا على بُعد 100 ميل.
وتأسست الشركة في العام 2012، وتستخدم التكنولوجيا التي تحول القمامة المنزلية إلى بديل بلاستيكي يُستَخدَم في صنع الطاولات والكراسي وصواني ماكدونالدز وقطع غيار السيارات لشركة مرسيدس بنز الألمانية. وتمكنت الشركة من البدء بالعمل في غضون ثلاثة أسابيع، لكن العديد من الشركات الأخرى تواجه مشكلاتٍ مستمرة في العمليات والتمويل.
السياحة الإسرائيلية أصيبت في مقتل
وقتلت إسرائيل نحو 23 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الصحة في غزة، التي لا تفرق بين وفيات المدنيين والمقاتلين. وفر أكثر من مليون من أهالي غزة من شمال القطاع إلى جنوبه. ويعاني القطاع من دمارٍ واسع النطاق، بالإضافة إلى تفشي الجوع، وانقطاع شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، وضعف الرعاية الصحية بعد أن تعرض الكثير من المستشفيات لأضرار بالغة.
في المقابل، أضرت الحرب أيضاً بالاقتصاد الإسرائيلي بطرقٍ غالباً ما تكون أقل وضوحاً للعالم؛ حيث وصلت السياحة الإسرائيلية إلى طريق مسدود فعلياً، وقفز الإنفاق الحكومي إلى أرقامٍ كبيرة، وهزت الضربة التي تلقتها شركات التكنولوجيا الثقة في هذا القطاع الذي كان محرِّكاً رئيسياً للاقتصاد الإسرائيلي.
وأدى استدعاء 350 ألف جندي احتياطي بالجيش إلى تعطيل العمليات في العديد من الشركات. وعُلِّقَت الكثير من طلبات العملاء أو أُلغِيَت على الفور، وكان المستثمرون يشعرون بالتردد، وفقاً لمسح أجرته هيئة الابتكار الإسرائيلية، وهي وكالة تمولها الحكومة، ومعهد سياسات الأمة الناشئة.
شركات التكنولوجيا الإسرائيلية توفر ما يقرب من نصف إجمالي الصادرات
وقالت هيئة الابتكار إن قطاع التكنولوجيا في إسرائيل نما بسرعة على مدى العقد الماضي، ويمثل ما يقرب من نصف إجمالي الصادرات وخمس الناتج الاقتصادي.
ونتيجة لذلك، قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الحرب ستتسبب في "تباطؤ مؤقت ولكن واضح" في الاقتصاد الإسرائيلي. وكان نموه قد بلغ نحو 3% قبل هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومن المتوقع الآن أن يتباطأ إلى 1.5% هذا العام. ويؤثر على الاقتصاد أيضاً نقص العمالة، وانخفاض ثقة المستهلكين والشركات، وارتفاع التضخم.
الاستثمار الأجنبي مصدر قلق إضافي بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي
وقال جوناثان كاتز، الخبير الاقتصادي السابق بوزارة المالية الإسرائيلية، إن مصدر القلق الآخر هو الاستثمار الأجنبي، الذي كان ضعيفاً بالفعل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ بسبب الارتياب الناجم عن النزاع بين حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة والمحكمة العليا الإسرائيلية أو ما يعرف بأزمة التعديلات القضائية.
وقال كاتز: "السؤال الآن هو ما إذا كان الأجانب سيظلون يرغبون في الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية، أو ما إذا كانوا يفضلون استثمار أموالهم في مكان آمن وهادئ، مثل أيرلندا".
تداعيات الحرب ستكون طويلة الأمد
ولتحفيز الاقتصاد المتعثر، خفض بنك إسرائيل أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، إلى 4.5% الأسبوع الماضي. وكان هذا أول خفض لأسعار الفائدة منذ بداية جائحة كوفيد، وقال محافظ البنك المركزي، أمير يارون، إنه من المتوقع إجراء تخفيضات إضافية.
وقال يارون إن الاقتصاد يتأقلم بالفعل مع ظروف الحرب ويُظهِر علامات الانتعاش، لكن تداعيات الحرب التي طال أمدها ستكون كبيرة.
وشدَّد بشكلٍ خاص على أهمية الاستقرار والحاجة إلى كبح جماح الإنفاق الحكومي المتزايد، والذي يتوقع البنك المركزي أن يساهم في زيادة الدين العام وارتفاع العجز.
وأضاف: "من الواضح لنا جميعاً أن حالة الارتياب الحالية مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالوضع الأمني وكيف ستتطور الحرب".
الحكومة الإسرائيلية تثبت سعر الشيكل وتزيد عدد العمالة الأجنبية
واتخذت إسرائيل عدة خطوات للحد من حالة الارتياب هذه، بما في ذلك تثبيت سعر الشيكل الإسرائيلي.
وتخطط الحكومة لزيادة عدد العمال الأجانب المسموح لهم بدخول البلاد إلى 70 ألفاً بدلاً من 50 ألفاً، لمعالجة النقص المفاجئ في العمالة؛ إذ فر العمال إلى الخارج ومُنِعَ أكثر من 100 ألف فلسطيني من الضفة الغربية من العمل في إسرائيل.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ جيش الاحتلال أيضاً في سحب عدة آلاف من جنوده من قطاع غزة على الأقل مؤقتاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا النشر واسع النطاق لجنود الاحتياط (الذي يتسبب بنقص العمالة خاصة في قطاع التكنولوجيا).
ومع ذلك، أصدر يارون تحذيراً شديد اللهجة، في الأول من يناير/كانون الثاني، لنتنياهو بشأن الأولويات المالية في وقت يجب فيه توجيه المزيد من الإنفاق إلى الدفاع والأمن والاحتياجات المحلية الملحة؛ مثل جعل المجتمعات القريبة من حدود غزة ولبنان صالحة للسكن بعد الحرب.
وقال يارون: "إن عدم التحرك الآن لتعديل الميزانية من خلال تخفيض النفقات، وإلغاء الوزارات الزائدة عن الحاجة وزيادة الإيرادات في ضوء احتياجات الحرب، من المرجح أن يكلف الاقتصاد الكثير في المستقبل".
قطاع البناء يتباطأ في ظل خوض إسرائيل واحدة من أطول حروبها
إن الحرب في غزة، وهي واحدة من أطول الحروب التي شنتها إسرائيل على الإطلاق، يتردد صداها بالفعل في مختلف أنحاء اقتصاد دولة الاحتلال.
وتباطأ قطاع البناء، الذي يمثل 14% من الاقتصاد الإسرائيلي، بسبب نقص العمالة. ورغم مشاركة المتطوعين، فإن رحيل العمال الأجانب وفقدان العمالة الفلسطينية يعني أن الفواكه والخضروات تُرِكَت لتتعفَّن على الأشجار وفي الحقول.
والواردات تأثرت بهجمات الحوثيين البحرية
بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في بعض الواردات لأن الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن أدت إلى تعطيل النقل عبر مضيق باب المندب. وقال مسؤولون حكوميون إن السياحة تراجعت على الفور في 8 أكتوبر/تشرين الأول، بينما كانت تتعافى بعد جائحة كوفيد.
وقال تومر بنت، الذي يدير متجر كنوز الملك داود، وهو متجر يهودي يقع في شارع بن يهودا الشهير في القدس، والذي يعج عادة بالناس الذين يتناولون البيتزا والفلافل أو يتناولون القهوة في المقاهي على الرصيف: "لا يوجد شيء –لا سياح إسرائيليين، لا سياح غير إسرائيليين، لا حفلات زفاف، لا احتفالات بالحناء قبل حفلات الزفاف، لا نزهات عائلية. لا أحد يحتفل بشيء".
وقال بنت: "لكن الأمور سوف تتحسن"، وأشار نحو السماء وهو يقول: "نحن نؤمن بالله".
"إنتل" تتعهد بالمُضي قُدماً في استثمار بقيمة 25 مليار دولار
وتمتلك هيئة الابتكار الإسرائيلية 100 مليون دولار من الأموال الحكومية لدعم شركات التكنولوجيا، وخاصة الشركات الناشئة التي فقدت التمويل. وتشجَّع قطاع التكنولوجيا بإعلان الشهر الماضي بأن شركة "إنتل" الأمريكية العملاقة لأشباه الموصِّلات ستمضي قُدُماً في استثمار مخطط له بقيمة 25 مليار دولار لتوسيع مصنع للرقائق في جنوب إسرائيل، بعد حصولها على منحة بقيمة 3.2 مليار دولار من الحكومة.
وقال درور بن، المدير العام لهيئة الابتكار: "يدرك جميع رواد الأعمال لدينا أنه بغض النظر عن مدى دعم عملائنا في الخارج لنا وتعاطفهم معنا، إذا لم نتمكن من الوفاء بالتزاماتنا، فعليهم المضي قُدُماً".
وبعد وقت قصير من اندلاع الحرب، دشَّنت الهيئة حملةً ترويجية جديدة لتعزيز الثقة في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، رغم الحرب، وكان شعارها: "التكنولوجيا الإسرائيلية تتقدَّم بصرف النظر عن أي شيء".